"خيمة أسنان أطفال غزة".. مبادرة تجمع بين الإنسانية والإبداع
في خضم المآسي التي يعيشها قطاع غزة تحت وطأة الحصار والعدوان، تظهر مبادرات إنسانية تسعى إلى ترميم ما أفسدته الحرب.
من بين هذه المبادرات، تبرز "خيمة أسنان أطفال غزة"، التي أطلقها طبيب الأسنان عدي الكتري لتقديم العلاج للأطفال النازحين في المخيمات.
المبادرة، التي بدأت بإمكانات بسيطة وسيارة مقصوفة، أصبحت اليوم متنفسًا للأطفال، تجمع بين العلاج والدعم النفسي، في محاولة لمنحهم لحظات من الراحة وسط معاناة مستمرة.
يروي الدكتور عدي الكتري قصته الشخصية المؤثرة، لشبكة رايــة الإعلامية حيث تزوج قبل يوم واحد من اندلاع الحرب على غزة.
يقول الكتري :"في صباحية زواجي بدأت الحرب، ونزحت مع أسرتي بعد يومين فقط بسبب قرب بيتنا من الحدود. خلال فترة النزوح، أدركت الحاجة الملحّة لعلاج أسنان الأطفال الذين يعانون وسط القصف والرعب، خاصة مع غياب دور المؤسسات الحكومية في هذا المجال."
ويضيف: "بدأت أجمع بعض الأدوات الأساسية من عيادات الأسنان القريبة، وأعالج الأطفال النازحين في المخيمات، حيث كان الألم مضاعفًا بالنسبة لهم نتيجة ظروفهم النفسية والصحية."
من سيارة مقصوفة إلى خيمة متنقلة
مع استمرار الحاجة المتزايدة، قرر الدكتور الكتري تحويل فكرته إلى مبادرة أكبر، باستخدام الموارد المتاحة. يقول:
"صممت كرسي علاج الأسنان من سيارة مقصوفة، وقمت بتعديل أنبوب غاز ليعمل كجهاز ضغط لتشغيل معدات الأسنان. أطلقنا خيمة متنقلة لعلاج الأطفال، وبدأنا بجولات على المخيمات."
ورغم التحديات الكبيرة، تمكن الفريق خلال سبعة أشهر من علاج حوالي 1600 طفل، وتقديم خدمات تتراوح بين خلع الأسنان، حشوات ضوئية، وعلاج العصب الجزئي.
ولم يكن دور المبادرة مقتصرًا على تقديم العلاج الطبي فقط، بل امتد ليشمل الدعم النفسي للأطفال الذين عانوا من صدمات الحرب.
ويوضح الكتري أن "الأطفال في غزة فقدوا جزءًا كبيرًا من طفولتهم بسبب القصف والخوف. خلال جلسات العلاج، كنا نحرص على خلق أجواء مرحة باستخدام الألعاب، الأغاني، والأنشطة الترفيهية. بعض الأطفال كانوا يرفضون فتح أفواههم من شدة الخوف، وكنا نقضي وقتًا طويلًا فقط لتهدئتهم قبل بدء العلاج."
ويضيف: "أتذكر طفلة فقدت عائلتها بالكامل تحت الأنقاض، ونجت بعد ثلاثة أيام. كانت تخاف من الجميع، ولكن مع الوقت تمكنّا من كسب ثقتها وتقديم العلاج لها. مثل هذه اللحظات تجعلنا ندرك أهمية ما نقوم به."
وكشف الدكتور الكتري أن نسبة تسوّس الأسنان بين الأطفال النازحين في المخيمات أصبحت مرتفعة جدًا بسبب غياب الغذاء الصحي، واعتمادهم على الأغذية المدعمة كالزبدة والبسكويت الموزع من قبل المؤسسات الإغاثية. وأضاف أن الأطفال بحاجة إلى بيئة آمنة تعيد إليهم الإحساس بطفولتهم المفقودة.
واختتم الدكتور عدي حديثه برسالة مؤثرة: "أطفال غزة مثل كل أطفال العالم، يستحقون أن يعيشوا بسلام، أن يحلموا ويطمحوا في بيئة آمنة. رسالتنا للعالم أن شعب غزة لا يعرف المستحيل، ونبني من الصفر لنستمر في الحياة."