جنين: ندوة لـ "آفاق البيئة والتنمية" تستعرض تداعيات اجتياحات الاحتلال المتكررة لشمال الضفة
أوصت ندوة (مجلة آفاق البيئة والتنمية)، المكرسة لمناقشة تداعيات استهداف الاحتلال المتكرر للبنية التحتية في جنين وطولكرم ونابلس ومخيماتها، بضرورة تنسيق عمل المؤسسات العاملة في إزالة آثار العدوان وتعزيز شراكتها، ووضع خطة وطنية لتعزيز صمود المواطنين.
وأشار مسؤولون وممثلو مؤسسات رسمية وأهلية وخدماتية، خلال الندوة التي استضافها مقر مركز العمل التنموي / معًا في جنين، إلى آليات عمل جديدة وضعها مجلس الوزراء للإسراع في إجراءات إعادة الإعمار، كما حثوا الحكومة على الإسراع في صرف مستحقات المقاولين.
خطة وطنية
ودعا المديرون العامون لوزارات الحكم المحلي والأشغال العامة والإسكان والصحة وسلطة جودة البيئة، ورئيسا بلديتي جنين وطولكرم، وممثلو اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم نور شمس، ومدير شركة كهرباء الشمال في جنين، وممثل الغرفة التجارية، ومنسق (معاً) في جنين إلى تحديث أسطول آليات المؤسسات الرسمية وتطويره، وتفعيل خطة طوارئ وطنية تكون قادرة على الاستجابة السريعة للتدمير الهائل الذي تحدثه اجتياحات الاحتلال والكوارث الطبيعية المتوقعة.
وشدّد المشاركون في الندوة الحوارية، التي أدارها الصحافي عبد الباسط خلف، على أهمية التوعية الوطنية والإعلامية لمجابهة مخططات الاحتلال في تحويل حياة المواطنين إلى جحيم، من خلال استهداف الطرقات والبنية التحتية، الذي تكرر قرابة 40 مرة خلال العام الحالي، وحتى نهاية أيلول الماضي.
وطالبوا المؤسسات الدولية الإغاثية والحقوقية بممارسة دورها في الضغط على الاحتلال للكف عن استهداف البشر والحجر والشجر، ورفع اليد عن المؤسسات الصحية، وحثوا الإعلاميين على نقل قصص المعاناة التي تتسبب بها الاجتياحات المتلاحقة بلغات أجنبية، وتوثيق حالات الصمود والتطوع في إعادة الإعمار ورفع الأضرار.
نور شمس
وأكد أمين سر اللجنة الشعبية للخدمات في مخيم نور شمس، رامي عليّان، أن الاحتلال دمر طرقات المخيم وبناه التحتية خلال العشرة أشهر الماضية أكثر من 40 مرة، ما تسبب في تضرر 267 بيتًا بالكامل، وتخريب جزئي لـ 1600 بيت، عدا عن تكرار استهداف شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي والكهرباء، وتخريب المتاجر.
وأوضح أن اللجنة ومؤسسات المحافظة الرسمية والقطاع الخاص والمتطوعين عملوا وفق مبدأ (الفزعة) لسرعة إزالة الركام والتدمير، لكنهم بدأوا يشعرون بالإرهاق والتعب، في أعقاب تكرار الاحتلال استهداف البنية التحتية، ما يستدعي دعمهم.
صحة وبيئة
فيما بيّن مدير عام وزارة الصحة في جنين، د. وسام صبيحات، أن الاحتلال استهدف مستشفيات المدينة خلال 56 اجتياحًا تعرضت لها في عام واحد.
وقال إن العدوان "شبه يومي"، ويبدأ بمحاصرة المؤسسات الصحية الثلاث، خاصة أن 3 من أصل 4 منها تقع في منطقة قريبة، وبجوار مخيم جنين المستهدف.
وأشار إلى أن جنين تعاني في الأساس، إذ لا يوجد لـ 350 ألف مواطن غير 500 سرير، بجوار 57 مركزًا صحيًا حكوميًا في المحافظة، و700 منشأة طبية خاصة، و6 سيارات إسعاف حكومية، و20 مركبة خاصة، فيما يمعن الاحتلال في كل عدوان بتجريف الطرقات المحيطة بالمستشفيات وتدمير شبكات المياه.
من موقعها، أوضحت مديرة مكتب سلطة جودة البيئة في جنين، م. لمى جراد، أن عمليات التجريف المرافقة لكل اقتحام تتسبب في زيادة انبعاثات الغبار، كما تراكم أنقاضًا وركامًا يصعب التخلص منه، مثلما يتم تخريب شبكات المياه والصرف الصحي، ويستهدف المحتلون حاويات جمع النفايات، ويقتلعون الأشجار، ويتلفون كل شيء أمامهم.
وأكدت أن عمليات التدمير تؤدي إلى "مكرهة صحية"، وتجمع المياه العادمة أو جريانها، إضافة إلى اختلاطها بالمياه المنبعثة من الشبكات المستهدفة، وجريانها نحو الأراضي الزراعية، ما يعني التسبب بـ"كارثة يصعب التعايش معها".
