مركز "شمس" على مدار (365) يوماً والاحتلال الإسرائيلي ما زال مستمراً في المذبحة والمجتمع الدولي يقف عاجزاً
في ظل استمرار جرائم الإبادة الجماعية على مدار (356) يوماً بكل ما تحمله من انتهاكات جسيمة لتشكل ما بات يعرف ب(جريمة العصر) الأكثر دموية في القرن ال 21، فمنذ الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي حتى يومنا هذا لم يشهد العالم جريمة أكثر فظاعة ووحشية من تلك الجريمة المستمرة منذ7/10/2023م والمتمثلة في الاستهداف المنظم للمدنيين والأعيان المدنية في قطاع غزة والضفة الغربية والاستخدام المفرط للقوة من قبل جيش الاحتلال، الذي مارس شتى أشكال الإرهاب المنظم بحق المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، والتدمير الممنهج للأعيان المدنية وللبنية التحتية وفق خطط سياسية وعسكرية معدة مسبقاً لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه وتصفية قضيته، مستخدماً بذلك كافة أنواع الأسلحة الحديثة والتقليدية والمحرمة دولياً والتي كانت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية المصدر الأول لها للاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من الكثير من الدعوات المحلية في بعض تلك الدول والمناشدات لوقف شحنات الأسلحة تلك التي تستخدم في اثخان الجراح في الشعب الفلسطيني واستخدامها في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم العدوان.
وفي ظل استغلال "إسرائيل" السلطة القائمة بالاحتلال لفائض القوة التي لديها والذي تمثل بالقوة التدميرية للمباني والمنشآت المدنية (المدارس، الجامعات، المعاهد، رياض الأطفال، المراكز الثقافية، المباني السكنية والبيوت، المستشفيات، المراكز الطبية، ومركبات الإسعاف، والمباني الحكومية والبلديات، والبنية التحتية وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي). وقد بينت التقارير الصادرة عن مؤسسات حكومية وأممية ومؤسسات حقوقية دولية ومحلية أنه منذ 7/10/2023م فقد استشهد حوالي (41870) شهيد في قطاع غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة حوالي من (97166) مواطن بجروح مختلفة، وأكثر من (10000) مواطن مفقود لا يعرف مصيره ، وتهجير حوالي (2) مليون مواطن من بيوتهم، وأكثر من (16000) حالة اعتقال.
إن تك الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي ولحقوق الإنسان الفلسطيني من قبل الاحتلال كشفت عن عجز المنظومة الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان والتي تخضع لاعتبارات سياسية دولية ولمنطق القوة وتوازنات القوى بين القوى العظمى، وكشفت عن هشاشة النظام الدولي والذي يتم
توظيفه من قبل الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي لخدمة مصالحها ومصالح شركائها في العالم حتى أصبحت المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية عاجزة عن القيام بدورها ومهامها، فرغم صدور قرار من محكمة العدل الدولية أعلى هيئة قضائية دولية باتخاذ تدابير فورية لوقف القتل والتدمير والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة إلا أن الاحتلال لم يلتزم بهذا القرار وبقي مستمراً في جرائمه وعدوانه.
إن المواقف الدولية من جريمة العصر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني من قبل الإحتلال والتي تمثلت بمواقف داعمة للاحتلال سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، وخاصة من الولايات المتحدة الأمريكية، أظهرت ازدواجية المعايير وحصانة الأقوياء للإفلات من العقاب، تلك السياسة التي تتعامل بها تلك الدول مع المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، والتماهي مع الإحتلال في جرائمه وعدوانه على الشعب الفلسطيني، وأثبتت عجز النظام الدولي المتمثل بهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها عن مواجهة الإحتلال ووقف جرائم الإبادة التي يرتكبها بحق المدنيين، وأثبتت عجز هيئة الأمم المتحدة عن القيام بالأهداف السامية التي أنشئت من أجلها وهي حماية الأمن والسلم الدولي.
لقد تمثلت انتهاكات الإحتلال من خلال حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية لتشمل كافة مناحي الحياة في تجلياتها المختلفة، ومن استهداف مستمر للمدنيين والأعيان المدنية وفرض الحصار والإغلاق والتهجير القسري.
استهداف المدنيين( الأطفال والنساء)
لقد تعمد الاحتلال الإسرائيلي باستهداف المدنيين في قطاع غزة لتحقيق الأهداف الغير معلنة لعدوانه على الشعب الفلسطيني والمتمثلة في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير القسري، إذ كانت عمليات الاستهداف المنظم للمدنيين وخاصة من الأطفال والنساء والشيوخ هي السمة البارزة لهذا العدوان. وقد شكل الأطفال والنساء ما نسبته (69) % من ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
استهداف النساء
لقد كانت النساء الفلسطينيات أكثر فئات المجتمع تضرراً في الحرب سواء كان بالاستهداف المباشر لهن، أو من خلال تحمل المسؤولية عن الأسرة بعد استشهاد رب الأسرة، إذ تتحمل النساء المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية في الأسرة كمعيل للأسرة إضافة إلى رعاية الأطفال والاهتمام بهم، ومسؤولية توفير الحاجات الأساسية للأسرة من ماء وغذاء ودواء، واستشهاد الأبناء والأخوة والأزواج والأقارب يشكل لهن صدمات نفسية طويلة المدى تنعكس سلباً على حياتهن وسلوكهن في كيفية التخلص من تلك الصدمات.
