بحضور أكثر من 200 مشارك
"مسارات" يعقد مؤتمره "فلسطين تُفكّر ... قراءات في تحوّلات العقل الفلسطيني"
عقد المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، مؤتمره "فلسطيـن تُفكِّــــــر ... قراءات في أنماط التفكير ومقوّمات التغيير"، يوم السبت في قاعة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بمدينة البيرة، وعبر تقنية زووم، بحضور 200 مشارك ومشاركة من مختلف التجمعات الفلسطينية، وقد تحدث في المؤتمر 32 باحثًا وسياسيًا وأكاديميًا من الجنسين.
وشكّل المؤتمر منبرًا إستراتيجيًا للكتاب والباحثين والمثقفين والأكاديميين والإعلاميين والاقتصاديين، من الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل والشتات لمناقشة إعادة النظر في أنماط التفكير من أجل تكريس نهج التفكير النقدي في السياق الفلسطيني.
وتضمن المؤتمر الذي ينظمه مركز مسارات في إطار برنامج "أنماط التفكير الفلسطيني"، بدعم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بالكويت، تقديم أوراق بحثية في مجالات تتعلق بالتفكير النقدي، في خمسة سياقات: الثقافة، والتعليم، والسياسة، والاقتصاد، والإعلام، وتشمل خلاصات وعمليات عصف ذهني ومجموعات بؤرية للتحليل والتفكير.
وشدد المتحدثون في المؤتمر على ضرورة الخروج من حالة الانتظار، إلى حالة العمل والمبادرة في القضايا المختلفة المتعلقة بالقضية الفلسطينية والحلول السياسية، مؤكدين أن "طوفان الأقصى" ردة فعل واعية وكفاحية على محاولات طمس القضية الفلسطينية. ودعوا لاستبدال الأفكار القديمة بأخرى جديدة تطمح للمستقبل والوطن الديمقراطي والعمل والإرادة والإبداع والكفاح والاعتراف بالواقع لا القفز عنه، إضافة إلى تجاوز الهيمنة لأفكار قديمة عفا عليها الزمن.
الافتتاح
افتتح هاني المصري، المدير العام لمركز مسارات، المؤتمر بحديثه عن تحولات العقل الفلسطيني وأنماط التفكير السائدة فيه، وأدواره في المرحلة الحالية، مؤكدًا ثبات الشعب الفلسطيني وصموده في وطنه وتصميمه على الحياة وحفاظه على حيوية القضية على الرغم من كل ما يتعرض له من ويلات ومعوقات هدفت إلى طمسه وتهجيره.
وأضاف: "طوفان الأقصى ردة فعل واعية وكفاحية على محاولات طمس القضية الفلسطينية وحرب الإبادة المستمرة منذ 10 أشهر، ودليل قاطع على ما يجري ويفضح حقيقة الحركة الصهيونية".
وأكدّ المصري وجود خلل جوهري في النظام السياسي الفلسطيني، فالسلطة التنفيذية تتحكم في كل السلطات؛ ما أدى إلى تجويف المؤسسات وترهلها وحل المجلس التشريعي وانتشار سوء الإدارة والفساد وغياب سيادة القانون والقضاء بوصفه سلطة مستقلة، فضلًا عن المشكلة الكبرى المتمثلة في الانقسام الفلسطيني.
ودعا إلى استبدال الأفكار القديمة بأخرى جديدة تطمح للمستقبل والوطن الديمقراطي والعمل والإرادة والإبداع والكفاح والاعتراف بالواقع لا القفز عنه.
بدوره قال أحمد جميل عزم، أستاذ العلاقات الدولية والمحرر الرئيسي للمشروع، إن هدف المؤتمر الاستماع للمشاهد والتجارب والأبحاث، وبخاصة تلك التي تشكل المشهد الفلسطيني، مشيرًا إلى أن العديد من الأمور تتعلق بكيفية فهم الشعوب لها بالدرجة الأولى.
