"إبداع المعلم" يخفف قسوة الحرب عن أطفال غزة

أطلق مركز إبداع المعلم في قطاع غزة مشروع مساعدة الأطفال وأسرهم في مجال الصحة العقلية والدعم النفسي الاجتماعي (MHPSS) بتمويل من مؤسسة إنقاذ الطفل والذي يستهدف 10 مراكز إيواء في محافظة خانيونس، حيث شملت المرحلة الأولى استهداف مدرستي مركز ايواء أحمد نور ومركز إيواء كمال ناصر للبدء بتنفيذ هذه الخطة التي تتضمن مجموعة من الأنشطة والبرامج النفسية الترفيهية والإرشادية على مدار 3 أيام للمركز .

ويشمل البرنامج استقبال جميع أطفال المركز من قبل فريق مختصين نفسيين لمدة ساعتين يومياً، يتخلل هذا الوقت مجموعة من الأنشطة التي تهدف إلى تخفيف حدة الإجهاد النفسي لدى الأطفال، مثل حلقات بدء جماعية، موسيقى ورقص جماعي، أنشطة تفريغ انفعالي، أغاني وأناشيد ترفيهية، واستخدام الرسم والتلوين مع الغناء. بالإضافة إلى ذلك، وتتضمن الأنشطة منافسات متنوعة وأنشطة فك وتركيب حلقات.

وفيما يتعلق بالجلسات الفردية للأطفال، تشمل تقديم جلسات ارشاد فردية لمدة 45 دقيقة لكل طفل من قبل معالج نفسي متخصص، تهدف هذه الجلسات إلى تفريغ المشاعر السلبية وتعليم الأطفال كيفية التصدي للصدمة وتعلم مهارات يومية لتحسين التكيف مع الواقع الجديد، وتتضمن هذه الجلسات أنشطة التفريغ الانفعالي عبر التداعي الحر والرسم، الاسترخاء العضلي والذهني عبر التخيل والمكان الآمن، وشجرة الحياة التي تشمل دعم الأفكار الإيجابية ووقف الأفكار السلبية.

وتشمل النشاطات أيضا الجلسات الجماعية للأطفال، حيث يقدم برنامج إرشاد نفسي للأطفال المتعرضين للصدمات يتكون من عدد من الجلسات الجماعية، يتم تنفيذ هذا البرنامج من قبل مختص في الإرشاد والدعم النفسي ويهدف إلى مساعدة الأطفال على التعبير عن صعوباتهم وتعلم مهارات جديدة تفيدهم على المستوى الشخصي والأسري والمجتمعي. 

ويتضمن البرنامج أنشطة مثل السيكودراما والتمثيل المسرحي، تحديد المشاعر والتعبير عنها، تحديد الأنشطة المحببة والمفيدة، تقوية الشعور بالأمان والقوة في الجسم، والأنشطة المختلفة للاستمتاع والاسترخاء.

وتأتي هذه الخطة الشاملة كاستجابة لاحتياجات الأطفال النفسية الملحة في هذه الظروف الصعبة، وتهدف إلى تحسين الصحة النفسية للأطفال وتعزيز قدرتهم على التكيف مع الواقع المتغير.

د. محمود البراغيثي منسق مشروع إبداع المعلم واستشاري الصحة النفسية بغزة، قال إنه نتيجة الحرب المستمرة على القطاع؛ انطلقت طواقم مركز إبداع المعلم في الدعم النفسي والاجتماعي والترفيهي في مراكز الإيواء منذ تاريخ 20 أكتوبر الماضي، كاستجابة سريعة للأزمة والظروف الصعبة التي يمر بها القطاع.

وأضاف البراغيثي في حديث لشبكة رايـــة الإعلامية، إن طواقم المركز ومجموعة من المنشطين يبلغ عددهم 25 مختصا؛ يتواجدون الآن في مراكز الإيواء التي تم قصفها بمدينة خانيونس، لافتا إلى أن المشروع بالشراكة مع مؤسسة إنقاذ الطفل ويستهدف 2700 طفل موزعين على 10 مراكز إيواء للنازحين.

وأكد أن المشروع يهدف لتخفيف الضغط النفسي والمعاناة التي تلاحق الأطفال ولو بشكل جزئي بسيط، مشيرا إلى أن الأطفال بغزة تعرضوا لظروف قاسية جدا، ومنهم من يعاني من الاكتئاب والإحباط والقلق والخوف الناتج عن العدوان الإسرائيلي المتواصل على القطاع منذ أكثر من 9 شهور.

