عبر "قانون غزو لاهاي"..هكذا تحمي أميركا جنودها وحلفائها من الجنائية الدولية
قانون غزو لاهاي، أو ما يعرف بقانون "حماية أعضاء الخدمة الأميركية"، هو قانون صدر عن الكونغرس الأميركي عام 2002 بهدف حماية أعضاء الخدمة الأميركية من التعرض للمحاكمة في المحكمة الجنايات الدولية.
سمي القانون رسميا بقانون "حماية أعضاء الخدمة الأميركية" لأنه يهدف إلى حماية أفراد القوات المسلحة الأميركية، كما يهدف إلى حماية المسؤولين في الحكومة، سواء منهم المعينين أو المنتخبين.
أما تسمية "قانون غزو لاهاي" فهي تسمية عرفية، انتشرت بين المهتمين والمتابعين بسبب المادة 2008 من القانون، والتي تنص على "السماح للرئيس باستخدام كافة الوسائل الضرورية لإطلاق سراح أي من أعضاء الخدمة الأميركية سواء كان محتجزا أو معتقلا من قبل المحكمة الجنائية العليا أو بالنيابة عنها أو بأمر منها".
وذهب كثيرون إلى تفسير هذه الفقرة على أنها تفيد أن الولايات المتحدة الأميركية قد تستخدم كل الطرق -بما فيها تنفيذ عملية عسكرية وغزو المحكمة في مدينة لاهاي بهولندا (مقر المحكمة الجنائية الدولة)- لإطلاق سراح أي محتجز، وهكذا أصبح هذا النص يعرف باسم "قانون غزو لاهاي".
في يوم 17 يوليو/تموز 1998 عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعا في مدينة روما الإيطالية للتصويت على النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، والذي عُرف لاحقا باسم "ميثاق روما"، وهو القاعدة القانونية التي أقيمت عليها محكمة الجنايات الدولية.
وصوتت 120 دولة لصالح إقرار الميثاق، وامتنعت 21 دولة، فيما عارضته 7 دول منها الولايات المتحدة الأميركية.
ورفضت واشنطن المصادقة على ميثاق روما واعتبرت أنه مليئ بعيوب كبيرة، وطالبت بأن يخضع عمل المحكمة لسلطة مجلس الأمن الدولي، الذي تمتلك فيه الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو).
إلا أن مؤتمر روما رفض ذلك، وأنشأ مؤسسة المدعي العام المستقلة، وأعطى مجلس الأمن الدولي حق إحالة قضايا للمحكمة خلال 12 شهرا، إذا كان في ذلك مصلحة للسلام والأمن الدوليين.
وبموجب المادة 126 من ميثاق روما الأساسي فإن الميثاق يدخل حيز التنفيذ في "اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع الصك للتصديق أو القبول أو الموافقة أو الانضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة".
وبدأت الدول بالمصادقة على الميثاق، وفي اليوم الأخير من التاريخ المتاح للمصادقة وقّع الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون على الميثاق يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2000، إلا أنه لم يمرر القرار لمجلس الشيوخ والنواب للمصادقة عليه، ووفق البيان الذي صدر عن الكونغرس فإن كلينتون بين أنه "لن يوصي، ولا يوصي" بأن يمرر أي رئيس أميركي الميثاق إلى مجلس الشيوخ للمصادقة عليه.
وجاء من بعده الرئيس جورش بوش الابن وألغى توقيع كلينتون بشكل رسمي، وأكد أن الولايات المتحدة لن تصادق على الميثاق. وفي 11 أبريل/نيسان 2002 دخل ميثاق روما حيز التنفيذ، ثم أُنشئت المحكمة يوم 1 يوليو/تموز 2002، وهو ما دعا الكونغرس في الشهر نفسه إلى إصدار قانون سُمي بقانون "حماية أعضاء الخدمة الأميركية".
عقدت جلسة في الكونغرس الأميركي لإقرار القانون يوم 30 يوليو/تموز 2002 أكد فيها كبير مفاوضي الولايات المتحدة السفير ديفيد شيفر أن الولايات المتحدة لم توقع على الميثاق لعدم تحقق أهداف تفاوضية حاسمة بالنسبة لها، وبين أن "الميثاق يهدف إلى إنشاء ترتيبات يمكن بموجبها محاكمة القوات المسلحة الأميركية العاملة في الخارج أمام المحكمة حتى لو لم توقع الولايات المتحدة على الميثاق".
