شمال غزة.. قتل وجوع وعطش ونزوح تحت القذائف
راية - أماني شحادة
"نفسنا تخلص الحرب ونرجع ناكل لحمة وجاج، الشعير طلع من راسي" بهذه الكلمات البريئة رد الطفل أسامة محمد من شمال قطاع غزة على سؤال لمراسلة راية.
ما نطق به أسامة يخلص المشهد في شمال غزة، إذ عادت المجاعة من جديد إثر استمرار الاحتلال الإسرائيلي في منع دخول المساعدات الإنسانية والبضائع إلى المواطنين هناك.
ويعاقب الاحتلال، المواطنين على صمودهم في منازلهم بمدينة غزة والشمال عبر قطع الغذاء والماء والدواء وكل مقومات الحياة الأساسية عنهم، لدفعهم نحو النزوح نحو المجهول في جنوبي القطاع.
أسامة اشتكى همه لمراسلتنا بقوله: "بندور في كل مكان عشان نقدر نلاقي علبة بازيلاء أو حمص نسد جوعنا فيها. الخضروات مش متوفرة وإذا لقيناها بكون سعرها عالي".
وفي ظل عدم توفر الخضار والفواكه في شمال القطاع، لم يبق أمام المواطنين سوى المعلبات التي تباع بأسعار مرتفعة أيضا قد تتجاوز 15 شيكلا للعلبة التي كان ثمنها لا يزيد عن خمسة شامل سابقا.
وفقد أسامة خلال هذا العدوان والده الذي ارتقى متأثرا بإصابته إثر قصف إسرائيلي استهدف منزلا مجاورا لبيتهم.
ويبلغ الدخل الشهري لعائلة أسامة، كما حدثنا، 800 شيكل فقط، وهي -بحسبة بسيطة- لا تكفي لأسبوع واحد في ظل الغلاء الكبير الذي طال كل شيء حتى الحطب البديل الوحيد للغاز غير المتوفر منذ بدء الحرب قبل 10 أشهر.
ولا تتوقف المعاناة عند المأكل، بل في كل شيء أزمة، أبرزها شح مياه النظافة والشرب أيضا، وعدم توفر المواصلات لنقلها، لذا يضطر الناس لحملها مسافات طويلة بالجالونات.
إضافة إلى ذلك، لا يوجد لدى غالبية السكان مكان سكن مستقر، في ظل الخشية من اي توغل مفاجى لقوات الاحتلال.
بهذا الصدد، وواصل أسامة الحديث عن حياته: "القصف كثير، لا ننام ليلًا من التفكير إلى أين سنذهب إذا أعاد الاحتلال إخراجنا من المكان الذي نتواجد فيه. نزحنا من مكان لمكان 25 مرة. زهقنا".
ورغم ذلك، يصر أسامة كما يسمع من أفراد عائلته، على "البقاء في شمال القطاع مهما ساءت الأحوال".
نزوح وجوع
أم محمد من بيت لاهيا شمال قطاع غزة، تصف الحياة في الحرب قائلة: "نزحنا أكثر من مرة، من بيت أهلي، قصفوه وقتلوا زوجي ثم دخل جيش الاحتلال علينا وطالبنا بالخروج من المكان، رحنا على مدرسة ومستشفى الشفاء والميناء".
وأضافت: "نزحنا من مكان لمكان تحت القصف وبين الدمار، نهرب من الموت إلى موت آخر.. كواد كابتر وقناصات ومدفعية وصواريخ، فش مكان آمن. وين نروح".
وتشير إلى أن الاحتلال يفعل كل شيء في سبيل دفع المواطنين للنزوح، حتى أنه يقصف شبكات الانترنت التي يتجمع حولها الناس للاطمئنان على بعضهم البعض.
وبخصوص المجاعة ، تقول أم محمد: "لا يوجد طعام، لا يدخل لنا أي نوع من المأكولات والمواد الغذائية، نحن نعيش مجاعة وهذا جعل أجسادنا ضعيفة لا تقوى على مداواة أي جرح وخدش يصاب به أطفالنا".
وبحسب أم محمد، المشافي بحالة يرثى لها، ولا يوجد أي نقاط طبية يمكننا اللجوء إليها في حالات الإصابة أو الأمراض بسبب عدم توفر الدواء وارتفاع نسبة التلوث.
وتضيف: "لا يوجد مياه، نعاني بشكل واضح من عدم توفرها، كل 10 أيام نحصل على ساعات محدودة لا تكفي لأن نوفر فيها المياه لعشرة أيام أخرى، وننتظر طوابير طويلة حتى نحصل على جالون واحد من الآبار الشحيحة".
وأردفت أم محمد "لا يوجد غاز منذ 10 شهور، وهذا يجعلنا نقترب من المناطق الخطيرة بحثًا عن الحطب لإيقاد النيران والطبخ عليها، ولا يوجد رواتب ولا معونات ولا مساعدات".
ووفق اللجنة الدولية للصليب الأحمر في فلسطين، فقد أثّرت أوامر الإخلاء الإسرائيلية على آلاف العائلات بغزة، وغالبًا ما تكون هذه التعليمات غير واضحة وتؤدي إلى الارتباك والخوف.
معاناة متفاقمة
ويعتبر النزوح أخطر وأبشع شيء يمكن تصوره، حين يخرج النازحون مجبرين وسط إطلاق نار وقصف عنيف قد يؤدي لشهداء وجرحى في معظم الأحيان. بحسب حديث الشاب عمار كسكين، من حي الشيخ رضوان في مدينة غزة.
وقال كسكين إن المعاناة تتفاقم يوما بعد الآخر ، لا سيما في الحصول على المياه والطعام والحطب وسط عدم وجود أي مصدر دخل لدى الأسرة.
وأضاف عمار أنه لا يتوفر في الأسواق شمال قطاع غزة أي أطعمة صحية، إنما بعض المعلبات التي باتت تضر المعدة بسبب تناولها باستمرار.
يذكر أنه وفقا للصليب الأحمر، لا مكان آمن في قطاع غزة، وقد أصبح النضال من أجل البقاء على قيد الحياة فحسب يسلب الناس كرامتهم، أينما يفّر الناس، فإنهم سيصلون مصابين بالندوب والصدمات النفسية، وسيواجهون نقصًا في الغذاء ومياه الشرب وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية، واحتمال اضطرارهم إلى الفرار مرة أخرى.
ويتمنى كل من الطفل أسامة والسيدة ام محمد وأيضا الشاب عمار، أن تنتهي هذه الحرب المستمرة للشهر العاشر على التوالي، وأن يتوقف الجوع والعطش والقتل والتهجير والدمار، وأن تعود غزة كما كانت بوابة للحياة.