الطقس
Loading...
أوقات الصلاة
الفجر 4:36 AM
الظهر 11:23 AM
العصر 2:25 PM
المغرب 4:52 PM
العشاء 6:08 PM
العملات
Loading...
ترددات البث
جنوب فلسطين FM 96.8
أريحا و الأغوار FM 96.8
وسط فلسطين FM 98.3
جنين و الخليل FM 98.3
شمال فلسطين FM 96.4

غوتيريش هل يلقى مصير همرشولد؟.. عندما تدفع الأمم المتحدة ثمن عجزها

الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش
الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش

وضع إعلان إسرائيل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، "شخصاً غير مرغوب فيه" المنظومة الأممية أمام معضلة كبيرة، وحالة من الانكشاف غير المسبوق لحقيقة ما تمثله المنظمة الدولية، وصدقية المعايير المتبعة في التعامل مع دول العالم. كما كشف الوجه الحقيقي لإسرائيل التي استمدت "شرعية وجودها" من الأمم المتحدة وليس لأنها صاحبة حق وأرض. كما كشف طبيعة إسرائيل كدولة فوق القانون وفوق كل الاعتبارات ما دامت تستمد شرعية وجودها من مركز القرار الأمريكي وترسانته العسكرية.

تحديات كبيرة لحماية من يدافع عن العدالة اثر تصريحات غوتيريش حول حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل في قطاع غزة، فيما يمكن أن يمثل قرار إسرائيل تدشينا لمرحلة من الاغتيال المعنوي لغوتيريش.

ويرى كتاب ومحللون سياسيون ومختصون، في أحاديث منفصلة لـ"القدس أون لاين"، أن هذه الخطوة الإسرائيلية بحق أهم رمزية أممية تعد صفعة قوية للمنظومة الدولية بأكملها، في ظل غياب أي رد فعل حازم من المجتمع الدولي.

وقالوا إن القرار الإسرائيلي وإن كان لا يهدد حياته، لكنه يندرج في إطار "إعدام معنوي" لشخص الأمين العام، حيث تمارس إسرائيل إرهاباً دبلوماسياً ضد كل من يعارضها، ووصل بها الأمر حد الاستخفاف بالشرعية الدولية، متسلحة بالحماية الأمريكية، ما زاد من تجرؤها وجرأتها على اتخاذ مثل هذه الخطوات ضد شخصيات بارزة في المجتمع الدولي.

إسرائيل تزدري القوانين والمعايير الدولية

ووصفت الكاتبة والمحللة السياسية والمختصة بالشأن الدبلوماسي والعلاقات الدولية نور عودة، تصرف إسرائيل تجاه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بالحادثة النادرة التي تعبر عن العنجهية الإسرائيلية وتجاهلها الفاضح للمنظومة الدولية، حيث قررت إسرائيل اعتبار غوتيريش "شخصاً غير مرغوب فيه"، ومنعته من دخولها، في خطوة تمثل ازدراء إسرائيل بالقوانين والمعايير الدولية التي تخضع لها الدول.

وفي مقارنة بين تصرفات الولايات المتحدة وإسرائيل، قالت عودة إنه وبالرغم من المواقف المتشددة لواشنطن تجاه منظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك تصنيفها كمنظمة إرهابية ومحاولة منع بعثتها من دخول الأمم المتحدة قبل عملية السلام، إلا أن الولايات المتحدة اضطرت لاحترام القوانين الدولية ودورها كدولة مضيفة، لافتة إلى أن واشنطن فرضت قيوداً على بعثة فلسطين، لكنها لم تصل إلى حد كسر المنظومة الدولية كما تفعل إسرائيل.

وتطرقت عودة إلى محاولة الولايات المتحدة منع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من إلقاء خطاب في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني، مشيرة إلى أن الجمعية نقلت مقرها مؤقتاً إلى جنيف لإتاحة الفرصة لعرفات، مؤكدة أن هذا هو الدور الذي يجب أن تلتزم به الأمم المتحدة.

