مواطن يوري تفاصيل مروّعة حول ظروف الاعتقال بسجون الاحتلال
روى المواطن صلاح عليوة تفاصيل مروّعة عن الحياة القاسية داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، إذ عانى من شدة البرد والجوع والعطش والعديد من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان.
وفيما يلي رواية عليوة كما نشرها عبر صفحته في "فيسبوك":
كنت عاريا تماما إلا من قطعة من ملابسي الداخلية، جاثيا على ركبتيّ على مجموعة من الحصى، خائفا من كل ما يحدث، متمنيا الشهادة بديلَ الأسر، لكنّ الله أفرغ على قلبي طمأنينة، فظللت أتمم بصوت مهموس "ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين" مرارا ومرارا، وأستغفر ما شاء الله لي أن أفعل، ومن ثم تذكرت فضل الصلاة على النبي، فرحت أصلي عليه دون وعي أو تردد. أرتعش بردا وألما، وأفكر فيما حفظت من أذكارٍ عن ظهر قلب.
كان برد رام الله في أواخر ديسمبر قارصا كما لم أر في حياتي قط، خُيّل إليَّ أنني سأموت بردا، تذكرت قوله سبحانه {قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ} فرحت أدعو الله أن يجعله سلاماً وأمناً.
ودعونا الله كما في سورة قريش؛ اللهمّ أطعمنا من جوع، وآمنّا من خوف، وزدنا على ذلك "ودفيينا"
في الخامس والعشرين من ديسمبر، استجاب الله لنا هذه الدعوة كاملة، فأرسل إلينا من خلال عدوه، (جاكيتات) شتوية تقي عظامنا بردَ رام الله، ثم أعطى السجان كل واحدٍ منا صحنا بلاستيكيا وملعقة، قد كانت يومها بشرى، سيأتوننا بشيء آخر خلاف اللبن والليخم!
بكينا جميعا، فرحا بما رزقنا الله، وحبا له أن استجاب سبحانه!
وظل حالنا كما هو، يرزقنا الله من غير حولٍ منا ولا قوة، بالدعاء، والتوكل عليه سبحانه حقّ التوكل.
استجاب الله لنا كل ما دعوناه، حتى أنني صرت اسأل نفسي وأبي أدهم: "ربنا استجاب كل دعواتنا، ضايل بس يستجيب دعاء الفرج ويطلعنا من هنا" وكان دائما يخبرني أنه سيفعل، "بدها شوية صبر بس."
كنتُ أنام متوسطا علاء -أبو أدهم- ود. علي -أبو الحسن- أسمعُ علاء يصلي على نبينا محمد، ويتمتم أذكار ما قبل النوم، ويدعو الله أن يبشره في منامه. وأسمع أبا الحسن يدعو كثيرا، وكان قبل دعائه يقسم على الله فيقول "أقسم عليك يا رب .."
حتى سألته في يوم -بينما كنا جالسين أرضا نذكر الله-عن ذلك، شعرت بأنني لا أستطيع أن أقسم على الله كما يفعل.
فأخبرني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ أشعثَ أغبَرَ مدفوعٍ بالأبواب، لو أقسَمَ على الله لَأَبَرَّه.) - رواه مسلم.
وبدأت أفعل صنيعه، لكنّي بعد فترة من الزمن وجدتُ نفسي أكرر ذلك عادة، ولأنني ظننت أنه قد طال انتظاري استجابةَ الفرج، تسلل اليأس بضع مرات فصرت أدعوه سبحانه دون استحضار جميع قلبي.
وفي صباح يوم الأحد، الرابع والعشرين من مارس من هذا العام، نودي على مجموعةٍ منا، ظننا أنهم قد منّ الله عليهم فأخرجهم من السجن. ومن المتعارف عليه أن النقل لسجونَ أخرى أو الإفراج، عادةً ما يحدث يومي الأحد والخميس، فرحت أدعوَ الله كثيرا، أن يخرجني يوم الخميس من نفس الأسبوع.
جاء اليوم المنتظر، وكلنا نترقب ما قد يحدث، مرّت ساعات النهار دون نقل أو تغيير، تناولنا إفطارنا، صلينا قيام رمضان، جاء السجان بالفراش وجاء موعد النوم. مرّ الخميس دون اعتبارٍ لآمالنا، ولم يُنادى على أحد!
أخذت غطائي، وافترشت مكاني، ورحت أفكر أنني سأنتظر يومين آخرين، حيث أن يومي الجمعة والسبت إجازةً كما لاحظنا، لا تأتي وحدة (النخشون/النقل) خلالهم.
شعرت بخيبة كبيرة، وضعت رأسي تحت البطانية، ورحت أبكي حسرةً وظلماً. وأدعو ما شاء الله لي أن أدعو. تذكرت كلاما لابنة عمي حيث حدثتنا عن اليقين في الدعاء، وكيف ندعو الله يقينا بالإجابة، وليس ثرثرة فحسب. وتذكرت أبا الحسن، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. أمسيت بعد ذلك دون إدراكٍ مني، أقسم على الله أنني لن أبات ليلتي هذه في عوفر.
أقسمت على الله سبحانه، وأنزل عليّ منه أَمَنةً وسكينة، فنمت دقائقَ معدودة، ظننتها ساعات طوال. استيقظت على منادٍ من السجانين ينادي "صلاح عليوة، وينك ي حيوان" ظننت أنه حلما ما، حتى أدركتني يدُ أبي أحمد تهزني، "اسمع شكله حد بنادي عليك من القفص!"
قمت فزعا لا أصدق، نظرت في عيني أبي أحمد وأخبرته "شكلي مروّح" سلمت عليه وأنا في ارتباكٍ وحيرة.
أخرجني السجان وكان اسمه سالم، وراح يهدد ويتوعد "ماخدينك ع التحقيق، حنعمل ونسوي فيك" وأنا أعلم أنه يكذب. لقد كنت حينها في مكان آخر، أنظر إلى السجانين بدهشةٍ وصمت، وأحدّث نفسي:
"لقد أقسمت على الله، لقد أبرّني الله .. "
أحسن بي ربي فأخرجني في تلك الليلة، لم أنم في عوفر.
"لقد كان اليقينُ حقاً أبلغَ من الظرف!"
اذكروا الله كثيرا، وادعوه يقينا، لا تقنطوا من رحمته وفضله، فقد جعل سبحانه من أيامٍ معدودات نفحةً لي، قربني منه فيها، ولعلي ذكرتُ الله -بتوفيقه وفضله- في تلكم الأيام أكثر ما ذكرته عمرا قبل ذلك بأكمله!
سبحانك، لقد جعلت سجني خلوة، فاجعل موتي من بعد طول عمرٍ وحسن عمل؛ شهادة!
{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَءِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ}