الوضع القانوني للأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل بعد انضمام فلسطين إلى اتفاقية جنيف الثالثة
تنشر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" بحثاً قانونياً بعنوان الوضع القانوني للأسرى الفلسطينيين المحتجزين لدى إسرائيل بعد انضمام فلسطين إلى اتفاقية جنيف الثالثة، من إعداد الباحثين معتز قفيشة من جامعة الخليل بفلسطين وإحسان عادل المدبوح من جامعة الرور في بوخوم بألمانيا، وتهدف الهيئة المستقلة من ترجمة ونشر هذا البحث الذي تم إعداده أولا باللغة الإنجليزية ونشرته جامعة كامبردج ضمن المجلة الآسيوية للقانون الدولي، إلى تعزيز النقاش القانوني حول هذه المسألة وتقديم وجهة نظر بحثية من باحثين مختصين ومعروفين في المجال.
وبين البحث أنه وبعد انضمام فلسطين إلى اتفاقية جنيف الثالثة، أصبح من الواجب معاملة المواطنين الفلسطينيين الذين يشاركون في الأعمال الحربية ويخوضونها ضد السلطة التي تحتل أرضهم معاملة أسرى الحرب كونهم مواطنون في دولة طرف في نزاع مسلح. ويندرج هؤلاء الأسرى ضمن ثلاث فئات: أفراد في القوات العسكرية أو الأمنية الرسمية، ومنتسبون إلى جماعات المقاومة على اختلافها، ومنتفضون يقاتلون السلطة القائمة بالاحتلال من تلقاء أنفسهم وعلى أساس فردي دون تنظيم مسبق.
ويؤكد البحث أنه، وبعد انضمام فلسطين إلى اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة والبروتوكول الأول الملحق بها، لم يعد في وسع إسرائيل أن تأتي بمسوغ قانوني يبرر تقصيرها في تطبيق إحدى الاتفاقيتين أو كلتيهما، حسبما يقتضيه الحال، على الأسرى الفلسطينيين. ويلفت إلى أن ادعاء إسرائيل بأن الأسرى "لا ينتمون لطرف في النزاع" لم يعد له أي معنى بعد أن أصبحت فلسطين طرفا في الاتفاقيات المذكورة.
وينوه البحث إلى أن سياسة إسرائيل المعتمدة من جانب واحد ومعاملتها للأسرى الواقعين في قبضتها لا تستند لأي أساس في القانون الدولي، وهي على خلاف القواعد المستقرة في القانون الدولي الإنساني، وأنها، أي إسرائيل، لا تقيم أي تمييز فيما يتعلق بوضع هذه الفئات الثلاث، فمن وجهة نظرها يشكل جميع الذين يقاومون قوات الاحتلال إما «مجرمين» وإما «إرهابيين» وإما «مقاتلين غير شرعيين». وقد تفضي هذه الإجراءات التي تنفذها إسرائيل إلى تحريك المسؤولية بناءً على القانون الدولي الجنائي. فبما أن فلسطين غدت دولة طرفًا في نظام روما الأساسي، وبالنظر إلى أن المحكمة الجنائية الدولية قررت في العام 2021 أنها تملك الاختصاص الذي يخولها المقاضاة على الجرائم التي تقع في الأراضي الفلسطينية على وجه الخصوص، يمكن توجيه الاتهام للمسؤولين الإسرائيليين الذين لا يتوانون عن حرمان الفلسطينيين من حريتهم (بمن فيهم الساسة والجيش والقادة ومسؤولو السجون، وحتى بعض المدعين والقضاة الإسرائيليين) بارتكاب جرائم أمام المحكمة الجنائية الدولية. فقد يشكل مجرد احتجاز أسرى الحرب بعد انقضاء الأعمال العدائية، وبصرف النظر عن ظروف احتجازهم، أساسًا لقيام المسؤولية الجنائية الدولية.
وأشارت خاتمة البحث إلى أن احتجاز الفلسطينيين الآخرين، ولا سيما الساسة وصناع الرأي، ينتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، كون حرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع وحرية التعبير عن الرأي مكفولة في المعاهدات الأساسية لحقوق الإنسان واتفاقيات جنيف التي تعد كل من فلسطين وإسرائيل طرفان فيها. وبالرغم من أن الاحتجاز الذي يقع على هذه الشاكلة تنتفي الصفة المشروعة عنه، فإنه يبقى على عاتق السلطة المحتجِزة واجب يملي عليها معاملة الأسرى على أساس النصوص الواردة في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، ولا سيما اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، حسب مقتضى الحال.
ويلفت البحث إلى أن الاتفاقية الرابعة مكرسة أساسًا، في جزء منها، لتنظيم احتجاز وسجن المدنيين الذين يرتكبون جرائم عادية في وقت الاحتلال بغية إخضاعهم للمحاكمة أمام المحاكم المحلية في الإقليم الواقع تحت الاحتلال، وهذا ينطبق فقط على من يقترفون جرائم جنائية وليس النشطاء والقادة السياسيين، ويجب احتجاز أي أسير، ممن يقعون في قبضة السلطة القائمة بالاحتلال، إلى المحاكم الفلسطينية أو سجونها من أجل الفصل في قضاياهم أو قضاء محكومياتهم، إن وجدت، داخل المنطقة المحتلة. وينوه البحث إلى أن أسرى الحرب يجب الإفراج عنهم فور انتهاء الأعمال العدائية، كونهم لا يخضعون للمحاكمة بموجب القانون الدولي، لأن قتالهم يعد مشروعا، ما التزموا بقواعد القانون الدولي ذات الصلة.