كما أضاف أن ذلك "يعيق قدرة الولايات المتحدة على استخدام جيشها للوفاء بالتزامات التحالف والعمليات المشتركة التي تساهم فيها وعمليات حفظ السلام".
وفي الجلسة توصل المشرعون الأميركيون إلى مجموعة من النقاط بنوا عليها القانون، وردت مفصلة على موقع الكونغرس، ومنها:
أن أي أميركي يُحاكم أمام المحكمة الجنائية الدولية وفقا لميثاق روما، يُحرم من الحماية الإجرائية التي يحق للأميركيين كافة الحصول عليها بموجب قانون الحقوق في دستور الولايات المتحدة الأميركية.
ينبغي أن يكون أفراد القوات المسلحة الأميركية في مأمن من خطر الملاحقة القضائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما عندما ينتشرون في دول مختلفة من أنحاء العالم لحماية المصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة، ويقع على عاتق حكومة الولايات المتحدة الالتزام بحماية أفراد قواتها المسلحة من الملاحقات الجنائية.
لا يشكل القانون خطرا على أفراد القوات المسلحة الأميركية فحسب؛ بل إنه يمثل خطرا على الرئيس الأميركي، ويتمثل ذلك في إمكانية خضوعه للمحاكمة هو وكبار المسؤولين المنتخبين والمعينين من قبل الحكومة… وينبغي أن يكون كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية في مأمن من الملاحقات القضائية التي تقوم بها المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما فيما يتعلق بالإجراءات الرسمية التي يتخذونها لحماية المصالح الوطنية للولايات المتحدة.
إن أي اتفاق داخل اللجنة التحضيرية على تعريف لجريمة العدوان هو سطو على صلاحيات مجلس الأمن الدولي بموجب المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة.
من المبادئ الأساسية للقانون الدولي أن المعاهدة ملزمة لأطرافها فقط، وأنها لا تنشئ التزامات على غير هذه الأطراف دون موافقتها. وخلص النواب إلى أن الولايات المتحدة ليست طرفا في نظام روما الأساسي ولن تلتزم بأي من شروطه، ولن تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية على المواطنين الأميركيين.
نص القانون على منع المحكمة الجنائية الدولية من ممارسة أي إجراءات أو متابعات قانونية ضد الأشخاص المشمولين بحماية الولايات المتحدة الأميركية أو المتحالفين معها أو الذين كانوا محمين منها أو كانوا متحالفين معها. مع ضمان عدم إلقاء القبض على أي منهم أو احتجازه أو محاكمته، سواء من لدن المحكمة الجنائية الدولية أو من ينوب عنها.
وينطبق القانون على جنود القوات المسلحة وكل من يعمل في الحكومة سواء انتخب أو عُين، إضافة إلى كل من تحالف مع الولايات المتحدة وتعاون معها أيا كانت جنسيته.
كما يحظر القانون على الولايات المتحدة ومؤسساتها (المحاكم، الولايات، الإدارات المحلية أو المركزية، الوكالات…) التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، ويحظر عليها تلقي أي خطابات أو إنابات قضائية منها، أو توجيه أي خطابات أو إحالات عليها.
ونص القانون على منع أي وكالة أو كيان تابع لحكومة الولايات المتحدة أو أي ولاية أو حكومة محلية، أو المحاكم من تقديم الدعم للمحكمة الجنائية الدولية، ويحظر عليها وعلى أي وكيل تابع لها إجراء أي تحقيق أو القيام بملاحقة قضائية أو أي إجراء آخر داخل الولايات المتحدة أو في أي إقليم يخضع لولايتها القضائية.
وشدد القانون على منع تقديم مساعدات عسكرية أميركية لأي حكومة تساند المحكمة الجنائية الدولية، وسمح في هذه المادة بوجود استثناء يقدره ويقرره الرئيس الأميركي بحسب مصالح الدولة.