فمنذ 7/10/2023 بلغ عدد النساء اللواتي استشهدن (11429) امرأة، ويوجد (60000) سيدة حامل معرضة للخطر بسبب انعدام الرعاية الصحية. ووفقا لهيئة الأمم المتحدة للمرأة فإنه كل يوم تستمر فيه الحرب، سيتم قتل حوالي (63 ) امرأة بالمتوسط، وأن أكثر من 4 من كل 5 نساء (84 في المائة) أسرهن تأكل نصف الطعام أو أقل وتتولى الأمهات والنساء البالغات مهام جلب الطعام، ولكنهن آخر وأقل من يأكل في الأسرة، وإن جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي وأن ما يقرب من 9 من كل 10 نساء (87 في المائة) أفدن بأنهن يجدن صعوبة أكبر في الحصول على الغذاء مقارنة بالرجال. وتلجأ بعض النساء الآن إلى آليات تكيف متطرفة، مثل البحث عن الطعام تحت الأنقاض أو في صناديق القمامة.
إن ما تتعرض له النساء في الأراضي الفلسطينية المحتلة خاصة في قطاع غزة يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني لاسيما لاتفاقية جنيف الرابعة 12/8/1949م، إذ نصت المادة رقم (15) من تلك الاتفاقية على (حماية الأشخاص الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية ولا يقومون بأي عمل له طابع عسكري أثناء إقامتهم في مناطق النزاع)، وانتهاك للمادة رقم (17) من نفس الاتفاقية والتي نصت على أن(يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال والنساء من المناطق المحاصرة والمطوقة)، إضافة إلى ذلك انتهاك جسيم لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم( 1325 ) لسنة 2000م، والذي يدعو إلى مشاركة المرأة وتمثيلها في العمليات السياسية وحل النزاعات، وحمايةِ النساء والفتيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتعزيزِ وحماية حقوق المرأة، وانتهاك لإعلان بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لسنة 1974م والذي (يحظر الاعتداء علي المدنيين وقصفهم بالقنابل، الأمر الذي يلحق آلاماً لا تحصى بهم، وخاصة بالنساء والأطفال الذين هم أقل أفراد المجتمع مناعة، وتدان هذه الأعمال التي تسبب خسائر جسيمة بالسكان المدنيين، بمن فيهم النساء والأطفال العزل من وسائل الدفاع عن النفس، ويكون محل إدانة شديدة).
استهداف الأطفال في قطاع غزة
لقد استفظعت إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال بجرائمها بحق الاطفال بفائض من عدم الإنسانية والتوحش والعدوانية في استهداف الأطفال وقتلهم في قطاع غزة ونشر صور الحزن والأسى والرعب والخوف والموت بينهم، فالأطفال الجرحى يعانون من حروق مروعة وجروح بالقذائف وفقدان أطراف سفلية أو علوية، وانتشار للأمراض المعدية. فمنذ ربع قرن تقريبا، لم تسجل أية حالات شلل أطفال في قطاع غزة، ولكن بعد أقل من عام من هذا العدوان المستمر على قطاع غزة أصبحت تظهر حالات شلل الأطفال بسبب تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي والركام غير المعالجة، فأطلقت المنظمات الدولية نداء استغاثة لتجنب كارثة إنسانية قد تصيب أطفال قطاع غزة من أجل السماح بالتطعيم للأطفال، ورفض الاحتلال أي هدنة لذلك، مما دفع المنظمات الإنسانية للقيام بعمليات التطعيم في ظل العدوان المستمر لتجنب كارثية إنسانية كبرى.
فمنذ 7/10/2023 بلغ عدد الأطفال الذين استشهدوا منذ بدابة العدوان على قطاع غزة (16859) طفلاً، من بينهم (171) طفلاً رضيعاً ولدوا واستشهدوا في الحرب، ومن بينهم (71) أطفال استشهدوا وأعمارهم تقل عن عام كامل، و(36) طفلاً منهم استشهدوا بسبب المجاعة، إضافة إلى ذلك فان (25973) طفلاً يعيشون دون والديهم أو بدون أحدهما، ويوجد (3500) طفل معرضون للموت بسبب سوء التغذية ونقص الغذاء.
إن أعمال القتل المنظمة للأطفال من قبل الإحتلال تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، لا سيما لاتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12/8/1949م التي توفر حماية خاصة للمدنيين في حالات الحرب والنزاع المسلح، إذ نصت المادة رقم (15) من تلك الاتفاقية على (حماية الأشخاص الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية ولا يقومون بأي عمل له طابع عسكري أثناء إقامتهم في مناطق النزاع) ونصت المادة رقم (14) من نفس الاتفاقية على(يجوز للأطراف السامية المتعاقدة في وقت السلم، ولأطراف النزاع بعد نشوب الأعمال العدائية أن تنشئ في أراضيها، أو في الأراضي المحتلة إذا دعت الحاجة، مناطق ومواقع استشفاء وأمان منظمة بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والحوامل وأمهات الأطفال دون السابعة)، وانتهاك للمادة رقم (17) التي نصت على أن (يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال والنساء من المناطق المحاصرة والمطوقة)، وللمادة رقم (24) من نفس الاتفاقية التي نصت (على أطراف النزاع أن تتخذ كافة التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشرة الذين تيتموا أو تفرقت عائلاتهم وأن تضمن رعايتهم وإعالتهم وتعليمهم).
وهي أيضاً انتهاك صارخ وكبير للقانون الدولي لحقوق الإنسان وخاصة للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لسنة1989م، التي تضمن حماية الأطفال وعدم تعرضهم للمخاطر وتوفير سبل العيش الكريم والأمان والرعاية لهم، إذ نصت المادة رقم (38) من الاتفاقية (تتعهد الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الإنساني الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل وأن تضمن احترام هذه القواعد، وتتخذ الدول الأطراف جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن ألا يشترك الأشخاص الذين لم يبلغ سنهم خمس عشرة سنة اشتركاً مباشراً في الحرب، وتمتنع الدول الأطراف عن تجنيد أي شخص لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة في قواتها المسلحة، وعند التجنيد من بين الأشخاص الذين بلغت سنهم خمس عشرة سنة ولكنها لم تبلغ ثماني عشرة سنة، يجب على الدول الأطراف أن تسعي لإعطاء الأولوية لمن هم أكبر سناً، وتتخذ الدول الأطراف، وفقاً لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عملياً لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح).
