أعلن استشهادها ثم عادت للحياة
نور أبو أحمد.. جريحة من غزة خضعت لـ20 عملية جراحية وتحلم باستكمال علاجها بالخارج
خاص - راية
رغم صعوبة الحرب والقصف والدمار، لم تكن تتخيل الفتاة نور أبو أحمد (24 عاما) أنها ستُصاب خلال العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة لأكثر من 11 شهرًا.
والدها لم يترك شيئا إلا وفعله لحماية أسرته من القصف، إذ نزح من شمال غزة أكثر من مرة، ثم إلى رفح، حيث أقام في بيت شقيقه بعدما أخبر الاحتلال أن هذه المدينة آمنة.
لكن في الشهر الخامس للحرب، تحديدًا 15 رمضان الماضي، أصيبت نور وشقيقتيها؛ جراء قصف الاحتلال المنزل المجاور لمكان نزوحهم برفح، لتبدأ فصولا من المعاناة.
"نور شهيدة"
نور قالت لـ"رايــة": قصفوا البيت إلي جمبنا، كل جيرانا استشهدوا. انتشلوني أنا وعيلتي من تحت الأنقاض، كلهم كانوا بخير الحمدلله، لكن كنت تحت الردم وطلعوني بصعوبة مع أخواتي".
ونجحت طواقم الإسعاف والدفاع المدني بمعاونة الجيران في حي الجنينة برفح، من انتشال المصابين، لكن حالة "نور" كانت الأصعب؛ جراء الجرح العميق في ظهرها والكسر بيدها اليسرى والدم الكثيف الذي نزف من جسدها.
وتم نقل الأخوات الثلاثة المصابات -نور وشقيقتيها- إلى مستشفى أبو يوسف النجار، ليُعلن عن استشهاد "نور" هناك، فيما انهمك المسعفون والأطباء بعلاج شقيقتيها ووقف النزيف منهن.
العودة للحياة
لكن إرادة الحياة لدى الفتاة العشرينية كانت أكبر، إذ اضطر الأطباء إلى نقل شقيقتيها لمستشفى غزة الأوروبي بحكم وجود إمكانيات إسعافية وطبية أفضل من "النجار"، وقاموا بنقل "نور" معهن في ذات سيارة الإسعاف.
وهناك، مرّ صدفة وفد طبي أجنبي (أمريكي مصري الجنسية) من مؤسسة الرحمة حول العالم، ليجد أنها لا تزال على قيد الحياة ويمكن إنقاذها، فنجح في ذلك، وتم إدخالها لإجراء عملية جراحية عاجلة استغرقت نحو ثماني ساعات.
وعقب العملية الجراحية المعقدة التي أشرف عليها الطبيب المصري محمد شعلان، كتب لـ"نور" عمرا جديدا، فقد كانت نسبة الدم عندها بعد الإصابة 3.5، لكن تم نقل دم لجسدها، ووقف النزيف، وإجراء التدخلات الطبية المناسبة.
إهمال طبي
الوفد الطبي أنقذ يد نور اليُسرى المصابة من البتر، لكنه غادر القطاع بعد أسبوع من العملية، لتجد نفسها أمام متابعة طبية ضعيفة وإهمال طبي، يعود إلى قلة الكادر الطبي أولا ثم نقص المستلزمات جراء اشتداد الحصار والحرب.
وعاد الخطر من جديد إلى يد نور، إذ فُكت الغُرز والتهب جرح وعظام يدها المصابة، وسط متابعة طبية ضعيفة وقطاع صحي منهار، بالتالي باتت بحاجة إلى عملية جراحية جديدة، كي لا تتفاقم الأمور أكثر، إلا أن ذلك لم يحدث سريعا.
وأدى تأخر العملية الجراحية إلى تمكُن الالتهاب من الجرح والعظام أكثر، وفي الأثناء، هدد الاحتلال المرضى في المستشفى الأوروبي الواقع شرق خانيونس بالإخلاء، ما أدى إلى خروج المرضى والجرحى منه، بحثًا عن مستشفى آخر.
يشار إلى أن جيش الاحتلال تعمد خلال حربه المستمرة على قطاع غزة، على إخراج غالبية المستشفيات عن الخدمة، حيث لم يتبق سوى مستشفى شهداء الأقصى وسط القطاع، ومستشفى ناصر بخانيونس جنوبا، وكمال عدوان والمعمداني بغزة.
20 عملية جراحية
اتجهت نور إلى المستشفى الإندونيسي برفح، الذي تشرف عليه منظمة أطباء بلا حدود، لكن بفعل إعلانهم حالة الطوارئ جراء قرب اجتياح الاحتلال للمدينة، اعتذروا عن استقبالها في الوقت الحالي، لكن حالتها لا تنتظر خصوصا أنه لا يوجد لديها بيت تعود إليه؛ كون عائلتها نازحة أيضا وتعمل على الإخلاء باتجاه وسط القطاع.