وأشارت إحدى مواد القانون إلى منع أي وكالة أو إدارة أميركية من تسليم أي شخص من مواطني الولايات المتحدة الأميركية إلى المحكمة الجنائية الدولية، سواء أكان مواطنا أم أجنبيا مقيما في الأراضي الأميركية.
كما حظر القانون تبادل المعلومات مع المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما معلومات الأمن القومي ومعلومات إنقاذ القانون، سواء حدث هذا التبادل على نحو مباشر بالتعامل مع المحكمة أو على نحو غير مباشر بالتعامل مع جهة من الممكن أو توصلها للمحكمة، لا سيما إن كانت هذه المعلومات تسهّل عمل المحكمة.
وحدد القانون أيضا الإطار العام لمشاركة القوات الأميركية في عمليات حفظ السلام (وفق الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة) أو إنفاذه (وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة) دون التعرض لخطر الملاحقة الجنائية.
وفي حالة اعتقال أو احتجاز المحكمة الجنائية الدولية لأي من الأشخاص الذين تشملهم الحماية الأميركية؛ فقد أعطت المادة 2008 من القانون الحق للرئيس الأميركي "لاستخدام جميع الوسائل الضرورية والمناسبة لإطلاق سراح المعتقل أو المحتجز، سواء كان لدى المحكمة الجنائية الدولية، أو من ينوب عنها".
ووفقا للمادة ذاتها فإنه يحق للرئيس الأميركية "توجيه أمر لأي وكالة تابعة للولايات المتحدة للتدخل بهدف الإفراج عن المعتقل أو المحتجز".
واستنثت المادة الأخيرة من القانون تقديم المساعدة في حالة واحدة وهي " تقديم المساعدة للجهود الدولية الرامية إلى تقديم صدام حسين وسلوبودان ميلوسوفيتش وأسامة بن لادن وغيرهم من أعضاء تنظيم القاعدة وقادة الجهاد الإسلامي وغيرهم من المواطنين الأجانب المتهمين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب إلى العدالة أو جرائم ضد الإنسانية".
لماذا ظهر قانون غزو لاهاي على الساحة عام 2024؟
بعد الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، والتي بدأت عقب عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؛ رفعت عدة دول قضايا في المحكمة الجنائية الدولية تتهم إسرائيل بالتسبب بالإبادة الجماعية وبارتكاب جرائم حرب.
وإثر اجتماع الأدلة الكافية رأى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية كريم خان وجود ما قال إنها "أدلة كافية" لـ"تورط" قادة من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقادة إسرائيليين في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وفق تعبيره.
لذا وفي يوم 20 مايو/أيار 2024 طلب خان إصدار مذكرات اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، إضافة إلى 3 من قادة حماس وهم محمد السنوار، ومحمد الضيف ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
وأوضح المدعي العام أن التهم الموجهة إلى نتنياهو وغالات تتعلق بجرائم تشمل "التجويع، والقتل العمد، والإبادة الجماعية".
وجاء رد الفعل الأميركي سريعا؛ إذ وصف الرئيس الأميركي جو بايدن قرار إصدار مذكرات اعتقال بحق القادة الإسرائيليين بأنه "أمر شائن"، ودافع عن موقف إسرائيل ورفض مساواتها بحماس في ارتكاب الجرائم، على حد تعبيره.
كما رفض وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن طلب المدعي العام، وأثار تساؤلات عن اختصاص المحكمة، ولوح بتعريض المفاوضات للخطر في حال إصدار مذكرات الاعتقال.
وصدر تهديد واضح إلى المدعي العام كريم من 12 عضوا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في حالة إصدار أوامر الاعتقال، واعتبروا أن مثل هذا التصرف سيكون تهديدا لسيادة الولايات المتحدة الأميركية وليس إسرائيل فحسب، وهددوا باستخدام قانون حماية الخدمة الأميركية "لحماية سيادة إسرائيل".
وفي يوم 22 مايو/أيار 2024 أعلن وزير الخارجية الأميركي أنه سيعمل مع المشرعين الأميركيين لاتخاذ إجراء ضد قرار المحكمة، وقاد الجمهوريون حملة لفرض عقوبات على مسؤولين فيها.