استهداف الصحفيين ووسائل الإعلام
لجأ الاحتلال إلى استهداف الطواقم الصحفية والمؤسسات الإعلامية بالاستهداف المباشر، ومنعها من العمل الحركة والتغطية والوصول إلى المواقع المستهدفة من قبل الاحتلال، بعد أن كشفت كذب وزيف الرواية الإسرائيلية وعدم مصداقيتها أمام العالم، إذ استطاعت وسائل الإعلام العربية والفلسطينية والدبلوماسية الرقمية الشعبية كشف هذا التضليل الإعلامي وفضح الرواية الإسرائيلية أمام الرأي العام الدولي وأصبحت الصورة التي ينقلها الصحفيون الفلسطينيون من قطاع غزة تؤرق الاحتلال وتقض مضاجعه.
من جانب آخر صرحت أيرين خان مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير في أيار 2024 (إن الصراع في غزة هو الأكثر فتكاً وخطورة للصحفيين، وأضافت خان هناك قتل وإفلات من العقاب وغياب لأي نوع من العدالة، ولكن هناك أيضاً ارتفاع في حالات الاعتقال والترهيب وإغلاق الطرق وقمع للتغطية الإخبارية، وقالت إن لجنة حماية الصحفيين الآن الدولية قد وضعت إسرائيل على قائمة أسوأ سجاني العالم نظراً للوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة وهناك تدهور خطير للغاية في حرية الإعلام وحقوق الصحفيين وحرية التعبير في الأراضي الفلسطينية).
وبناءً على التقارير الصادرة عن مركز الإعلام الحكومي في قطاع غزة فقد بلغ عدد الصحفيين الشهداء منذ بداية العدوان على قطاع غز في 7/10/2023 (174) صحفياً. فيما نشرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أنه منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة قد تم اعتقال (51) صحفياً، وجرح (190) آخرين، وتدمير (87) مؤسسة إعلامية.
إن سياسية الاستهداف المنظم للطواقم الصحفية والمؤسسات الإعلامية من قبل الاحتلال تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي المدنيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة، وانتهاك للمادة (79) من البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1977م المتعلق بالنزاعات المسلحة الدولية والذي يعتبر العاملين في مجال الصحافة من المدنيين وتنطبق عليهم ما ينطبق على المدنيين في النزاع المسلح وتحظر الهجمات المباشرة على الأشخاص المدنيين وتمنع التعسف في استخدام القوة ضدهم، وللمادة رقم (50) أيضاً التي تعتبرهم من المدنيين وينطبق عليهم ما ينطبق على المدنيين في النزاع المسلح، وانتهاك أيضاً لقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة وأهمها قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1738) لسنة 2006م الذي يدين أي هجوم على الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ويشدد على ضرورة حمايتهم، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2222) لسنة 2015م والذي يدعو لحماية الصحافيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم، ويؤكد القرار أن المعدات والأدوات والمكاتب والاستوديوهات الإعلامية هي أصول مدنية، يجب ألا تكون هدفاً لهجمات أو أعمال انتقامية أثناء الحرب والعمليات العسكرية، وانتهاك لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ( 68/163 ) لسنة 2013م الذي يدين أعمال العنف ضد الصحفيين خلال النزاعات المسلحة ويحث على ضمان سلامتهم.
استهداف المستشفيات والمراكز الصحية والطواقم الطبية
لقد أمعن الإحتلال الإسرائيلي منذ بداية العدوان على استهداف المستشفيات والمراكز الصحية والطواقم الطبية ومراكز الإسعاف والطوارئ، وبشكل مقصود ومتعمد ويعبر عن مدى وحشية ودموية الإحتلال وسلوكه الإرهابي. وتعمد الإحتلال استهداف المنشآت الطبية الصحية في قطاع غزة كانت على الدوام كجزءً لا يتجزأ من استراتيجيات الحرب التي تنتهجها ضد الفلسطينيين في تدمير البنية التحتية الصحية والأعيان المدنية.
إن الهجمات الانتقامية التي شنها الإحتلال على مرافق الرعاية الصحية في غزة وموظفيها تندرج تحت ما يعرف ب (الإبادة الصحية) وهي ما تعرف على أنها تدمير نظام الرعاية الصحية، كلياً أو جزئياً، بهدف إزالة مستلزمات إنقاذ حياة المرضى والجرحى والحفاظ عليها، أو إلحاق ضرر جسيم بها، وخلال تلك الهجمات الانتقامية على المنظومة الصحية قتل عدة آلاف من المدنيين بينهم أطباء وممرضون ومساعدون طبيون وسائقو سيارات إسعاف، وتوقفت غالبية المستشفيات عن العمل، وتعاني المستشفيات التي بقيت تقدم بعض الخدمات الصحية من مشاكل كبيرة بسبب نقص الوقود والأدوية والمستلزمات الطبية، ويعجز الجرحى والمرضى عن الوصول إلى المستشفيات بسبب تدمير مركبات الإسعاف وتوقف خدمات الإسعاف والطوارئ.
وقد أسفرت حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الإحتلال على الشعب الفلسطيني منذ 7/10/2023م عن استشهاد حوالي (986) شهيد من الطواقم الطبية، واعتقال أكثر من (310) آخرين في ظروف قاسية وغير إنسانية، وإخراج (34) مستشفى، و(80) مركزاً صحياً من الخدمة واستهداف (162) مؤسسة صحية، وتدمير أكثر من (131) مركبة إسعاف.
