كاتب بريطاني: حروب إسرائيل التوسعية الدائمة تمهد لنهايتها
نشر الكاتب البريطاني ديفيد هيرست مقالا في موقع “ميدل إيست آي” الذي يديره في لندن، أكد فيه أن حروب إسرائيل التوسعية الدائمة تمهد لزوالها.
وبدأ مقاله بالإشارة إلى أن صورة فتاة تبلغ من العمر 11 عاما مصابة بحروق النابالم وهي تجري عارية على طريق في فيتنام اعتُبرت صادمة للغاية في عام 1972 لدرجة أنها فازت بجائزة بوليتزر.
واليوم في غزة ولبنان، هناك الكثير من الصور لأشخاص يحترقون، وخيام محترقة، وجثث متراكمة في شوارع مخيم جباليا للاجئين، وناجين يغطيهم الغبار وهم يخرجون من تحت الأنقاض مع جثث أطفالهم الصغار في بيوتهم. ولكن لا أحد حتى يكلف نفسه عناء نشرها.
وأكد أن صور “رعب الحرب” التي ترتكبها إسرائيل في غزة أو لبنان لا تدخل في جوائز بوليتزر. كما أنها لا تثير بيانات إدانة أو اشمئزاز من رؤساء الولايات المتحدة أو رؤساء الوزراء البريطانيين، وأن محرري الإعلام خائفون للغاية من نشرها (في إشارة لسطوة اللوبي الداعم لإسرائيل خاصة في الغرب).
صور “رعب الحرب” التي ترتكبها إسرائيل في غزة أو لبنان لا تدخل في جوائز بوليتزر. ولا تثير بيانات إدانة أو اشمئزاز، ومحررو الإعلام خائفون للغاية من نشرها
وأشار هيرست إلى أن وسائل الإعلام الغربية، التي هي إما “صامتة أو متواطئة”، واستشهد بتقارير قناة “سكاي نيوز” البريطانية التي وصفت الجنود الإسرائيليين الذين قُتلوا في قصف صاروخي لحزب الله على قاعدة عسكرية بأنهم “ضحايا مراهقون”، فيما لم تعر اهتماما لضحايا مجازر إسرائيل في غزة.
وشدد على أنه في المقابل، لا توجد محاذير في النقاشات الدائرة بإسرائيل، ولا حتى حول استخدام مصطلحات مثل “الإبادة”.
وذكر الكاتب البريطاني أنه ليس العسكريون والسياسيون فقط، فحتى المؤرخون في إسرائيل يحرضون على الإبادة الجماعية. فهذا عوزي رابي -وهو كبير المحاضرين في قسم الدراسات الشرق أوسطية والأفريقية بجامعة تل أبيب، والذي يعد أيضا من أبرز الخبراء الإسرائيليين بشؤون المنطقة- قد صرح في مقابلة تلفزيونية أجريت معه الشهر الماضي، بأن “كل من سيبقى هناك (شمال غزة) سيحكم عليه القانون كإرهابي وسيخضع إما لعملية تجويع أو إبادة”.
وأضاف أنه “لا ينبغي لإسرائيل أن تحاول حل المشاكل في المنطقة برفق شديد”، مضيفا أن تصرفات إسرائيل ستكون بنكهة “التوابل الشرق أوسطية”.
وهناك بيني موريس -الذي كان في زمن مضى أحد “المؤرخين الجدد” الذين كشفوا عن المجازر التي ارتكبتها إسرائيل عام 1948- يريد الآن ضرب إيران بالقنابل النووية.
وهناك أيضا البروفيسور آفي بارلي، المحاضر في إسرائيل وتاريخ الصهيونية بجامعة بن غوريون، الذي كتب في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أن الفلسطينيين “مجتمع يفضل الموت ويرفع راية القتل”.
تطرق هيرست لـ“خطة الجنرالات” في شمال غزة، وقد وضعها جنرال سابق في جيش الإحتلال هو غيورا آيلاند الذي يعترف هو نفسه بأن تكتيكات إسرائيل في غزة قد فشلت، إذ في كل مرة يفرغ الجنود من “تطهير” منطقة في القطاع من مقاتلي حماس، فإنهم ما يلبثون أن يظهروا مرة أخرى.
ولفت الكاتب إلى أن الحل الذي يقترحه آيلاند في خطته لا يتمثل في حل الأزمة بالتفاوض، بل في إجبار 400 ألف من سكان شمال غزة على الخروج بتخييرهم بين التضور جوعا أو الموت.
الهدف من ممر نتساريم هو منح السكان الذين يعيشون في شمال غزة مهلة نهائية للانتقال إلى جنوب القطاع، وبعد هذا الموعد كل من سيبقى في الشمال سيعتبر عدوا وسيقتل.
ويروّج آيلاند لخطته على أنها هي الطريقة الوحيدة لتحقيق أهداف إسرائيل من الحرب، وقد حظيت الخطة بدعم واسع النطاق في دولة الاحتلال من الجيش والبرلمان (الكنيست) ووسائل الإعلام، في حين قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إنه يدرسها.
ووفقا للمقال، فقد انتهى جيش الاحتلال بالفعل من اقامة ممر نتساريم الذي يشطر القطاع جنوب مدينة غزة، وهو “عنصر أساسي” في تكتيكات آيلاند بالحصار.
ونُقل عن جندي متمركز في ممر نتساريم قوله إن الهدف من هذا الممر هو منح السكان الذين يعيشون في شمال منطقة نتساريم مهلة نهائية للانتقال إلى جنوب القطاع “وبعد هذا الموعد كل من سيبقى في الشمال سيعتبر عدوا وسيقتل”.
ونقل هيرست عن أحد الصحافيين الذين يعيشون في جحيم القصف الإسرائيلي المتواصل على غزة، قوله إن الناس هناك -خاصة في جباليا- لم يتزحزحوا، بل يفضلون الموت في الشوارع على الرحيل إلى الجنوب.
وحتى الناس في الجنوب يقولون إن “الموت في شمال غزة أفضل من الموت في الجنوب”، لأن الموت في الجنوب لا يطاق، والحياة في الجنوب لا تطاق وأصعب بكثير من الشمال رغم أن الموت واحد.
وفي انتقاده لتواطؤ الإعلام الغربي مرة أخرى، أشار الكاتب إلى أن محرر شؤون الشرق الأوسط في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) جيريمي بوين أجرى مقابلة مع آيلاند بـ”حيادية مدروسة، وكأن خطته وجهة نظر مشروعة”.
ولم يذكّر بوين الجنرال الإسرائيلي بأن بلاده متهمة بجرائم حرب وإبادة جماعية من قبل أكبر محكمتين عدليتين (الجنائية الدولية والعدل الدولية)، والتي تعد خطة آيلاند دليلا رئيسيا في القضيتين.
ويعتقد هيرست أن الأمر لا يعدو أن يكون مسألة وقت فقط، قبل أن تجر هذه الحرب وتلك التكتيكات كل دولة في المنطقة تهددها إسرائيل بالقصف وبطموحاتها التوسعية.
وحذر الكاتب من أن هذه الحرب تهدد هوية السنّة والشيعة على حد سواء في سوريا والأردن والعراق وإيران، فهي “حرب وجود”.
وفي ختام مقاله، تساءل هيرست عما إذا كانت هذه حرب أبدية، وهل ستنتهي بالاحتلال أم بالتراجع؟ ويجيب عن ذلك بأنه ليس متأكدا، فإذا كانت إسرائيل لم تعد قادرة على إعادة حساباتها والتوقف وإعادة التفكير “فهي تسير بلا تبصّر نحو زوالها”.