وبدأ عزم مداخلته بتفكيك العنوان "فلسطين تفكر"، وأنسنة فلسطين، موضحًا أن مجموعة عناصر في السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة تنتج شيئًا جديدًا وكأن هناك كيانًا جديدًا.
وأضح أن المؤتمر سيقدم تشخيصًا وتحليلًا لأنماط التفكير الجمعي والفردي الفلسطيني، والعوامل المؤثرة في هذه الأنماط أو الاتجاهات، وتحولاتها عبر الزمن، مع التركيز على المرحلة الراهنة، وتقديم توصيات سياساتية، ستتطور في مراحل مقبلة إلى مشاريع وخطط تدريب وعمل، تسهم في الوصول إلى عمليات هادفة وواعية لإحداث أفضل تفاعلات وبرامج في المجالات المختلفة التي تتعلق بالحوار المجتمعي، والتفكير النقدي البناء، عبر المؤسسات المجتمعية المختلفة، من تعليمية، وسياسية، واقتصادية، وإعلامية.
آراء نقدية في التفكير
تحدّث في هذه الجلسة التي أدارها خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، كلٌ من: مروان دويري، باحث ومحاضر فلسطيني متخصص في مجالات علم النفس العلاجي والطبي والتربوي، ويارا السالم، خبيرة في مجال التنمية الدولية، ونبيل عمرو، سياسي ووزير سابق.
وقال دويري إن طرق التفكير والمواجهة التي نمارسها مع الاحتلال تحدد النتيجة على أرض الواقع، منوهًا إلى وجود ست طرق لمواجهة معوقات التطور والتغيير، وهي التنسيب الخارجي للقضايا الشخصية أو الوطنية، وإعفاء الشخص من المسؤولية الذاتية، فعلى الصعيد السياسي يعدّ الاحتلال المتسبب في كل شيء، ولكن من الخطأ ربط مختلف المشاكل بوجود الاحتلال، إضافة إلى التسلط والتفكير القدري والرجعية السلفية، وغياب معيار الجدوى وتغليب معيار الحق والمرجعية القبلية الاصطفافية بدلًا من المبدئية والأخلاقية، وأخيرًا التعصب وانعدام الفكر التعددي.
بدورها، أوضحت السالم أن التفكير السياسي في فلسطين مغلق وجامد وغير مرتبط بالمعطيات والواقع، موضحة أن هناك حالة من عدم تحرر الديناميكية السياسية على الرغم من الظروف المحيطة التي تغيرت وليس لدى النخبة السياسية ما تقدمه لدى المجتمع أو الاحتلال نضاليًا أو سياسيًا، إضافة إلى حالة الانتظار التي أدت إلى فقدان فكرة المشروع الوطني.
وأشارت إلى استغلال الاحتلال لحالة الجمود الفلسطينية وفهم أنماط التفكير والأيديولوجيا الفكرية الوطنية، وتوظيفها في الاستعمار لإضعاف القضية وإجبارها على الاستسلام، من خلال القهر والإرهاب النفسي، وبناء نظام اجتماعي لا يمكن من خلاله مواجهة الاحتلال.
من جانبه، أكد عمرو وجود حالة من "الفوضى غير المسبوقة على المستويات الفكرية والسياسية واتخاذ القرارات، وهي سابقة لم تحصل قط في تاريخ السياسة الفلسطينية"، موضحًا أن الشعب الفلسطيني بذاته يعدّ "ظاهرة جيدة وإيجابية في الحالة الفلسطينية، وعلى النقيض فإن السيئ فيها هو الطبقة السياسية، فهي مغيبة بالمطلق عن الواقع وحتى النظر إلى مشاكل الشعب".