فتلك الأعمال الإجرامية المتمثلة في استهداف وتدمير المستشفيات والمراكز الصحية ومراكز الإسعاف والطوارئ والخدمات الطبية والطواقم الطبية فيها، تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان لاسيما للمادة رقم (24) من اتفاقية جنيف الأولى المؤرخة في 12/8/1949م والتي نصت على (يجب في جميع الأحوال احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية المشتغلين بصفة كلية في البحث عن الجرحى والمرضى أو جمعهم أو نقلهم أو معالجتهم، أو في الوقاية من الأمراض، والموظفين المشتغلين بصفة كلية في إدارة الوحدات والمنشآت الطبية)، وانتهاك للمادة رقم (18) من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م والتي أكدت على( لا يجوز بأي حال من الأحوال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات) وانتهاك للمادة رقم (15) من نفس الاتفاقية والتي تنص على (حماية الأشخاص الذين لا يشتركون في الأعمال العدائية ولا يقومون بأي عمل له طابع عسكري أثناء إقامتهم في مناطق النزاع)، وانتهاك لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (2675) لسنة 1970م الذي أكد على ضرورة تحييد المستشفيات عن الأعمال العدائية في حالات الحرب والنزاع المسلح إذ أن (منطقة المستشفى أو أي ملجأ مماثل لا ينبغي أن تكون هدفاً للعمليات العسكرية). وهي جريمة موصوفة في القانون الدولي بأنها جريمة حسب ما أكدته المادة رقم (8) من اتفاقية روما لسنة 1998م والتي نصت على (أن تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، يعتبر جريمة حرب).
انهيار الجهاز الصحي وانتشار الأمراض والأوبئة والأمراض
لقد أدى الاستهداف المنظم من قبل الاحتلال للمنظومة الصحية في قطاع غزة وتدمير المنشآت الصحية وفرض الحصار والإغلاق المحكم إلى انهيار الجهاز الصحي وانتشار الأوبئة والأمراض إذ أصبحت الأمراض المعدية منتشرة على نطاق واسع بين المواطنين، وأظهرت البيانات الصادرة عن مركز الإعلام الحكومي في غزة بأن هناك حوالي (12000) جريح بحاجة إلى السفر للعلاج في الخارج، و (10000) مريض بالسرطان يواجهون الموت وبحاجة للعلاج، و(3000) مريض بأمراض مختلفة بحاجة للعلاج في الخارج، و(1.737.524) مصاب بأمراض معدية نتيجة عمليات النزوح، و(71338) حالة عدوى بالكبد الوبائي، و(60000) سيدة حامل معرضة للخطر لانعدام الرعاية الصحية، و (350000) مريض يعانون من أمراض مزمنة حياتهم معرضة للخطر بسبب عدم توفر الأدوية.
فمنذ الأشهر الأولى للعدوان حذرت منظمة الصحة العالمية من الانتشار السريع للأمراض المعدية في غزة، بسبب تعطل المرافق الصحية وشبكات المياه والصرف الصحي، وأطلقت نداءات للسماح بدخول المساعدات الإنسانية وخاصة الأدوية والتطعيمات والمستلزمات الطبية والأغذية، وإلى ضرورة إدخال الوقود إلى القطاع لأن منع إدخال الوقود تسبب في مشاكل كبيرة أهمها إغلاق محطات تحلية المياه، مما أجبر المواطنين على الشرب من المياه الملوثة وانتشار انتشار العدوى البكتيرية. وأدى منع إدخال الوقود إلى التوقف عن جمع النفايات الصلبة مما أدى أن تصبح ساحات المدن والبلدات بيئة خصبة لانتشار للحشرات والقوارض التي تنقل الأمراض المعدية، إضافة إلى الخطر الناتج عن توقف التطعيم للأطفال ونقص الأدوية اللازمة لعلاج الأمراض المعدية.
إن استهداف القطاع الصحي وتدميره بشكل كامل في قطاع غزة وانتشار الأوبئة والأمراض يشكل مصادرة من قبل الاحتلال لحق مهم من حقوق الإنسان وهو الحق في الصحة، وانتهاكاً جسيماً للقانون الدولي لحقوق الإنسان وخاصة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فقد أكدت المادة رقم (25) من الإعلان على (لكل شخص الحق في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته والعناية الطبية وتوفير الخدمات الاجتماعية الضرورية، وله الحق في ما يأمن العوائل في حالة المرض والعجز أو الشيخوخة، وللأمومة والطفولة حق الرعاية والتمتع بالحماية الاجتماعية)، وانتهاك للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد أكدت المادة رقم (12) من العهد على ( تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل تحسين جميع جوانب الصحة البيئية، والوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والأمراض الأخرى وعلاجها ومكافحتها، وتهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض)، وانتهاك للقانون الدولي الإنساني لاسيما لاتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12/8/1949م إذ أكدت المادة رقم (16) من الاتفاقية على ( يكون للمرضى والجرحى والعجزة والحوامل موضع حماية واحترام خاصين)، وانتهاك للمادة رقم (17) من نفس الاتفاقية والتي أكدت على ( يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل المرضى والجرحى والعجزة والأطفال والنساء من المناطق المحاصرة أو المطوقة)، وانتهاك للمادة رقم (18) من نفس الاتفاقية أيضاً والتي تنص على (لا يجوز بأي حال من الأحوال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات.
استهداف التعليم والمؤسسات التعليمية
تعمد الإحتلال استهداف المؤسسات التعليمية في قطاع غزة من خلال تدمير المدارس والجامعات ورياض الأطفال والمراكز الثقافية والتعليمية واستهداف الكادر التعليمي والنخب الثقافية والكفاءات العلمية والمؤسسات الأكاديمية وفق سياسة هادفة إلى تجهيل الفلسطينيين ومحاربتهم علمياً وفكرياً وثقافياً واجتثاث الذاكرة والعمق التاريخي والحضاري للشعب الفلسطيني.
