إحراق النازحين في رفح يعكس إصرار إسرائيل على استباحة الدماء الفلسطينية وتحدي العدالة الدولية
تدين مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية بأشد العبارات تصاعد الهجمات العسكرية الإسرائيلية على رفح واقتراف جرائم قتل جماعية ضد الفلسطينيين والفلسطينيات، بما في ذلك استهداف خيام النازحين دون اعتبار أو قيمة لحياتهم\ن، في إصرار على رفض الامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية القاضية بإلزام إسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في المدينة الحدودية.
وتعبر مؤسساتنا عن صدمتها من مشاهد حرق النازحين وضمنهم أطفال ونساء وانتشالهم جثثا متفحمة من خيام بالية لجأوا إليها ضمن مخيم كبير للنازحين بالقرب من مخازن تتبع لوكالة الأمم المتحدة للاجئين (أونروا) في منطقة أعلنتها إسرائيل أنها منطقة إنسانية ووجهت النازحين والسكان إليها، لتستهدفها بعدة صواريخ.
ووفق المعلومات التي توفرت لباحثينا، ففي حوالي الساعة 20:47 مساء الأحد 26 مايو/أيار الجاري، أطلقت طائرات الاحتلال عدة صواريخ مستهدفة منطقة مخصصة للنازحين وقريبة من مخازن الأونروا شمال غربي رفح. أصابت الصواريخ العديد من خيام النازحين في المنطقة، بعضها من القماش والأخرى من الصفيح، وأدت إلى اشتعال النيران فيها وفي مركبات بالمنطقة. أسفر ذلك عن استشهاد 23 من النازحين، بينهم 5 نساء و9 أطفال أحدهم مجهول الهوية، احترقت وتقطعت أجساد بعضهم. كما أصيب عشرات آخرين بجروح وحروق مختلفة. وأظهرت صور ومقاطع فيديو مشاهد مروعة لجثامين الضحايا ومنهم أطفال وهي متفحمة ومقطعة.
ونقل الضحايا إلى مستشفى ناصر في خانيونس، ومستشفيين ميدانيين ونقطتين طبيتين في رفح بسبب توقف مستشفى أبو يوسف النجار المركزي عن تقديم خدماته لوجوده في المناطق التي أصدر الاحتلال أوامر تهجير قسري منها.
وأفاد سمير أحمد أبو السبح، 67 عاما من سكان مخيم البريج لباحثينا بما يلي:
"نزحت مع عائلتي المكونة من 4 أفراد وعائلة ابني المكونة من 8 أفراد إلى منطقة مستودعات الوكالة شمال غربي رفح في 4 يناير/كانون الثاني 2024. في حوالي الساعة 20:47 من مساء أمس الأحد، 26 مايو/أيار 2024، كنت انتظر سماع أذان العشاء في الخيمة التي نزحت إليها (من الصفيح). لم أسمع صوت انفجار وإنما صوت سقوط شيء حول الخيمة فتوجهت نحو الباب ولم أستطع فتحه وشاهدت النار تشتعل في الخيمة حولي. توجهت نحو شباك الخيمة وخرجت من خلاله فشاهدت جاري في مخيم النزوح محمود نافذ حماد، 43 عاما من غزة ملقى على الأرض أمام خيمته وابنه يطلب مني إسعافه وكان وجهه محترقا ومليئا بالشظايا واستشهد لاحقا. كما شاهدت حوالي 5 أطفال وسيدة بعضهم أشلاء ممزقة ومحترقة. وصلت سيارات الإطفاء بعد قليل من الوقت وأطفأت النار المشتعلة في المكان وقامت سيارات مدنية وأخرى للإسعاف بنقل المصابين إلى المستشفيات من بينهم شهداء وجرحى من عائلة العطار من بيت لاهيا شمال القطاع وجيراني في خيمة النزوح".
وأفاد محمد ماجد خليل العطار، 25 عاما من سكان بيت لاهيا شمال قطاع غزة، لباحثينا بما يلي:
"نزحت مع عائلتي واقاربي إلى منطقة مخازن الوكالة شمال غرب رفح في بداية الحرب على قطاع غزة 2023. في مساء أمس الأحد، 26 مايو/أيار 2024، بين صلاة المغرب والعشاء، سمعت صوت انفجارين جراء قصف من طائرات الاحتلال قرب مخيم للنازحين. تسبب القصف في اشتعال النار في الخيم على بعد 300 متر من مكان تواجدي. توجهت نحو مكان القصف برفقة والدي وعندما وصلنا شاهدنا النار تشتعل في عدد من الخيام ومن بينها خيام لأقاربي ولم نستطع الاقتراب بسبب كثافة النيران. وبعد وصول طواقم الدفاع المدني وإطفاء النار، نُقل عدد من أقاربي شهداء وجرحى إلى المستشفى وتم التعرف على هوياتهم بصعوبة وهم: حمادة محمد سهيل العطار، 35 عاما، وزوجته سمر سهيل العطار، 38 عاما، وشقيقه هنداوي محمد سهيل العطار، 29 عاما، وميادة هشام العطار، 18 عاما، ومنال غانم العطار، 43 عاما، وجثة مجهولة رأسها مفصول لم نعرف هويتها".
