المستوطنون المتطرفون يتدربون على قتال الفلسطينيين في الضفة الغربية
في الطريق الفاصل بين بلدتي روجيب وعورتا، شرق مدينة نابلس، هناك ما يقلق مواطنين كثراً، ويثير حيرتهم أكثر من مسألة الوقت الذي سيقضونه لقطع حاجز عسكري مستحدث.
ومن يسلك الطريق البديل «روجيب – عورتا» الذي أصبح يربط بين مدينتي نابلس ورام الله، سيرى بأم عينيه في ساحة ممتدة خلف معسكر حوارة ساحات رماية وتدريب كبيرة غالبا ما يستخدمها جيش الإحتلال.
في تلك الساحات الممتدة تقف عشرات المركبات الخاصة لمستوطنين بعضهم بملابس مدنية وبعضهم بملابس جيش غير رسمية، وهناك يتمرنون على الرماية من مسافات مختلفة.
وتصطف عشرات السيارات على بعد أمتار من طريق فرعي، لكنه أصبح طريقا رئيسيا لمن يريد التنقل من رام الله إلى نابلس بعد أحداث السابع من أكتوبر، حيث أغلقت قوات الاحتلال حاجز حوارة العسكري الذي يفصل بين وسط الضفة الغربية عن شمالها.
وتشي تلك المشاهد التي عاينتها صحيفة «القدس العربي» أن هناك تدريبات يقوم بها مستوطنون متطرفون يحملون أسلحة آلية، وجانب من هؤلاء يقومون بهجمات بحق المواطنين في المناطق القريبة من المستوطنات.
و يعلق مواطنون مارون على مشهد التدريب على الرماية الحية في ظل أن أغلب المتدربين جاءوا بسياراتهم الخاصة، وهو ما يعني أنهم ليسوا ضمن تدريب رسمي يتبع الاحتلال.
ويعلق مواطن من بلدة عورتا يسكن بالقرب من حقول الرماية بالقول إن تدريب الجنود مختلف، حيث كان يتم إغلاق المكان ومنع مرور المواطنين وسياراتهم إلى جانب عدم وجود سيارات خاصة في المكان.
ويعقب مواطن ثالث على المشهد عبر تصويره بهاتفه المحمول، ويشدّد على أن هؤلاء (المستوطنين الذين يتدربون على الرماية) قد يكونون في مساء مقبل على حدود قرية فلسطينية، جزءاً من هجمات شبه يوميا يستهدفون فيها المواطنين وممتلكاتهم.
وفي السياق ذاته، كشفت القناة 12 العبرية، عن أن رئيس جهاز الشاباك «رونين بار»؛ حذر برسالة بعثها إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وإلى وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت من إرهاب المستوطنين المتزايد في الضفة الغربية المحتلة.
وقال بار في رسالته، إن قادة هذه الظاهرة يريدون إخراج الأمور عن السيطرة مما يسبب ضرراً كبيراً على إسرائيل.
وأضافت القناة أن رئيس الشاباك أضاف في رسالته، أنه «يكتب ذلك وهو لديه قلق كبير كيهودي، وإسرائيلي ومسؤول أمني»، مشيرا إلى أن الإرهاب اليهودي الذي يقوم به تنظيم «فتية التلال» (تنظيم استيطاني إرهابي عليه عقوبات دولية) ازداد خلال الفترة الماضية.
وذكرت القناة العبرية أن بار قد بعث بالرسالة ذاتها أيضاً إلى وزراء القضاء، والتعليم، والمالية، والداخلية والأديان وكذلك للمستشارة القضائية لحكومة الاحتلال.
وقال في رسالته التي بعثها الأسبوع الماضي، إن الظاهرة ازدادت خلال الفترة الماضية تزامناً مع عجز قوات الاحتلال عن السيطرة عليها وربما شعور المستوطنين بدعم خفي من الشرطة، وقد تحولت هذه التصرفات التي كان يقوم بها بعض الأفراد إلى هجمات جماعية يشارك بها مئات المستوطنين، وذلك بسبب عدم خوفهم من الاعتقال الإداري نظراً للظروف الجيدة التي يتلقونها في السجون وكذلك الأموال التي يحصلون عليها من بعض أعضاء الكنيست بعد الإفراج عنهم.
