إصدار دراسة حول (مدى تأثير الانقسام السياسي والاستقطاب الاجتماعي على قدرة الشباب في التغيير)
صدر للدكتور عمر رحال دراسة حول (مدى تأثير الانقسام السياسي والاستقطاب الاجتماعي على قدرة الشباب في التغيير)، الدراسة أنجزت لصالح المؤسسة الفلسطينية للتمكين والتنمية المحلية (ريفورم) ، وقد ناقشت الدراسة أسباب وتداعيات تلك الانقسامات على حضور الشباب في الشأن العام، وقدرتهم على إحداث عملية التغيير في المجتمع الفلسطيني، قسّمت إلى أربعة فصول، حيث تناول الفصل الأول المقدمة والإطار النظري، أما الفصل الثاني فتناول الانقسامات: الأشكال والأسباب، وقسّم إلى مبحثين، المبحث الأول: أشكال الانقسامات، أما المبحث الثاني: أسباب الانقسامات الاجتماعية والسياسية بين الشباب في المجتمع الفلسطيني. وأما الفصل الثالث: فتناول الشباب وسؤال التغيير: العوامل والآثار، وآليات التغيير فقد قسّم إلى مبحثين، المبحث الأول: عوامل وأسباب تراجع دور الشباب في عملية التغيير، المبحث الثاني: آليات وأدوات تعزيز مشاركة الشباب في عملية التغيير، أما الفصل الرابع فقد تناول النتائج، والتدخلات والتوصيات، والمراجع.
كما تناولت الدراسة واقع الشباب الفلسطيني الذي يسيطر عليه حالة من التغييب لدورهم في الشأن العام، وقد لعبت الكثير من العوامل في وصول الشباب إلى هذا الواقع، منها الانقسام السياسي والثقافة المجتمعية وسوء الأحوال الاقتصادية ووجود الاحتلال، مما جعل الشباب يشعرون بالقلق على مستقبلهم، حتى أصبحوا فاقدين للأمل بالقدرة على إحداث التغيير المطلوب والمنشود منهم والملقى على عاتقهم في المستقبل.
وركزت الدراسة على هدف أساسي وهو تسليط الضوء على الانقسامات السياسية والاجتماعية التي تحول دون مشاركة الشباب في عملية التغيير سواء كان هذا التغيير اجتماعي أو سياسي، إضافة إلى تناول العديد من القضايا الهامة والمؤثرة في عملية تعزيز دور الشباب وحضورهم في المجتمع وخاصة الأدوات والآليات التي من شأنها أن تعزز من حضور الشباب في عملية التغيير السياسي والاجتماعي وتجعلهم مشاركين فاعلين ومهتمين في الشأن العام، والتأثير على صناع القرار لإعطاء أهمية أكبر لقضايا الشباب واحتياجاتهم ودورهم في المجتمع، وتسليط الضوء على المعيقات والأسباب التي تحول دون مشاركة الشباب في عملية التغير السياسي والاجتماعي في المجتمع الفلسطيني.
أما أهمية الدراسة فكانت هي البحث والكشف عن تأثير الانقسامات السياسية والاجتماعية والفئوية والعشائرية والجهوية على قدرة الشباب في إحداث التغيير في المجتمع، والكشف عن العوامل السياسية والقانونية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تعيق مشاركة الشباب في عملية التغيير، وتسليط الضوء على مشاركة المرأة والشباب في عملية التغيير ومدى تأثير تقليص المساحات المدنية على مشاركتهم في التغيير المنشود، ودراسة عملية الاستقطاب التي تحدث بين الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع الفلسطيني، وصولاً إلى وتطوير مجموعة من التدخلات والتوصيات للمساهمة في تعزيز مشاركتهم في عملية التغيير، وتعتبر هذه الدراسة دراسة أولية استكشافية، اعتمدت أساساً على الأسلوب الوصفي التحليلي والتاريخي، والأسلوب البحثي الكيفي من خلال تحليل المضمون، وإجراء المقابلات المعمَّقة، وغطت الدراسة الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، في الفترة الزمنية الواقعة ما بين العام 2007، وهو العام الذي بدأ فيه الانقسام، وحتى الأول من تشرين الأول 2023.
