المؤتمر السنوي الخامس حول العدالة بين الجنسين من منظور المواطنة والدين
تحت رعاية سيادة المطران د. سني إبراهيم عازر، نظم مكتب العدالة بين الجنسين في الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة المؤتمر السنوي الخامس حول العدالة بين الجنسين من منظور المواطنة والدين وذلك يوم الأربعاء ٤ كانون الأول ٢٠٢٤ بمشاركة شخصيات بارزة من مختلف المجالات.
يأتي المؤتمر هذا العام وسط ظروف صعبة تواجه المجتمع الفلسطيني، حيث تم تسليط الضوء بشكل خاص على أوضاع النساء والفتيات في غزة في ظل الإبادة الجماعية المستمرة، بالإضافة إلى دور المؤسسات الدينية والمجتمعية والمؤسسات الرسمية في ظل الأوضاع السياسية والإنسانية الراهنة، وطرح رؤى لتعزيز المساواة بين الجنسين. جاء المؤتمر هذا العام كتتويج لجهود مستمرة ومتراكمة على مدار خمس سنوات، حيث حافظت الكنيسة الإنجيلية اللوثرية على نهجها الساعي لتحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين، حتى في أصعب الظروف التي تمر بها فلسطين. ركز المؤتمر على قضايا تمس الحقوق الأساسية المرتبطة بالحق في الحياة، الأمن المائي والغذائي، وتقديم حلول ومعالجات تتوافق مع التحديات الراهنة. كما تمكن من استقطاب كافة الشركاء ذوي العلاقة للجلوس على طاولة واحدة، بهدف التفكير المشترك في حلول عملية وفعالة.
افتتح المؤتمر سيادة المطران د. سني إبراهيم عازر، مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، بكلمة أكد فيها على أهمية استمرار هذا المؤتمر السنوي لتعزيز العدالة بين بني البشر. وأشار سيادة المطران إلى الأدوار الريادية للنساء في الكتاب المقدس، مؤكدًا على أن العدالة بين الجنسين ليست مطلبًا اجتماعيًا فحسب، بل هي أيضًا دعوة إلهية لنشر الكرامة والمساواة. كما سلط سيادة المطران الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى ما يتعرض له الفلسطينيون من قتل وتهجير وتدمير، داعيًا إلى بناء مجتمع قائم على المحبة والعدالة.
وألقت معالي وزيرة شؤون المرأة، السيدة منى الخليلي، كلمة حول الأثر العميق للعدوان الإسرائيلي على النساء والفتيات الفلسطينيات بحيث أكدت معالي الوزيرة أن الحرب طالت جميع جوانب حياة النساء، من العنف الجسدي والنفسي إلى التهجير القسري وتدمير الممتلكات. كما دعت إلى العمل على استعادة الهوية الوطنية الفلسطينية وتعزيز الحوار بين الأديان كوسيلة لدعم قضايا العدالة.
من جهته، ألقى سيادة المطران مار يعقوب أفرام سمعان، النائب البطريركي للسريان الكاثوليك في القدس والأراضي المقدسة والأردن، كلمة تناول فيها التعاليم المسيحية المتعلقة بالعدالة والمساواة بين الجنسين. وشدد على أن الكتاب المقدس يكرس المساواة في الكرامة والقيمة بين الرجل والمرأة، موضحًا أن الكنيسة تعمل على مواكبة التطورات الحديثة لتحقيق مجتمع أكثر إنصافًا وعدالة.
وأعرب السيد سيمون ريدلي، مدير برنامج سواسية المشترك، عن التزام الأمم المتحدة بدعم قضايا العدالة بين الجنسين في فلسطين بحيث يركز برنامج سواسية على تعزيز سيادة القانون وضمان وصول الفئات المهمشة، خاصة النساء والفتيات، إلى العدالة. كما أشار السيد ريدلي إلى جهودهم في دعم المحاكم الشرعية في فلسطين لتقديم خدمات قانونية أساسية رغم الظروف الصعبة. وأعلن السيد ريدلي عن خططهم لتعميق التعاون مع المحاكم الكنسية ابتداءً من العام المقبل بحيث سيشمل الدعم تعزيز التدريب القانوني للقضاة الكنسيين، وتقديم المساعدات القانونية، وتطوير تقنيات العدالة الإلكترونية، بما في ذلك نظام "ميزان" لأرشفة القضايا. وتهدف هذه الجهود إلى تحسين كفاءة النظام القضائي وضمان العدالة لجميع الفئات، خاصة النساء.
تلاها عرض للجلسة الأولى التي قدمت فيها القاضية صمود ضميري والقاضية سكارلت بشارة بحثًا بعنوان "نساء وفتيات غزة في ظل الحرب"، بحيث تناول البحث الوضع الحقوقي المأساوي للنساء في غزة من بداية الحرب 7/10/2023 إلى 15/8/2024 بحيث سلط البحث الضوء على التأثيرات النفسية، انعدام الأمن الغذائي والمائي، تدهور الصحة والأمومة، النزوح القسري، والانتهاكات الجنسية التي تعرضت لها النساء والفتيات.
