قوة الفكاهة والضحك: كيف يساعد الفرح في تمكين الأطفال ذوي الإعاقة
معظم الأشخاص الذين عانوا من حوادث وظروف قاسية سيكون عليهم أن يبذلوا جهدهم للعودة لحياتهم الطبيعية، حيث أنهم غالباً ما يواجهون لحظات يائسة جداً أثناء محاولاتهم في ذلك ويكونوا مضطرين لإعادة تعلم الحركات والعمليات التي كانوا يقومون بها سابقاً والتي كانت تعتبر من المسلمات، والخوض بشكل مكثّف في رحلة العلاج المؤلمة والطويلة، حيث يواجه العديد من المرضى عواقب صعبة نتيجة الحوادث التي يتعرضون لها مثل إصابة الحبل الشوكي، إصابات الدماغ وبتر الاطراف، عدا عن العبء الإضافي المفروض عليهم من حيث التعامل مع الانفصال عن بيئتهم الاجتماعية المألوفة لفترة من الزمن.
جاء التهريج الطبي ليصبح بديلاً مذهلاً ومليئاً بالفرح في بيئة تسود فيها الإجراءات السريرية والبروتوكولات الجادة، حيث يعتمد هذا النهج المبتكر على المهرجين الطبيين المحترفين الذين يطوعون اَداءهم الإبداعي، الفكاهة والضحك في سبيل مساعدة المرضى، بما في ذلك ذوي الإعاقة، وعلى الرغم من طبيعته غير التقليدية، فقد ثبت أن التهريج الطبي يعزز بشكل كبير نوعية الحياة للأفراد من ذوي الإعاقة وبخاصة الأطفال، مما يوفر فوائد تتجاوز نطاق العلاجات الطبية التقليدية.
التهريج الطبي هو ممارسة متخصصة حيث يتفاعل المهرجون المتخصصين مع المرضى في المستشفيات والمسنين في دور الرعاية، بالاضافة الى المقيمين في دور الرعاية الصحية الاخرى، هؤلاء المهرجون ليسوا مجرد فنانين؛ إنهم محترفون يستخدمون الفكاهة والتعاطف والإبداع للتواصل مع المرضى، وتقديم الدعم العاطفي وتخفيف التوتر وقلة الراحة المرتبطة غالباً بالبيئات الطبية، ويتضمن عملهم الارتجال واللعب التفاعلي، المصمم خصيصا للاحتياجات والاذواق المختلفة.
من خلال زيارات المهرجين الطبيين في مؤسسة الأنوف الحمراء فلسطين إلى مراكز إعادة التأهيل وزيارات التوعية العامة، يوفر المهرجون المحترفون المدربون للأطفال ذوي إعاقة الدعم النفسي والاجتماعي اللازم من خلال تطبيق طرق وتقنيات معينة تمت دراستها في منهج شامل، وتحفز هذه التقنيات الأطفال على متابعة وممارسة التمارين المطلوبة من قبل المعالج وتحقيقها بقوة وتصميم دون الشعور بالهزيمة أو الملل.
تحرص الأنوف الحمراء فلسطين على أن تكون جزءاً من المبادرات والفعاليات المحلية التي تدعم الأشخاص ذوي الإعاقة، وخاصة الأطفال، ففي الشهر الماضي، كانت الأنوف الحمراء فلسطين جزءاً من حدث نظمته جمعية خالد الخيرية للإعاقة الشديدة في رام الله، بحضور العديد من المؤسسات المهتمة بهذه الفئة.
ما يميز تدخل الأنوف الحمراء فلسطين عن غيره، هو الصفة الأخلاقية والطبيعة النوعية للأفكار والنشاطات بالإضافة إلى الأدوات التي يستخدمها المهرجون الطبيون في الأنوف الحمراء فلسطين لإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة وجعلهم قادة وجزءاً من الفعالية، فهم ليسوا مستمعين؛ إنهم شركاء في صنع السعادة.
"هذه واحدة من العديد من الفعاليات التي نحن جزءاً منها ومصممة للفئات المهمشة في فلسطين، ومن الفئات المستهدفة الأساسية هم الأطفال ذوي الإعاقة، وبناءً على برامج التوعية والزيارات المنتظمة لمرافق إعادة التأهيل مثل مركز الأميرة بسمة في القدس، يمكننا القول أن عملنا يعتبر جزءاً مهماً في عملية العلاج، حيث يساعد المهرجون الطبيون المعالجون في تطبيق العلاج ودائماً ما يستعينون بنا في جزيئات كبيرة منها تشجيع الاطفال على تقبل العلاج والتخفيف من الاَمهم ...لا شك أننا نقوم بعمل رائع ونريد تكثيف تدخلنا في السنوات المقبلة. " المدير الفني للأنوف الحمراء فلسطين، داود طوطح.