كما ناقشت الدراسة بالتفصيل واقع الشباب في المجتمع الفلسطيني والنظرة التقليدية السائدة لهم على أنهم قليلي الخبرة والكفاءة ، وبنظرة تمييزية على أساس الجنس في حالة النساء، فمعيار السن والجنس في الثقافة الفلسطينية العامة مازالا يعتبران مؤشران أساسيان للثقة، وهو ما يتقاطع مع التهميش على مستوى الوظيفة الرسمية العليا، في فجوة كبيرة للغاية بين التمثيل والديمغرافيا، وتشكل التحديات التي يواجهها الشباب من الجنسين، سبباً في تراجع شعورهم العام بالمواطنة والانتماء وارتفاع الرغبة في الهجرة، وسبباً لتزايد العنف والتفكك المجتمعي وتهديد السلم الأهلي، وكان للانقسام الاجتماعي الكثير من الآثار الخطيرة التي زادت من حجم الفجوة بين الطبقات الاجتماعية، الأمر الذي أدى إلى مزيدٍ من التشرذم، والتوتر والاحتقان داخل المجتمع، وهذا فتح المجال أمام الإشاعات التي يمكن أدت إلى التأثير على السلم الأهلي في المجتمع وربما حصول الفتنة الداخلية ، وأدى إلى مزيد من الانقسام المجتمعي عمودياً وأفقياً وإلى التناحر بين فئات المجتمع ، مما كان له تأثير سلبي على الهوية الوطنية الجامعة وعلى القيم المشتركة وأهمها قيم المواطنة والانتماء، ومهدد أساسي لوصول الشعب الفلسطيني إلى حقه في تقرير مصيره ونيل حقوقه الوطنية المشروعة في التخلص من الاحتلال وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني.
ومن جانب آخر بينت الدراسة أن هناك دور كبير للانقسام السياسي في التأثير السلبي على دور الشباب في عملية التغيير، إذ لا زال يؤثر بشكل سلبي وكبير على بنية المجتمع الفلسطيني ، والذي يعود إلى ما قبل العام 2007، نظراً لوجود الكثير من التباينات السياسية والفكرية، بين حركتي فتح وحماس، إذ ألقى هذا الانقسام بظلاله على جميع مناحي حياة الفلسطينيين بغض النظر عن أماكن تواجدهم، وفي مقدمتها الفعل الاجتماعي والسياسي والوطني، فكان دخول حركات الإسلام السياسي إلى المشهد السياسي الفلسطيني لا سيما على صعيد الحركة الطلابية الفلسطينية وعلى صعيد المجلس التشريعي الفلسطيني والمؤسسات أدت إلى المزيد من الاحتكاكات العنيفة بين أنصار الحركتين ولم تكن السجون بمنأى عن هذا الانقسام أيضاً، وتسبب ذلك في خلق انقسامات اجتماعية عميقة في المجتمع الفلسطيني أثرت سلباً على النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي، وبالتالي على دور الشباب في عملية التغيير والمشاركة في الشأن العام، بما فيها المشاركة في صنع القرار، والبطالة والفقر والفاقة، وعزز وبشكل ملحوظ، التعصب الحزبي، وهو أحد الظواهر الخطيرة التي انتشرت فـي المجتمـع الفلـسطيني إضافة إلى حالة التحشيد والتعبئة الحزبية والتنظيمية السائدة بين الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية التي لا تقبل وتقوم بنفيه، وما نتج عنها من عوامل مدمرة للفرد وللمجتمع، فكان للتعصب الحزبي والتنظيمي وغياب ثقافة الحوار والشراكة السياسية بين الأحزاب الفلسطينية أثر سلبي على واقع الشباب وقدرتهم على إحداث هذا التغيير في المجتمع.