وتناولت الجلسة الثانية الأدوار المحورية للقادة الدينيين والمجتمعيين والمؤسسات الرسمية في ظل الحرب على غزة. بحيث أوضح القس د. منذر إسحق، قس في الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة، الدور الرعوي للكنيسة في تقديم الدعم الروحي والنفسي والمادي للمجتمع، مؤكدًا أهمية الإغاثة والعمل على مواجهة الظلم بالحق، والتواصل مع الكنائس العالمية لحشد الدعم لقضية الشعب الفلسطيني. وأشار إلى أن السلام الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال العدالة والمساواة، داعيًا إلى مناصرة الضحايا ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب.
ومن جهتها، سلطت الضوء السيدة هيثم عرار، أمينة سر الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، على معاناة النساء الفلسطينيات، خاصة فيما يتعلق بالإبادة الجماعية والإخفاء القسري والتجويع. وأكدت على دور الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في تنسيق الجهود الإغاثية وتوفير الخدمات الأساسية، مثل الماء النظيف و"حقيبة الكرامة"، التي تشمل مستلزمات النظافة الشخصية للنساء. كما دعت إلى تحرك دولي وتأسيس "محكمة ضمير دولية" لمحاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني، ولا سيما النساء والفتيات. تهدف المحكمة إلى توثيق الانتهاكات الجسيمة مثل الإخفاء القسري والتعذيب، ومساءلة مرتكبي جرائم الحرب، وفضح تقصير المؤسسات الدولية في حماية الفلسطينيين. وأوضحت أن المبادرة تأتي بالتعاون مع الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي، لتكون منصة لنقل الرواية الفلسطينية للعالم وتعزيز الضغط الدولي لتحقيق العدالة ودعم الضحايا.
ومن جانبه، ناقش السيد احمد الزبن، مدير عام الإدارة العامة للأحوال المدنية، أزمة فقدان الوثائق القانونية أثناء الحرب وتأثيرها على حقوق النساء والأطفال، وأكد على جهود الإدارة العامة للأحوال المدنية لتقديم حلول عملية تسهل حياة النازحين وضمان تسجيل المواليد والوفيات في ظل غياب النظام القانوني. وأوضح أن الإدارة العامة للأحوال المدنية رغم الصعوبات الكبيرة ما زالت قادرة على متابعة الأمور الأساسية. وأوضح أن التحديات تتعلق خاصة بتسجيل المواليد والوفيات، حيث يؤدي تدمير المباني والبنية التحتية إلى فقدان السجلات وتعقيد عملية التوثيق. كما أكد على أهمية التحقق من البيانات عبر التعاون مع وزارة الصحة لتجنب الأخطاء، مثل تسجيل شخص متوفى وهو لا يزال على قيد الحياة.
وتناولت القاضية هالة منصور، قاضية في محكمة الاستئناف الفلسطينية وقاضي الأحداث وكممثلة عن مجلس القضاء الأعلى، عن التداعيات الاجتماعية للحرب، حيث أشارت إلى الزيادة الملحوظة في تسول الأطفال وارتفاع معدلات الجرائم بين الأحداث نتيجة الأوضاع الصعبة. وأوضحت أن مجلس القضاء الأعلى اتخذ تدابير مهمة خلال فترة الحرب، أبرزها تقريب خدمات القضاء من مواقع عامة لتسهيل الوصول إلى العدالة في ظل الظروف الطارئة.
ومن جهته، قدم أ. بدر زماعرة، المدير التنفيذي لمنتدى شارك الشبابي، شهادات ميدانية مؤثرة عن آثار الحرب على المجتمع. أشار إلى أن لديهم 1200 متطوع يعملون على تقديم خدمات الدعم المجتمعي، مؤكدًا أن الظروف المروعة للحرب تضع ضغطًا كبيرًا على الجميع. كما تطرق إلى حملة "شارك شعبك"، التي انطلقت عام 2008 واستمرت لتشهد موجات متتالية من الحروب في الأعوام 2009، 2010، 2012، 2014، 2017، 2019، 2020، وأخيرًا حرب 2023/2024. وصف الحملة بأنها شاهدة حية على آلاف الحالات المروعة التي واجهها الشعب الفلسطيني، مؤكدًا أهمية مواصلة العمل الإغاثي والدعم النفسي رغم التحديات.
واختُتم المؤتمر بكلمات من السيدة رنان عيسى، مديرة مكتب العدالة بين الجنسين، وصلاة وبركة ختامية من القسيسة سالي عازر، أول قسيسة في الكنيسة الإنجيلية اللوثرية. وأدارت المؤتمر الآنسة شادن نصار.
أثبت المؤتمر أن العدالة والمساواة بين الجنسين ليست مجرد شعارات، بل مسار مستمر وواقعي لمواجهة الأزمات. هذا العام، جاء المؤتمر ليوائم مفاهيم العدالة مع الظروف القاسية التي تمر بها فلسطين، مع طرح سيناريوهات واقعية واستراتيجيات استباقية لتخفيف الأضرار. أكد المؤتمر على أهمية الاستمرار في بناء شراكات قوية مع جميع الأطراف ذات العلاقة، والعمل بطريقة مهنية وواضحة لتحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين في فلسطين. نجحت الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في تعزيز جهودها عامًا بعد عام، متجاوزة التحديات، وموفرة منصة تجمع بين الدين، المجتمع، والمؤسسات للعمل نحو مستقبل أفضل للجميع.
نعبر عن امتناننا الشديد لجميع القيادات الدينية والمسؤولين الحكوميين والقضاة وأعضاء المجتمع الذين اجتمعوا لمناقشة كيفية العمل نحو تحقيق عالم أكثر عدالة ومساواة في فلسطين وخارجها.