لوفيغارو: هل تتجه إسرائيل وأمريكا نحو إنهاء الحرب في الشرق الأوسط؟
قال الكاتب في صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، رينو جيرار، إنه في البيت الأبيض، بدأت فرضية العمل العسكري ضد إيران بالتنسيق مع إسرائيل، تشق طريقها، وذلك بهدف إجبار ايران على التخلي عن الأسلحة النووية.
وأشار الكاتب إلى المكالمة الهاتفية التي جرت في 15 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، والرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، حول المسارات الجديدة المتاحة لمنطقة الشرق الأوسط بعد سقوط النظام البعثي في دمشق.
وقال جيرار إن المحور الشيعي، الذي كان يربط بلاد فارس بالبحر الأبيض المتوسط عبر سوريا تحت حكم بشار الأسد، تحطم بالفعل.
يشعر ترامب الذي يمتلك غريزة في العلاقات الدولية أكثر من المعرفة الكتابية، أن نتنياهو يميل إلى تعزيز مصلحته. ويرى الأمريكيون أن إسرائيل تفكر الآن في مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية بشكل مباشر، بعد أن نجحت في قطع رأس وكلائها في المشرق، حماس وحزب الله.
وأوضح جيرار أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد له عندما استقبله في مكتبه بالقدس بتاريخ 13 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أن الدولة العبرية لن تقبل في يوم من الأيام أن يزود الإيرانيون أنفسهم بأسلحة نووية، لأن ذلك من شأنه أن يمثل خطرا وجوديا بالنسبة له.
ومضى الكاتب قائلا إن المذبحة التي ارتكبتها حماس في 7 أكتوبر 2023 في إسرائيل، تسببت في صدمة ليس لدى الأوروبيين فكرة عنها حقا. وكانت هذه في الواقع المرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي يقتل فيها اليهود بصفتهم يهودا، ولم يكن هناك أحد للدفاع عنهم، وفق مزاعم جيرار.
وبدلا من الخوض في مسؤوليات حكومته عن الفشل الأمني الذي حدث في 7 أكتوبر 2023، شن نتنياهو هجوماً مضاداً كبيراً على المدى القصير، ولكن أيضاً على المدى المتوسط، ضد أعداء إسرائيل، من أجل القضاء عليهم. شن حرباً بلا رحمة، أولاً في غزة ضد حماس، ثم في لبنان ضد حزب الله، دون أن يأخذ في الاعتبار عواطف أو حتى سخط الرأي العام الدولي أمام حجم الدمار والضحايا المدنيين.
في هذا الموضوع، هناك حالياً اتفاق مطلق بين نتنياهو وترامب: فكلاهما يرفض حتى فرضية إيران النووية. ويخشى ترامب أن تمتلك إيران قنبلة ذرية خلال فترة ولايته الرئاسية الثانية (يناير/ كانون الثاني 2025 – يناير/ كانون الثاني 2029). وبعبارة ملطفة، فإن الرئيس السابع والأربعين المستقبلي للولايات المتحدة، ليس رجلاً يتمتع بغرور أقل من اللازم. وهو يتطلع الآن إلى نحت تمثاله للمستقبل. قبل كل شيء، فهو لا يريد أن يتذكره الناس باعتباره خاسرا، يقول الكاتب.
لقد سمح باراك أوباما في أيلول/ سبتمبر 2013، للسوريين في عهد بشار الأسد بالدوس على الخطوط الحمراء التي رسمها بنفسه، وبالتالي بعث برسالة ضعف عالمية لم يفشل الروس في استغلالها بعد ستة أشهر في شبه جزيرة القرم، وفق رينو جيرار.
واعتبر الكاتب أن ترامب لن يرسل أبداً رسالة ضعف. ومن المؤكد أنه عكس المحافظين الجدد، وليس من الصقور، ويفضل السلام على الديمقراطية المفروضة بقوة السلاح. لكن إحجامه عن الحرب والعمليات الخارجية لا يرقى إلى مستوى الضعف. فهو (ترامب) يفضل الصفقات على الحرب، ولكنه لن يسمح لنفسه بأن يخيفه المحور الحالي المؤلف من الدكتاتوريات الأربع، إيران وروسيا وكوريا الشمالية والصين، يقول جيرار.