ولم يترك الاحتلال خلال عدوانه على قطاع غزة أية مدرسة أو جامعة أو مؤسسة تعليمية إلا وهاجمها بقذائف المدفعية أو قصفها بالطائرات، وهذا يعبر عن سياسة ممنهجة من قبل الاحتلال لاستهداف المسيرة التعليمية برمتها بهدف إنهاء أي مكان للدراسة أثناء وبعد الحرب، إضافة إلى ذلك قام جيش الاحتلال بتحويل بعض المدارس والجامعات إلى ثكنات عسكرية ومراكز للتحقيق ومن ثم تدميرها بعد مغادرتها.
فقد بلغت حصيلة عمليات التدمير والاستهداف المنظم للمؤسسات التعليمية والنخب العلمية والثقافية والكفاءات الفلسطينية ومنذ 7/10/2023 م فقد تم تدمير (125) مدرسة بشكل كلي، و (336) مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال بشكل جزئي، واستشهاد (11500) طاب وطالبة خلال الحرب، واستشهاد (750) معلم ومعلمة خلال الحرب، واستشهاد (115) أستاذاً جامعياً وباحثاً خلال الحرب.
إن استهداف المدارس والجامعات والمراكز الثقافية والكادر التعليمي والكفاءات العملية والثقافية تشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، فقد أكد البرتوكول الاختياري الثاني الملحق باتفاقيات جنيف على ضرورة حماية الأعيان الثقافية وخاصة في المادة رقم (16) من البروتوكول والتي نصت على(حظر ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد الآثار التاريخية وأماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب)، واتفاقية لاهاي بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907م حماية خاصة للمؤسسات التعليمية، وخاصة المادة رقم (27) والتي نصت على(أنه في حالات الحصار أو القصف يجب اتخاذ كل التدابير اللازمة لتفادي الهجوم قدر المستطاع على المباني المخصصة للعبادة، والفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية)، والمادة رقم (56) والتي نصت على (يجب معاملة ممتلكات البلديات وممتلكات المؤسسات المخصصة للأعمال الخيرية والتربوية، والمؤسسات الفنية والعلمية، كممتلكات خاصة، حتى عندما تكون ملكاً للدولة، ويحظر كل حجز أو تدمير أو إتلاف عمدي لمثل هذه المؤسسات، والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وتتخذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال)، وانتهاك لاتفاقية روما لسنة 1998م وخاص للمادة رقم (8) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي نصت على أن (تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، يعتبر جريمة حرب)، وانتهاك للاتفاقية الدولية لحماية الممتلكات الثقافية في النزاع المسلح لسنة 1954م، وقد نصت المادة رقم (4) من الاتفاقية على أن (تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بالامتناع عن أية تدابير انتقامية تمس الممتلكات الثقافية)، وانتهاك لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 36/147 بتاريخ 16/ ديسمبر /1981 فقرة (6) والذي أكد على أن الاعتداء على الأماكن التاريخية والثقافية هي من قبيل جرائم الحرب. ويشكل الاعتداء على الجامعات واستهداف الكفاءات العلمية مصادرة للحق في التعليم الذي كفله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفي الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل لعام 1989م.
استهداف المساجد والكنائس والمباني السكنية والأثرية
لقد عمل الاحتلال الإسرائيلي على استهدف المساجد والكنائس والمباني السكنية بشكل منظم لما تشكله من جزء من التراث الثقافي والديني والروحي للشعب الفلسطيني. فلقد أدى استهداف دور العبادة في قطاع غزة إلى توقف أصوات الآذان وأجراس الكنائس وهذا يعبر عن حالة الفشل والعجز والحقد والكراهية لدى الاحتلال على الشعب الفلسطيني في استهداف الرموز الدينية ، وتلك الأعمال الإجرامية تشكل محاولة فاشلة من قبل الاحتلال لطمس الوجود الثقافي والتراثي والحضاري للشعب الفلسطيني المتجذر في أرضه، ومحاولة للتدمير الشواهد التاريخية التي تعبر عن وجود الشعب الفلسطيني في هذه الأرض.
وقد بلغ عدد المساجد المدمرة (611) مسجد بشكل كلي و(214) مسجد مدمر بشكل جزئي، و(3) كنائس استهدفها ودمرها الاحتلال، والمباني السكنية (150000) وحدة سكنية دمرت بشكل كلي، و (80000) وحدة سكنية أصبحت غير صالحة للسكن، و (200000) وحدة سكنية دمرت بشكل جزئي و(206) مواقع أثرية وتراثية تم تدميرها بشكل كامل.
إن تلك الأعمال الإجرامية بحق دور العبادة والمنشآت السكنية والأثرية تشكل انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني لا سميا لمعاهدة لاهاي بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية لسنة 1907م وخاصة المادة رقم (27) والتي نصت على (أنه في حالات الحصار أو القصف يجب اتخاذ كل التدابير اللازمة لتفادي الهجوم، قدر المستطاع على المباني المخصصة للعبادة، والفنون والعلوم والأعمال الخيرية والآثار التاريخية،( وانتهاك للمادة رقم (56) من نفس الاتفاقية والتي نصت على( يجب معاملة ممتلكات البلديات وممتلكات المؤسسات المخصصة للعبادة والأعمال الخيرية والتربوية، والمؤسسات الفنية والعلمية، كممتلكات خاصة، حتى عندما تكون ملكاً للدولة، ويحظر كل حجز أو تدمير أو إتلاف عمدي لمثل هذه المؤسسات، والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وتتخذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال)، وانتهاك للمادة رقم (8) من اتفاقية روما لسنة 1998م والتي تشكل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي نصت على أن (تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، يعتبر جريمة حرب).