وتطرق عمرو إلى صفة "التشبث" التي تسود الحالة الفلسطينية، مستدلًا على ذلك بحالة تشبث السياسيين الفلسطينيين بالحكم، ورفض محاولات التجديد والتغيير، مشيرًا إلى انعدام التجديد في الأشخاص والمنهج منذ قيام الثورة الفلسطينية، والحاجة الملحة إلى وجود أجيال جديدة تساهم في الخروج من الوضع الحالي الصعب.
التحولات السياسية
تحدّث في هذه الجلسة التي أدارها عبد الجبار الحروب، الباحث في مركز مسارات، كل من: أحمد غنيم، عضو المجلس الثوري لحركة فتح، وماجدة المصري، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وساري عرابي، باحث في السياسة الفلسطينية، وبلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الخليل، ويوسف الأشقر، محامٍ وباحث.
تحدث غنيم عن أهمية فهم أنماط التفكير على الشعوب، موضحًا أنه يؤثر عليهم كما يؤثر على الأفراد، مؤكدًا ضرورة عدم انحصار أنماط التفكير في فئة واحدة، خاصة أن مجالات التفكير واسعة.
وقال إن هناك أنواعًا من التفكير، فمنها العشوائي الحر المنفلت من أي قيود علمية ومرجعيات وحكمة، إلى جانب العشوائي المقيد بالمرجعيات أو الأحزاب، مؤكدًا أن التفكير الجمعي تدخل في تشكيله عوامل مختلفة.
بدورها، أوضحت المصري أن معركة "طوفان الأقصى" كانت بمنزلة زلزال لكيان الاحتلال، وأدخلت فلسطين في مرحلة جديدة على المستويين الإقليمي والدولي وتفاصيل المعركة العسكرية وانعكاساتها، موضحة أن حتى السادس من أكتوبر كان التطبيع هو الحدث الرئيسي والسائد، وكان الشغل الشاغل متعلق بالتطبيع السعودي على وجه الخصوص.
وأشارت إلى "الواحة الديمقراطية" التي كان يتغنى بها الاحتلال في الشرق الأوسط وهوت وباتت توصف بمرتكبة جرائم الإبادة، وهو ما مهدّ لعزلة إسرائيل دوليا التي ستتضح نتائجها مع بدء مسار المساءلة لها أمام المؤسسات الدولية.
وأكدت أن معركة "طوفان الأقصى" هي للكل الفلسطيني ولا تقتصر على قطاع غزة فقط أو على فصيل حزبي معين كحركة حماس، مضيفة: "هذه معركة الشعب الفلسطيني بأكمله من خلال مقاومته العظيمة التي تشكلت على مدار تاريخ نضاله، وتحتاج كل الدعم والصمود، ومن المفترض أن تؤدي إلى مسار سياسي يفضي إلى إنهاء الانقسام عبر مؤتمر دولي.
من جانبه، قال عرابي إنّ انهيار السرديات الكبرى من أهم التحولات العالمية، كما أن القضية الفلسطينية تدفع أثمانًا باهظة نتيجة انهيار اليسار العالمي والاتحاد السوفييتي، موضحًا أن هناك انهيارًا للسرديات بعد تأسيس السلطة الفلسطينية، حيث مرّ النضال بحالة ركود وبات في عزلة تامة بعد أن كان يحترف الاشتباك مع الاحتلال، ورأى عدم إمكانية حشد طاقات الشعب من دون وجود حالة حزبية منظمة.
وأشار إلى أن الفصائل قامت بدور كبير في استمرار الانتفاضة الأولى، وأدت إلى الاستثمار فيها، موضحًا أن الحزب والتنظيم الفلسطيني فقد دوره من خلال تأسيس السلطة. وحذر من خطر التمدد الاستيطاني الذي وصل إلى مناطق (أ) و(ب).
بدوره، تحدّث الشوبكي عن ظاهرة " العجز المتوهم" المغروس في نفوس الشعب الفلسطيني، موضحًا أن تفكير المواطنين بحالة العجز القائمة ليست طارئة أو وليدة اللحظة، بل نتيجة سياسات متعمدة مورست على الأجيال المتعاقبة حتى باتت تتوهم العجز، خاصة بعد المشاهد التي نراها في غزة.