تجاهل أمريكي متعمد للخطوة الإسرائيلية

وأكدت عودة أن إسرائيل تتجاهل بشكل كامل القوانين الدولية وتتصرف بعنجهية مفرطة، مشيرة إلى أن الخطوة التي اتخذتها ضد غوتيريش هي صفعة للمنظومة الدولية بأكملها. 

وأشارت عودة إلى أن إسرائيل لا تعير اهتماماً لكل المنظومة الدولية وهذا أمر مريع، ومن اللافت أن مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن لم تات على ذكر ما جرى مع غوتيريش حتى تعبر عن دعمها للأمين العام، وهو ما يدلل على ان إسرائيل خارج كل الحسابات.

وترى عودة أن إسرائيل تريد من العالم أن يصفق لها ويغض الطرف عن جرائمها، مؤكدة أنه بالرغم من أن حياة غوتيريش ليست مهددة بشكل مباشر، خاصة أنه في نهاية ولايته، بالرغم من أنها الان تتصرف بلا كوابح وترتكب الإبادة ولا شيء مستبعداً عنها، لكن ما حدث بحق غوتيريش يمثل صفعة سياسية للمنظومة الدولية.

وأوضحت عودة أن إسرائيل سبق أن اتخذت إجراءات عقابية ضد فرق الأمم المتحدة، قبل الحرب، ومنعت تلك الطواقم من دخول فلسطين للقيام بعملها.

وترى عودة أن إسرائيل تتجاهل وتعاقب وتقاطع الدول التي تحاول الدفاع عن المنظومة الدولية والقانون الدولي الذي يعترف بفلسطين، وكذلك المسؤولون الدوليون الذين يصرحون ويتخذون مواقف وفق ما تمليه ضمائرهم، لكن اسرائيل وصلت عنجيتها بأنها تريد من العالم كله أن يصفق لها ولجرائمها ولا أحد ينتقدها.

وتساءلت عودة عن غياب أي رد فعل دولي حازم تجاه هذه الانتهاكات، معتبرة أن الدول تساير إسرائيل بدلاً من اتخاذ خطوات عقابية ضدها، مثل طردها من الأمم المتحدة، ما يؤكد وجود خلل في تعاطي الدول مع هذه العربدة الإسرائيلية.

ترهيب المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية

وأشارت عودة إلى أن إسرائيل لديها تاريخ طويل من الإرهاب الدبلوماسي، بما في ذلك الترهيب والتجسس على الدبلوماسيين الفلسطينيين والمسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية حتى رؤساء بعض الدول، ومؤخراً صدرت تقارير عن محاولات إسرائيل ترهيب المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية وترهيب المدعي العام الحالي وترهيب الدبلوماسيين الفلسطينيين المسؤولين عن ملف المحكمة والتجسس عليهم.

ولفتت عودة إلى أن بعض الدول أعربت عن دعمها لغوتيريش خلال الجلسة الطارئة لمجلس الأمن، لكنها شددت على أن هذا الدعم غير كافٍ، وأن هناك حاجة لاتخاذ خطوات دبلوماسية عملية ضد إسرائيل، بما فيها فكرة طرد إسرائيل من الجمعية العامة للأمم المتحدة، لأنها دولة لا تحترم الميثاق والأمين العام للأمم المتحدة ولا منظمات الأمم المتحدة بما فيها الأونروا وتعاديها وتحاربها وتقتل موظفيها، لذا هناك كثير من الخطوات التي بإمكان الدول أن تتخذها بشكل فردي أو جماعي لمواجهة إسرائيل، والأيام مفصلية أمامها إن كانت هناك شجاعة لاتخاذ خطوات ضد إسرائيل أم لا.

