الإبادة الجماعية في غزة تدخل عامها الثاني والنساء والفتيات أكبر ضحاياها
مؤسسات حقوق الإنسان تطالب بحماية النساء والفتيات في قطاع غزة والمسارعة إلى إغاثتهن
بعد مرور أكثر من عام على جريمة الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي انتهاكاتها وجرائمها ضد المدنيين، لا سيما النساء والأطفال، الذين يمثلون النسبة الأكبر من ضحايا جرائم القتل والقصف. وتستمر تلك القوات في تدمير ما تبقى من مساكن وبنية تحتية، وخاصة المنشآت الصحية والمدارس، ودور العبادة، مصادر الغذاء والمياه.
ويفضي التصعيد المتواصل لجريمة الإبادة الجماعية، ولاسيما الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال في محافظة شمال غزة، والمتمثلة في قصف المنازل ومراكز الإيواء، ومطالبات الاحتلال المستمرة للسكان بإخلاء المحافظة ومن ثم استهدافهم، ومنع دخول المساعدات واتباع سياسة التجويع واستخدامها كسلاح حرب، واستهداف المستشفيات ومحاصرتها، إلى تفاقم معاناة النساء. ويواجه السكان قسوة الحياة، خاصة في أماكن النزوح، التي يتكرر استهدافها وتنعدم فيها أدنى مقومات الحياة من مياه وغذاء ورعاية صحية، ويواجه فيها المدنيون، لا سيما النساء، ظروفاً غير إنسانية تهدد حياتهن.
ويحفل شهر أكتوبر بالمناسبات الدولية المتعلقة بحقوق النساء والفتيات والمسنين، إضافة إلى الفعاليات التي تهدف إلى تحسين حياة الإنسان وحماية حقوقه. يصادف الأول من أكتوبر من كل عام اليوم العالمي للمسنين، و11 أكتوبر اليوم العالمي للفتاة، و15 أكتوبر اليوم العالمي للمرأة الريفية، و26 أكتوبر اليوم الوطني للمرأة الفلسطينية. وسُمي شهر أكتوبر بالوردي لأنه الشهر المخصص للتوعية بسرطان الثدي، والذي يعد من أبرز أسباب الوفاة بين النساء والفتيات. وخلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة، تترك مريضات السرطان لمواجهة الموت مع انعدام الدواء وأبسط مقومات الرعاية الصحية.
تأتي هذه المناسبات في ظل تصاعد جريمة الإبادة الجماعية التي طالت كافة مناحي الحياة، وراح ضحيتها مئات الآلاف من المدنيات والمدنيين ما بين شهداء وجرحى، من بينهم عشرات الآلاف من النساء والفتيات. وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، بلغ عدد الشهداء ممن وصلوا المستشفيات منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى 24 أكتوبر/تشرين الأول 2024 (42,847) شهيداً، من بينهم (11,585) امرأة، بالإضافة إلى (100,544) مصاباً، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن. كما تقدر الجهات الرسمية عدد المفقودين بما يزيد عن (10,000) شخص، نسبة كبيرة منهم من النساء والفتيات.
وكان لاستهداف المنظومة الصحية وتدمير المستشفيات بالغ الأثر على الفلسطينيين والفلسطينيات من سكان قطاع غزة، لا سيما المرضى والنساء وكبار السن، وتفاقمت معاناة النساء، خاصة الحوامل والمرضعات، اللاتي يواجهن مخاطر صحية كبيرة بسبب نقص الغذاء والرعاية الطبية والظروف غير الآمنة في مراكز الإيواء. فوفق وزارة الصحة الفلسطينية، حرم انهيار المنظومة الصحية وعدم قدرتها على القيام بالفحوصات المعتادة والعمليات الجراحية اللازمة الآلاف من المرضى من حقهم في العلاج.
وكانت وزارة الصحة قبل حرب الإبادة الجماعية تكتشف حوالي 500 إصابة جديدة بسرطان الثدي سنوياً، ولكن منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، لم تتمكن الوزارة من إجراء الفحوصات اللازمة للكشف عن سرطان الثدي. وينطبق هذا الأمر أيضاً على مريضات ومرضى الأورام، إذ كانت وزارة الصحة تكتشف حوالي 2,200 حالة إصابة بالأورام بزيادة سنوية 10%، ولكن منذ أكتوبر 2023، لم تتمكن وزارة الصحة من تسجيل أي حالات جديدة نتيجة تدمير المستشفيات، ولا سيما تلك المتخصصة بعلاج الأورام. وهذا يعني أن هناك حالات كثيرة مصابة بالأورام لم يتم اكتشافها أو متابعتها وحالتها الصحية في تدهور دون تلقيها الرعاية الصحية والعلاج المناسب، ومن بين هذه الحالات نسبة كبيرة من النساء والفتيات.