الحصار والتجويع
لقد عمل الاحتلال على استخدام سلاح التجويع كأسلوب من أساليب وأسلحة الحرب وتجلى ذلك من خلال التصريحات التي صدرت عن وزراء في حكومة الاحتلال وخاصة ما صرح به وزير الحرب الإسرائيلي يواف غالانت وأمر بفرض حصار محكم على قطاع غزة، حين قال (لا ماء، لا غذاء، لا وقود وأضاف نحن نقاتل حيوانات بشرية في قطاع غزة) فكان سلاح التجويع من خلال الحصار واستهداف مراكز توزيع المساعدات الغذائية والعاملين فيها في رسالة هادفة إلى التحكم بقوت الناس وغذائهم وإخضاعهم بالقوة، وأصبح الإحتلال يستخدم سلاح التجويع واستهداف مراكز توزيع المساعدات الغذائية كوسيلة لضرب إرادة الشعب الفلسطيني وإخضاعه.
وقالت "هيومن رايتس ووتش" (إن الأطفال في قطاع غزة يموتون بسبب مضاعفات مرتبطة بالتجويع منذ أن بدأت حكومة الإحتلال باستخدام التجويع كسلاح حرب، وهي جريمة حرب، روى الأطباء والعائلات في غزة أن الأطفال، وكذلك الأمهات الحوامل والمرضعات، يعانون من سوء التغذية الحاد والجفاف، وأن المستشفيات غير مجهزة لعلاجهم، ووفق مجموعة تنسقها "الأمم المتحدة" تضم 15 منظمة دولية ووكالة أممية تحقق في أزمة الجوع في غزة، في 18 مارس/آذار 2024، أن "جميع الأدلة تشير إلى تسارع كبير في الوفيات وسوء التغذية". قالت المجموعة إنه في شمال غزة، حيث يعاني نحو 70% من السكان من جوع كارثي، يمكن أن تحدث المجاعة في أي وقت بين منتصف مارس/آذار ومايو/أيار).
إن استخدام سلاح التجويع كأسلوب من أساليب الحرب يمثل انتهاك جسيم للقانون الدولي الإنساني وللقانون الدولي لحقوق الإنسان، لاسيما لاتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12/8/1949م إذ نصت المادة رقم (23) (على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية المرسلة حصراً إلى سكان طرف متعاقد آخر حتى لو كان خصماً، وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس)، وانتهاك للبروتوكول الاختياري الأول الملحق باتفاقيات جنيف إذ نصت المادة رقم (75) منه على (حظر العقوبات الجماعية حالاً واستقبالاً في أي زمان ومكان سواء ارتكبها معتمدون مدنيون أم عسكريون) وانتهاك للمادة رقم (54) من نفس البروتوكول والتي تنص على (حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ويحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب(وانتهاك للمادة رقم (14) من البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف والتي تنص على (حظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال ومن ثم يحظر توصلاً لذلك مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري). وانتهاك لاتفاقية روما لسنة 1998م التي تشكل النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وخاصة للمادة رقم (8) وقد نصت على أن (تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف يشكل جريمة حرب).
التهجير القسري
استخدم الاحتلال التهجير القسري بشكل منظم ومن خلال قصف وتدمير المباني السكنية وإصدار إنذارات إخلاء للمواطنين من بيوتهم والطلب منهم التوجه إلى جنوب قطاع غزة، بعد أن قام بتدمير الأعيان المدنية من مباني سكنية وأبراج السكنية وبيوت ومؤسسات خاصة وعامة. وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن عدد النازحين داخلياً في قطاع غزة قد بلغ حوالي( 1.9 ) مليون شخص، بمعنى أن حوالي تسعة من كل عشرة أشخاص في القطاع أصبحوا نازحين. وكان النزوح الجماعي بناءً على أوامر الإخلاء التي أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي، وبسبب التدمير الشامل للبنية التحتية الخاصة والعامة، وتقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية.19 وهذا يشكل دليل جازم على تنفيذ عمليات تهجير قسري وإبعاد جماعي لسكان قطاع غزة، وما صدر عن جيش الاحتلال الإسرائيلي بوسائل عديدة منها من خلال مكاتب الأمم المتحدة، ومنها من خلال الرسائل القصيرة للمواطنين عبر هواتفهم، ومنها من خلال المناشير الورقية، ومنها من خلال وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء بمطالبة سكان شمال قطاع غزة بإخلاء منازلهم والتوجه نحو الجنوب ونحو وادي غزة ومنطقة المواصي في خان يونس للحفاظ على حياتهم.
بينما أكدت الإحصاءات الصادرة عن المركز الإعلامي الحكومي في غزة أن هناك (2) مليون نازح في قطاع غزة، وتم استهداف (183) مركز إيواء من قبل الاحتلال، ونتيجة الاستهدافات أصبح هناك (100000) خيمة مدمرة وغير صالحة للنازحين.
فالتهجير القسري للسكان المدنيين في قطاع غزة المتمثل في عمليات الطرد للعائلات وللأفراد والأسر رغماً عن إرادتهم من بيوتهم وأرضهم ومخيماتهم ومدنهم وقراهم بقوة العنف والتدمير من قبل الاحتلال الإسرائيلي، هو انتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحمي المدنيين في حالات النزاع المسلح وتؤمن حماية خاصة لهم وتدعو إلى تحييدهم عن أماكن الاشتباك والعمليات الحربية، وأن التهجير الفردي والجماعي الذي تقوم به دولة الاحتلال هو انتهاك جسيم للمادة رقم (49) من اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949م والتي تحظر الترحيل الفردي أو الجماعي بصرف النظر عن الدوافع والمبررات، ويخضع من يقوم بتلك الأعمال للمحاكمة وفقاً للاختصاص العالمي، وتعتبر أعمال التهجير القسري للمدنيين من الأفعال والممارسات التي تؤسس لجريمة التطهير العرقي والإبادة الجماعية. وانتهاك لاتفاقية روما لسنة 1998م على أن الترحيل والتهجير والنقل القسري للمدنيين هو جريمة ضدّ الإنسانية استناداً إلى المادة رقم (7) من الاتفاقية إذ أن أي هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان المدنيين بإبعادهم عن أماكن سكنهم أو النقل القسري لهم هو جريمة ضد الإنسانية. وأكدت المادة رقم (8) أن الترحيل والتهجير والنقل القسري للمدنيين بإصدار أوامر بتشريد السكان المدنيين لأسباب تتصل بالصراع القائم هو جريمة حرب.
