الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 5:09 AM
الظهر 11:38 AM
العصر 2:22 PM
المغرب 4:47 PM
العشاء 6:07 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

تحقيق محلي: أطفال غزة في معقل الإبادة..أحوال كارثية وأقصى أمانيهم عناق من الأم

إستعرض تحقيق جديد لمؤسسة الدراسات الفلسطينية الطفولة المسفوحة في ظل الحرب الإسرائيلية المتوحشّة فيقول إن أطفال غزة يمرون بإحدى أسوأ المآسي الإنسانية التي شهدها العالم الحديث، إذ يتحول كل يوم إلى معركة جديدة للبقاء على قيد الحياة وسط الدمار والخوف وانهيار كل مقومات الحياة. ويشدد على أنه منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر 2023، تكشفت أبعاد مأساوية دفعت الأطفال، الذين يشكلون النسبة الأكبر من السكان، إلى الواجهة كأبرز المتضررين من هذا الواقع الكارثي. ويقول التحقيق إن تصفُح مواقع التواصل الاجتماعي وحده يكشف حجم المأساة؛ إذ ترى مشاهد مؤلمة لأطفال يقفون في طوابير طويلة للحصول على رغيف خبز، أو يحملون غالونات ماء ثقيلة تكاد تُسقطهم أرضاً، وآخرين يفترشون الأرض تحت الخيام البالية، ينتظرون بصبر انتهاء الحرب التي سرقت طفولتهم. ويضيف “هذه المشاهد ليست استثناء، إنما هي واقع يومي يعيشه آلاف الأطفال في غزة. وفي هذا الصدد، نذكر الطفل أحمد السماني (13 عاماً)، الذي يجلس عند باب خيمته منتظراً نُضج بعض المزروعات الورقية التي زرعها في جوار خيمته ليبيعها في السوق. ويقول أحمد بصوت يملؤه الحزن: “زرعت البقدونس والجرجير لأبيعه في السوق.أريد أن أشتري لعائلتي بعض المنظفات والطعام. بعد نزوحنا من شمال القطاع، أصبحت أنا المسؤول عن والدتي وأخواتي. أحاول أن أؤمن حاجاتهم بعد غياب والدي”. وأحمد هو أحد آلاف الأطفال الذين أُجبروا على تحمُل مسؤوليات تفوق أعمارهم، فبدلاً من أن يعيش طفولة طبيعية مليئة باللعب والتعلم، فقد وجد نفسه يحمل عبء أسرة كاملة وسط النزوح والبؤس”.

وتوضح معدة التحقيق رزان الحاج أن حلم التعليم في غزة، بات بعيد المنال عن معظم الأطفال نتيجة العدوان؛ فقد استهدفت الغارات الإسرائيلية البنية التحتية التعليمية بصورة واسعة، إذ دُمرت 132 مدرسة وجامعة بالكامل، وتضرّرت 348 مؤسسة تعليمية جزئياً. منبهة إلى أن هذه الأرقام التي أعلنها المكتب الإعلامي الحكومي تكشف حجم الدمار الذي طال قطاع التعليم.
وتتابع “لقد حُرم مئات الآلاف من الأطفال حقَّهم الأساسي في التعلم، وأصبح الذهاب إلى المدرسة رفاهاً لا يمكن تحقيقه في ظل النزوح الجماعي واستمرار القصف. وبالنسبة إلى الأطفال، فإن المدرسة تمثّل أكثر من مجرد مكان للتعلم؛ فهي مساحة للأمان والاستقرار النفسي. وفي هذا الصدد، تحلم الطفلة سارة أبو الخير (10 أعوام) بالعودة إلى مدرستها في شمال القطاع، وتقول: “أريد أن أعود إلى أصدقائي ومدرستي. أشتاق إلى حصة الرسم وإلى اللعب في الفِناء”. لكن واقع سارة اليوم لا يحمل لها إلاّ مزيداً من الألم، إذ تتكّدس مع عائلتها في خيمة صغيرة بلا أمل قريب في العودة إلى الحياة الطبيعية”.

وطبقا للتحقيق لا تقلّ الأوضاع الصحية في خيام النزوح سوءاً عن الأوضاع المعيشية الأُخرى؛ فالبيئة الملوثة، ونقص المياه النظيفة، وعدم توفر الخدمات الصحية، كلها أمور ساهمت في انتشار الأوبئة بين النازحين، وخصوصاً الأطفال. ويقول الدكتور حسن الحاج، طبيب الأطفال في نقطة طبية تابعة للهلال الأحمر: “تُعتبر البيئة الحالية بيئة خصبة لانتشار الأمراض، فنحن نشهد حالات متزايدة من الجَرَب، وقمل الرأس، والإسهال الحاد، إلى جانب أمراض الجهاز التنفسي نتيجة التكدس وسوء التغذية. ويعاني الأطفال النازحون أيضاً جرّاء نقص التطعيمات الضرورية، ويضيف الدكتور حسن: “عودة أمراض كالجدري والكبد الوبائي تشكّل خطراً كبيراً على حياة الأطفال في ظل عدم توفُر اللقاحات والعلاجات اللازمة، وهذه الأمراض كان قد تم القضاء عليها في السابق، لكنها عادت الآن لتصبح تهديداً جديداً بفعل الأوضاع الحالية. بالإضافة إلى ذلك، يُجبَر العديد من الأطفال على القيام بأعمال شاقة لمساعدة أُسَرِهِم، كحمل أكياس الطحين، أو نقل الماء إلى مسافات طويلة. وهذه الأعمال تترك آثاراً جسدية ونفسية خطِرة في الأطفال الذين يُفترض بطفولتهم أن تكون مليئة بالألعاب والفرح، لا الأعباء والمسؤوليات.

