لم يبقَ منها سوى عظام
المسنة نايفة النواتي أحرقها الاحتلال حيّة مع منزلها بغزة
كتبت: أماني شحادة
"تركوها على سريرها كما هي حيّة وحيدة خائفة، ثم أشعلوا النار في جميع أنحاء المبنى، أحرقوها مع المبنى، بقايا عظام جسدها هي ما تبقى منها".
الحاجة نايفة رزق السودة (النواتي)، امرأة مسنة تجاوزت التسعين من عمرها، لم تسلم من وحشية الاحتلال وطرق الإبادة التي يتفنن بها ضد المدنيين في قطاع غزة.
بقلبٍ محروق يروي إسلام النواتي حفيد المسنّة نايفة لشبكة رايــــة الإعلامية قصة إعدامها حرقًا وهي حيّة من جنود الاحتلال الذين حاصروا منزلهم في مدينة غزة.
فُقدت آثار المُسنة نايفة عقب ترك زوجة ابنها لها بطلبٍ من جيش الاحتلال بعد أن أكد لها أنها (حماتها) ستكون بأمان أكثر إن بقيت في البيت وهم يحاصرونه مع البيوت التي بجانبه من كافة الاتجاهات، أرادت الاعتراض بسبب حاجة نايفة للرعاية والعناية لكن الجندي أجبرها على المغادرة.
ناشدت عائلتها الجميع من المحاصرين بمنطقة تواجدها الأخير أن يتعرفوا عليها أو يبلغوا أحدًا عن أي معلومة عنها، واتجهوا للمؤسسات الدولية والصحية المحلية مناشدين للبحث عنها أو محاولة الوصول لمنزلهم وإخراجها، لكن الأمر كان صعبًا، فالاحتلال لم يسمح لأحد بالتواجد في المنطقة التي يتواجد بها جنوده.
في اليوم الأخير من شهر رمضان، وبعد ثلاثة أسابيع على فقدان آثارها، رن هاتف أحد أبناء المسنة نايفة، ظهرت معالم الصدمة على وجهه بفعل سماعه خبر، من المتصل وهو شاهد حي، يؤكد أن أمه لم تخرج من المنزل أبدًا.
انطلق نجلها مهرولًا نحو البيت، يفتش عن أي أدلة للتعرف عليها، يبحث بين الرماد والأثاث المحروق، يدعو بسره أن يكون ما سمعه من وحي الخيال أو تكون أمه خارج هذا المنزل الذي فقد معالمه، لكن وصوله لغرفتها ومكان سريرها أكد له غير ذلك.
عظامٌ على الأرض محترقة، نعم إنها عظام أمه، جثا على ركبتيه يملؤوه القهر وكادت عيونه أن تنفجر منها الدموع، قام بجمع العظام وحملها ليواريها الثرى بجانب إحدى أحفادها الذي استشهد خلال الحرب، مخبئًا ما جرى عن الآخرين خوفًا من حزنهم وهم بعيدين عما يحدث بسبب نزوحهم قسرًا إلى مدينة رفح جنوب قطاع غزة
أكلتها النار وهي حيّة جالسة على سريرها مرعوبة وحيدة بعيدة عن أبنائها وأحفادها التي كانت تخشى أن تبيت بعيدة عنهم، لم تحرك ساكنًا خوفًا مما رأته من الاحتلال الذي تلذذ بحرق المنزل وهي فيه، لم يجف لهم رمش وهم يسمعون صراخها الأخير، هذا ما أوحت به الأدلة بعد مشاهدة المنزل وعظامها.
فقدت العائلة حنان من كانت تجمعهم حولها بدفء وتغمرهم بصوتها الذي يحببهم بالجو العائلي، أحرقها الاحتلال تاركًا إياهم مع سؤال واحد وهو "هل هذا يسمى أمنًا كما قال الجنود للعائلة عندما أجبرونا على مغادرة منزلنا؟"
في مارس/آذار المنصرم، عانت العائلة كاملة من بطش الاحتلال وتنكيله بالرجال وتعامله السيء مع النساء، اعتقلوا الرجال وجردوهم من ملابسهم وأقفلوا عليهم الأبواب بعيدًا عن أطفالهم ونسائهم، حققوا معهم، ثم طلبوا من الجميع اتخاذ طرق مختلفة شتتوا بها العائلات، كل هذا وسط زخ الرصاص والقذائف والصواريخ ومحاصرتهم بالدبابات والقناصات التي تراقبهم من بعيد لقتلهم إذا خالفوا التعليمات.
هذه الحالة الإنسانية المؤلمة والمحزنة التي رواها الشاب إسلام النواتي عن جدته نايفة تتناقض مع ما نصت عليه مواثيق حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وبروتوكول اتفاقيات جنيف المعتمد عام 1977، إذ نص على أن المبادئ الأساسية الخاصة بحقوق الإنسان تركز على احترام كرامة الإنسان وحياته والمعاملة الإنسانية، ويشمل ذلك حظر عمليات الإعدام بإجراءات موجزة (أي دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة) والتعذيب.