"قتلة الأطفال".. ما تداعيات إدراج إسرائيل على رأس قائمة العار؟
قدمت فرجينيا غامبا، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالأطفال والصراعات المسلحة، مراجعة مفصلة لتقرير أنطونيو غوتيريش عن الانتهاكات التي تعرّض لها الأطفال أثناء النزاعات المسلحة في جلسة مفتوحة لمجلس الأمن.
ويكشف التقرير عن المحنة المستمرة والفظيعة التي يعيشها الأطفال الذين يعيشون في مناطق الصراعات المسلحة، وذلك بوصفهم الضحايا المباشرين وغير المباشرين لهذه الحروب.
وسلطت غامبا الضوء على إحصائية صادمة لعام 2023، حيث تحققت الأمم المتحدة من 32 ألفا و990 انتهاكا جسيما ضد 22 ألفا و557 طفلا في 25 دولة، وهو أعلى رقم منذ ما يقرب من عقد من الزمن.
وخلال الجلسة التي حضرها نحو 80 مسؤولا ودبلوماسيا، أعلنت غامبا أن الأمين العام للأمم المتحدة وضع القوات المسلحة وقوات الاحتلال على رأس قائمة العار للأطراف التي تنتهك حقوق الأطفال.
واستند هذا القرار إلى القتل والتشويه والاعتداء الذي مارسته هذه القوات ضد الأطفال، فضلا عن الهجمات على المدارس والمستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية.
من بين مناطق الصراع في العالم، برزت فلسطين باعتبارها المنطقة الأكثر خطورة على الأطفال. حيث سجلت الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، أكبر عدد من الانتهاكات حول العالم.
وذكرت غامبا أن "الحرب على غزة والضفة الغربية ، بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل تصاعد إلى مستويات غير مسبوقة، مما تسبب في معاناة لا يمكن تصورها لآلاف الأطفال". وتكشف البيانات عن زيادة مروعة بنسبة 155% في الانتهاكات في هذه المناطق.
ونسبت الأمم المتحدة 5698 حالة انتهاك ضد الأطفال إلى القوات المسلحة وقوات الاحتلال. ويذكر في هذا التقرير أن عملية التعامل والتحقق من 2051 حالة مخالفة أخرى لا تزال مستمرة وقيد الدراسة.
وتشمل النتائج الرئيسية لهذا التقرير ما يلي:
استشهاد 2267 طفلا ، قُتل معظمهم في غزة في الفترة ما بين 7 أكتوبر/تشرين الأول و31 ديسمبر/كانون الأول 2023، وكان معظم هذه الحالات نتيجة قيام القوات المسلحة وقوات الأمن الإسرائيلية بقصف مناطق سكنية بأسلحة متفجرة.
اعتقال 906 أطفال فلسطينيين بتهم ارتكاب جرائم أمنية، على يد القوات المسلحة وقوات الأمن الإسرائيلية.
نُسبت 371 حالة اعتداء على المدارس والمستشفيات إلى القوات المسلحة وقوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين وعملاء مجهولين تابعين لإسرائيل.
شملت الانتهاكات الجسيمة الواردة في التقرير أيضا تشويه الأطفال والحرمان من وصول للمساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، يؤكد التقرير أن الانتهاكات المبلغ عنها لا تعكس النطاق الكامل للانتهاكات ضد الأطفال، حيث لا يزال وصول المراقبين إلى المعلومات والضحايا يمثل تحديا كبيرا، خصوصا أن التقرير يغطي الأشهر الثلاثة الأولى فقط من الحرب الإسرائيلية على غزة.
ما قائمة العار؟
تشير "قائمة العار" إلى عنصر محدد في التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة حول الأطفال والصراعات المسلحة. تحدد هذه القائمة أطراف النزاعات المسلحة حول العالم المسؤولة عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال، مثل تجنيدهم، والقتل والتشويه، والعنف الجنسي، والاختطاف، والهجمات على المدارس والمستشفيات، والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية إليهم.
وتمثل القائمة أداة قوية لمحاسبة هذه الأطراف والضغط من أجل اتخاذ تدابير تحمي الأطفال في مناطق النزاع، ومن الضروري هنا الإشارة إلى الإطار القانوني والأخلاقي الأوسع الذي يدين هذه الأعمال، حيث تؤكد الأمم المتحدة صراحة على أن مثل هذه الأعمال محظورة بموجب اتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكولاتها الإضافية.
ويمكن اعتبار هذه الانتهاكات جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، مما يسلط الضوء على التبعات القانونية الدولية الخطيرة التي يواجهها الأطراف الذين يتم إضافتهم إلى قائمة العار هذه.