ويوضح التحقيق أنه بينما يكافح الأطفال الأكبر سناً للبقاء على قيد الحياة، يواجه الأطفال حديثو الولادة في غزة خطر الموت من اللحظة الأولى لولادتهم؛ فالوضع الصحي الكارثي في المستشفيات التي تعاني جرّاء نقص الأدوية والتجهيزات الطبية يجعل من المستحيل تقديم الرعاية اللازمة إلى هؤلاء الرضّع.
كما تعاني الأمهات الحوامل بدورهن جرّاء سوء التغذية والجفاف نتيجة نقص الغذاء والمياه النظيفة. وهذه الأوضاع تؤدي إلى ولادات محفوفة بالمخاطر، وغالباً ما يولد الأطفال بوزن ناقص أو يعانون جرّاء مشكلات صحية حادة.

في مقابلة أُجريت مع الطفل محمد محسن (12 عاماً)، الذي اضطُر إلى النزوح مع أشقائه الثلاثة من دون والديه، بكى محمد طويلاً وهو يتحدث عن شوقه إلى والديه، ثم قال: “أريد حضن أمي، حاولت أربع مرات العودة إلى شمال القطاع، لكن في كل مرة كان الجنود يطلقون الرصاص في اتجاهي، فأعود إلى خيمتي ودموعي في عينَي لأنني لم أستطع تجاوُز هذا الحاجز الذي يفصلني عن أهلي”. ويقول شقيقه الأكبر: “لقد أثر هذا في صحته النفسية، فأصبح يعاني جرّاء قلق دائم وعصبية متزايدة، بينما تحول يومه إلى صراع مستمر مع قسوة الحياة التي فُرضت عليه قبل أوانه”. وهناك أطفال كثيرون حكاياتهم تشبه حكاية محمد، فإنهم في غزة يعانون جرّاء تداعيات نفسية عميقة تترك أثراً طويل الأمد في حياتهم. وقد جعلت مشاهد القتل والدمار، وفقدان الأحباء، والعيش في أجواء مليئة بالخوف والقلق، آلاف الأطفال في حاجة ماسة إلى تدخلات نفسية متخصصة.

وضمن هذا التحقيق تعكس الأرقام التي نشرها المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة المتعلقة بعدد الأطفال الشهداء مأساة إنسانية؛ فمنذ بدء العدوان، قتل الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 17581 طفلاً، بينهم 837 طفلاً لم يكملوا عامهم الأول. هؤلاء الأطفال ليسوا مجرد أرقام، بل أيضاً هم قصص لأرواح صغيرة انتهت حياتها قبل أن تبدأ، وذكريات لأُسَر فقدت أعز ما تملك. وبالإضافة إلى ذلك، فإن 35060 طفلاً يعيشون من دون أحد والديهم أو من دونهما كليهما، وهو ما يضاعف معاناتهم النفسية والاجتماعية، ويتركهم في حالة من الوحدة والحرمان.

ويؤكد تقرير مؤسسة الدراسات الفلسطينية أنه أمام هذه الكارثة الإنسانية، تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية وإنسانية للتدخل الفوري لوقف العدوان وتقديم المساعدات العاجلة إلى أطفال غزة، وتشمل هذه المساعدات توفير الإمدادات الطبية والغذائية، وإطلاق برامج دعم نفسي لإعادة تأهيل الأطفال، والعمل على إعادة بناء البنية التحتية التي تضررت. وفي ظل استمرار العدوان، يصبح الصمت الدولي شريكاً في تعميق معاناة الأطفال الذين يدفعون الثمن الأكبر لهذه الحرب. إن أطفال غزة يعيشون اليوم معركة يومية من أجل البقاء في ظل أوضاع لا تُطاق، وهذه الأرواح الصغيرة التي تتشبث بالحياة على الرغم من كل ما تواجهه تستحق أن تكون في قلب الاهتمام الإنساني والدولي. ويقول إن تقديم الدعم إليهم ليس خياراً، إنما هو واجب أخلاقي وإنساني ويجب أن تكون معاناتهم بمثابة جرس إنذار يذكّر العالم بأن الإنسانية لا تزال في خطر، وأن حماية الطفولة في غزة ليست مجرد مسؤولية أخلاقية، بل أيضاً ضرورة لضمان مستقبل مشرق لأجيال قادمة في هذا العالم.

المصدر:القدس العربي

Loading...