وبيّن أن الفلسطيني بات في حالة انتظار دائمة ويرقب الحلول الخارجية ومؤثراتها على الوضع الفلسطيني، مشيرًا إلى أن غياب التعبئة والتنشئة في الجيل الذي ولد بعد الانقسام خَلَقَ جيلًا لديه رؤية، وفي ظل تماهي حركة فتح مع السلطة الفلسطينية تولّدت حاله فراغ مُلئت ببنى خاطئة، مثل العشائرية وتحييد الفصائل وقدرتها على إحداث التغيير.
أما الأشقر، فتناول متغيرات التفكير الشعبي إزاء محطات ومشاريع أربعة، وهي: "السُلطة"، والمقاومة المسلّحة، والاحتلال، والحياة الطبيعية. وتناول هذه المتغيرات وفق تسلسل زمني منذ لحظة أوسلو حتى لحظة 7 أكتوبر، مشيرًا إلى أنّ هناك جدلًا ظهر على مستوى العلاقة بين العامة (الشعب) وفكر المقاومة المسلحة في قطاع غزة، التي صاحبها شكل سلطوي في الإدارة في ظل الحصار والانقسام.
وأوضح أن حركة حماس تحافظ على قاعدة جماهيرية واسعة تتمسك بخيار المقاومة المسلحة، وهو ما يتوافق مع شريحة واسعة من الشارع الغزي، الذي ينظر إلى هذا الخيار بوصفه خيارًا وحيدًا خاصة بعد ما أثمرته اتفاقيات أوسلو، وترفض وضع الضفة الغربية التي تتبنى فيها السلطة الفلسطينية الخيارات السلمية، مبيّنًا أنه لا يمكن التسليم بالآراء المؤيدة أو المعارضة لتقييم حكم حركة حماس لقطاع غزة، كونها تتصف باللحظية ونابعة من موقف معين فقط.
التحولات الاقتصادية
تحدث في هذه الجلسة التي أدارها إبراهيم ربايعة، باحث وأكاديمي في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي، كل من: بكر اشتية، محاضر الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية، وإمطانس شحادة، باحث اقتصادي في مركز مدى الكرمل، ووليد حباس، باحث رئيسي في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، ومازن العجلة، خبير اقتصادي وأكاديمي، ومازن العزة، ناشط وباحث سياسي.
وأكدّ اشتية ضرورة إعادة تعريف الاقتصاد الفلسطيني ونظامه، والبدء بعملية "الانفكاك التدريجي" عن الاحتلال، مستدلًا بنهج "اقتصاد الأنفاق" في قطاع غزة الذي انتهجته المقاومة لتمويل نفسها ذاتيًا، ليتم استنتاج عمليات التحول من مصادر التمويل الخارجي للذاتي.
وأشار إلى تمهيد واستغلال الاحتلال لحالة الشعب الفلسطيني المعتمد على العمالة في الداخل والتمويل الخارجي، وتمرير سياسته الاستعمارية من خلالها.
بدوره، أكدّ شحادة ضرورة التفكير الشامل في الحالة الاقتصادية الفلسطينية وأدواتها والدور الرئيسي يقع على السلطة الفلسطينية.
وأضاف: "لا يمكن للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده استخدام أدوات اقتصادية حرة في مواجهة الاستعمار الاقتصادي الاحتلالي"، وأوضح أن السلطة الفلسطينية تحاول تنفيذ الاقتصاد النيوليبرالي ضمن حالة مشوّهة ولا تصلح لتطبيقه.
من جانبه، قال حبّاس إنّ دولة الاحتلال أوجدت فصلًا بين الاقتصاد الفلسطيني والفلسطينيين بسبب توزعهم، وبات الاقتصاد لا يتواءم مع مفهومه، وأصبح فقط محصورًا في الأراضي التي احتلت في العام 1967، وجاءت اتفاقية أوسلو لتعزز هذا التوجه، حيث بات الاقتصاد الفلسطيني يقتصر على الضفة وغزة.