وبينت الدراسة أن تدني مشاركة الشباب في الشأن العام وفي الحياة السياسية يعود إلى الكثير من العوامل أهمها اهتمام الشباب بالقضايا والهموم الفردية الخاصة بهم، وهيمنة حالة الإحباط العامة لدى جيل الشباب، وهيمنة مفاهيم الزبائنية على أداء النظام السياسي الفلسطيني المتشكل عقب أوسلو، وما رافقه من غياب للعدالة الاجتماعية وتوزيع الفرص، والانقسام السياسي الذي عطل العملية الانتخابية بشكل كلي على مستوى الرئاسة والبرلمان، وكل هذا ترافق مع ضعف الثقافة الانتخابية وحداثة التجربة ومحدوديتها، سواء في إقامة النظام السياسي وبناء المؤسسات أو في ممارسة العملية الديمقراطية والانتخابية، في الوقت نفسه وعلى الرغم من أن الشباب يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع الفلسطيني، يبقى هناك احتمالاً قائماً بأن تعيد الانتخابات في حال تنظيمها إعادة انتخاب نفس الوجوه التقليدية وتعمل على تعميق حالة التهميش والاغتراب لفئة الشباب داخل المجتمع الفلسطيني، مما يعني استمرار المشكلة وارتفاع وتيرتها، ما لم يجرِ تعزيز الحضور الشبابي والنسوي على مستوى المشاركة، والبرامج، والقوائم الانتخابية، والرقابة المدنية والمساءلة المجتمعية في العملية الانتخابية المستقبلية عند تنظيمها.
وأوضحت الدراسة أنه لا يمكن بناء مجتمع ديمقراطي يقوم على مبادئ المساواة والمواطنة والعدالة الاجتماعية والحكم الرشيد ونظام سياسي يحظى بالشرعية المجتمعية الشعبية بدون تمكين الفئات الشبابية من الوصول إلى مراكز صنع القرار والمشاركة الفاعلة في عملية الإصلاح الإداري والسياسي وصنع السياسات العامة وعملية التغيير المطلوبة، ليس فقط لأن هذه السياسات ستنعكس بشكل مباشر عليهم باعتبارهم الفئة الأكثر حضوراً على مستوى الديمغرافيا كشباب من الجنسين وإنما أيضاً بسبب أهمية تمكينهم من القيادة عبر الممارسة والتجربة وتصويب الرؤية إليهم وإبراز دورهم ككفاءات يمكن الاعتماد عليها، ومن هنا تبرز أهمية المشاركة السياسية للشباب في العملية الانتخابية باعتبارها المدخل الأهم في الوصول إلى تعزيز دور الشباب في الشأن العام وتحقيق التغيير المطلوب في المجتمع.
وأشارت الدراسة إلى أن تعزيز وتوسيع مشاركة الشباب في الشأن العام يعزز ثقافة المواطنة في المجتمع بشقيها الحقوق والواجبات ويعزز مكانة وحضور الشباب في المجتمع ويقوي الانتماء للقضايا الوطنية على حساب المصالح الفردية ويؤدي إلى إحداث تغيرات جوهرية في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية على طريق التنمية بمفهومها الشامل من خلال توظفي طاقات الشباب في عملية تنمية المجتمع، والاعتراف بأن تنمية المجتمع لا يمكن أن تتحقق بدون مساهمة جميع الفئات بما فيها الشباب وهذا يتطلب القيام بمجموعة من الإجراءات التي تعمل على تعزيز قيم المواطنة والانتماء لدى الشباب منها توعية الشباب بأهمية الانتماء للوطن، والارتباط الوثيق بقيمه وتراثه الثقافي، وتعزيز الهوية الثقافية لهم، وتعزيز قيم العمل التطوعي والاجتماعي لديهم،والمشاركة في المناسبات الوطنية، وتعظيم دور الشهداء والأسرى والجرحى والمفقودين، ونبذ المناطقية والجهوية والتعصب السياسي والتنظيمي والديني، وقيام كل مواطن بالدور المناط به، وأن كل مواطن مسؤول، وتعزيز قيم النزاهة والشفافية، ومكافحة الفساد، والمحافظة على الأملاك العامة، والمال العام، والتأكيد على قيم التسامح ، والمحبة ، والاحترام ، وقبول الآخر المختلف ، ترسيخ القيم والعادات والتقاليد الفلسطينية الأصيلة، تعزيز الإحساس بمشكلات المجتمع، غرس قيمة احترام سيادة القانون والنظام، مناهضة خطاب الكراهية والتعصب، تمكين الشباب من المشاركة والتأثير على صانعي القرار، لوضع احتياجاتهم على سلم الأولويات وللمساهمة النوعية في تنمية مجتمعاتهم المحلية، توعية الشباب بحقوقهم الدستورية والقانونية، تعزيز فكرة المحاسبة والمساءلة والشفافية والمكاشفة، تغيير النظرة السلبية للشباب حول مفاهيم المشاركة من خلال إيجاد حركة اجتماعية تدافع عن هذه المبادئ.