وتواصل قوات الاحتلال فرض حصارها المطبق على قطاع غزة وتمنع حوالي 20,000 مريض ومصاب من حقهم في العلاج بالخارج، 53% منهم من الإناث، ومن بينهم 4,200 سيدة مريضة بالسرطان.[1]
وفاقمت جرائم قوات الاحتلال من معاناة النساء، حيث أجبرن على مواجهة ظروف بالغة القسوة في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء غير المهيأة لتلبية أبسط احتياجاتهن الإنسانية، ويجبرن على القيام بأعمال تتطلب جهداً بدنياً لتوفير المياه والطعام لأسرهن، ومواجهة ندرة الموارد، ورعاية أطفالهن في ظل النقص الحاد في الغذاء والدواء ومواد التنظيف، ولاسيما تلك المتعلقة بالنظافة الشخصية. ولا شك في أن النساء والفتيات هن الأكثر تضرراً نتيجة الانتهاكات المتواصلة، فالآلاف منهن فقدن أزواجهن ويتحملن مسؤولية إعالة أسرهن، ويكابدن للنجاة بأنفسهن وبأطفالهن في ظروف قاسية وسط انتشار الأمراض والأوبئة.
وتزداد هذه الظروف قسوة على الحوامل والمريضات والجريحات والمرضعات وكبيرات السن من النساء، فهذه الفئات هي الأكثر ضعفاً وحاجة للمنظومة الصحية التي تواصل قوات الاحتلال استهدافها وتدميرها. ووفق وزارة الصحة، سُجلت 38,000 حالة ولادة منذ السابع من أكتوبر 2023[2]، جميع هذه الحالات عانت من ظروف حمل وولادة شديدة القسوة في ظل تدهور المنظومة الصحية ونقص الأدوية وظروف الحياة في مخيمات النزوح ونقص الغذاء والرعاية الطبية. أثرت هذه الظروف بشكل واضح على وزن المواليد وعلى حالتهم الصحية بشكل عام، وضاعفت من معاناة الأمهات والمرضعات في ظل عدم توفر الغذاء الكافي والمتوازن للأم والرضيع وانتشار حالات سوء التغذية والأمراض والأوبئة.
كما صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي من عدوانها وجرائمها خلال هجومها البري في محافظة شمال غزة منذ مساء السبت 5 أكتوبر/تشرين الأول 2024، والذي تخلله قصف جوي ومدفعي وعمليات نسف وتدمير وحرق للأحياء السكنية والمنازل، وتواصل ارتكاب المجازر والقتل مع عزل المنطقة وحصارها وفصلها عن باقي قطاع غزة، مما يترك عشرات الآلاف من المدنيين من بينهم الآلاف من النساء والأطفال عرضة للخطر والمعاناة من نقص الغذاء والماء نتيجة الحصار ومنع المساعدات الإنسانية من الوصول إليهم.
تستنكر مؤسسات حقوق الإنسان (المركز الفلسطيني ومؤسسة الحق ومركز الميزان)، بأشد العبارات الانتهاكات والجرائم المتواصلة ضد المدنيات والمدنيين في قطاع غزة، التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين معظمهم من النساء والأطفال، وتجدد دعواتها المتكررة للمجتمع الدولي بضرورة ممارسة ضغط حقيقي على دولة الاحتلال الإسرائيلي من أجل وقف جريمة الإبادة الجماعية، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، ووقف جرائم التهجير القسري، والعمل الفوري على إدخال المساعدات الإنسانية.
وتطالب المؤسسات الثلاث بضرورة التدخل العاجل لإيقاف الجرائم التي ترتكب في محافظة شمال قطاع غزة، وترى أن تمادي قوات الاحتلال في ارتكاب الجرائم هو نتيجة العجز الدولي في الضغط وفرض عقوبات على مرتكبي الجرائم، وتشدد المؤسسات على أن المجتمع الدولي فشل في الوفاء بالتزاماته القانونية في حماية المدنيات والمدنيين، بتحلله التام من مسؤولياته القانونية وتجاهله الكامل لرأي محكمة العدل الدولية القاضي بعدم شرعية احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية وعدم شرعية ما تقوم به من جرائم، وضرورة اتخاذ التدابير الكفيلة بإنهاء الاحتلال، وعدم الاعتراف بنتائج الوقائع التي يفرضها على الأرض.
وتعبر مؤسساتنا عن غضبها اتجاه المجتمع الدولي في ظل تجاهل قوات الاحتلال التام للتدابير الاحترازية التي قررتها محكمة العدل الدولية، في قرارها الصادر بتاريخ 26 يناير/ كانون الثاني 2024، التي تلزم قوات الاحتلال باتخاذ تدابير كافية تضمن عدم ارتكاب جريمة إبادة جماعية. وتحذر مؤسساتنا من خطورة استمرار الوضع الراهن وتداعياته على سكان قطاع غزة وبشكل خاص النساء والأطفال منهم.
تهيب مؤسسات حقوق الإنسان الثلاث بالمجتمع الدولي والمؤسسات النسوية والأممية الدولية بالضغط على قوات الاحتلال من أجل احترام حقوق المدنيين، لاسيما النساء.