"كارفور" تكذب على مستثمريها والجمهور
في مايو/أيار الماضي، أكدّت شركة "كارفور" الفرنسيّة لمورديها أنّها لم تفتتح أيّ فرعٍ إسرائيليّ في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة. ولكنّ الأدلّة تشير إلى أن "كارفور" تدير بالفعل فرعاً -على الأقل- في مستعمرة "موديعين-مكابيم-ريعوت" الإسرائيليّة المقامة على أراضي قرية النبي زكريّا والتي صنفتها الأمم المتحّدة، وكذلك الاتحاد الأوروبيّ، أنّها تقع جزئياً في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة عام 1967، ممّا يجعلها متورطة مباشرةً في جريمة حرب بموجب القانون الدوليّ.
في ضوء قرار محكمة العدل الدوليّة في يوليو/تموز 2024، الذي أدان إسرائيل بارتكاب سياسة الأبارتهايد ضد الشعب الفلسطيني وأكد على عدم شرعية احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية، فإن إنهاء التواطؤ مع نظام الاستعمار والأبارتهايد لم يعد مجرد التزام أخلاقيّ فحسب، بل أصبح واجباً قانونيّا أيضاً.
وخلال العام الماضي، أبدى أحد مستثمري كارفور مخاوفه بشأن تورّط الشركة في المستعمرات الإسرائيليّة غير الشرعيّة، مُشيراً إلى المخاطر المترتبة على التواطؤ في جرائم حرب كهذه. وردّاً على ذلك، أعاد الرئيس التنفيذيّ لشركة "كارفور" التأكيد على موقف الشركة السياسيّ المزعوم بـ "الحياد"، مُدّعياً أنّه لا توجد أيّة فروع للشركة في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة. ولكن، بعد نحو شهر واحد، دحض الشريك الإسرائيليّ لشركة "كارفور" بشكل علني هذه الادّعاءات بعد إعلانه أن "كارفور تبيع منتجاتها بالفعل في كلّ أنحاء إسرائيل" – التي تضّم المستعمرات الإسرائيليّة المقامة على الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة، كما يظهر في الإعلانات الترويجيّة للشركة – وأكمل أن الشركة "تخططّ للتوسّع "في كلّ مكان".
وكانت قد دعت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى مقاطعة المجموعة الفرنسيّة حتى تنهي تواطؤها في جرائم الحرب وتربّحها من المستعمرات الإسرائيليّة المقامة على الأراضي الفلسطينيّة المسلوبة، من خلال إنهاء شراكتها مع شركة (Electra Consumer Products) الإسرائيليّة وشركتها الفرعيّة (Yenot Bitan). كما دعت الحركة المجموعة الفرنسيّة إلى وقف بيع بضائع المستعمرات الإسرائيليّة في الآلاف من متاجرها حول العالم.
خلال العام الماضي، ضاعفت "كارفور" تواطؤها في الجرائم الإسرائيليّة بحق الشعب الفلسطينيّ، عندما تبرّعت بآلاف الطرود الشخصيّة لجنود جيش العدو الإسرائيليّ دعماً لحربه الإباديّة التي يشنّها ضد 2.3 مليون فلسطينيّ في قطاع غزّة المُحتل والمُحاصر، وهو ما اعتبره المناصرون والناشطون دعماً مباشراً للنظام الإسرائيليّ الإباديّ.
حاولت "كارفور" تبرئة نفسها من المسؤولية عن طريق الادعاء بأنها "غير مسؤولة عن هذه المبادرات الفرديّة". ولكن هذا الادعاء مضلّل ومخادع، إذ تتحمّل الشركات، وفقاً للقانون الدوليّ، بما في ذلك مديروها ومسؤولوها التنفيذيون، المسؤوليّة القانونيّة عن الانتهاكات في القانون الدوليّ التي ترتكبها عن قصد أي جهة تابعة للشركة.
ومع استمرار الحرب الإسرائيليّ الإباديّة ضد شعبنا في قطاع غزة المحتلّ والمحاصَر، بما فيها حرب التجويع، تتحمّل الشركات التزاماً قانونيّاً بموجب اتفاقيّة الإبادة الجماعيّة. فوفقاً للقانون الدوليّ، وفي بعض الحالات القانون المحليّ، يمكن تحميل الشركات المسؤولية الجنائية عن المساعدة والتحريض على الإبادة الجماعيّة بشكل مباشر أو غير مباشر أو حتى الاستمرار في العمل كالمعتاد مع العدو الإسرائيليّ على الرغم من المعرفة المسبقة بجرائمه الإباديّة.
لقد أدّى قرار محكمة العدل الدوليّة في يناير/كانون الثاني 2024،الذي يقضي بأن إسرائيل متهمّة بمعقوليّة ارتكاب الإبادة الجماعيّة بحقّ الفلسطينيين في قطاع غزّة، الى فرض التزام قانونيّ على الدول والشركات والمؤسسات بضرورة إنهاء تواطؤها في الجرائم الإسرائيليّة، ومنع الإبادة الجماعيّة قدر الإمكان.
باختصار، فإنّ محاولات "كارفور" اليائسة لإبعاد نفسها عن تواطؤ شريكها صاحب الامتياز الإسرائيلي في الإبادة الجماعية لا تعفِ الشركة الأم، وشركاءها في منطقتنا، من التزاماتها الأخلاقية والقانونيّة تجاه الشعب الفلسطينيّ.
في ظل التدهور السريع للاقتصاد الإسرائيلي، الذي يعاني من هجرة رؤوس الأموال، وانخفاض التصنيف الائتماني، وهجرة النُخب المُنتجة في مجالات التكنولوجيا الفائقة والأكاديميا والصحة، وانهيار عشرات الآلاف من الشركات، وغيرها من المؤشرات الصادمة، فإنّ استثمار "كارفور" الكبير في الاقتصاد الإسرائيلي لا يُعدّ غير أخلاقي وغير قانوني فحسب، بل يمثّل تهوراً ماليّاً أيضاً.