التعذيب والتنكيل بالأسرى في سجون الاحتلال
لقد استغل الإحتلال الإسرائيلي حالة الحرب والعدوان ليقوم بحملة منظمة من الاعتقالات في الضفة الغربية وقطاع غزة. فوفقاً للتقارير الصادرة عن جمعية نادي الأسير لفلسطيني فقد اُستشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من أكتوبر ما لا يقل عن (25) أسيراً ممن تم الكشف عن هوياتهم وأعلن عنهم، ومنذ العام 1967 (262) أسير، واعترف أنه اعتقل أكثر من (4500) مواطن من غزة، أفرج عن المئات منهم، مع الإشارة إلى أنّ الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزة في الضّفة، إضافة إلى مواطنين من غزة كانوا متواجدين في الضّفة بهدف العلاج، وقد بلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال أكثر من (9900) وذلك حتى بداية أيلول 2024، من بينهم (3323) معتقلاً إدارياً، وأما الأسرى الذين صنفهم الإحتلال على أنهم (مقاتلين غير شرعيين) واعترفت بهم إدارة السجون فقد بلغ عددهم (1612) معتقلاً، علماً أن هذا المعطى لا يشمل كافة معتقلي غزة وتحديداً من هم في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، وبلغ عدد الأسيرات المعلومة هوياتهنّ (98) أسيرة، من بينهم سيدة حامل وهي: (جهاد دار نخلة) ومن بين الأسيرات ثلاثة من غزة معلومة هوياتهن وهن في سجن (الدامون)، فيما بلغ عدد المعتقلات إدارياً (27)، وعدد الأسيرات المذكور لا يشمل كافة الأسيرات من غزة، قد يكون هناك أسيرات في المعسكرات التابعة للاحتلال، فيما بلغ عدد الأطفال ما لا يقل عن (250) طفلاً، علماً بأن عدد الأسرى قبل 7/10/2023 قد بلغ حوالي (5250) أسير، من بينهم (40) أسيرة، و(170) طفلاً، وعدد الإداريين نحو (1320).
واستخدم الاحتلال أساليب وحشية وعدوانية بحق الأسرى وخاصة أسرى قطاع غزة، والمتمثلة بالتعذيب الجسدي وسوء المعاملة وسياسة العقاب الجماعي والعزل الانفرادي، والتعذيب النفسي، والتفتيش والإذلال، والإهمال الطبي، وتقليل وجبات الطعام، ومنع الزيارة ، والضرب المبرح وتعريض الأسرى إلى درجة حرارة مرتفعة أو رطوبة عالية، واستخدام أساليب لا إنسانية في التعذيب مثل أسلوب الضرب على الوجه، وتكسير الأصابع والأسنان، واستعمال التفتيش العاري للأسرى، وإلقاء المياه الباردة على الأسرى، والشبح لساعات طويلة دون النظر إلى أدنى درجة من احترام شخصهم أو خصوصيتهم أو حقوقهم الأساسية كأسرى حرب أو كبشر عاديين.
وفي سابقة خطيرة استخدم الاحتلال ما يعرف بقانون المقاتلين الغير شرعيين رقم (5726/2002) وتم تطبيقه على أسرى قطاع غزة . كما تم إصدار الأوامر العسكرية من قبل ما يعرف ب (قائد منطقة يهودا والسامرة) بإصدار تعديلات مؤقتة فيما يتعلق بالاعتقال الإداري تمثلت في رفع مدة توقيف الأسير لفحص إمكانية استصدار أمر اعتقال إداري بحقه، بدل( 72) ساعة لتصبح ( 6 ) أيام، وتعديل فترة عرض الأسير على جلسة التثبيت الأولى، حيث كانت في السابق ( 8 ) أيام، وأصبحت حالياً ( 12 ) يوماً، من أجل النيل من الأسرى وإخضاعهم بالقوة.
إن جرائم التعذيب والعنف الجنسي واللفظي والنفسي الذي يمارسه الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين يشكل انتهاكاً جسيماً للقواعد الآمرة في القانون الدولي الإنساني لاسيما اتفاقية جنيف الثالثة المؤرخة في 12 آب لسنة 1949م والبرتوكول الاختياري الأول الملحق بها، فقد نصت المادة رقم (13) من اتفاقية جنيف الثالثة على( وجوب معاملة أسرى الحرب معاملة إنسانية في جميع الأوقات ويحظر أن تقترف الدولة الحاجزة أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ولا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البدني، ويجب حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات وعلى الأخص ضد أعمال العنف والتهديد وتحظر تدابير الاقتصاص من أسرى الحرب)، وانتهاك للمادة رقم (15) من نفس الاتفاقية والتي أكدت على أن (تتكفل الدولة التي تحتجز أسرى الحرب بإعاشتهم دون مقابل وبتقديم الرعاية الطبية التي تتطلبها حالتهم الصحية مجاناً)، وانتهاك أيضاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (173/43) المؤرخ في 9 كانون أول/ ديسمبر من العام 1988م بشأن مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، إذ نصت المادة رقم (1) من هذا القرار على (يعامل جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن معاملة إنسانية وباحترام لكرامة الشخص الإنساني الأصيلة)، كما ونصت المادة رقم (2) من نفس القرار على أنه (لا يجوز إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن إلا مع التقيد الصارم بأحكام القانون وعلى يد موظفين مختصين أو أشخاص مرخص لهم بذلك)، وأيضاً المادة رقم (3) من القرار على أنه (لا يجوز تقييد أو انتقاص أي حق من حقوق الإنسان التي يتمتع بها الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والتي تكون معترفاً بها أو موجودة في أية دولة بموجب القانون أو الاتفاقيات أو اللوائح أو الأعراف، بحجة أن مجموعة المبادئ هذه لا تعترف بهذه الحقوق أو تعترف بها بدرجة أقل). وانتهاك للقاعدة رقم (117) من قواعد الصليب الأحمر الدولي التي أكدت على ضرورة أن تتخذ كافة أطراف النزاع الإجراءات المستطاعة للإبلاغ والإفادة عن الأشخاص المفقودين في النزاع المسلح، وضرورة تزويد أفراد عائلاتهم بأية معلومات عن مصيرهم وتنطبق هذه القاعدة على النزاعات المسلحة ذات الطابع الدولي وذات الطابع الغير دولي.