ورغم أن الاحتلال ادعى أن الغارة نُفذت استهدافًا لقياديين من حركة حماس في المنطقة فإن ذلك لا يبرر بأي شكل من الأشكال استخدام هذه القوة غير المتناسبة وغير الضرورية التي أدت إلى استشهاد عدد كبير من المدنيين والمدنيات. إن تفاصيل تنفيذ الهجوم بما في ذلك إطلاق عدة صواريخ ذات قدرة تدمير وحرق عالية استهدفت عدة خيام للنازحين وليس خيمة محددة، يدلل على أن الاحتلال استخدم قوة نارية غير متناسبة في منطقة يعلم أنها تأوي عشرات الآلاف من النازحين المدنيين الذين يعيشون في خيام بالية في منطقة أعلنتها إسرائيل كمنطقة إنسانية، وبالتالي كان يعلم بحجم الخسائر المحتملة لهجوم من هذا النوع وبهذه الكثافة.
ومع تأكيد مؤسساتنا أن القتل المستهدف من الجرائم التي تنتهك قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، فإنها تشير إلى أن إسرائيل وفق ما أعلن جيشها تملك معلومات استخبارية دقيقة عن تحركات الأشخاص وأماكنهم ولديها صواريخ دقيقة مخصصة للأفراد، ورغم ذلك لم تستخدمها، إنما استخدمت قوة نارية هائلة وتوسعت في استهداف خيام النازحين دون أي اعتبار أو قيمة لحياة المدنيين ما أدى إلى استشهاد هذا العدد الكبير من المدنيين والمدنيات.
وتشير مؤسساتنا، إلى أن استهداف مراكز إيواء النازحين، ليس حادثا منعزلاً، بل هو تعبير عن سياسة إسرائيلية ممنهجة، فخلال الـ 24 ساعة الماضية، نفذت طائرات الاحتلال نحو 10 استهدافات لمراكز إيواء في مناطق مختلفة من قطاع غزة، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى، فيما لا تزال طواقمنا تعمل على توثيق هذه الحوادث. كما نفذت مئات الغارات المماثلة منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ويأتي الهجوم الإسرائيلي على خيام النازحين في رفح ضمن موجة تصعيد كبيرة لقوات الاحتلال خلال أقل من 54 ساعة على قرار أعلى هيئة قضائية في العالم، الصادر يوم الجمعة 24 مايو/أيار الجاري، الذي أمر دولة الاحتلال إلى وقف هجومها العسكري على رفح وفتح معبر رفح.
ففي حوالي الساعة 22:24 مساء اليوم نفسه، قصفت طائرات الاحتلال منزلا لعائلة دهليز في شارع الإمام علي شمال غرب رفح فوق رؤوس ساكنيه دون سابق إنذار ما أدى إلى استشهاد 5 من سكانه، بينهم 3 من عائلة واحدة. كما أصيب آخرين بجروح مختلفة.
وفي حوالي الساعة 22:34 مساء اليوم نفسه، قصفت طائرات الاحتلال منزلا لعائلة زعنونة في حي كندا/ تل السلطان غرب مدينة رفح فوق رؤوس ساكنيه دون سابق إنذار ما أدى إلى استشهاد محمد زعنونة وزوجته ياسمين زعنونة/ مقداد وهي حامل في الشهر السابع. كما أصيب آخرون بجروح مختلفة.
ومنذ بداية شهر مايو/أيار الجاري، استشهد 345 فلسطينيا/ة في رفح، منهم 165 منذ بدء الهجوم العسكري على رفح، بينهم 65 طفلاً و36 سيدة.
ومع الضحايا الجدد ترتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى 36,050 شهيداً و81,026 إصابة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي حتى ظهر اليوم، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.
وتحذر مؤسساتنا بأن أعداد الضحايا جراء القصف الإسرائيلي مرشحين للزيادة الكبيرة، بما في ذلك الوفاة المحتملة للجرحى بحالات متوسطة وخطيرة نتيجة إخلاء المستشفى المركزي في رفح، وانهيار النظام الصحي.
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية ومجموعة الصحة، فإن أوامر الإخلاء والعمليات العسكرية المستمرة في محيط المرافق الصحية تعرقل تقديم الخدمات الصحية بشكل أكبر. ففي رفح، تم إصدار أوامر بإخلاء المستشفى الرئيسي في المدينة، ومستشفى ميداني، وأربعة مراكز صحية أولية، بالإضافة إلى 21 نقطة طبية تقع داخل المنطقة في مايو/أيار.
وحتى وقت إعداد هذا البيان، تواصل قوات الاحتلال قصفها الجوي والبري والبحري على جميع أنحاء قطاع غزة، ما يُوقع مزيداً من الضحايا ويتسبب بتدمير المباني والبنى التحتية، مع استمرار معاناة مئات آلاف النازحين والنازحات وشبح المجاعة الذي بدأ يعود خاصة إلى شمال قطاع غزة.
نجدد دعوتنا للمجتمع الدولي لإجبار إسرائيل على وقف جريمة الإبادة الجماعية، وفرض وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وإلزامها بالامتثال لقرارات محكمة العدل الدولية الفارضة لتدابير مؤقتة لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. كما نطالب الدول الأطراف الثالثة بالالتزام بمسؤليتها القانونية لوضع حد لحصانة دولة الاحتلال وذلك من خلال وقف تزويد إسرائيل بالسلاح والذخيرة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجريمة الابادة الجماعية.