في لوفيغارو: بعد 13 شهراً من العدوان على غزة.. جنود احتياط يشككون في شرعية الأوامر الصادرة عن قياداتهم
قالت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن إسرائيل تواجه تهماً متزايدة سبب حربها على غزة، مُشيرة إلى تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية الأخير الذي خلص إلى أن “التهجير القسري للسكان المدنيين في غزة من قبل جيش الاحتلال يشكل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وتطهيرا عرقيا”.
أيضا، في كلمته أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يوم الثلاثاء، قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، إن الظروف في قطاع غزة “غير صالحة لبقاء الإنسان على قيد الحياة”.
وما يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير جيشه السابق يوآف غالانت مهددين بالخضوع لمذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب “جرائم حرب”. ومن خلال المزيد من القنوات السياسية، أصبح استنكار “الإبادة الجماعية” أمرا شائعا.
وأضافت الصحيفة الفرنسية القول إنه حتى الآن، داخل “الفقاعة الإسرائيلية” لم يحرك هذا الطوفان من الاتهامات غالبية الإسرائيليين. فهم مقتنعون بأنهم يشنون حرباً وجودية في قطاع غزة، وأيضاً في لبنان وضد إيران. فالانتقادات القادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة تعزز الشعور السائد بينهم بأن الديمقراطيات الغربية، التي أعمتها سذاجتها، والنعاس في رفاهيتها، لا تفهم البيئة التي تجد إسرائيل نفسها فيها مضطرة إلى النضال من أجل البقاء.
لكن في الوقت نفسه، يرتفع جدل في البلاد -توضح “لوفيغارو”- وهو جدل إسرائيلي نموذجي بامتياز، بمعنى أنه يدور حول مسألة شرعية الأوامر العسكرية، كما حددها القضاة الإسرائيليون في أعقاب واحدة من المآسي التي لا تعد ولا تحصى والتي ميزت تاريخ البلاد. ففي عام 1956، في كفر قاسم، على مسافة ليست بعيدة عن تل أبيب، قُتل 49 مدنيا فلسطينيا على يد جنود الاحتلال، وفقا لأمر اعتبره القضاء الإسرائيلي لاحقا غير قانوني. وقد أدى هذا القرار إلى نشوء سوابق قضائية تنص على وجوب انتهاك هذا الأمر “الذي يرفع فوقه علم أسود”.
هل تلقى جنود الاحتلال الذين يقاتلون في قطاع غزة أوامر غير قانونية؟ هذا ما يراه يوفال غرين، الجندي الاحتياطي من وحدة المظليين، الذي تمت تعبئة مباشرة بعد هجوم السابع من أكتوبر. وقد خدم لمدة خمسين يوما في قطاع غزة، عندما كان القتال هناك على أشدّه. وفي يناير/ كانون الثاني، أعلن عن رفضه الخدمة، معتقداً أن الأوامر الصادرة إليه غير قانونية، تتابع “لوفيغارو”.
ويقول: “لقد قاتلت إلى جانب جنود في قطاع غزة، أطلقوا العنان لغضبهم، مسببين دماراً على مستوى يصعب تفسيره. لقد غادرت لأنني لم أرغب في تدمير المنازل عندما لا يكون ذلك مبررا”، مؤكدا أن قياداته سمحوا لأنفسهم بـ”التصرف المفرط” على الأرض.
ومع نحو 160 جندياً احتياطياً آخرين، وقّع يوفال للتو على رسالة أعلنوا فيها جميعا أنهم رفضوا الخدمة بسبب عدم التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين الـ101 الذين ما زالوا في غزة.
ووقّع على هذه الرسالة أيضاً ضابط المراقبة في وحدة المشاة ميخائيل عوفر زيف. وقد خدم شهرين ونصفا في قطاع غزة قبل اتخاذ هذا القرار. ويقول: “ما يحدث هناك أمر سيئ بالنسبة للفلسطينيين و للاسرى، وأيضا بالنسبة لنا نحن الإسرائيليين”.