ودعت عودة المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات شجاعة في مواجهة "العربدة السياسية" الإسرائيلية، معتبرة أن استمرار هذه السياسات يعكس خللاً في تعامل الدول مع إسرائيل، ويعزز من موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته.

"إعدام معنوي" بحق غوتيريش

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطا الله إن الهجمة الإسرائيلية على شخص الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش تأتي في إطار حملة تشهير منظمة وليست عفوية ضده والأمم المتحدة بشكل عام.

ولفت عطا الله إلى أن إسرائيل، في هذا السياق، لم تكتفِ باتهام غوتيريش بأنه غير مرغوب به، بل وصفت الأمم المتحدة في وقت سابق بأنها منظمة إرهابية وغير أخلاقية، في إشارة إلى محاولات سابقة لزعزعة شرعية المنظمة الدولية. 

ويرى عطا الله أن هذه التصرفات من قبل إسرائيل تُعد إرهاباً دبلوماسياً موجهاً ليس فقط ضد الأمين العام، بل ضد أكبر مؤسسة دولية تمثل العالم بأسره.

وقال عطا الله إن هذه الحملة ضد غوتيريش لا تهدف فقط إلى تشويه سمعة غوتيريش بل إلى تنفيذ عملية "إعدام معنوي" بحقه، من خلال تصويره كعدو لإسرائيل ومعادٍ للسامية. 

وشدد عطا الله على أن غوتيريش لا يمكنه أن يتخذ موقفاً آخر، فهو يمثل منظمة أممية تحمي الأعراف والمواثيق الدولية التي انتهكتها إسرائيل، لا سيما في الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، وجرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبتها في قطاع غزة.

ويرى عطا الله أيضاً أن هناك تقصيراً عالمياً في دعم غوتيريش والأمم المتحدة، حتى من جانب الولايات المتحدة التي أوقفت في وقت سابق تمويلها لوكالة الأونروا التابعة للامم المتحدة، وضغطت على الدول لعدم التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن لصالح قضايا تمسّ إسرائيل.

إسرائيل فوق القانون الدولي وبحماية أمريكية

بدوره، قال الكاتب الصحفي مهند عبد الحميد إن قرار إسرائيل بحق غوتيريش هو امتداد للموقف الإسرائيلي العدائي من الشرعية الدولية ورموزها، وله صلة بوضع إسرائيل فوق القانون بحماية أمريكية وبتواطؤ معظم الدول الكبرى. 

وأشار عبد الحميد إلى أنه عندما تفلت الدولة الإسرائيلية من العقاب والمساءلة مهما ارتكبت من انتهاكات، فمن المنطقي أن تمعن في انتهاكها للقانون الدولي، إذ إن إسرائيل بلغت حد الاستخفاف بأهم رمز للشرعية الدولية وهو الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. 

وحسب عبد الحميد، فإنه لم تكن المرة الأولى التي يتعرض فيها  السيد غوتيريش للهجوم والتقريع من قبل المسؤولين الإسرائيليين، فقد تم وصمه بالعداء للسامية لمجرد انه ربط هجوم 7 أكتوبر - طوفان الأقصى- بسياسة الاستيطان وضم الأراضي والتنكر الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية المشروعة.

وقال عبد الحميد: إن الصلافة الإسرائيلية بلغت أوجها حين طالب المندوب الإسرائيلي غوتيريش بالاستقالة، بتهمة الدفاع عن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، والآن تحظر الحكومة الإسرائيلية دخول الأمين العام  لإسرائيل، بمعنى آخر تعاقبه، والعقاب هو طقس إسرائيلي أرعن  ينتمي إلى شريعة الغاب وغطرسة القوة.

