فوق ركام منزلها.. معلّمة تقدم التعليم والترفيه لأطفال غزة
راية - أماني شحادة
تواجه المعلّمة إسراء أبو مصطفى ويلات الحرب والدمار الذي حلّ بقطاع غزة بكافة قطاعاته وخاصة التعليمية، صامدة أمام الحرب، مثبتة أقدامها فوق الركام لتبني مكانًا تعليميًا يجابه الأمية التي يريدها الاحتلال لأطفال غزة.
تقول أبو مصطفى لشبكة رايـــة الإعلامية: "هناك ما يقارب الـ 200 طالب وطالبة في خيمتي التعليمية منذ افتتاح الخيمة فوق ركام منزلي المدمر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي".
تضيف: "أحاول في خيمتي التعليمية انتشال الأطفال من أعباء الحياة والمسؤولية نحو التعليم والشعور بالحياة الطبيعية التي يعيشها أي طفل بالعالم لديه مستقبل تعليمي واضح وأحلام وطموحات".
وأوضحت أبو مصطفى أن واقع الطفل الفلسطيني في غزة أصبح واقع مؤلم، إذ تحوّل الأطفال لباعة متجولين من أجل البقاء على قيد الحياة وإيجاد مصروف يومي لعائلاتهم، ومنهم من يبحث عن الحطب أو تحمل مسؤولية تعبئة المياه، وهذه الأعباء على كاهل الأطفال كبيرة وصعبة.
وما يتعرض له الأطفال في قطاع غزة، من مخاطر وتحديات وآلام، يتنافى مع ما تنص عليه المادة رقم 11 من قانون الطفل الفلسطيني رقم (7) لسنة 2004 أن لكل طفل الحق في الحياة وفي الأمان على نفسه، ويتعارض أيضًا مع الاتفاقات الدولية التي تنص على ضرورة حماية المدنيين في مناطق الصراع خصوصًا الأطفال والنساء.
وفي إشارة للصمود والتحدي، قالت إسراء: "حاولت أن أقوم بشيء جيد نخرج به من الألم والأوجاع، فقمت ببناء خيمتي التعليمية فوق ركام منزلي المكون من 5 طوابق والتي سواها الاحتلال بالأرض".
وأضافت: "قمت بتهيئة الخيمة لاستقبال الأطفال بأبسط المقومات المتواجدة حاليًا في ظل شح الموارد من كراسي وطاولات ومستلزمات التعليم الأساسية، لكنّي أوفر الأقلام والأوراق والسبورة".
وأكملت: "السبورة مدمرة بعض الشيء بسبب انتشالها من تحت ركام المركز، بالإضافة لبعض بقايا المركز التعليمي التي قمت بترميمها وتساعدني على البقاء واقفة بعزمٍ وتحدٍ لإفادة الأطفال واستمرار عملي بالتعليم وتوفير بيئة تعليمية جيدة قدر المستطاع".
وكانت المعلمة أبو مصطفى قبل الحرب تترأس مركزًا تعليميًا كبيرًا للأطفال في مدينتها التي تقطن بها في خان يونس جنوب قطاع غزة، أما خلال الحرب عانى أهل المدينة كثيرًا جرّاء نزوحهم قسرًا منها بطلب من جيش الاحتلال لشن عملية عسكرية بها تقتل البشر الحجر والشجر.
وبضحكة تُعيد ذكرياتها تقول: "كانت الحياة جميلة ويأتي الأطفال للمركز بتفاؤل وطاقة كبيرة، هذه المرحلة بعمر الأطفال هي مرحلة الاستكشاف والحب والتعلم والانطلاق للحياة بسلوكيات إيجابية، قتل الاحتلال هذه الطفولة والبراءة لكنه لم يقتل الأمل الذي فينا وتمسكنا بالحياة".
يُعيد الواقع للحزن موضحة بأنه "تم تدمير روضتي روضة أحلى عالم، نزحت حوالي 10 مرات، وتلقينا رسائل من الاحتلال بإخلاء المنطقة عدة مرات، هذا أمر مزعج لكن وجودي على هذه الأرض حق يجب أن يراه العالم".
وفي دلالة على حق العيش والتعلم، تفتتح المعلمة إسراء خيمة تعليمية، تستهدف فيها وتركز على الأطفال اليتامى الذين فقدوا آبائهم وأمهاتهم خلال الحرب، مقدمة لهم التعليم والترفيه في محاولة للتخفيف عن الألم النفسي الذي مروا به.
واستدركت: "أقدم الترفيه خلال التعليم؛ لأن الأطفال رأوا الشهداء ملقون على الأرض أثناء نزوحهم، وشاهدوا الدمار والصواريخ التي تنهال على كل مكان يتواجدون به، منهم من خرج من تحت الركام، ومنهم من فقد أحد أفراد عائلته أمام عينيه".
وعن أشكال الترفيه، تفيد أبو مصطفى: "أقوم بفتح الأناشيد لهم والقيام بالتمارين الرياضية وبعض الألعاب الترفيهية والحركية، ونهتم بالكشافة ومعرفتهم بها وتدريبهم على أهميتها، وأهمية أن يكون الطفل قائد ويتحمل الظروف وأن يكون لديه إصرار وقوة لمواجهة الظروف، وأن يكون لديه إصرار كطفل فلسطيني على التعلم والوصول للحلم والمستقبل".
وقالت: "علينا البقاء على تعليم الأطفال بدلًا من بقائهم بالشارع وتحت الموت، وتوفير بيئة شبه آمنة لهم وسط التعليم تذكرهم أن هناك حياة عليهم البقاء فيها".
وتعبر المعلمة إسراء أبو مصطفى عن سعادتها بإقبال المواطنين لتعليم أطفالهم في خيمتها التعليمية وانبهارهم بطرق التعلم التي تتبعها.
وتحلم أبو مصطفى بإكمال مشروعها بتعليم الأطفال في مرحلة البستان والمرحلة الأساسية رغم كل الصعاب التي تمر بها في الحرب والدمار الشامل الذي يعم كل شيء من بيوت ومشاريع ومراكز وغيرها.
الطفلة سهام الحج، ذات الستة أعوام، تعبر عن مدى سعادتها لانتمائها لخيمة التعليم عند الأستاذة إسراء أبو مصطفى، وفي تلقيها التعليم والعودة له بعد أكثر من 11 شهرا من حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
تقول الحج لـ "رايـــة": "مدرستي تدمرت وبيتنا أيضًا، الأستاذة إسراء جعلتنا نتعلم في خيمة بدلًا من الشارع، وهذا أمر يسعدني جدًا".
وبصوتها الطفولي تضيف: "أنا مبسوطة في الخيمة التعليمية، طريقة الأستاذة إسراء رائعة، أنا أتعلم من أجل أن أكون دكتورة في المستقبل".
ومنذ السابع من أكتوبر 2023 أُغلقت المدراس التعليمية؛ بسبب حربٍ إبادة مستمرة دمرت أكثر من 80% من المدارس، حُرم على إثرها أكثر من 625 ألف طفل من الدراسة لأكثر من 11 شهرا جرّاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وفق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا).