يعاني من المجاعة والكوارث البيئية والامراض
شبكة المنظمات الأهلية تطالب الحكومة الفلسطينية بإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة
مع استمرار حرب الإبادة في قطاع غزة لما يزيد عن ستة أشهر، يتعرض المواطنين في قطاع غزة للتجويع ونقص الغذاء الشديد، وانخفاض مستمر في معدلات التغذية وسوء التغذية بين الأطفال، بجانب ارتفاع معدلات الوفيات بين السكان بسبب الأمراض الناتجة عن الجوع وسوء التغذية وصعوبة الوصول للعناية الطبية والصحية، ,والتلوث البيئي الحاد الناتج عن تدمير شبكات الصرف الصحي، وعدم قدرة البلديات على إزالة النفايات، ووجود آلاف الجثث تحت الركام والأنقاض، بالإضافة الى ضعف حاد في الاستجابة الإنسانية وتقديم المساعدات اللازمة للمحتاجين. وبرغم قلة المعلومات والبيانات والتحليلات الموضوعية المتوفرة عن حالة المجاعة في قطاع غزة، غير أن المنظمات الإنسانية ووكالات الأمم المتحدة المتابعة للأمن الغذائي تستخدم مجموعة من المعايير لتحديد ما اذا كانت المجاعة قد وقعت أو ما إذا كانت قد تهدد بالحدوث وبالتالي توجيه الاستجابة الإنسانية، كما أن اعلان المجاعة يتطلب تحقق تلك المعايير بشكل واضح ما يؤدي إلى مستويات عالية من الاستجابة، والتحذير الرسمي للمجتمع الدولي بوجود أزمة غذائية حادة تهدد حياة السكان في قطاع غزة، وما يتطلبه ذلك من تخصيص الموارد والمساعدات اللازمة للحد من تأثيرات المجاعة وإنقاذ الأرواح، وتحفيز التضامن الدولي، والضغط من أجل تحميل الاحتلال المسؤولية والمساءلة عن مسؤوليته المباشرة في خلق ظروف المجاعة ومنع السكان من الوصول الى الغذاء الآمن.
بالإضافة لذلك أدى استمرار تدمير البنية التحتية ونقص الوقود إلى توقف خدمات الصرف الصحي والتخلص من النفايات بشكل كبير، مما أدى لانتشار النفايات ومياه الصرف الصحي دون توفر إمكانية التخلص منها وبهذا مع ارتفاع درجات الحرارة فإن انتشار الأمراض والأوبئة أصبح حقيقة وسط الفلسطينيين في القطاع.
ويضاف لذلك غياب قدرة الدفاع المدني في قطاع غزة على إزالة الركام وانتشال الجثث وذلك نتيجة استهدافه المستمر وضعف الإمكانيات المادية لديه من نقص بالمعدات والكوادر.
المسؤولية القانونية عن التسبب بالمجاعة وتدمير مقومات الحياة وفقا للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الانسان:
يُحظر التسبب بالمجاعة كممارسة عسكرية ضد السكان المدنيين بموجب اتفاقيات جنيف، حيث تؤكد المادة 54 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية جنيف الرابعة للعام ١٩٧٧، حول حماية الاعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقا السكان المدنيين، حيث تنص المادة" يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها المحاصيل والماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الري، اذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أو لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر".1
ولمادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية جنيف الرابعة١٩٧٧: حول حماية الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، حيث تنص المادة" يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، ومن ثم يحظر توصلا لذلك مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق الشرب وشبكاتها وأشغال الري".2
كما بينت المادة "٦" من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن أي من الأفعال التي ترتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو اثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه، اهلاكا كليا أو جزئيا، توصف على أنها إبادة جماعية.3
وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تنص المادة "١١" منه على "حق الإنسان في الحصول على الغذاء الكافي والملائم للحياة، وتلزم الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان حق الإنسان في الغذاء.4 كما أن الفعل القائم بالممارسة من جهة الاحتلال يخالف التدابير المؤقتة التي أقرتها محكمة العدل الدولية، ما يدفع بإمكانية مقاضاة المسؤولين عن الأمر ب أو تأخير توصيل المساعدات أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ان المسؤولية الجنائية عن التسبب بالمجاعة وتدمير مقومات الحياة تتعلق بتطبيق القوانين الدولية الخاصة بجرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وحيث أن الأفعال والسياسات التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على السكان في قطاع غزة يضعها في موضع تحمل المسؤولية الجنائية بسبب مسؤوليتها عن خلق ظروف مثل الهجمات المباشرة على المنشآت الحيوية، أو فرض الحصار على السكان لمنع وصول المساعدات الإنسانية، ما يستدعي التحقيق والمحاكمة أمام المحاكم الدولية مثال محكمة الجنايات الدولية بسبب الأفعال التي تسببت في المجاعة وانتشار التلوث البيئي وتفشي الأمراض ومحاسبة المسؤولين عنها.
