صاندي تايمز تنشر تقريراً عن الشركة التي حصدت 88 مليون دولار من إجلاء الغزيين إلى مصر
نشرت صحيفة “صاندي تايمز” البريطانية تقريراً أعدّته مينتيا مينزيز حول الشركة التي تتولى نقل المواطنين من غزة إلى مصر، وتحصد الملايين منهم. وقالت إن شركة “هلا للاستشارات والخدمات السياحية”، التي يديرها إبراهيم العرجاني، ربما حققت 88 مليون دولار، في مدى أسابيع، عبر دفع الغزيين الراغبين بشدة لمغادرة غزة 5,000 دولار عن كل شخص.
وقالت إن سمير (ليس اسمه الحقيقي) ظَلَّ، ولأسابيع، يبحث عن اسمه في قائمة من 300 غزي على صفحة فيسبوك، ومن يرد اسمه في القائمة عليه الحضور في اليوم التالي الساعة السابعة تماماً عند معبر رفح، حيث سيتم إجلاؤه من غزة، والمشي نحو البوابة إلى مصر.
لا يسافرون كلاجئين، ولكن كزبائن دفعوا ثمن الرحلة.
ويوم الجمعة الماضي، أرسلت مصر وفداً على مستوى عال إلى إسرائيل، على أمل إحياء مفاوضات بشأن وقف النار المحتمل، والتحذير من مخاطر الهجوم الذي تخطط له إسرائيل على رفح، آخر مدينة في غزة لم تشن عليها هجوماً عسكرياً. وتشعر الحكومة المصرية بالقلق من عملية تهجير جماعي للغزيين باتجاه أراضيها، وتخشى أن تتحول الخطوة هذه إلى إقامة دائمة.
لكن الشركة المتهمة بعلاقات قوية في الماضي مع الدولة، حققت تجارة جيدة من خلال إدخال مئات الغزيين يومياً إلى مصر.
عام 2008، كان العرجاني في السجن بعد اختطاف ضباط شرطة انتقاماً لمقتل شقيقه، وبعد خروجه، أنشأ شركة حصلت على عقد مع الحكومة المصرية بقيمة 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة
وبحسب التقارير، تقاضي شركة “هلا”، التي تحتكر عملية العبور عبر معبر رفح 5,000 دولار عن كل بالغ، و2,500 دولار عن كل طفل تحت السادسة عشرة.
وحسب تحليل قامت به “صاندي تايمز” لقائمة العبور اليومية، وجد أن الشركة ربما حققت 88 مليون دولار، من بداية آذار/ مارس، لقاء إجلاء أكثر من 20,000 شخص.
ومع بداية شهر نيسان/أبريل، زادت الأسماء على هذه القوائم من حوالي 295 إلى 475، ما زاد الموارد المالية اليومية من 1.25 مليون إلى 2 مليون يومياً.
ويقول الغزيون الذين استخدموا “خدمات التنسيق”، كما يطلق عليها، إنهم دفعوا 5,000 دولار، أو أكثر، فيما قال آخرون إنهم دفعوا الضعف.
وأنشئت “هلا” في عام 2019 لتقديم خدمات السفر السريع (في أي بي) من غزة إلى مصر، وبسعر 350- 1.200 دولار، وبحسب الموسم. وتجنّب الذين استفادوا من هذه الخدمة الانتظار الطويل للحصول على الموافقة، ورحلة سير وتوقّف مرهقة لمدة ثلاثة أيام عبر سيناء إلى القاهرة.
وتوقفت الخدمات على المعبر بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أنها عادت في كانون الثاني/ يناير، وبرسوم مرتفعة، حسب مشروع رصد الجريمة المنظمة والفساد.
وتدعم شهادات حصلت عليها “سكاي نيوز” و”بي بي سي”، في شباط/ فبراير، مزاعم دفع المسافرين رسوم 5,000 دولار للخروج. وحاولت الصحيفة الاتصال بشركة “هلا” للتعليق. وتعتبر “هلا” واحدة من مجموعة شركات العرجاني، والتي يملكها إبراهيم العرجاني، رجل الأعمال من سيناء بات يلقب باسم “ملك المعبر”، نظراً لتأثيره الكبير في المعبر الوحيد بين غزة وسيناء، ولا تسيطر عليه إسرائيل بشكل كامل.
وفي عام 2008، كان العرجاني في السجن بعد اختطاف ضباط شرطة انتقاماً لمقتل شقيقه. وبعد خروجه، عام 2010، أنشأ شركة “أبناء سيناء” للإنشاءات، حيث أمّنت عبور الشاحنات عبر شبه الجزيرة وبناء على تحالف قبلي. واليوم تشترك الشركة في عمليات نقل المواد الإنسانية، وحصلت، في 2021، على عقد مع الحكومة المصرية بقيمة 500 مليون دولار لإعادة إعمار غزة. وبحلول عام أنشأ شركة مملوكة من الحكومة اسمها “مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار”، ونوع من نشاطاته مرة أخرى عبر إنشاء مجموعة مسلحة، وبدعم من القوات المصرية المسلحة لمواجهة صعود تنظيم “الدولة” في سيناء. وأصبح العرجاني رئيساً لاتحاد أبناء القبائل في سيناء.