وفيما يتعلق بالانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال، أشار إلى أن فك الارتباط يرتبط بالتمرد على الإدارة المدنية وعصيان الحكم العسكري الاسرائيلي.
بدوره، قال العجلة إن أنماط التفكير الاقتصادي لا تنفصل عن أنماط التفكير السياسي التي لا تعكس وجود أنماط اقتصادية مجدية، مشيرًا إلى الحالة الاقتصادية الصعبة والوضع المتردي في ظل التبعية المتناهية، مؤكدًا ضرورة استغلال العدوان الحالي في عملية التحويل لأنماط تفكير إيجابية يستفاد منها وتهدف إلى التحرر بدلًا من التمسك بأنماط غير فعالة على الواقع.
وبيّن أن تغيير أنماط التفكير الاقتصادي في المجتمع الفلسطيني يتطلب مراعاة السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي الفريد للمنطقة. وعلى السلطة إعادة تشكيل تفكيرها الاقتصادي، وفقًا للرؤية الوطنية التي تستند إلى مصطلح الاستعمار الاستيطاني لاستخدامه نموذجًا تحليليًا. ويقتضي رجوع السلطة عن النيوليبرالية التوجه لنموذج التفكير الاقتصادي الفلسطيني المعزز لتوجيه وتشجيع التراكم الرأسمالي الذي يدعم القدرة الإنتاجية، ويقلّص السيطرة الإسرائيلية.
وتحدث العزة عن المراحل الاقتصادية للشعب الفلسطيني، مشيرًا إلى أن المرحلة التي امتدت من النكسة لغاية الانتفاضة الأولى، خدمت أهداف الحركة الصهيونية الاستعمارية، واعتمد الشعب خلالها على العمالة في الداخل والمساعدات الأسرية والصناعات التحويلية التي كانت مرتبطة بالاحتلال.
وأشار إلى أن المرحلة التي امتدت من الانتفاضة الأولى لغاية اتفاقية أوسلو ظهرت فيها معالم الخطة الصهيونية بشكل واضح في الضفة الغربية، حيث ركزت الانتفاضة الأولى على بناء اقتصاد محلي مقاوم للاحتلال على الرغم من المضايقات والتدمير الممنهج للصناعات المحلية، إضافة إلى وجود حالة صمود شهدت بناء بعض المصانع، مثل الألبان والصناعات البلاستيكية.
التعليم
تحدث في هذه الجلسة التي أدارتها الباحثة نور بدر، كل من: باسم أبو جراي، باحث في وحدة الدراسات في مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، ووسيم الكردي، شاعر وخبير تربوي وباحث في مجال التعبير اللغوي والدراما، ومنال حمزة، أستاذة متفرغة، ومؤسسة مشاركة لقسم الدراسات الحدودية والإثنيات في جامعة ولاية نيو مكسيكو، وخالد الحروب، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية والإعلام العربي في جامعة نورث ويسترن في الدوحة.
وتحدث أبو جراي عن استهداف الاحتلال لكامل مظاهر الحياة الإنسانية في قطاع غزة، ومن ضمنها قطاع التعليم، حيث قتل آلاف الطلبة والأكاديميين والباحثين، فضلًا عن تدمير البنى التحتية والجامعات والمدارس، وهو ما يشكل جريمة صريحة ضمن القانون الدولي.
وأشار إلى أن حرب الإبادة أدت إلى تدمير وتضرر أكثر من 540 مدرسة، منها 344 جرى قصفها بشكل مباشر، وارتقاء الآلاف من طلبة المدارس والجامعات، إضافة إلى وجود 600 ألف طالب مدرسي وجامعي من دون تعليم.