إسرائيل تعاقب المؤسسات والمنظمات الدولية

وأشار عبد الحميد إلى أن إسرائيل تعاقب المؤسسات والمنظمات الدولية: اليونسكو لأنها قبلت عضوية فلسطين، ومحكمة العدل الدولية لأنها طرحت قضية الإبادة، ومحكمة الجنايات لأنها ستصدر مذكرة جلب نتنياهو ووزير حربه غالانت للمساءلة أمام العدالة بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وإسرائيل تعاقب مجلس حقوق الانسان وتعاقب منظمة هيومان رايتس ووتش، وتمنع مكتبها من العمل في مدينة القدس بسبب تقرير صادر عن المنظمة يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم الحرب، وإسرائيل تعاقب منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين الأونروا وتحاول منعها من ممارسة دورها الإنساني في إغاثة المهجرين المهددة حياتهم.

ولفت عبد الحميد إلى أن إسرائيل تعاقب الحكومات التي تعترض على الانتهاكات الإسرائيلية، وبخاصة جرائم الحرب وحرب الإبادة، أو التي تعترف بدولة فلسطين وبحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وكان آخر الدول التي تتعرض للعقوبات الإسرائيلية هي النرويج وإسبانيا وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول.

وشدد عبد الحميد على أن إسرائيل ما كانت لتجرؤ على تقويض دور المنظمة الدولية وإفراغه من مضمونه الحقوقي الإنساني، وعلى احتقار القانون الدولي، من دون الحماية الأمريكية وتواطؤ الدول العظمى وسياسة النفاق الدولي والتعامل بمعايير مزدوجة.

اغتيال الأمين العام للأمم المتحدة في العام 1961

وأضاف عبد الحميد: لا أعتقد أن حياة غوتيريش معرضة للخطر كما حدث مع سلفه عام 1961، والسبب أنه لا يوجد خطر يهدد إسرائيل، لأن الولايات المتحدة تدافع عن إسرائيل وهي تتمرد على القانون الدولي وتوفر لها الحماية وتساعدها في الإفلات من العقاب، وتحول الأمم المتحدة إلى جهاز معطل طالما كانت إسرائيل هي المتهمة.

ويرى عبد الحميد أن إسرائيل في هذا الزمن تعاقب المؤسسات والدول والأمين العام وتمزق ميثاق الأمم المتحدة في اجتماع الجمعية العامة وعلى مرأى كل الدول والشعوب، ولا تحتاج إلى استخدام الاغتيال كما فعلت سابقاً، ولطالما بقيت المؤسسة الدولية لا تدافع عن ميثاقها وعن منظومة القوانين والمعاهدات.

وأكد عبد الحميد أن التحكم الأمريكي بالمؤسسة الدولية وشل عملها في كل ما يتعلق بمحاسبة إسرائيل أقوى بما لا يقاس من استخدام أساليب الاغتيال كما حدث مع الأمين العام السابق  همرشولد، وإذا كان الاغتيال السابق يعد عملاً إرهابياً فإن معاقبة المؤسسات ومعاقبة الرموز وتمزيق ميثاق الأمم المتحدة يعد أعلى مستويات الإرهاب وأخطرها.

السواد الأعظم من الدول والشعوب ستدعم غوتيريش

من جانب آخر، قال عبد الحميد إن السواد الأعظم من الدول وكل الشعوب ستدعم غوتيريش ضد الترهيب والعقوبات، ولكن المواقف بلا سند عملي تبقى عاجزة عن تغيير المعادلة التي وضعت إسرائيل فوق القانون، وبدون الضغط على المصالح، وتحديداً بدون فرض عقوبات على إسرائيل.