ويعتبر العرجاني من أهم داعمي النادي الأهلي المصري، ويدير شركة لها حق توزيع سيارات بي أم دبليو، وغيرها من المصالح التجارية. وللحصول على مكان في قائمة “هلا”، يجب أن يقوم فرد من العائلة بتسجيل الاسم في مقرها الرئيسي بمدينة ناصر، شرق القاهرة.
ولأن سمير لا عائلة له في القاهرة، فقد منح صديقاً توكيلاً له وأنابه لتسجيل اسمه. وسمير من خان يونس، ويعيش في كندا مع زوجته الممرضة مريم. ورغم مغادرة البعض من حَمَلَة الجنسية المزدوجة غزة إلا أن السفارة الكندية في القاهرة قالت له إنها تستطيع مساعدته فقط عندما يخرج من غزة بنفسه. وحولت مريم مبلغاً اقترضتْه بفائدة مرتفعة لدفع الرسوم المطلوبة للتسجيل. وكان صديقه يبدأ الرحلة إلى مكتب الشركة لكي يقف في طابور الانتظار، ولم ينجح في تسجيله، ودفع مبلغ 5,000 دولار، إلا في المرة الثامنة. وبناء على الشروط التي فرضتها الشركة في 12 آذار/مارس فلن تقبل المبلغ إلا من أحد أفراد العائلة، ولكن هناك حالات استثنائية بشرط دفع مبلغ إضافي وهو 1,500 دولار.
وتم دفع مبلغ 6,500 دولار، حيث قال المسؤول إن اسم سمير سيظهر على القائمة خلال ثلاثة أيام، وأعطي تذكرة سفر كتأكيد بدون ذكر السعر. ولو لم يستطع سمير الحصول على تغطية إنترنت لكي يعرف إنْ كان اسمه قد ورد في القائمة وفشل بالوصول إلى المعبر في الساعة السابعة صباحاً، فستلغى تذكرته، ولن يرد المبلغ الذي دفعه. وبعد ثلاثة أسابيع من الانتظار ظهر اسم سمير، وودّع الجميع، ووعد بقية أفراد العائلة بمساعدتهم للخروج في أقرب وقت. وبعد سيره 200 متر في المعبر كان بانتظاره على الجانب الآخر مسؤول من السفارة لكي يأخذه إلى القاهرة. وترك سمير خلفه والديه العاجزين اللذين يعيشان في خيمة، وهو بحاجة إلى 10,000 دولار لتأمين خروجهما، ولهذا لجأ، مثل بقية الغزيين، إلى حملة تمويل جماعي عبر الإنترنت “غوفندمي”.
“هيومان رايتس ووتش”: الشركة لديها علاقات قوية مع المؤسسة الأمنية المصرية، ويعمل فيها ضباط سابقون في الجيش
وبسبب المال المحدود المتوفر، أُجبر كريم على منح الأولوية لمن يجب إجلاؤه أولاً. وجرح اثنان من أبناء عمّه بسبب القصف الإسرائيلي، ولم يكن قادراً على إخراجهما للعلاج في القاهرة، ومات أحدهما نتيجة التهاب الجرح.
وقال كريم، وهو مواطن يحاول تسجيل عائلته للخروج من غزة: “هناك ناس ينتظرون منذ الساعة الثالثة صباحاً في الشارع بانتظار أن تفتح هلا أبوابها في الساعة 8 صباحاً”. وقال إن شرطة مكافحة الشغب استُدعيت مرة لتهدئة الجماهير.
وقال: “الوقت ضروري”، و”هو مثل الاختيار بين السيئ والأسوأ، هل أخرج الكبار؟ الصغار؟ الجرحى؟”.
ويعتقد أن الحكومة المصرية تستخدم “هلا” لكي تتخلص من ديونها. وقال: “لو كانت هناك نية حسنة لمساعدة أهل غزة، فلا حاجة لأن يدفعوا هذه المبالغ الكبيرة، فلماذا لا يفتحون المعبر”.
ونفت “حماس” وجود نظام يدفع فيه الغزيون المال للخروج، ونفت مصر أيضاً المزاعم، وقال مسؤول الاستعلامات إنه لا يوجد أي جمع للمال من أجل دخول البلاد.
وفي تحقيق لمنظمة “هيومان رايتس ووتش” في نشاطات “هلا” قالت إن الشركة: “لديها علاقات قوية مع المؤسسة الأمنية المصرية، ويعمل فيها ضباط سابقون في الجيش المصري”.
وبالنسبة للغزيين العالقين في غزة فـ “هلا” هي الأمل المتوفر لهم. ويقول خالد، المختص بمعالجة الصدمات في غزة: “دفع 5,000 دولار للخروج إلى مصر يبدو جنوناً، ولكن البحث عن نجاة من الموت والفرار من الحرب يستحق كل شيء”. و”أنا بالتأكيد غاضب، وأشعر بالابتزاز، والشركة تأخذ كل شيء، وتحصل عليه من خلف المكتب بدون أي جهد”.