وتم إنشاء "قائمة العار" في أعقاب قرار وافق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في عام 2001. ومنذ ذلك الحين، أصبحت القائمة بمثابة ملحق للتقرير السنوي الذي يقدمه الأمين العام إلى مجلس الأمن، لتسليط الضوء على أولئك الذين انتهكوا حقوق الأطفال في حالات الصراع.
وتنقسم القائمة عادة إلى فئتين: أولئك الذين لم يتخذوا تدابير خلال الفترة المشمولة بالتقرير لتحسين حماية الأطفال، وأولئك الذين اتخذوا بعض الخطوات ولكنهم ما زالوا منتهكين لحقوق الأطفال.
وبحسب مسؤولة الدفاع عن حقوق الأطفال في منظمة هيومن رايتس ووتش جو بيكر، فقبل التقرير الأخير للأمين العام، لم تظهر إسرائيل مطلقا في القائمة، على الرغم من أن الأمم المتحدة وجدت أن القوات الإسرائيلية كانت مسؤولة عن قتل أو إصابة أكثر من 7 آلاف طفل فلسطيني بين عامي 2015 وحتى 2022.
القرارات الأممية التي تنتهكها إسرائيل
كان تأثير النزاعات المسلحة على الأطفال محور اهتمام كبير لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مما أدى إلى اتخاذ العديد من القرارات التي تهدف إلى معالجة هذه القضية. وتشمل القرارات الرئيسية التي نقضتها إسرائيل جميعا خلال حربها على غزة ما يلي:
القرار 1265 (1999)، الذي يركز على حماية المدنيين في النزاعات المسلحة.
والقرار 1612 (2005)، الذي أنشأ آلية للرصد والإبلاغ بشأن "تجنيد الأطفال".
والقرار 1882 (2009)، الذي وسّع من معايير الرصد والإبلاغ لتشمل قتل الأطفال وتشويههم، والعنف الجنسي.
كما تنتهك إسرائيل القرار 1998 (2011)، الذي أكد ضرورة حماية المدارس والمستشفيات من الهجمات ودعا إلى المساءلة عن مثل هذه الهجمات.
والقرار 2143 (2014) الذي شدد على أهمية التعليم في حالات النزاع وضرورة الحماية من الهجمات على المدارس.
خبراء الأمم المتحدة يحذرون من "إبادة جماعية تعليمية متعمدة" في حق أطفال غزة (الأناضول)
التدمير المنهجي للطفولة
أدت الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة إلى مقتل أكثر من 15 ألفا و500 طفل فلسطيني وإصابة آلاف آخرين. إن النظام الصحي في غزة مدمر، مما يحد من الرعاية الطبية للأطفال المصابين والمرضى.
وتشير تقارير اليونيسيف إلى أن واحدا من كل 3 أطفال في شمال غزة يعاني من سوء التغذية الحاد، وأن أكثر من مليون طفل يواجهون سوء التغذية الحاد.
وقد حدثت انتهاكات خطيرة ضد الأطفال، بما في ذلك القتل والتشويه والاحتجاز التعسفي، حيث تم اعتقال 460 طفلا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. وأصبح العديد من الأطفال الآن بلا مأوى وضعفاء، مع وجود تقارير عن مقابر جماعية تظهر على الجثث المكتشفة علامات التعذيب.
كما دمرت الحرب القطاع الصحي في غزة، حيث وقع أكثر من 600 هجوم على مرافق الرعاية الصحية، مما أثر بشدة على البنية التحتية الحيوية مثل مستشفى الشفاء. وقد أدى تدمير البنية التحتية التعليمية إلى توقف معظم المدارس عن العمل، مما حرم الأطفال من التعليم.
ويحذر خبراء الأمم المتحدة من "إبادة جماعية تعليمية متعمدة"، مع تدمير أكثر من 80% من المدارس، ووقوع خسائر كبيرة في صفوف الطلاب والمعلمين. بالإضافة إلى ذلك، تم هدم 13 مكتبة عامة وآخر جامعة متبقية في غزة، وهي جامعة الإسراء.
الاحتلال اعتقل 460 طفلا فلسطينيا منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وأصبح العديد من الأطفال بلا مأوى وضعفاء (الجزيرة)
تداعيات إدراج إسرائيل في قائمة العار
إن إدراج إسرائيل في "قائمة العار" الصادرة عن الأمم المتحدة له تداعيات قانونية ودبلوماسية وسياسية كبيرة، وربما يعيد تشكيل العلاقات الدولية والإجراءات القانونية ضدها. وفيما يلي النقاط الرئيسية والسياق الأوسع لهذه التداعيات:
إخضاع إسرائيل لآلية المراقبة والإبلاغ
تَصَدُّر إسرائيل لقائمة العار يُخضعها لآلية الرصد والإبلاغ "إم آر إم" (MRM)، التي تقوم بجمع المعلومات عن الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في مناطق النزاع. سترصد آلية الرصد والإبلاغ 6 انتهاكات ضد الأطفال الفلسطينيين بشكل دوري: القتل والتشويه، وتجنيد الأطفال، والعنف الجنسي، والهجمات على المدارس والمستشفيات، والاختطاف، والحرمان من وصول المساعدات الإنسانية. وتهدف آلية الرصد والإبلاغ إلى محاسبة الجناة وحماية الأطفال.