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها أن الشارع الفلسطيني ما زال يفتقر إلى شباب أصحاب حضور مؤثر (كاريزما)، يمكن لهم أن يشكلوا نماذج لأقرانهم، وعدم توفر إرادة سياسية لإحداث إصلاح سياسي حقيقي في النظام السياسي الفلسطيني بما يضمن تمثيل ومشاركة فاعلة وحقيقة للشباب في الشأن العام، وأن هناك فجوة كبيرة ومتجسدة بين الأجيال في المجتمع الفلسطيني وسيطرة كبار السن على قيادة الأحزاب والمؤسسات الفاعلة والمؤثرة وعدم رغبتهم في إتاحة الفرصة للشباب للمشاركة الفعالة داخل تلك المؤسسات مما خلق شعوراً باليأس وأفقد الثقة بالنظام السياسي الفلسطيني وبكل مكوناته، إضافة إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة لتحقيق المزيد من المناكفات السياسية ونشر وترويج خطاب الكراهية خطاب الكراهية من قبل بعض الأحزاب والمؤسسات وليس من أجل دعم وتعزيز المشاركة السياسية للشباب والتبادل المعرفي، وهذا أدى إلى المزيد من حالة من التشظي والفرقة بين صفوف الشباب، وإحداث مزيد من الانقسامات السياسية والاجتماعية في المجتمع الفلسطيني، إضافة إلى تدني مستويات الوعي السياسي وقصور أطراف التنشئة السياسية والاجتماعية في الحالة الفلسطينية أدت إلى تراجع مستويات المشاركة الإيجابية للشباب في الحياة السياسية والاجتماعية، ودفعت الشباب إلى العزوف الشباب عن المشاركة السياسية الفاعلة والمؤثرة في المشهد الانقسامي الفلسطيني، وسيطرت حالة من الإحباط واليأس لدى الجيل الشاب على الإيمان بقدرتهم في إحداث التغيير المنشود مما دفع الكثير من الشباب للتفكير بالهجرة وازدياد ظواهر العنف ورفض الآخر لدى قطاع الشباب في ضوء ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع وتأثير ذلك بشكل سلبي على السلم الأهلي، وتراجع ثقة الشباب بالنظام السياسي الفلسطيني والمؤسسات الغير حكومية العاملة والتشكيلات الحزبية والمدنية، وغياب رؤية وإستراتيجية إعلامية واضحة تجاه قضايا الشباب وعدم تبني قضاياهم ومشاركتهم الفاعلة في التغير السياسي الاجتماعي المطلوب.
وبناء على الاستنتاجات التي تم التوصل إليها تم وضع عدداً من التوصيات لأصحاب الشأن والعلاقة والاختصاص في المؤسسات الرسمية والأهلية، كان من أبرزها إنجاز سياسة وطنية شاملة للشباب، وإشراك الشباب في عملية صنع القرار، وضرورة تمثيل الشباب في كافة المؤسسات التمثيلية الرسمية وفي الأحزاب السياسية وفي المؤسسات الأكاديمية، وخاصة في المراكز العليا في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية (المجلس الوطني واللجنة التنفيذية)، وفي الوزارات والهيئات الحكومية والمجلس التشريعي، وضرورة العمل على تعديل بعض القوانين والأنظمة واللوائح بما ينسجم مع تطلعات وطموحات الشباب ودورهم الريادي في المجتمع، وإعداد خطط وبرامج عمل لمواجهة الانقسامات المختلفة التي يعاني منها الشباب تتضمن حلولاً وآليات وأدوات عمل لمواجهة ظاهرة الاغتراب لدى الشباب وشعورهم بالسلبية وعدم قدرتهم على التغيير، وضرورة تبني شاملة تمكن الشباب من تجاوز الواقع الموجودين فيه إستراتيجية متكاملة اقتصادياً واجتماعياً وفكرياً، تعيد للشباب حضوره، وتستثمر فيه باتجاه تعزيز دوره في الحياة العامة. تشارك فيها كافة المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية، والرسمية والأهلية، بحيث تشمل تلك المقاربة كافة البنى والهياكل المؤثرة في واقع الشباب، لذلك كانت النتائج بمثابة حلولاً وآليات وأدوات عمل، لكن كل ذلك مرتبط بقناعات صناع القرار، والأهم من ذلك توفر الإرادة السياسية.