مقتل أكثر من 300 و850 مفقود خلال اجتياح «الدعم السريع» ولاية سنار في السودان
أكد تجمع شباب سنار، مقتل 300 شخص على الأقل، خلال اجتياح قوات الدعم السريع لمدن الولاية الواقعة جنوب شرق السودان.
ورجحت المبادرة الأهلية، احتمال وجود ضحايا لم يتم حصرهم في ظل الاضطراب الأمني وارتفاع عدد المفقودين، في جبل موية.
وفي محليتي سنجة والدندر، لم يتسنَّ التحقق من عدد الضحايا بسبب انقطاع الاتصالات، بينما أكد شهود عيان وجود ضحايا بينهم طفلة تبلغ من العمر 4 سنوات.
وما تزال تتوغل قوات الدعم السريع في مدن الولاية، منذ سقوط عاصمتها سنجة في 29 يونيو/ حزيران الماضي، وسط حالة من الذعر والنزوح الجماعي للأهالي والنازحين الذين كانت تكتظ بهم سنار.
وتمتد رقعة المعارك في مدن سنجة والسوكي والدالي والمذموم والدندر بالإضافة إلى « أبو حجار» و «أم شوكة» و« دوبا». وكذلك يتواصل القتال في الريف الغربي لسنار بما يشمل مناطق جبل موية وسقدي ودود والبليحاب وغيرها.
وفي وقت نشرت منصات قوات الدعم السريع على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر بعض عناصرها في جسر « دوبا» إلا أن انقطاع شبكات الاتصال حال دون الحصول على معلومات دقيقة حول سيطرتها على الجسر الاستراتيجي.
ويربط جسر دوبا ولايتي سنار والقضارف، الأمر الذي يضع الولايات الشرقية في مرمى النار، بعد عام من الأمن النسبي.
وعن لحظات الاجتياح الأولى تحدثت « بثينة السر» لـ« القدس العربي» واصفة لحظات دخول قوات الدعم السريع إلى مدينة « سنجة» بالرعب غير المسبوق.
بثينة نزحت مع عائلتها إلى مدينة كسلا، شرقي السودان، حيث تقيم في دار إيواء برفقة آلاف الفارين من المعارك في سنار.
وقالت إن قوات الدعم السريع اقتحمت منزلهم والبيوت المجاورة، الأحد الماضي، حيث ارعبوا الناس واخافوا الأطفال».
وأضافت: « أنه بعد دخول أحدهم إلى المنزل، كان يقول لنا لا تخافوا لا نريد إيذاءكم، فقط أخرِجوا الذهب والأموال سريعاً» وذلك قبل أن يشرعوا في تفتيش الأمتعة وأخذ كل ما يجدونه من مقتنيات. واستولوا كذلك على سيارة
العائلة، تاركين إياها بلا مال ولا مركبة.
وصلت « بثينة» وعائلتها إلى مدينة كسلا الأربعاء بعد رحلة شاقة قطعت خلالها أكثر من خمسين كيلومترا مشيا على الأقدام بصحبة أطفال ورضع، كما أن الأمطار قطعت الطريق مع كثافة عدد المغادرين وشح السيارات، وحتى المرضى لم يكن أمامهم خيار سوى قطع تلك المسافات سيرا على الأقدام.
وتابعت: « لقد عشنا رعبا لا يمكن وصفه في لحظات الاجتياح الأولى حيث كانت الذخائر تسقط داخل المنازل في أحياء الدرجة والسودنة، مشيرة إلى أن قوات الدعم كانت تتوجه نحو منازل الأثرياء وكأنها تملك خرائط مسبقة حيث يقصدونها ويحتلونها فورا.
وأفاد المرصد السناري لحقوق الإنسان أن انقطاع شبكات الاتصال والانترنت في جميع مناطق ولاية سنار، وأجزاء من ولاية النيل الأزرق، بدأ منذ اليوم الثاني لدخول قوات الدعم السريع إلى مدينة سنجة.
وأشار إلى أن أوضاع المدنيين داخل مناطق الصراع بالولاية، هي في غاية السوء، مؤكدا حدوث مجازر بعيدا عن الرصد نتيجة لانقطاع وسائل التواصل.
وحذر من أن استمرار انقطاع التيار الكهربائي وخطوط المياه، وشبكات الاتصالات في ولاية سنار، سيفتح الباب أمام ارتكاب المزيد من الفظائع والانتهاكات ضد المدنيين.
مئات المفقودين
وفي ظل انقطاع الشبكات وحالة الهلع التي أصابت الأهالي، تفرق شمل العائلات ما بين قتيل ومفقود ونازح يبحث عن ملاذ آمن، بعد الهجمات المتلاحقة التي نفذتها قوات الدعم السريع واستهداف الأحياء السكنية وعمليات النهب والقتل الواسعة.
ورصد تجمع شباب سنار 850 مفقود لا يعرف مصيرهم منذ بداية اجتياح القوات التي يتزعمها محمد حمدان دقلو « حميدتي» لمدينة سنجة.