بدوره، قال الكردي إن إحداث التغيير في المجتمع لا يكون من خلال تنفيذ المبادرات فقط، بل يتوجب تحويلها إلى قوة مجتمعية أو فكرية أو ثقافية أو سياسية.
وأضاف: "المبادرة محدودة التأثير لأنها لا تصل إلى مجتمع كامل، ولكنها تخلق بذرة لتأسيس شيء ما في المستقبل، مثل منصة تعبير، التي تسمح للأطفال بالكتابة والنشر والمحاورة والمشاركة، ومن ثم استعرض ما تقوم به منصة تعبير في هذا المجال.
من جانبها، قالت حمزة إنه يجب تخيل بناء ابتكار معرفي جمعي منفك عن الكولونيالية السائدة، حيث عملت على توظيف كتاباتها في تعليم نظريات الانفكاك عن الكولونيالية، وخاصة النسوية المنفكة عن الكولونيالية.
وتحدثت عن قدرتها على بناء السبل المناهضة لإبادة المناهج العربية وتعزيز مواقعيتها كأصول عربية، إضافة إلى عملها على توظيف المناهج في الانفكاك عن الكولونيالية، وإجراء تطبيقات عملية للباحثين.
بدوره، قال الحروب إن المعرفة غير منتهية، ومن ظنّ أنه وصل إلى المعرفة فقد أغلق على نفسه باب الجهل، موضحًا أنه من الضروري تحويل الخطاب التعليمي والتثقيفي إلى اللاأدرية التعليمية وأن اتساع دوائر اللاأدرية تزيد من المعرفة المتواصلة.
وأشار الحروب إلى أهمية بناء فكر نقدي إيجابي مناهض للفكر التهكمي، مشددًا على ضرورة إنشاء نموذج خاص لفهم دراسات الاستعمار؛ لأن تجربة فلسطين أصبحت استثنائية من ناحية الوقت وصعوبة الحالة الاستعمارية واستطالتها.
الثقافة
تحدث في هذه الجلسة التي أدارتها الباحثة ريما شبيطة، كل من: سليمان منصور، فنان تشكيلي ونحات، وحمزة العقرباوي، حكاء فلسطيني مهتم بجمع وتوثيق الموروث، وعلي مواسي، شاعر وباحث ومحرر.
وقال منصور إن النكبة أثرت على كل مناحي الشعب الفلسطيني، بما فيها الجوانب الفنية والثقافية، وخاصة في حُقب الخمسينيات والستينيات، التي مثلت الحنين إلى الوطن والقرية الجميلة ولوحة الإنسان المسكين.
وأضاف: أما في فترة السبعينيات، فكان الهم الأساسي للاحتلال والدول الغربية وبعض الدول العربية إنكار وجود الشعب الفلسطيني، وهو ما قابلته الحركة الفنية بالتأكيد على الهوية الفلسطينية والفنون القديمة، مثل الزخرفة والتطريز والفن الكنعاني.
من جانبه، تحدث العقرباوي، عن غياب أثر الثقافة الشعبية في الوقت الحاضر، وتؤثرها بالتمويل المؤسسي المشروط والتأطير وتغيير المناهج؛ ما أدى إلى البعد عن الموروث الثقافي.
وأكد دور الثقافة الشعبية في مساندة المقاومة والاشتباك ضد الاحتلال، وخاصة خلال فترة الانتفاضة الأولى، مشددًا على ضرورة ارتباط الثقافة بالاشتباك وفقدانها لقيمتها بالبعد عنه.
وأضاف: "يجب أن نتعامل مع الثقافة الشعبية بمذهب التجديد ومعرفة ما يجب أخذه واستخدامه من عدمه، ومن الممكن البناء على الأمثال الشعبية كشيء جامع يبنى عليه، ويجب بناء ثقافة تساعدنا على الفكر الواعي التحرري".
بدوره، قال مواسي، إن الممارسات الثقافية المنتهجة في الوقت الحاضر ملائمة للأبارتهايدية، مستدلًا بالعينة البحثية لطلبة الجامعات التي تخلو من الحاضنة العربية والإسلامية ولا ترى العالم الذي يبلغ تعداده 8 مليار نسمة.