وتابع البراغيثي: "هذا الجيل أصبح يعاني بشكل كبير، وهناك تغير على بعض السلوكيات، ومنهم من تحمل مسؤوليات أكبر من سنه نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في ظل استمرار العدوان، والأطفال انحرفوا عن المسار الطبيعي من الجانب التعليمي والأساسي".

وشدد على أن مركز إبداع المعلم يحاول تقديم هذه الخدمات للأطفال للتخفيف من معاناتهم واستعادة نشاطهم وعافيتهم والرفاه النفسي لهم من خلال تدخلات مختصة تساعد ولو بشكل جزئي على استعادة الحياة والرفاه النفسي لهؤلاء الأطفال الذين هم بحاجة ماسة ومستمرة لهذه التدخلات بسبب الأوضاع التي يعانون منها.

من جهتها، أكدت الأخصائية النفسية د. إيمان كلاب، أن الوضع الاستثنائي والسلوكيات الاستثنائية بين أطفالنا في غزة، دفع مركز إبداع المعلم للدخول إلى الاستجابة العاجلة والسريعة في التدخلات النفسية، من ضمنها الإرشاد النفسي الفردي والجماعي، الترفيه والدعم النفسي للأطفال، إذ جاءت التدخلات بسبب الاحتياج الشديد للأطفال والأهالي.

وبيّنت كلاب في حديث لـ "رايـــة" أن هناك استجابة كبيرة جدا من الأهالي والأطفال للتدخلات التي يقوم بها مركز إبداع المعلم بالشراكة مع مؤسسة إنقاذ الطفل، كما طالب الأهالي بالمزيد من هذه الأنشطة والتدخلات لأنها تساعد في تخفيف الضغط النفسي والتوتر على الأطفال وتساعد في تغيير أجواء الحرب والقصف.

ولفتت إلى أنهم مستمرون في تقديم هذه الخدمات عبر الدعم النفسي للأطفال من أجل تخفيف الضغط عنهم، وإخراجهم من أجواء الحرب والقصف والقتل ولو لدقائق وساعات بسيطة، وبهدف أيضا التخفيف عن الأهالي من الضغط الموجود سواء ضغط اجتماعي أو اقتصادي أو نفسي، معربة عن فخرها بالنتائج الملموسة على الأرض نتيجة هذا العمل.

من جانبه، قال د. وائل اللحام أخصائي الصحة النفسية، إن هذا المشروع يأتي ضمن سلسلة من المشاريع التي تنوي جمعية مركز إبداع المعلم الحصول عليها وتنفيذها، في إطار تحسين الحالة الصحية والنفسية للأطفال في غزة، خاصة في ظل ما يعانيه الأطفال من ضغوط وإجهاد نفسي شديد نتيجة نتيجة فقدان الأب أو الأم أو كليهما أو أفراد من أسرهم.

وشدد اللحام أن هناك الكثير من الأطفال تعرضوا للعديد من الصدمات المتتالية، وهذا يدفع جميع المسؤولين والأخصائيين والمرشدين إلى الاستمرار في مثل هذه التدخلات النفسية وتكثيفها والتي تهدف للتخفيف من الحالة النفسية لأطفالنا، خاصة حالات القلق والمشكلات النفسية الكثيرة الناتجة عن العدوان الإسرائيلي.

المحامية سجى نعيم نازحة من مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة منذ حوالي 9 شهور، لديها 3 أطفال ترعاهم داخل مركز الإيواء في خانيونس، وشارك أطفالها في نشاطات مركز إبداع المعلم على مدار 3 أيام، مؤكدة أنه تم تقديم دعم نفسي للأطفال وكان لها تأثير إيجابي كبير على الطفل.

وأضافت نعيم في حديث لشبكة رايـــة الإعلامية، أنه نتيجة النشاطات والدعم النفسي أصبح الأطفال أقل عصبية وبات الطفل يفهم أن الضغوطات النفسية الخارجية هي "ضغوطات مرحلية" تنتهي مع الوقت، حيث أصبح الأطفال الآن أكثر نشاطات وتفاعلا مع الأهالي والمجتمع. 

وقدمت الشكر للداعمين لمشروع الدعم النفسي للأطفال والأهالي والقائمين عليه في مركز إبداع المعلم، داعية إلى تطوير وتوسيع تلك الخدمات التي تستهدف الأطفال، بالإضافة إلى استهداف كافة الفئات والأجيال والأعمار، وتعليمهم كيفية الصبر والتحمل والاعتماد على الذات.