وما يزال الحصار المضروب على سنار «المدينة» منذ أيام مستمرا، وحسب عمليات الرصد التي تقوم بها المبادرات المحلية، فإنه ومع بداية الاقتتال في سنجة، نزح أغلب المواطنين وأُغلقت الأسواق، وأخرج العديد من التجار بضاعتهم.
وبينت أن مخابز معدودة تعمل باستخدام «الحطب» محاولة تغطية الاحتياج المتزايد إلى خبز الطعام في ظل انقطاع الكهرباء والمياه منذ 4 أيام.
وفي محليتي الدندر والسوكي، تزداد الصعوبة في الحصول على الطعام وسط تحذيرات من تفاقم الأوضاع بسبب الحصار المفروض على الولاية.
وفي ولاية القضارف التي تبعد نحو 285 كيلومترا من ولاية سنار، ارتفع عدد النازحين الذين فروا إليها بعد اجتياح سنجة، إلى 120 ألف نازح.
وتتسارع المبادرات الشعبية لإغاثة الفارين من المعارك المحتدمة في ولاية سنار، في ظل عدم توثيق أوضاع النازحين، حيث تعاني ولاية القضارف الواقعة شرق السودان من نقص في مراكز الإيواء، ووصل عدد النازحين منذ اندلاع الحرب إلى محو 215 ألفا يواجهون أوضاعا إنسانية بالغة التعقيد.
وحسب تجمع شباب سنار فإن الكثير من العالقين في قرى الدندر، يسيرون على أرجلهم مسافات طويلة في تضاريس طينية وعرة تحت الأمطار الغزيرة.
وحسب المتطوعين في القضارف، فقد واجه النازحون ظروفا قاسية في الطريق إليها حيث نقلت بعضهم عربات نقل مكشوفة بينما نزح الكثيرون سيرا على الأقدام لمسافات طويلة تحت الأمطار الغزيرة وهم يعانون من الجوع والعطش والإنهاك، حيث حمل الشبان كبار السن المنهكين، وفقدت بعض العائلات أفرادا منها خلال الاجتياح، ونُهبت معظم ممتلكاتهم.
ودعت المبادرات المحلية، الأهالي إلى إغاثة الناجين من معارك ولاية سنار بالأغطية والماء والطعام، ومحاولة استضافة من يستطيعون استضافتهم في منازلهم في ظل احتشاد معسكرات النازحين بمن سبقوهم في فترات سابقة إلى الفاشر.
وكشفت عن وفيات بسبب المشي الطويل خاصة الذين يعانون من أمراض مزمنة والأطفال الرضع، مشيرة إلى صعوبة رصد أرقام دقيقة بسبب صعوبة الاتصال وتردي الأوضاع الأمنية. وتوقعت وفاة آخرين من الجوع والعطش حيث تعاني ولاية سنار بالكامل من انقطاع الكهرباء والماء لليوم الخامس على التوالي.
وأدى اجتياح قوات الدعم للولاية الواقعة جنوب شرقي السودان، إلى خروج العديد من المستشفيات عن الخدمة.
وبعد مقتل أحد الكوادر الصحية في مستشفى الدندر، توقفت المستشفى عن الخدمة، لتلحق بمستشفيات مدينة سنجة التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. كما توقفت مستشفى سنار للأطفال في ظل استمرار انقطاع الكهرباء والنقص الحاد في الوقود.
وما تزال مستشفى سنار الرئيسي يعمل بشكل جزئي وكذلك مستشفى الكلى ومستوصف الكرامة، بالإضافة إلى عدد قليل من الصيدليات في مدينة سنار، حيث تواجه نقصاً في الأدوية، بينما تتزايد أعداد الحالات الصحية التي تستوجب الرعاية، خاصة كبار السن والأطفال. وهناك بعض العيادات المتنقلة تحاول تقديم الخدمة الطبية في المدينة المحاصرة.
يأتي ذلك وسط حاجة ماسة إلى الطعام والأدوية المنقذة للحياة والخيام والأغطية بسبب هطول الأمطار والبرد في سنار والقضارف حيث يحتشد النازحون.
ونددت وزارة الخارجية السودانية بهجوم الدعم السريع على ولاية سنار متهمة إياها بتدمير البنيات الأساسية والمؤسسات الإنسانية وسبل عيش الغالبية العظمى من السكان.
وقالت إن قوات الدعم منعت وصول شحنات من البذور قام بتوفيرها برنامج الغذاء العالمي للمزارعين بولاية سنار للموسم الزراعي المطري، معتبرة ذلك امتداداً لاستهداف الدعم السريع لمناطق ووسائل الإنتاج الزراعي بغرض إحداث مجاعة في البلاد، وإفراغ الأقاليم المنتجة بما يتضمن ولاية سنار من سكانها الأصليين بغرض «توطين مرتزقة وعناصر أجنبية».
وحذرت من تهديد مناطق الإنتاج الزراعي في ولاية سنار ومشروع الرهد وتخريب هيئة البحوث الزراعية وبنك الجينات الزراعية.