وحسب القناة فإن رئيس الشاباك قال أيضاً إن الظاهرة تحولت من استخدام «قداحة» إلى استخدام الأسلحة، وفي بعض الأحيان استخدم المستوطنون الأسلحة التي منحتها لهم حكومة الاحتلال، وقد بدأوا بمهاجمة قوات الأمن الإسرائيلية.
ويقول بار إن هذه الظاهرة لم تلق انتقاداً واستنكاراً من القيادة الإسرائيلية، وهذا منح المستوطنين الشعور بأن لديهم دعما من قيادات معينة، وطالب جميع الوزارات المعنية بالمشاركة لمحاربة هذه الظاهرة، وذلك لما تشكله من خطر على إسرائيل.
وحذر رئيس الشاباك من تغيير كبير في الواقع الحالي، بما سيؤدي لفقدان ما ادعى أنها «الشرعية العالمية للاستيطان»، وكذلك سيؤدي لنشر مزيد من قوات الجيش الذي لا يستطيع القيام بكافة المهام الموكلة إليه، وإضافة لعمليات انتقامية فلسطينية في الضفة الغربية مما قد يشعل جبهة أخرى في الحرب الحالية.
وقال مشاهد كتلك التي انتشرت عند اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى وقيام المستوطنين بالصلاة بشكل جماعي في المسجد وإعلان وزير الأمن القومي تغيير الوضع القائم ستؤدي إلى مزيد من الدماء وستغير وجه إسرائيل.
وقبل نحو أسبوع عاشت بلدة «جيت» شرق مدينة قلقيلية أحدث مواجهات قاتلة بحق الفلسطينيين عندما هاجم نحو 100 مستوطن مسلح ومنظم وعلى شكل مجموعات القرية ونتج عن الهجمات شهيد وعشرات الجرحى إلى جانب إحراق مجموعة من المنازل.
يأتي ذلك التحذير الاستخباراتي بعد قرارات من دول أوروبية مؤخرًا بفرض عقوبات على مستوطنين وجماعات استيطانية، بسبب نشاطهم الاستيطاني في الضفة، وضلوعهم في الاعتداءات الإرهابية في الضفة.
وتصاعد التحذير أخيراً في إسرائيل من ميليشيات الإرهاب اليهودي، فقال رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت، إن الخطر الداخلي بالنسبة لإسرائيل يظهر في تنامي نفوذ «حركة المستوطنين، أصحاب القبعات المنسوجة، الذين يتركزون في مستوطنات الضفة الغربية» .
وقبل أيام قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن المسؤولين الأمنيين يحذرون من تصاعد العنف القومي اليهودي في الضفة الغربية، مشيرة إلى تراجع فعالية الردع الأمني في مواجهة الجرائم القومية.
وأوضحت أن الأحداث الأخيرة في قرية جيت تُظهر ضعف ردع شرطة الإحتلال تجاه هذه الجرائم.
وأضافت أن المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين أشاروا إلى زيادة ملحوظة في العنف القومي اليهودي منذ بداية الحرب، مع انتشار الأسلحة بين المستوطنين وجنود الاحتياط. ورغم المخاوف الأولية من توزيع الأسلحة، لم يتم سحبها إلا بعد وقوع عدة حوادث.
كما حذر جهاز المخابرات الشاباك وجيش الاحتلال منذ أشهر من تفاقم الوضع الأمني نتيجة لتراخي الشرطة في الضفة الغربية.ولفت المسؤولون إلى تحول الإرهاب اليهودي من عمليات فردية إلى مجموعات منسقة تضم عشرات الناشطين اليهود، الذين يتم تنظيمهم وتنفيذ الهجمات بشكل منسق.
وقال المسؤولون إن الشرطة الإسرائيلية فشلت في التصدي للأحداث العنيفة في الضفة الغربية، حيث نادرًا ما تصل إلى مواقع الاحتكاك والفوضى، مما يتيح للمستوطنين التصرف بحرية.