ولفت عبد الحميد إلى إن الاتفاقية الأوروبية الإسرائيلية تنص صراحة على رفض الانتهاكات وبخاصة التوسع الاستيطاني  وضم الأراضي وجرائم الحرب، وتضع ذلك شرطاً ملزماً لإسرائيل التي تنتهكه شر انتهاك، والاتحاد الأوروبي يغض الطرف عن الانتهاكات الإسرائيلية الفاقعة، والاتفاقات العربية الإسرائيلية- معاهدات "السلام" تنص على اعتماد السلام لجميع شعوب المنطقة لكن إسرائيل لا تحترم ذلك وتعمل عكسه، ما يستدعي إضرابا أو تجميداً أو ضغوطاً من قبل الدول العربية التي أبرمت الاتفاقات، وعلى الأقل مبادرات عربية ضد الاستيطان والمستوطنين وضد انتهاك المسجد الأقصى والأماكن المقدسة، قد تتبعها مبادرات أوروبية ومن دول صديقة، لا بديل من حفر مجرى عملياتي يدافع عن الحقوق وعن القانون الدولي في مواجهة شريعة الغاب الإسرائيلية.

إرهاب ضد كل من يدافع عن العدالة والإنسانية

وقالت د. دلال عريقات، أستاذة الدبلوماسية وحل الصراعات في الجامعة العربية الأمريكية: إن اعتبار إسرائيل للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "شخصاً غير مرغوب فيه" هو تجسيد للإرهاب الدبلوماسي الذي تمارسه إسرائيل ضد كل من يفضح جرائمها ويوثق انتهاكاتها للقانون الدولي، وضد كل من يدافع عن العدالة والإنسانية. 

وأكدت عريقات أن هذا القرار ليس مجرد تصعيد دبلوماسي، بل يعكس تزايد التوتر بين إسرائيل والمجتمع الدولي، ويجسد عجز إسرائيل عن استخدام الأدوات القانونية والأخلاقية في مواجهة الانتقادات الموجهة إليها، فهي تهاجم شخصاً يمثل النظام الدولي بأسره، وقد يظن البعض أن في هذا القرار تحدٍ للمجتمع الدولي، لكن ذلك إهانة مباشرة للنظام الدولي وعزلة إسرائيل عن هذا النظام بمخالفاتها المستمرة.

وأشارت عريقات إلى أن هذا القرار يمثل إهانة مباشرة للنظام الدولي بأسره، لأنه يهاجم شخصية دولية تمثل المجتمع الدولي، ويعكس رفض إسرائيل للانتقادات المتزايدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها في الأراضي الفلسطينية. 

واعتبرت عريقات أن الخطوة الإسرائيلية تشكل ضغطاً دبلوماسياً هدفه تقليص شرعية المنظمات والشخصيات التي تنتقد سياساتها، مما يبرز عزلتها المتزايدة داخل المجتمع الدولي.

وبالرغم من أن هذا القرار قد لا يشكل تهديداً مباشراً على حياة غوتيريش، فإن عريقات نبهت إلى أن هذه الخطوة تزيد من مخاطر تدهور العلاقات الدبلوماسية وتفتح الباب أمام مخاطر دبلوماسية وسياسية أخرى. 

وأكدت عريقات أن الخطاب العدائي ضد الأمين العام قد يزيد المخاوف حول سلامته، مشيرةً إلى أن أي تهديد مباشر لحياته سيخضع لتحقيق دولي لن تسمح إسرائيل بحدوثه، تجنباً لعواقب قد تؤدي إلى عزلتها بشكل كامل عن المجتمع الدولي.

اغتيال داغ همرشولد

وذكّرت عريقات بمصير الأمين العام السابق للأمم المتحدة داغ همرشولد، الذي قُتل في حادث تحطم طائرته عام 1961، حيث أنه كان ضحية سياقات جيوسياسية معقدة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت هناك نظريات حول تدخّل جهات معينة في حادث إسقاط طائرته. 

وربطت عريقات بين تلك الواقعة والتحريض المتزايد ضد غوتيريش، مؤكدة أن هذا التحريض يجب أن يُؤخذ بجدية وأنه يذكر العالم بخطورة تجاهل مثل هذه التهديدات.

وشددت عريقات على أن إسرائيل تمارس الإرهاب الدبلوماسي بشكل منظم منذ عقود، وتاريخها حافل بترهيب المسؤولين الدوليين الذين يتخذون مواقف معارضة لسياستها في الأراضي الفلسطينية. 