تدمير البنية التحتية
لقد تعمد الاحتلال استهداف البنية التحتية في قطاع غزة بشكل منظم من خلال تدمير شبكات المياه والكهرباء وشبكات الصرف الصحي والشوارع والآبار الارتوازية من أجل إجبار المواطنين على النزوح وتطبيق مخطط التهجير القسري غزة. وقد أسفر الاستهداف المنظم للبنية التحتية في قطاع غزة عن تمدير حوالي (3130) كيلو طولي من شبكات الكهرباء، و (330000) متر من شبكات المياه، و( 655000) متر طولي من شبكات الصرف الصحي و(2835000) متر طولي من شبكات الطرق والشوارع، و (700) بئر مياه.
إن تدمير البنية التحتية يشكل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني لا سيما لمعاهدة لاهاي بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية لسنة1907م)، إذ نصت المادة رقم (56) من الاتفاقية على أنه ( يجب معاملة ممتلكات البلديات وممتلكات المؤسسات المخصصة للعبادة والأعمال الخيرية والتربوية، والمؤسسات الفنية والعلمية، كممتلكات خاصة، ويحظر كل حجز أو تدمير أو إتلاف عمدي لمثل هذه المؤسسات، والآثار التاريخية والفنية والعلمية، وتتخذ الإجراءات القضائية ضد مرتكبي هذه الأعمال).
كما بلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة جزئياً نتيجة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 07/10/2023 نحو 297,000 وحدة سكنية، فيما بلغت الوحدات السكنية المهدمة كلياً 87,000 وحدة سكنية .وأشارت بيانات مركز الأمم المتحدة للأقمار الصناعية () إلى أن عدد المباني المتضررة نتيجة عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 07/10/2023 بلغت نحو 156,423 مبنى.
الخطوات الواجب القيام بها على الصعيد المحلي والدولي
نظرا لهول المجاز وأعمال الإبادة الجماعية التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني على مدار عام كامل من العدوان، وفي ظل عجز المنظومة الدولية بما فيها من آليات ومؤسسات عن وقف هذا العدوان، فإنه أصبح لزاماً على القوى والفعاليات والمؤسسات الأهلية والوطنية الفلسطينية من أحزاب ومؤسسات المجتمع المدني تبني استراتيجية وطنية لمجابهة هذا العدوان على الصعيد المحلي والدولي.
على الصعيد المحلي
إن الكل الفلسطيني في ظل استمرار العدوان أصبح لزاماً عليه القيام بعدد من الخطوات الفورية على المستوى الداخلي من خلال عدد من الإجراءات المتمثلة في:
1- إعلان سياسي واضح من كافة الأحزاب والفصائل الفلسطينية وتبني ميثاق شرف وطني لإنهاء الانقسام ووقف حالة التجاذبات السياسية الفصائلية التي أنهكت المجتمع الفلسطيني منذ الانقسام إلى يومنا هذا.
2- تعزيز التضامن والتكافل المجتمعي بين فئات الشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية لأن التماسك الاجتماعي هو السبيل الوحيد الذي يحافظ على وحدة المجتمع في ظل حالة النزوح والتدمير التي فرضها الاحتلال وخاصة في قطاع غزة.
3-وضع إستراتيجية إغاثية من المؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني لإغاثة أهلنا المنكوبين في قطاع غزة.
على الصعيد الدولي
يجب على الحكومة الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني التحرك من خلال المؤسسات الدولية والمستقلة والتابعة لمنظمة الأمم المتحدة والدول الشقيقة والصديقة للقيام بعدد من الخطوات الفورية:-
1-مخاطبة الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي من أجل استصدار قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لوقف مجازر الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية.
2-مخاطبة منظمة الصليب الأحمر الدولية للقيام بمهامها وواجباتها القانونية والأخلاقية والإنسانية فيما يتعلق بالأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال والأشخاص المختفين قسرياً لدى الاحتلال بضرورة زيارتهم وإبلاغ ذويهم عن أوضاعهم.
3-تقديم مشروع قرار لوقف العدوان على الشعب الفلسطينيين للجمعية العامة للأمم المتحدة لإقراره تحت بند الاتحاد من أجل السلام في الأمم المتحدة في حال إخفاق مجلس الأمن.
4-دعوة الأطراف السامية الموقعة على اتفاقيات جنيف بضرورة إجبار إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال على تطبيق اتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
5-التواصل مع منظمات الأمم المتحدة من (اليونسيف، اليونسكو، مجلس حقوق الإنسان) والمقررين الخاصين للأمم المتحدة من أجل زيارة الأراضي الفلسطينية والاطلاع على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني من قبل حكومة الاحتلال.
6-الطلب من المحكمة الجنائية الدولية بضرورة إصدار مذكرات التوقيف بحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بناء على توصية المدعي العام كريم خان وعدم الرضوخ للضغوطات الخارجية.
7-تقديم ملفات تتعلق بجرائم الإحتلال الإسرائيلي إلى المحاكم الوطنية للدول التي تسمح أنظمتها المحلية بمحاكمة مجرمي الحرب بصرف النظر عن جنسياتهم وعن النطاق الجغرافي للجريمة المرتكبة.