وإن كان موضوع التلوث البيئي وانتشار المراض ليس خاضعا لأي جدل فإن موضوع المجاعة اكتسب أهمية سياسية أيضا، كون المجاعة في حالة القطاع ليست ناتجة عن كارثة طبيعية، بل يمكن عكس آثارها بالسماح لإدخال المساعدات. ومن هنا يطرح التساؤل التالي:
هل يعاني المواطنون في غزة من المجاعة؟
استنتجت لجنة استعراض المجاعة في تقريرها في مارس/آذار 2024، أن المجاعة محتملة مالم يتم وقف فوري للأعمال العدائية، ومنح السكان الوصول الكامل للغذاء والماء والأدوية، وحماية المدنيين، بالإضافة إلى استعادة توفير الخدمات الصحية والمياه النظيفة والصرف الصحي، والطاقة والكهرباء للسكان.
منذ مارس/آذار استمرت الأعمال العدائية ضد السكان المدنيين، وعلى الرغم من وصول بعض المساعدات الاغاثية إلى المحافظات الشمالية، إلا أنها لا تزال غير كافية للتعامل مع الجوع المستمر؛ حيث إن متوسط عدد الشاحنات اليومية التي دخلت قطاع غزة بعد إصدار التقرير ما يقارب (179 شاحنة( 5، وهو أعلى قليلاً من المتوسط في مارس (161 شاحنة)6 قبل إصدار التقرير. هذا القدر من المساعدة لا يكفي لعكس تأثيرات الجوع وسوء التغذية. بالإضافة إلى ذلك، وفي تلك الفترة مارس/آذار ٢٠٢٤، تمت مهاجمة خدمات الصحة في غزة ومحافظة غزة الشمالية بشكل قوي وتزامن ذلك مع الهجوم وتدمير مجمع مستشفى الشفاء.
تم تطوير التصنيف المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في عام 2004 لتصنيف خصائص أزمة الغذاء والتغذية في الصومال ويتم استخدام هذا التصنيف في جميع أنحاء العالم لتقييم الأزمات، وكما هو محدد فيIPC تصنف المجاعة وفق ثلاث معايير7:
1) يواجه 20٪ من الأسر نقصًا شديدًا في الطعام
2) 30٪ من الأطفال يعانون من سوء التغذية الحادة
3) وفاة 2 بالغين أو 4 أطفال من كل 10،000 يوميًا لأسباب ليست متعلقة بالهجمات بشكل مباشر (الأمراض أو الجوع).
استنتجت لجنة استعراض المجاعة أن تم تحقيق اثنين من الثلاث معايير لإعلان المجاعة. القاعدة الثالثة، "إمكانية تجاوز عتبات معدل وفيات أقل من الخمس سنوات (4/10،000 / يوم للأطفال) أعلى ولكن من غير الممكن تحديده".8 يرجع ذلك إلى حد كبير في الاستهداف المنظم للنظام الصحي مما جعل من المستحيل تحديد عدد الفلسطينيين الذين قتلوا ليس نتيجة للهجمات العسكرية المباشرة،9 خاصة مع ورود تقارير أن العائلات في شمال وادي غزة يقومون بدفن أحبائهم في الحدائق والشوارع والأراضي الفارغة. ومع ذلك، تؤكد الشهادات أن الأطفال يموتون
بسبب سوء التغذية، وبالتالي، تسبب الهجوم على النظام الصحي في عدم قدرة وزارة الصحة على الإبلاغ عن وتوثيق الوفيات التي لم تكن ناتجة عن الهجمات المباشرة. 10
على من تقع مسؤولية اعلان المجاعة وإعلان قطاع غزة منطقة منكوبة؟
وفقًا لIPC، "لا يعلن IPC" المجاعة "أو يصدر" إعلانات عن المجاعة "، بل يسهل التحليل الذي يسمح للحكومات والمنظمات الدولية / الإقليمية والوكالات الإنسانية بإصدار بيانات أو إعلانات أكثر وضوحاً، بالتالي، يصبح من الواضح أن التأخير في إعلان المجاعة في غزة لا يعني عدم حدوث المجاعة الآن، 11 خاصة مع وجود الكثير من الأدلة لدعم ذلك حيث أعلنIPC: " أنه من المتوقع أن تظهر المجاعة في أي وقت وحتى مايو 2024، كما ان سكان قطاع غزة (2.23 مليون شخص) يعانون من مستويات عالية من عدم الأمن الغذائي الحاد، أي هذا التصنيف في المرحلة 3 أو أعلى منIPC أزمة أو أسوأ). ونصف السكان في المرحلة 5 IPCأي مرحلة الكارثة) 12
كما انه في وقت إعلان المجاعة في الصومال في عام 2011، تم تصنيف حوالي 490،000 شخص المرحلة IPC 5، بينما تم تصنيف 80،000 شخص في IPC 5 عندما تم الإعلان عن المجاعة في جنوب السودان.