ويُدين زيف الحرب التي “تفسد الإسرائيليين أخلاقيا”، وتجبرهم على ممارسة “الجمباز الأخلاقي”، الذي يقول إنه مستحيل، مضيفا: “لقد أصبحنا بلا إحساس تجاه موت ومعاناة الفلسطينيين. نحن نجردهم من إنسانيتهم”.
ومضت “لوفيغارو” موضّحة أن الظاهرة التي تسمى “الرفض الرمادي” في إسرائيل آخذة في النمو. ويتعلق الأمر بجنود الاحتياط الذين لم يعودوا يردّون على المكالمات. وبحسب جيش الاحتلال، فإن 85% من جنود الاحتياط يلتزمون الآن بأوامر التعبئة، بينما كانت النسبة في بداية الحرب 100%.
وبعد نحو 14 شهرا من القتال، سئم هؤلاء الرجال والنساء الذين لديهم عمل وعائلة من الفترات الطويلة تحت العلم. وقد يصبح نقص الأسلحة مصدر قلق.
وذكرت صحيفة هآرتس العبرية يوم الخميس، أن جسيش الاحتلال يحقق في 16 قضية حسب الزعم مكن أن تشكل جرائم حرب لكن القليل من جنود الاحتلال يجرؤون على التنديد بما يحدث في الأراضي الفلسطينية.
وما يزال الصحافيون الأجانب ممنوعين من دخول قطاع غزة، تُشير “لوفيغارو”، مضيفة أنه بالنسبة للمراقبين الإسرائيليين، فإن هذا السؤال أصبح ملحاً على نحو متزايد. في هذا الصدد، كتب تومير بيرسيكو، الباحث في معهد شالوم هارتمان بالقدس، في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر بصحيفة هآرتس: “أيها الجنود الإسرائيليون في شمال غزة.. قد تكونون متواطئين في جريمة حرب؟”.
ويوضح قائلاً: “لا أعرف ما إذا كانت الأوامر غير قانونية إذا تم أخذها بشكل مستقل. ولكن إذا نظرت إلى العملية برمتها في شمال قطاع غزة، فمن الواضح أن هناك مشكلة”.
من جانبه، اعتبر أستاذ القانون الدولي في جامعة تل أبيب، إلياف ليبليتش، أنه ليس هناك شك في أن “تهجير السكان المدنيين غير قانوني، ويشمل الجميع من جنود الاحتلال إلى رؤساء الأركان”. وكتب على منصة إكس: “دع الجميع يفكرون ملياً في دورهم بالتاريخ”.
بحسب عيران عتصيون، العضو السابق في ما يسمى بمجلس الأمن القومي، فإن الحكومة الإسرائيلية هي المسؤولة الأولى عن سياسة تهجير السكان الفلسطينيين بهدف الاستيطان، وهي سياسة “لم تحصل على تفويض من الشعب، وتعارضها غالبية الإسرائيليين”، بحسب قوله. وقد عبر عن قلقه إزاء ”وصمة العار التي لا تمحى والتي يمكن أن تتركها هذه السياسة على بلاده”.
ويقول: “إنني أفهم جيداً نظرة هؤلاء المراقبين الأجانب المنزعجين مما يمكن أن تصبح عليه إسرائيل. هذه ليست إسرائيل التي أريدها أيضاً. لكن هذه الحكومة هي المسؤولة عن الاتجاه الذي تسلكه بلادي”.
ويأمل عيران عتصيون أن تؤدي تعبئة المجتمع المدني إلى سقوط حكومة نتنياهو. وبعد ذلك، يريد تشكيل لجنة تحقيق، لأنها الطريقة الوحيدة الموثوقة لضمان حفاظ الجيش على شرفه ومساره، في وسط العاصفة، بحسب تعبيره.