دعمت الأبحاث والأدلة السردية بشكل متزايد التأثير الإيجابي للتهريج الطبي، حيث أظهرت الدراسات أن العلاج بالضحك، بما في ذلك العلاج الذي يوفره المهرجون الطبيون، يمكن أن يؤدي إلى تحسين التعامل مع الألم، تقليل القلق بالإضافة الى تعزيز رضا المرضى بشكل عام، فبالنسبة للأطفال ذوي الإعاقة، تعتبر هذه الفوائد مهمة بشكل خاص، لأنها تعالج التحديات الجسدية والعاطفية التي يواجهونها.
يوفر التهريج الطبي العديد من الفوائد المهمة للأطفال ذوي الإعاقة، كل منها يساهم في تحسين رفاهيتهم العامة، وإحدى الميزات الرئيسية هي الارتقاء العاطفي؛ حيث يعاني العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة من تحديات يومية يمكن أن تؤدي إلى الإحباط أو العزلة أو الحزن، فيقدم المهرجون الطبيون تشتيتاً عن هذه الصعوبات باستخدام الفكاهة والتفاعلات المرحة لرفع الروح المعنوية وتعزيز الرفاهية العاطفية، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تعزز التفاعل الاجتماعي من خلال خلق بيئة ترحيبية وشاملة حيث يشعر الأطفال بالتقدير والفهم، مما قد يقلل من الشعور بالعزلة ويعزز الشعور بالانتماء.
من حيث الحد من الإجهاد، يمكن أن تكون بيئة الرعاية الصحية شاقة بشكل خاص للأطفال ذوي الإعاقة الذين قد يكون لديهم احتياجات طبية إضافية، لذا يساعد المهرجون الطبيون في تخفيف هذا التوتر من خلال الضحك واللعب، والتي ثبت أنها تخفض مستويات التوتر وتحسن الصحة العقلية، كما يساعد نهجهم المليء بالمرح في خلق جو أكثر راحة، مما يجعل الإجراءات أو العلاجات الطبية أقل تخوفاً، علاوة على ذلك، يلعب المهرجون الطبيون دوراً في تعزيز الصورة الذاتية الإيجابية؛ من خلال استخدام الفكاهة والتعزيز الإيجابي، فإنها تساعد المرضى على النظر إلى أنفسهم بشكل أكثر إيجابية، وتعزيز الثقة والتمكين من خلال الأنشطة المبهجة والجذابة.
بالنسبة للأطفال الذين يعانون من إعاقات معرفية، يقدم التهريج الصحي تحفيزاً إدراكياً قيماً، حيث تحفز الألعاب التفاعلية والأنشطة التي يستخدمها المهرجون القدرات العقلية وتشجع المشاركة وتعزز الوظيفة الإدراكية، وبهذا يمكن القول أن المهرجين الطبيين يتفوقون في توفير الرعاية الشخصية من خلال تكييف تفاعلاتهم مع الاحتياجات الفريدة لكل طفل، وهذا يضمن أن أنشطتهم ليست مسلية فحسب بل إنها مفيدة للطفل على وجه التحديد، مما يعزز الفعالية العامة لنهجهم العلاجي.
يتماشى التهريج الطبي أيضاً مع مبادئ الرعاية التي تركز على الشخص، مع التأكيد على أهمية علاج المرضى بكرامة واحترام، من خلال التركيز على الاحتياجات العاطفية والاجتماعية للطفل، ويساهم المهرجون الطبيون في نهج أكثر شمولية للرعاية الصحية يكمّل العلاج الطبي ويعزز نوعية حياة أفضل، ويمثل التهريج الطبي نهجاً نابضاً بالحياة ورحيماً لدعم الأطفال ذوي الإعاقة، من خلال دمج الفكاهة والضحك في بيئة الرعاية الصحية، ويساعد المهرجون الطبيون في معالجة الأبعاد العاطفية والاجتماعية للإعاقة، مما يوفر مكملاً قيماً للعلاجات الطبية التقليدية، مع استمرار تطور هذه الممارسة المبتكرة، فإنها تبشر بتعزيز حياة الأطفال ذوي الإعاقة، وتذكرنا بأنه في بعض الأحيان يكون القليل من الضحك هو أفضل دواء.