وأشارت عريقات إلى أن قرار "الشخص غير مرغوب فيه" يستند إلى المادة التاسعة من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، والتي تنص على طرد الدبلوماسيين إذا اخترقوا القوانين المحلية أو ارتكبوا جرائم، إلا أن هذا القرار يفضح أن إسرائيل لا تحترم المنظومة القانونية الدولية وتستخدم هذا الإجراء كأداة للترهيب.

وأكدت عريقات أن ما يحدث هو محاولة من إسرائيل لإسكات الأصوات الدولية التي تنتقد سياساتها، واصفة هذا التصرف بأنه امتداد لإرهاب الدولة الذي تمارسه ضد المسؤولين الدوليين. 

وشددت عريقات على أن هذا التصعيد الإسرائيلي يمثل تهديداً خطيراً للعلاقات المتوترة أصلاً بين إسرائيل والأمم المتحدة، ومن المحتمل أن يؤدي إلى مزيد من الضغوط الدولية عليها، وربما تؤثر على علاقاتها مع دول أخرى تدعم قرارات الأمم المتحدة فيما يخص القضية الفلسطينية.

مطلوب من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي اتخاذ موقف حازم

وترى عريقات أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مطالبان باتخاذ موقف حازم إزاء هذه التطورات، بما في ذلك فرض عقوبات على إسرائيل أو حتى النظر في إمكانية طردها من الأمم المتحدة إذا استمرت في ممارساتها، كونها دولة عضو في المنظمة الدولية.

وأكدت عريقات أن عزل إسرائيل دبلوماسياً او فرض عقوبات عليها فورا بات أمراً ضرورياً في ظل سياساتها التي تتجاهل المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وتستمر في ممارسة الإرهاب الدبلوماسي ضد المجتمع الدولي علنا، دون اكتراث بأية معاهدات أو اتفاقيات أو التزامات تحتم عليها احترام المنظومة وتطبيق قرارتها.

وشددت عريقات على أن ما يحدث هو نوع من الإرهاب الدبلوماسي، على يد دولة تنظم الإرهاب على مدار عقود وفيها جرائم حرب موثقة وجريمة إبادة على مدار العام السابق، حيث تحاول إسرائيل إسكات الحقيقة والأصوات الدولية التي تنتقد سياساتها، من خلال الضغط على الشخصيات الأممية، حيث إن تاريخ إسرائيل في هذا السياق يمتد لعدة عقود، حيث استخدمت استراتيجيات متعددة لثني المسؤولين الدوليين عن اتخاذ مواقف تنتقد ممارساتها في الأراضي الفلسطينية.

إسرائيل تحاول إرهاب كل من يتجرأ على انتقادها

بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي فراس ياغي: إن إسرائيل لها سياسة لم تتغير منذ تأسيسها، وهي تعتمد على العمل على إرهاب كل من يتجرأ على انتقادها، وبحيث يكون ذلك عبر اتهام مباشر للشخص وعبر مفهوم اللاسامية، حيث توجه خطابها في محاولة للنيل من الشخص ومن مكانته.

ولفت ياغي إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش له موقف واضح لم تستطيع إسرائيل تخويفه أو منعه من التمسك بالقانون الدولي الذي يمثله، فهو انتقد حركة حماس ووقف ضد ما حدث السابع من أكتوبر /تشرين الاول 2023، وطالب بالافراج عن "الرهائن"، أي أنه مثل بشكل غير قابل للشك قرارات الشرعية الدولية.

ووفق ياغي، فإن غوتيريش يرى أن ما قامت به إسرائيل في ردودها تجاوز بشكل كبير مفهوم الرد، وأصبح يشكل عملية تتنافى مع كل القوانين الدولية، من حيث الحق في الحياة الكريمة، والحق في تطبيق قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف في حالة الحرب، بل وصلت لدرجات من التطهير العرقي.