فعندما يتعلق الأمر بالدبلوماسية، فإن ترامب ملتزم بشكل أساسي بالمبدأ القديم المتمثل في عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول الأخرى. إنه ضد التدخل الأمريكي وحملات المحافظين الجدد لتغيير الأنظمة، لكنه أيضا ضد التدخل الروسي في أوكرانيا وسوريا، وضد تدخل إيران في جيرانها العرب، وضد تدخل بكين في بحر الصين الجنوبي، يوضح الكاتب.
وفي حاشية الرئيس الأمريكي المنتخب، يتساءل الناس ما إذا كانت الدبلوماسية التقليدية مقترنة بالضغوط الاقتصادية المتنامية ستكون كافية لإجبار إيران على التخلي عن الأسلحة النووية، أو ما إذا كان على أمريكا أن تفكر في العمل العسكري، بالتنسيق مع صديقتها إسرائيل.
وقد ذهب ستيف ويتكوف، قطب العقارات الذي اختاره ترامب مبعوثا خاصا له إلى الشرق الأوسط، ليناقش مع قادة الأنظمة النفطية المتحالفة مع الولايات المتحدة، حول مدى صوابية توجيه ضربات ضد المواقع النووية الإيرانية. ومن دون الرغبة في استبعاد هذا الخيار الأخير، أوصى العرب الأمريكيين بالبحث أولاً عن خيارات أخرى، وفق جيرار.
ومن الواضح أن هناك “الصفقة الكبرى”، المتمثلة في المفاوضات العامة حول كافة المواضيع، كما أراد الزعماء الإيرانيون الإصلاحيون في عام 2005، والتي وجدت الباب مغلقاً أمام إدارة المحافظين الجدد للرئيس جورج دبليو بوش. وقد تم اختبار هذا الخيار من قبل إيلون ماسك، أقرب أصدقاء ترامب السياسيين، عندما ذهب رئيس شركة تيسلا لزيارة السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة في نيويورك سراً، يقول الكاتب.
وفي مواجهة تخلي طهران عن القنبلة النووية ومحور “المقاومة”، ستكون الإدارة الأمريكية المستقبلية مستعدة للنظر في الرفع التدريجي للعقوبات، الأمر الذي من شأنه أن يسمح لايران بأن تصبح مرة أخرى القوة التجارية الكبرى التي كانت عليها من قبل.
لذلك، نحن في فترة خاصة جدا، لقد وصلنا إلى ما يسميه الأنغلوسكسونيون “نقطة التحول”، وفق جيرار، مضيفا أنه يمكن بسرعة كبيرة، إما التحرك نحو حرب بين الغرب وإيران، أو التوصل إلى صفقة كبيرة، ومفاوضات كبيرة تؤدي إلى السلام.
وفي إيران، هل سيتفوق الواقعيون على الأيديولوجيين؟ فهل ستمسك طهران باليد التي يمدها الغرب إليها، وغالبا بطريقة غير منظمة وخفية؟ وهل يفهم نتنياهو أنه أصبح من الملحّ بالنسبة له أن يحول انتصاراته العسكرية إلى إنجازات سياسية؟ وهل يفهم أن الحرب الدائمة تشكل في الأمد البعيد خطراً وجودياً على إسرائيل، لأنها تجازف ذات يوم بالتسبب في رحيل النخب الإسرائيلية المرتبطة بمجتمع ليبرالي، حيث تعيش في سلام مع جيرانها؟ يتساءل رينو جيرار.
كما تساءل الكاتب هل سيسمح ترامب لنفسه بالانجرار إلى صراع أم أنه سيكون قادرا، اعتبارا من 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، بطاقته الهائلة، على فرض ديناميكية السلام والمصالحة على خصومه في الشرق الأوسط وكذلك أصدقائه الإسرائيليين؟
لقد فاز أوباما بجائزة نوبل للسلام لأسباب خاطئة. فهل من الجنون أن نحلم بأن ترامب سيحصل عليها ذات يوم للأسباب الصحيحة؟ يتساءل جيرار.