وقالت جراد إن الاجتياحات تترافق مع استخدام كميات كبيرة من القذائف والذخيرة والقنابل الحارقة، ما يعني انبعاثات ضارة وتلويث للهواء والتربة، والمس بطبقة الأوزون، عدا عن توجه بعض المواطنين لحرق النفايات جراء تعطل خدمة جمعها واستهداف حاوياتها.
وسلط مسؤول الحاسوب في الغرفة التجارية الصناعية الزراعية، ناظم تركمان، الضوء على تداعيات الاجتياحات المتكررة في جنين، والتي مست بقطاعاتها التجارية والصناعية والزراعية بشكل واضح وكبير.
وقال إن عددًا كبيرًا من المتاجر تعرض لتدمير جزئي وكلي في المدينة وخاصة حيها الشرقي ووسطها التجاري ومخيمها وبلدات محيطة، ما تسبب بخسائر كبيرة جرى حصرها بعد 3 اجتياحات، وتعكف اللجان المختصة على إعلان رقم نهائي للخسائر.
مشهد قاتم
فيما رسم رئيس بلدية طولكرم، د. رياض عوض، مشهدًا قاتمًا لما تعانيه المدينة ومخيميها، وما تسبب به ذلك من خسائر.
وأفاد بأن البلدية، بخلاف كل المدن، هي التي تزود مخيمي نور شمس وطولكرم بالكهرباء والمياه، وبفعل تكرار الاجتياحات أكثر من 20 مرة، فقد تسبب ذلك في تدمير واسع للبنية التحتية، ولم تسلم الطرقات الرئيسة في المخيمين ومشارف المدينة الرئيسة من التدمير والتجريف بطول نحو 5 كيلومترات، فيما تعمد الاحتلال لتخريب شبكات المياه والكهرباء.
وقال إن البلدية غيًرت محولات الضغط العالي للكهرباء 15 مرة في غضون 10 أشهر، ما كبد البلدية "خسائر فادحة وملحوظة"، وأثر على خدمة تزويد المواطنين للمياه من 6 آبار مركزية، خاصة بعد تدمير الخطوط الناقلة والمغذية.
وأضاف أن الصرف الصحي يشكل "معضلة بالغة التعقيد"، فالخطوط تحتاج وقتًا طويلًا لإعادة ربطها، وإصلاح اضراراها، ويترافق ذلك مع مكاره صحية، وروائح كريهة، وانتشار البعوض، وخطر ترسب المياه العادمة إلى المياه الجوفية.
وأشار إلى أن جهود المؤسسات الحكومية الرسمية والأهلية والخاصة تتكاتف بعد كل اجتياح، فيما قصرت الحكومة من إجراءات سداد المقاولين إلى 56 يوم عمل.
تدمير وصمود
فيما وصف رئيس بلدية جنين، نضال عبيدي، ما تتعرض له المدينة ومخيمها وريفها بالتدمير الممنهج، الذي يجري وفق "خطة مدروسة ومعدة سلفًا"، إذ تبدأ جرافات الاحتلال بالعبث وتقطيع أوصال الطرق، وتخريب البنية التحتية، واستهداف شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات، ومحاصرة المستشفيات.
وقال إن الجرافات الثقيلة تبدأ بفصل محاور الطرق، وتقطع المناطق عن بعضها، وتستهدف الطرق الرابطة، وتكرر التدمير في الحي الشرقي، ودمرت وسط السوق التجاري، ولاحقت الدوواير والميادين العامة.
وأضاف أن الهجمة الشرسة على جنين تطال الشوارع والمواطنين، كما أن الحكومة جزء من الشعب وهي محاصرة ماليًا.
وشدد عبيدي على أن طواقم البلدية والمؤسسات الشريكة تعمل، حتى خلال العدوان، على إعادة إيصال الخدمات الأساسية للمواطنين، وتتشارك مع الوزارات والقطاع الخاص لإصلاح ما يمكن إصلاحه.
وقال إن أكثر شيء يسعى الاحتلال بشكل متكرر لاستهدافه في جنين والمحافظات الأخرى "حالة الصمود"، التي يعتبرها "عائقًا أمام تمرير مخططاته"، مثلما يمعن في تحويل حياة المواطنين إلى جحيم، وتضييق الخناق عليهم.
وأوضح أن البلدية كررت حصر أضرار الاجتياحات كثيرًا خلال العام الأخير، وأن العملية متواصلة؛ لأن العدوان يتكرر، ويعود لتدمير ما دمره من طرقات وبنية تحتية ومتاجر.
من جانبه، قال مدير شركة كهرباء الشمال في جنين، عبد الناصر أبو عزيز، إن استهداف شبكات الكهرباء في المحافظات متشابه تمامًا، ويسعى الاحتلال للهدف نفسه من عمليات التدمير المتلاحقة.