اليوم في قطاع غزة، هناك 1.1 مليون شخص في IPC 5، وهو أعلى عدد مسجل من أي وقت مضى بواسطة IPC. وفي 29 مارس 2024، أكد مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لرويترز إن المجاعة" ربما موجودة في مناطق معينة على الأقل "من شمال غزة، وفي 4 أبريل 2024، لفت وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى أن السكان بأكملهم في غزة يتعرضون لمستويات حادة من عدم الأمان الغذائي، وفي 5 أبريل 2024، أعلن مدير التنسيق في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) أن "غزة تتوقف على حافة المجاعة، إذا لم تكن قد وقعت فيها بالفعل". وفي 8 أبريل، وصف قادة الأردن وفرنسا ومصر "المعاناة الإنسانية الكارثية" وأكدوا أن "المجاعة تحدث بالفعل" في غزة.
وفي 10 أبريل 2024، كانت سامانثا باور، مديرة USAID، هي أول مسؤول أمريكي كبير تقر بوجود مجاعة في غزة وحين تعرضت لسؤال خلال جلسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب حول اذا كانت تحدث مجاعة بالفعل في قطاع غزة: أجابت المديرة باور "نعم" ومع ذلك، لا تمثل تصريحات المديرة باور إعلانًا رسميًا عن المجاعة.13 وأضيف لذلك تصريح المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي للواشنطن بوسط قبل مقابلة تعرض الاحد على قناة ان بي سي : شمال غزة وصل مستوى المجاعة بطريقة كبيرة وان المجاعة تمشي بطريقة متسارعة نحو جنوب القطاع14.
أما اعلان غزة منطقة منكوبة بفعل المجاعة والتلوث البيئي وانتشار الأمراض فهذه مسؤولية الحكومة الفلسطينية، ومن هنا لا داع لأن تؤجل الحكومة هذا الإعلان وتوضيح مسبباته.
التوصية
من الناحية العملية لإعلان غزة منطقة منكوبة وتعاني من المجاعة والكوارث البيئية والأمراض، تتحمل الحكومة الفلسطينية مسؤولية إعلان غزة منطقة منكوبة وتعاني من المجاعة والكوارث البيئية والأمراض، ويمكن أن يتم هذا الإعلان بالتنسيق مع الوكالات الأممية ذات الصلة، وينبغي أن يتولى هذه المسؤولية الحكومة الفلسطينية، ومع أن الحكومة الفلسطينية ليست مسؤولة سياسيًا عن وضع المجاعة والدمار الهائل في مقابل مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي، مع ذلك يصبح من الواضح أن الوكالات الأممية مترددة في إعلان المجاعة خشية من تعرضها للمزيد من الضغوط السياسية وممارسة التضييق ضدها، غير أن الحكومة الفلسطينية يمكنها أن تتبنى هذا الإعلان والعمل على تنسيق كافة الجهود العالمية والمحلية بالشراكة مع المجتمع المدني الفلسطيني من أجل وضع خطة فورية للتعامل مع هذه الآثار ورفع مستويات الإغاثة الفورية للمواطنين في القطاع والدفع باتجاه المطالبة بمحاسبة ومساءلة الاحتلال عن التسبب بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.