تقول نور: "بعد فشل هذه المحاولة، وافق د. أحمد المخللاتي من مستشفى الهيئة الطبية الدولية (الأمريكي) على استقبالي ومتابعة حالتي، بعدما شاهد صورة جرحي من أحد أفراد عائلتي، وشعوره بمدى حاجتي للعلاج والاهتمام".
ووجد د. المخللاتي أن الالتهاب تفاقم لدى "نور"، لذا قرر إجراء عمليات جراحية مكثفة لتنظيف جرحها والقضاء على التهاب العظام، فخضعت لأكثر من 20 عملية جراحية (بنج كامل) خلال أقل من شهر ونصف".
أحلام نور
وغادر د. المخللاتي قطاع غزة، فيما لا تزال "نور" بحاجة إلى عملية جراحية أخرى، كما أخبرها الأطباء، لكن ضعف الإمكانيات الطبية داخل القطاع حاليًا، تحول دون إجراءها.
لذا تقول نور: "كان لدي تحويلة طبية من وزارة الصحة الفلسطينية قبل اجتياح الاحتلال لرفح، لكن اسمي لم يرد في أي من كشوفات الوزارة، وأيضا الاحتلال أغلق معبر رفح ويمنع خروج الجرحى والمرضى".
وتحلم "نور" بأن تتمكن من السفر برفقة شقيقتيها لحاجتهن الماسة جميعا للعلاج خارج القطاع، في ظل انهيار المنظومة الصحية وعدم توفر أية علاج. كما قالت إنه "حتى الغيارات للجروح والمسكنات للآلام أصبحنا نحصل عليها بصعوبة بالغة جدا".
وتصف نور هذه الفترة من عمرها بأنها الأصعب في حياتها، لكنها تمكنت من تجاور المراحل الصعبة من رحلة علاجها بفضل دعم وإسناد أسرتها لها أولا، ثم خطيبها الذي لم يتركها للحظة منذ إصابتها حتى الآن، وتحلم بأن تعود من رحلة العلاج بالخارج، لتؤسس معه حياة جديدة ويقيمان حفل زفاف كما كانت تتمنى قبل الحرب، حيث كان من المقرر أن يتم بتاريخ 19 نوفمبر الماضي، لكن الاحتلال حال دون ذلك بسبب العدوان وتدميره لبيتهم وكل تجهيزاتهم لـ"ليلة العمر".
معاناة الجرحى
ومنذ أكثر من أربعة أشهر، اجتاح الاحتلال رفح، وسيطر على المعبر ودمره، ويواصل حرمان الجرحى والمرضى من السفر لاستكمال علاجهم خارج القطاع.
وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قد طالب المجتمع الدولي بالضغط الفعال على إسرائيل لضمان فتح المعابر والسماح بسفر آلاف المصابين والمرضى في قطاع غزة؛ لإنقاذ حياتهم من موت محقق ينتظرهم مع استمرار منعهم من السفر، وعدم توفر إمكانية علاجهم داخل القطاع بسبب الاستهداف الإسرائيلي المنهجي للقطاع الصحي هناك بالتدمير والحصار، ما أخرج غالبية مكوناته عن الخدمة.
وقال المرصد الأورومتوسطي في تقرير سابق إن إسرائيل تواصل حصار جرحى ومرضى غزة وتمنعهم من السفر لتلقي العلاج بعدما دمرت أو أخرجت غالبية المستشفيات في قطاع غزة عن العمل.
وأكد أن ذلك سيتسبب بموت أكثر من 26 ألف مصاب ومريض بحاجة إلى تحويل خارجي عاجل لإنقاذ الحياة، إضافة إلى آلاف آخرين بحاجة للسفر من أجل استكمال علاج أو تلقي خدمات صحية ضرورية وتأهيلية غير متوفرة في قطاع غزة.
وأشار الأورومتوسطي إلى أنه ومنذ سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح في 7 مايو/أيار الماضي وإغلاقه، توقفت حركة سفر الفلسطينيين، بما في ذلك سفر المصابين والمرضى للعلاج في الخارج وفق الآلية المتبعة، والتي كانت تسمح بمرور أعداد قليلة منهم بالسفر بعد إخضاع أسمائهم للفحص الأمني الإسرائيلي التعسفي.
وذكر أنه طوال الفترة الماضية، لم يسمح لأي من المصابين أو المرضى بالسفر خارجًا، رغم انهيار المنظومة الطبية في قطاع غزة، وإخراج 34 مستشفى من أصل 36 عن الخدمة في قطاع غزة نتيجة الاستهداف الإسرائيلي الممنهج، حيث تعمل حاليًا عدد قليل من المستشفيات بشكل جزئي، دون توفر أجهزة طبية وأدوية ومع حالة إنهاك شديد للطواقم الطبية التي بقيت تعمل منذ تسعة أشهر دون راحة.