وأكد مواسي ضرورة تعريف الأجيال القادمة بسياسة معرفية بعيدة عن معرفة المعازل والاستعمار، قائلًا إن التبعية لمراكز السكسونية ليست وليدة الصدفة، بل هي أساليب ومناهج مورست علينا.
الإعلام
تحدث في هذه الجلسة التي أدارها أحمد عزم، كل من الصحفي محمد دراغمة، ورولا سرحان، باحثة ثقافية، وصالح مشارقة، أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت، ومنى اشتية، باحثة في الحقوق الرقمية، وأليف صبّاغ، باحث وخبير في الشأن الإسرائيلي.
وتحدث دراغمة عن هيمنة الإعلام العربي بقدراته المالية الكبيرة على الإعلام المحلي، حتى أصبح محليًا، وسيطرة وسائل الإعلام الكبرى على وسائل التواصل الاجتماعي.
وأشار إلى تعرض الجمهور الفلسطيني الذي يتابع الأخبار وفقًا لرغباته وتفكيره العاطفي لوسائل الإعلام العربية بشكل كبير، مؤكدًا أن المعضلة تكمن في تسييس تلك القنوات حتى النخاع، وتسخير الإمكانات المالية الضخمة لصالح الأجندة في العالم العربي.
بدورها، تحدثت سرحان عن استعادة الرواية الفلسطينية للواجهة بعد السابع من أكتوبر، وتبيان حقيقة قيم العدالة الإنسانية في الإعلام الغربي وممارسته للتضليل والخداع، حيث بات يشكل دعاية إعلامية تروج للشر وتبرره بدلًا من محاربته، ويسوغ للمجرم جريمته ويدافع عن قيم الحضارة الغربية.
وأشارت إلى أننا أصبحنا أكثر اتصالًا بفلسطين من خلال ازدياد الاتصال بذواتنا وإنسانيتنا وفلسطينيتنا.
من جانبه، تطرق مشارقة إلى انتصار الرواية الفلسطينية في معركة "طوفان الأقصى"، موضحًا أنه انتصار غير مؤسسي، مشيرًا إلى نهضة الشعوب والحراكات الطلابية الاحتجاجية في العالم، وخاصة في الجامعات الأميركية.
وأوضح أن الرواية الفلسطينية عملت على تجديد نفسها بعد 24 عامًا، وبات هناك يهود ضد الصهيونية، مستشهدًا بنجاح فكرة حركة مقاطعة الاحتلال BDS وزخمها الإعلامي الكبير وفشل مساعي بريطانيا وإسرائيل في إفشالها.
أما اشتية، فتحدثت عن قمع المحتوى الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي والتحيز ضده قبل السابع من أكتوبر، إلا أن الأشهر العشرة الماضية شهدت شراسة من الفلسطينيين في استخدام رموز وطرق للتحايل على الخوارزميات وعرض الرواية الفلسطينية والحفاظ عليها.
وأوضحت أن خطاب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني نابع من مراكز حكومية، في المقابل لا تستخدم غالبية الأحزاب الفلسطينية وسائل التواصل الاجتماعي ولا تخاطب الفلسطينيين بشكل مباشر، بل من الممكن إرسال الخبر لقناة الجزيرة ثم عرضه للفلسطينيين.
من جانبه، تحدث صبّاغ عن أهمية الإعلام في عملية وصف الواقع بهدف تغييره، وفي حال عدم تحقيق هدفه سيصبح الإعلام بلا فائدة، مؤكدًا وجوب غربلة المفردات والمصطلحات، وصياغة رسائل إعلامية ضرورية تتلاءم مع الواقع والأهداف.
وحذّر من الأخذ والاعتماد على مفردات الاحتلال التي تستخدم ضد الشعب الفلسطيني.