كهرباء مُستهدفة
وأضاف أن اجتياح جنين في أواخر أيلول الماضي، الذي استمر نحو 12 ساعة، تسبب في تدمير خطوط رئيسة، منها الخط الناقل إلى محافظة طوباس، وخطوط فرعية أخرى وأعمدة وسلالم، وأجبر الشركة على إجراء 48 عملية صيانة في المدينة، كبدت الشركة خسائر بـ 213 ألف شيقل.
وقال إن استهداف الاحتلال لم يتوقف عند إتلاف المحولات والشبكات والبنية التحتية للتيار الكهربائي، بل تجاوز ذلك بتدمير كلي وجزئي لـ 5 مركبات كانت متوقفة في ساحة الشركة، منها رافعة خرجت عن الخدمة ثمنها نحو 350 ألف شيقل.
وأشار إلى أهمية "الصمود والإصرار على إعادة البناء بعد كل عدوان، وعدم الانصياع لمخططات الاحتلال، وتقديم الخدمات الممكنة لأبناء شعبنا".
حلقة مُفرغة
واسترد مدير عام وزارة الأشغال العامة والإسكان، م. بسام مرعي، تداعيات أول تدمير وتخريب في جنين ومخيمها في الثالث والرابع من تموز 2023، إذ أجرت الوزارة بالشراكة مع الحكم المحلي واللجنة الشعبية للخدمات حصرًا دقيقًا وسريعًا للإضرار بـ 56 مليون شيقل.
وقال إن الوزارة شرعت بعد وقت قصير، في ترميم الأضرار وإصلاحها، لكن الاحتلال أعاد في اليوم التالي تجريف الطرقات المُعبدة، ثم تلاحقت عمليات التخريب.
وأضاف أن التخريب في الحي الشرقي خلال 12 ساعة تسبب في إعادة تدمير ما نفذه الشركاء من إصلاح عقب اجتياح استمر 10 أيام، وجرى استهداف شبكات الكهرباء والصرف الصحي والمياه وتجريف الطرقات.
اجتياح فتكافل
وتبعًا لمدير عام الحكم المحلي في جنين، م. عبد المجيد مدنية، فقد بدأت الوزارة العمل على حصر أضرار الاجتياحات المستمرة منذ تموز 2023، لكن المعضلة أن الاحتلال "يعيد بعد كل إعمار تدمير ما تم إصلاحه، وأحيانًا بعد يوم واحد".
وبيّن أن الوزارة بالشراكة مع لجان حصر الأضرار للتدمير الأول، توصلت إلى خسائر بـ 55 مليون شيقل، وحينما بدأت بالعمل والصرف والإصلاح جرى التدمير مرات عديدة.
وتطرق إلى انتقال التدمير من المدينة خاصة حيها الشرقي ووسطها التجاري ومخيمها إلى بلدات وقرى، ما تسبب في "إرباك كبير" للهيئات المحلية الكبرى خاصة، من بين 80 هيئة تشرف الوزارة على خدماتها.
وقال إن مؤسسات جنين حولت الاجتياح الأخير إلى "فرصة للعمل والتطوع والتكافل والبقاء"، إذ تداعت عشرات المؤسسات ومئات الآليات للعمل منذ صباح يوم جمعة، وسط أجواء حافلة بالتحدي والعنفوان.
وأضاف مدنية أن الاحتلال يسعى إلى خلق "حالة طاردة" للمواطنين، من خلال تخريب ممتلكاتهم وشوارعهم، وإيجاد وضع متوتر لكن إرادة الصمود باقية.
ووضح التسهيلات الفنية التي قدمتها الحكومة للجنة الإعمار وحصر الأضرار، إذ أعطت خلال 3 أشهر قادمة أذونات بالشراء والتعاقد المباشر؛ لضمان سرعة التنفيذ.
وتطرق إلى تأثير الاجتياحات على إيرادات الهيئات المحلية، إذ تراجعت جباية الأموال، وتوقف المشاريع، وتعجز الحكومة عن دفع مستحقاتها، وتشكلت حالة من العزوف لبعض المقاولين بالعمل وسط بيئة غير مستقرة تهدد آلياتهم وعمالهم، ما أثر سلبًا على الهيئات المحلية.
تنسيق وإغاثة
بدوره، قال منسق مركز العمل التنموي في جنين، حسن أبو الرب، إن المركز يقود جسمًا تنسيقيًا في قطاع غزة مع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ومنطمة "اليونسيف"، ويرعى عمليات إغاثة، مثلما شرع في جنين وطولكرم بتقديم مشاريع إغاثة خاصة مع الهيئات المحلية والمستشفيات.
وذكر أن المركز ينتظر تنفيذ مشروع لتوفير خزانات مياه كبيرة لمستشفى جنين الحكومي، تلبى احتياجاته وتقلل من تضرره خلال العدوان، إضافة إلى تركيزه على تقديم مساعدات للهيئات المحلية لإصلاح شبكات المياه والصرف الصحي المتضررة جراء الاجتياحات المتكررة.