موت ووداع ونزوح ومرض
خاص راية| الحرب تفاقم معاناة كبار السن.. الحاجة فاطمة نموذجا
خاص - راية
لم تترك الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ميلادي، فردا مهما كان عمره في المجتمع الغزي إلا وجعلته يعاني، فكيف يمكن تصور ما لحق بكبار السن جراء العدوان والنزوح المتكرر من مكان إلى آخر.
الحاجة فاطمة شحدة "أم أشرف" رغم مرضها، أجبرها الاحتلال الإسرائيلي على النزوح قسرا مرات عديدة، بدءا من بلدة بيت لاهيا شمال القطاع مرورا بغزة ثم في خيام رفح وخانيونس ودير البلح والزوايدة.
واستقر الحال بالحاجة أم أشرف (82 عاما) نازحة في خيمة ابنها بمخيم النصيرات وسط القطاع، إذ انتقلت إليها بعد مرضها وتعرضها لجلطة أثناء وجودها بالخيام في مواصي خانيونس تحت الشمس الحارقة.
قبل وأثناء الحرب
وتحدثت أم أشرف لـ"رايــة"عن حياتها قبل وأثناء الحرب، ورحلة نزوحها الشاقة، ومعاناتها التي تفاقمت بشدة خصوصا عقب مرضها الأخير الذي أبعدها قسرا عن خيام أبناءها في خانيونس المدمرة.
وكانت الحاجة الثمانينية تقطن بمنطقة مشروع بيت لاهيا شمال القطاع، في منزل العائلة مع أبناءها المتزوجين وأحفادها الذين كان تحب أن تجمعهم حولها يوميا لتحدثهم عن جدهم وذكريات الماضي.
وتفتقد أم أشرف لمثل هذه الجلسة التي حرمت منها في ظل نزوح أبناءها في أماكن متفرقة، فمنهم من بقي في شمال القطاع، والجزء الآخر نزح إلى خانيونس ودير البلح بحثا عن مكان آمن له وأطفاله.
تقول الحاجة فاطمة: "الحياة اختلفت كثير كثير عن قبل الحرب، كان كل شيء حلو وسهل، كنت أقعد بين أولادي وبناتي وأحفادي، لكن الآن كل واحد فيهم صار بمنطقة، ومنهم ضلوا في دارنا بالشمال".
ولدى "أم أشرف" إحدى عشر ابنا وابنا، ربتهم بعد وفاة والدهم مبكرا، حيث لم يكن يمضِ يوما قبل الحرب، إلا تراهم جميعا في أوقات متفرقة، كل حسب عمله، لكن لا يخلد أحدهم النوم قبل الاطمئنان عليها.
حتى ابنتها التي تزوجت وسافرت بالخارج، كانت تطمئن عليها يوميا، لكن بسبب سوء الاتصالات وعدم توفر الانترنت في مخيمات النزوح، لم تتمكن من التواصل معها بشكل مباشر منذ نحو ثمانية أشهر.
وتضيف: "الحياة قبل الحرب كانت أحلى، كان عندي راديو وتلفزيون وثلاجة وهواية والكهرباء بتيجي كل يوم، أما الآن ما في شيء وما بنشوف الكهرباء من حوالي سنة، وما بلاقي شيء أتسلى فيه بوقتي".
وتحدثت الحاجة عن مرضها، حيث شخص الأطباء إصابتها بجلطة أثناء وجودها في خانيونس، بعد رحلة نزوحها من الشمال إلى رفح، والأنباء السيئة التي تلقتها عن بيتها وجيرانها وأقاربها وموت العديد منهم.
وخلال الحرب، تواجه "فاطمة" كما سكان القطاع، صعوبة كبيرة في الحصول على الدواء للأمراض المزمنة التي تعاني منها مثل الضغط والسكري والرفة، بينما كانت سابقا تصل لها أدويتها إلى البيت بسهولة.
وأثناء حديثنا معها، قال أحد أبناءها: "كنا نجيب الدواء لأمي لباب الدار، حتى بدون ما تروح على المستشفى نروح نصرف الروشتة، أما الآن بنلف كل مستشفيات وصيدليات البلد، ما بنلاقي حتى لو بمصاري".
ويواجه القطاع الصحي في غزة حالة انهيار غير مسبوقة، إذ تعمد الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان، على استهداف المستشفيات والمراكز والعيادات والكوادر الطبية، وأيضا يمنع إدخال الأدوية والمستلزمات الطبية الضرورية.
وبحسب ابنها، الحاجة فاطمة اعتادت قبل الحرب على زيارة طبيب الأسنان بصفة دورية كي تحافظ عليهم وتظل تأكل ما تشتهيه، لكنها توقفت عن ذلك، بسبب انشغالها وابتعادها عن مكان طبيبها، وأيضا سقوط ما تبقى من أسنانها بفعل قلة الاهتمام خلال أشهر الحرب الطويلة.
ولم تتوقف "أم أشرف" عن المقارنة بين حياتها قبل وأثناء الحرب. وقالت: "كان عندي خزانة مليانة أواعي وغيارات، أما الآن عندي غيارين فقط، واحد بلبسه والثاني بكون في الغسيل منشور. كل شيء في بيتي بالشمال راح، حتى أواعينا".
أمنية الحاجة فاطمة
تقول الحاجة "أم أشرف": كنت أعيش بكرامة في بيتي، كل الناس كانت تزورني وما كنت أحتاج أي حد، وكنت آكل أحسن أكل، لكن الآن ما ضل شيء، حتى الحمام مش قادرة أدخله زي قبل الحرب".
واستذكرت الحاجة الثمانينة، جيرانها وصديقاتها في منطقة سكنها، وكيف ودعت العديد منهم خلال الحرب، فمنهم من استشهد، وأيضا من مات قهرا جراء العدوان وخسارة المأوى والأبناء.
وفقدت الحاجة فاطمة، خلال الحرب، شقيقها عوني، وأيضا قريباتها هنية وانتصار، والعديد من جيرانها مثل أبو فوزي وأبو خالد، وأيضا غيرهم من أحباءها الذين كانت تراهم يوميا في بيت لاهيا.
وختمت: "تعبنا من القصف والموت والدمار والهم والتفكير ومن العيشة في الخيم، بدنا نرجع على بيوتنا ونرجع لحياتنا إلي قبل الحرب ونعيش إلي ضايل من عمرنا بأمن وأمان، وأمنيتي تنتهي الحرب وربنا يحفظ شعبنا".