خاص| ارتدادات العدوان والنزوح المتكرر على البنى الاجتماعية في غزة
سلط برنامج (قضايا في المواطنة) الذي يبث عبر شبكة رايـــة الإعلامية الضوء على ارتدات النزوح وتأهيرها اجتماعيا، في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من 11 شهرًا.
الناشطة الاجتماعية بيسان نتيل، اضطرت للنزوح مع عائلتها من شمال غزة إلى عدة مناطق حتى تنزح حاليًا في دير البلح وسط القطاع، تحدثت لـ"رايــة" عن ارتدادات النزوح المتكرر وتأثيرها اجتماعيا.
وتطرقت بيسان إلى أثر حالة النزوح المتواصلة على تفكك العقد الاجتماعي، نظرا للضغوط النفسية التي يتعرض لها شعبنا في ظل حرب الإبادة المتواصلة والتي تستهدف الآمنين وكل مقومات الحياة.
وقالت: "كنا نسكن آمنين في بيوتنا لكن حالة النزوح المستمر تجعلنا في حالة ضغط نفسي نبحث عن المكان الآمن والمستقر إلا أن ذلك غير موجود الأمر الذي يؤثر على المواطنين خلال العدوان".
وأضافت: "نحن لا نتعرض للإبادة على صعيد الأشخاص والعمران والمدن، بل أيضا على الصعيد الاجتماعي، في ظل حالة النزوح المتكررة واستهداف الاحتلال لكل مكان حتى المناطق التي يصفنها آمنة".
بدورها، قال الخبير في مجال التحويل المجتمعي د. طلال أبو ركبة إن الحرب التي يشنها الاحتلال على قطاع غزة والضفة الغربية حرب تفكيكية تهدف لتفكيك البنى الاجتماعية والسياسية للمجتمع الفلسطيني وتحويله من مجتمع ينظمه عقدا اجتماعيا سياسيا إلى جماعات مصالح متضاربة لا يربط بينها العقد الاجتماعي.
وأوضخ أبو ركبة أن الاحتلال عمل ولا يزال أن تكون حجم الضربات الموجهة للبناء الاجتماعي الفلسطيني ضخمة ومؤلمة وقاسية، للتأثير على المجتمع الفلسطيني.
وذكر أن الحرب أنتجت استراتيجية النزوح التي تخلق حالة ضغط على البناء الاجتماعي في قطاع غزة من خلال جعل حالة الصراع على البقاء هي الهدف الأسمى والرئيسي للأفراد والمواطنين بالقطاع وفي إطار ذلك سيكون هناك أشكال صراع كبيرة لم تكن موجودة في الحسبان.
ومن أشكال الصراع تلك، وفق د. أبو ركبة، الحصول على الأكل والمياه والتزاحم الذي يخلقه ذلك في ظل تكدس المواطنين بمنطقة المواصي التي لا تتجاوز مساحة 23 كيلو متر مربع، ما خلف شحا في المواد الأساسية ما ادى إلى إشكاليات وصراعات وتدافع وتزاحم قد تصل إلى ارتكاب الجرائم وإطلاق النار.
وأفاد بأن هناك حالة فقدان ثقة بين المواطن الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية، في قدرتها على الاستجابة للتحديات التي يفرضها الاحتلال تؤدي لتفكيك العقد الاجتماعي والسياسي الناظم والجامع للشعب الفلسطيني.
وتابع إن الاحتلال يسعى إلى كي وعي جمعي للعقل الفلسطيني والقدرات الفلسطينية ومفهوم الصمود المقاوم الذي يؤدي للتشبث بالأرض والحفاظ على الوجود.
وأردف قائلا إن الاحتلال يحاول تفكيك الصمود المقاوم عبر خلق حالة من الكارثة الإنسانية وعدم الشعور بالأمن والأمان والصراع الداخلي على مختلف الأمور الأساسية من مأكل ومشرب ومأوى والبيع والشراء حيث ارتفعت أسعار السلع والمنتجات ما أدى إلى ضرب التلاحم الوطني.
وأكمل أن الاحتلال يعمل على تثبيت عوامل الهدم المجتمعي ونشر الفوضى والسرقة والمشاكل لضرب اللحمة المجتمعية من أجل تفكيك الناس وتحشيدهم ضد المقاومة بداعي أن المقاومة سوف تجلب الدمار للسكان، بالتالي تصبح الهجرة الطوعية ملجأ الفلسطيني للهروب من الواقع المأساوي الذي يفرضه المُحتل.
من جهته، قال الأخصائي الاجتماعي والطبي والتأهيلي عائد حوشية إن الشعب الفلسطيني من العام 1948 تعود على معايشة الويلات والحروب والنكبات.
وذكر حوشية أن كل هذه الحروب كان هدفها ضرب تفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية وتشتيتها وإحداث حالة من الاغتراب الثقافي من خلال استهدافه في كافة المعالم الثقافية والتاريخية والحضارية.
وأضاف: قصف ومسح المستشفيات والكنائس والمساجد والمؤسسات وكل ما له علاقة في الثقافة الوطنية الفلسطينية، عدوان إسرائيلي يستهدف زعزعة وتفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية واستخدام التهجير المركب والمتسلسل.
وبين أن هدف ذلك ضرب حالة الاستقرار والتآلف والتماسك والنسيج الاجتماعي والثقافي وتفتيته وبالتالي إحداث حالة من الإحباط والإحساس بالهزيمة وصولا للاستسلام.
ووفق حوشية، كل هذا يتبدد أمام ما يتحلى به شعبنا الفلسطيني من صلابة ومناعة نفسية الوجودية التي تقيه وتحصنه من كل هذه المخططات الغاشمة والتي بتنا نرى آثارها وأهدافها وكل المخططات الإقليمية والدولية تهدف إلى تعزيز وتفتيت هذه المناعة التي تشكلت بشكل تراكمي لدى الشعب الفلسطيني بكل أطيافه منذ النكبة الأولى وحتى النكبة الكبرى التي نحياها في ظرفنا الحالي.
واستطرد حوشية قائلا: إذا نجح الاحتلال في تفكيك الهوية الوطنية الفلسطينية، هذا سيؤدي للانتقال من مجتمع متماسك يتسم بمميزات ثقافية تميزه عن غيره إلى مجموعات متفرقة ممزقة بعيدة كل البعد عن وصف المجتمع المتماسك في القيم والعادات والتقاليد، لكنه استبعد نجاح ذلك.
وتابع إن الاحتلال يسعى للوصول إلى التفكك في المجتمع الفلسطيني لكن في حالتنا الفلسطينية ستفشل لأننا نعيش الانقسام والاحتلال منذ سنوات طويلة، والشعب الفلسطيني حي وسرعان ما يلتحم ويواجه كل هذه المخططات التي تهدف إلى التغريب الثقافي.
يشار إلى أن برنامج "قضايا في المواطنة" هو برنامج اجتماعي تُنتجه مؤسسة " REFORM " ويبث عبر شبكة رايــــة الإعلامية؛ للإسهام في الوصول إلى نظام حكم إدماجي تعددي مستجيب لاحتياجات المواطنين ومستند إلى قيمة المواطنة.