غوتيريش عرّى إسرائيل وجرائمها وخالف كل توقعاتها

وأشار ياغي إلى أن غوتيريش عرّى إسرائيل وجرائمها وخالف كل التوقعات الإسرائيلية المعتادة على تخويف مسؤولي المنظمات الدولية والإنسانية، وحتى رؤساء ومسؤولي الدول، عبر اتهامهم بأنهم لاساميون، وهذه هي الطريقة لمنع أي انتقاد لإسرائيل، لكن العالم ومعه الأمين العام للأمم المتحدة تجاوزوا كل ذلك، بسبب وضوح الجريمة الكبرى والوحشية غير المسبوقة التي تقوم بها إسرائيل ضد المدنيين والبنى التحتية.

ولفت ياغي إلى أن ما أغضب غوتيريش أيضاً قتل العشرات من العاملين في الأمم المتحدة وتدمير منشآتها، عدا منع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين من القيام بمهماتها وفقاً لقرارات صادرة عن الشرعية الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة.

ويرى ياغي أن اعتبار إسرائيل للسيد غوتيريش على أنه "شخصية غير مرغوب فيها" يوحي بمدى الضرر الذي ألحقه موقف الأمين العام بسمعة إسرائيل على مستوى العالم من جهة، ومن الجهة الأُخرى فشل كل أدوات الضغط التي حاولت إسرائيل استخدامها لتغيير موقف السيد غوتيريش، وبما يشير للعجز الإسرائيلي ولأول مرة في أن تستطيع عبرها وعبر كل لوبياتها وعبر الولايات المتحدة الأمريكية لأن يغيروا موقفه أو يدفعوا الأمين العام للأمم المتحدة للصمت، وهو يعني العجز والشعور بعدم القدرة على إحداث أي تغيير في موقف السيد غوتيريش يدفعهم لأخذ هكذا موقف.

إسرائيل تشكل تهديداً حقيقياً على حياة غوتيريش

ورأى ياغي أن هذه خطوة من قبل إسرائيل تشكل تهديداً حقيقياً على الرجل لأنها دعوة بشكل غير مباشر للتخلص منه، وفعلاً هناك سوابق كما حدث للأمين العام السابق داغ همرشولد عام 1961، وعادة إسرائيل تدفع باتجاه ما يسمى "تدفيع الثمن" للشخص، أي سياسة الانتقام إن كان ذلك مباشرة أو بالتحريض، وفي حالة السيد غوتيريش هناك تحريض غير مسبوق ضده، وهذا قد يدفع بعض المجانين من المتطرفين الصهيونيين أو المؤيدين لهم للتعرض لحياته.

وقال ياغي إن الأمم المتحدة كمؤسسة تعي جيداً حجم التهديد على حياة السيد غوتيريش، بسبب التحريض غير المسبوق عليه، لذلك بالتأكيد أخذت إجراءاتها بما يتعلق بذلك.

ولفت ياغي إلى أن العالم ككل في جانب وإسرائيل وأمريكا في جانب، وهذا يعني أن إسرائيل تتمتع بدرجة من القوة القادرة على مواجهة كل العالم، ولكن ليس لدرجة التعرض للسيد غوتيريش لأن أمريكا لا تقف مع هذا التحريض ولم تتعرض لموقفه مما تقوم فيه إسرائيل، لانها تدعمه في الكواليس باعتباره وغيره يشكلون أدوات ضغط على إسرائيل، لجعلها تتوقف عن الوحشية التي تقوم فيها.