وأشاروا إلى تقاعس الشرطة في تنفيذ القانون عندما يتعلق الأمر باليهود، مما أدى إلى زيادة الجرائم القومية اليهودية.
وتطرقت الصحيفة إلى عدة حوادث تعكس تقاعس السلطات الأمنية، منها حادثة إطلاق جندي احتياط النار على فلسطيني في جنوب الخليل، مما أسفر عن إصابته بجروح خطيرة، وحادثة استشهاد فلسطينيين في نيسان /أبريل على يد مستوطنين في منطقة الغور. وأوضحت أن توجيهات وزارة الأمن القومي بقيادة المتطرف إيتمار بن غفير تؤثر في أداء الشرطة، مما ينعكس سلبًا على تنفيذ القانون والحد من الجرائم القومية.
وفي أخر تقرير رصدي لأبرز اعتداءات جيش الاحتلال ومستوطنيه بحق المواطنين وأراضيهم خلال شهر تموز / يوليو عام 2024، ظهر تفاقم في هجمات الاحتلال.
واستشهد خلال هذا الشهر 39 مواطنا، بينهم 7 أطفال و3 مواطنات وأسير، ما يرفع حصيلة الشهداء في الضفة الغربية بعد السابع من أكتوبر الماضي إلى 596 شهيدا.
وأصيب خلال هذا الشهر 154 مواطنا، بينهم 20 طفلا، و3 مواطنات وصحافي، برصاص الاحتلال الذي استهدفهم على حواجزه أو أثناء اقتحامه للقرى والمدن في الضفة الغربية المحتلة.
ونفذ جيش الاحتلال 962 عملية اقتحام لمناطق سكنية متفرقة في محافظات الضفة الغربية والقدس، كان أكثرها في محافظة رام الله بواقع 205 اقتحامات، ثم نابلس بــ 189 اقتحاما، فيما توزعت بقية الاقتحامات على محافظات القدس، وجنين، وطوباس، وطولكرم وقلقيلية، وسلفيت، وأريحا، وبيت لحم والخليل.
وأقامت قوات الاحتلال 396 حاجزا مفاجئا في الضفة الغربية والقدس، فيما بلغت عمليات إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال باتجاه المواطنين 248 حالة، إذ أطلق جنود الاحتلال الموجودون على الحواجز العسكرية النار في 60 حالة، بالإضافة إلى 188 حالة إطلاق نار خلال عمليات اقتحام.
وهدمت آليات الاحتلال خلال تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، 65 منزلا ، بالإضافة إلى هدم نحو 59 منشأة تجارية في الضفة الغربية والقدس، من بينها حظائر أغنام وغرف زراعية ومنشآت تجارية أخرى.
كما قامت باقتلاع نحو 970 شجرة في الخليل، وسلفيت ونابلس، وجرّفت أكثر من 228 دونما من أراضي الضفة والقدس.
ونفذ جيش الاحتلال 138 حالة تدمير لأثاث المنازل، وإلحاق الأضرار بسيارات المواطنين، واقتلاع أشجار الزيتون، ومصادرة سيارات مواطنين وكاميرات تسجيل، بالإضافة إلى ممتلكات شخصية ومعدات أثناء عمليات الاقتحام والمداهمة.
وخلال الشهر الماضي سجلت 28 حالة اعتداء على مساجد في الضفة الغربية والقدس، من ضمنها اقتحام للمسجد الأقصى في القدس، بالإضافة إلى إغلاق المسجد الإبراهيمي والمناطق المغلقة في الخليل على فترات منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين أول الماضي.
وبــــــــلغت حصيلة اعتداءات المستوطنين خلال هذا الشهر 196 حالة اعتداء على المواطنين الفـــــــلسطينيين شملت عمليات دهس مواطنين، ورشق حجارة على مركبات المواطنين ومنازلهم، وقطع أشجارهم وإتلافها، واقتحاما للبلدات.
ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2023، سجل مكتب الأمــــــــم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ما لا يقل عن 1,143 هجمة شنها المستوطنون في الضفة الغربية، أسفرت عن استشهاد 17 مواطنا.