دعم دعاوى الإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية
يعزز تقرير الأمم المتحدة المطالبات القانونية ضد إسرائيل في المحافل الدولية، مثل محكمة العدل الدولية. حيث تقوم محكمة العدل الدولية حاليا بدراسة العواقب القانونية للجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك جريمة الإبادة الجماعية.
يمكن لهذه التقارير أن تدعم الحجج القائلة بأن الأعمال العسكرية الإسرائيلية تشكل انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، ومن المحتمل أن تؤثر على آراء محكمة العدل الدولية الاستشارية، والتي، على الرغم من أنها غير ملزمة، تحمل وزنا أخلاقيا وقانونيا كبيرا.
وعليه فإنّ جنوب أفريقيا والدول المنظمة إلى جانبها في الدعوى المطروحة أمام محكمة العدل الدولية، تستطيع استخدام تقرير الأمم المتحدة كدليل إثبات على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية ضمن إطار القانون الدولي.
تسريع إجراءات المحكمة الجنائية الدولية
تتولى المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية. ومن الممكن أن يؤدي إدراج إسرائيل على قائمة الأمم المتحدة إلى تسريع هذه التحقيقات، مما يؤدي إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين.
توفر الوثائق التفصيلية الواردة في تقرير الأمم المتحدة أدلة حاسمة في إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، مما يزيد الضغط الدولي على إسرائيل وربما يؤدي إلى فرض قيود على السفر وعزل دبلوماسي للمتهمين.
عقوبات الاتحاد الأوروبي المحتملة
يدرس الاتحاد الأوروبي منذ أسابيع فرض عقوبات على إسرائيل ردا على سياساتها العسكرية في غزة والاستيطانية في الضفة الغربية.
ومن الممكن أن تؤدي النتائج التي توصلت إليها الأمم المتحدة إلى تسريع هذه المناقشات، مما قد يؤدي إلى فرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية، مثل القيود التجارية، وحظر السفر على بعض المسؤولين، وتعليق الاتفاقيات الثنائية.
ومن الممكن أن تؤثر هذه الإجراءات بشكل كبير على اقتصاد إسرائيل وعلاقاتها الدبلوماسية مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
دعم الدعاوى المدنية
إن التوثيق التفصيلي للانتهاكات يمكّن العائلات الفلسطينية ومنظمات حقوق الإنسان الدولية من رفع دعاوى مدنية ضد إسرائيل في مختلف الولايات القضائية في جميع أنحاء العالم.
ومن الممكن أن تسعى هذه الدعاوى القضائية إلى الحصول على تعويضات للضحايا وزيادة تعقيد الوضع القانوني الدولي لإسرائيل.
التأثير على المساعدات الدولية وصادرات الأسلحة
إن إدراج إسرائيل في "قائمة العار" يمكن أن يغير سياسات المساعدات الدولية وتصدير الأسلحة إلى إسرائيل بشكل كبير. قد يدفع هذا التصنيف الدول والمنظمات إلى إعادة تقييم إستراتيجيات المساعدات الخاصة بها، وربما إعادة توجيه الأموال إلى الأراضي الفلسطينية، مما قد يؤثر على اقتصاد إسرائيل ونفوذها السياسي.
وبالإضافة إلى ذلك، دعا خبراء الأمم المتحدة إلى وقف فوري لعمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل، مستشهدين بالتواطؤ المحتمل في جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة. وأدى هذا الضغط إلى قيام كندا بوقف صادرات المعدات العسكرية إلى إسرائيل.
كما أوقفت بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا وهولندا عمليات نقل الأسلحة، متأثرة بأحكام محكمة العدل الدولية بشأن خطر الإبادة الجماعية في غزة.
تعزيز العزلة الدبلوماسية
تواجه إسرائيل عزلة دبلوماسية متزايدة مع انتقاد المزيد من الدول والمنظمات الدولية لها. ويمكن أن تتجلى هذه العزلة في انخفاض المشاركة في المؤتمرات والمنتديات والمفاوضات الدولية والمشاركات الرياضية والتعاون الأكاديمي، مما يؤثر على قدرة إسرائيل على بناء التحالفات والتأثير على سياستها العامة بشكل عام.