أمريكا تدعم إسرائيل ولن تتخلى عنها

وفسر ياغي ذلك بالقول إن الولايات المتحدة وإدارتها الحالية الضعيفة غير قادرة على الضغط على إسرائيل، وأيضاً تدعم وتقف ولن تتخلى عن إسرائيل كثابت سياسي لا يتغير مع أي إدارة أمريكية كون هناك لوبي كبير يهيمن ويسيطر على مجلس النواب "الكونغرس" ومجلس الشيوخ، عدا عن الهيمنة الاقتصادية والإعلامية والهوليوودية وحتى التعليمية، ورأينا مثالاً بما حدث في العديد من الجامعات الأمريكية.

وأكد ياغي أن العالم يدعم القانون الدولي وغوتيريش يمثل هذا القانون، لكن ذلك لا يصل لأخذ قرارات دولية تعاقب إسرائيل وتضع حداً لعربدتها التي لا حدود لها حتى ضد من يمثل تلك الشرعية الدولية بسبب من الدعم الأمريكي.

ولفت ياغي إلى أنه ولأول مرة فإن إسرائيل غير قادرة على تطويع حلفائها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية للوقوف بحزم ضد الأمين العام للأمم المتحدة السيد غوتيريش، وهذا يُشير للتغيرات الكبيرة التي حدثت على مستوى العالم، ووجود تغييرات كشفت حقيقة إسرائيل وعرتها بشكل جعلها أمام الرأي العام دولة منبوذة، والسيد غوتيريش له دور واضح بسبب تمسكه بتطبيق القانون الدولي.

وأشار ياغي إلى أن غوتيريش في ولايته الثانية والأخيرة والتي تنتهي عام 2026، وهذا ما أعطاه أيضاً القوة ليقول الحقيقة.

إسرائيل تتهم غوتيريش بأنه "داعم للإرهاب" و"معادٍ للسامية"

من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل: إن الانتقادات والاتهامات التي توجهها إسرائيل وبعض حلفائها للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش ليست الأولى، بل طالته عدة مرات منذ بدء حرب الإبادة على قطاع غزة.

وأشار عوكل إلى أن إسرائيل اتهمت غوتيريش مراراً وتكراراً بأنه "داعم للإرهاب" و"معادٍ للسامية"، وهي اتهامات تكررت وصولاً إلى اعتباره "شخصية غير مرغوب فيها" من قبل الحكومة الإسرائيلية بعد عدم إدانته صراحةً للهجمات الإيرانية على إسرائيل.

ولفت عوكل إلى أن هذه الانتقادات ليست استثناءً، بل تأتي ضمن نمط طويل من الانتقادات والاتهامات التي توجهها إسرائيل ضد أي مسؤول أو مؤسسة أممية تقف ضدها، سواء كانت حقوقية أو قانونية أو حتى إغاثية وصحية، وخاصة خلال الحرب على غزة. 

وتساءل عوكل عن "العالم" الذي نتحدث عنه: هل هو الشريك لإسرائيل أم العالم العاجز أو الصامت؟ 

إسرائيل تعمل خارج إطار المنظومة الدولية

إسرائيل، حسب عوكل، تعمل خارج إطار المنظومة الدولية وتستغل حماية الولايات المتحدة لممارسة ما وصفه بـ"العربدة" الدولية دون الخوف من العقاب أو المساءلة.

ومن أبرز ما يشير إليه عوكل هو الحادثة الشهيرة التي قام بها مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، جلعاد إردان، عندما مزق ميثاق الأمم المتحدة علنًا أمام الجميع، ما يعكس –بحسب عوكل– مدى احتقار إسرائيل للمنظمة الدولية وقيمها، ويمتد هذا الاحتقار ليشمل أيضًا التهديدات العلنية التي وُجهت لقضاة المحكمة الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية، سواء من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة.

وأشار عوكل إلى أن موقف غوتيريش سيكون مجرد "موقف شخصي"، إذ إنه لا يملك الصلاحيات أو القدرة على وقف إسرائيل وحلفائها، فيما يستبعد عوكل أن تقدم إسرائيل على اغتيال غوتيريش خشية من خسارة حلفائها وفي ظل الوضع الدولي الراهن.

Loading...