"خيمة المعلبات" تجسد ما يرتكز عليه أهالي غزة للعيش
تقرير راية - أماني شحادة
هل تخيلت يومًا أن تنام في خيمة من المعلبات الفارغة؟، هذا ما صنعه بعض الأشخاص في قطاع غزة تعبيرًا عما يعيشونه في ظل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي عليهم منذ ستة أشهر.
معلبات فارغة كانت طعامًا أساسيًا للنازحين في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، شكلها مبادرون على هيئة خيمة تعبيرًا عن مسكنهم الأساسي الذي يأويهم الآن بعد نزوحهم قسرًا من منازلهم.
داليا العفيفي، صاحبة فكرة خيمة المعلبات، تقول لشبكة رايــــة الإعلامية: "أجتني الفكرة بعد أربعة شهور من النزوح والحرب فقررت أني أعمل شيء خارج الصندوق وكان أمامي معلبات بشكل كبير في الشوارع والخيم، ففكرت فيهم".
وأضافت: "وجدت أن الشغلتين الأساسيات في حياتنا الآن بالحرب ترتكز على اثنين هم الخيمة التي باتت مسكن للجميع والمعلبات كغذاء أساسي، ففكرت أعمل خيمة معلبات، وتوجهت إلى المهندس عبد الله ثابت وطرحت عليه الفكرة ووافق عليها".
بجهد كبير حاول المهندس وداليا الوصول لنقطة كهرباء لشحن اللابتوب من أجل البدء بالعمل وهندسة الأفكار بشكل جيد يليق بالفكرة مع إضافة الشكل الجمالي.
وحول جمع المعلبات الفارغة، قالت داليا إن النازحين والأطفال في الخيام المحيطة بهم ساهموا في جمعها من أجلهم وتوفيرها لهم بعد استخدامها، ثم بدأوا باستخدامها وتشكيلها لخيمة.
وبهذه الخيمة حاولت داليا إيصال رسالة للعالم وهي أن حياة الغزيين ليست خيمة ومعلبات فقط بل هناك حياة عليهم أن يعيشوها بعيدًا عن الحرب والمعاناة.
واتفق المهندس ثابت مع داليا في فكرة أن تكون خيمة المعلبات لها عدّة أوجه للاستخدام، كأن تكون مأوىً للنازحين المتبقين في شمال قطاع غزة ومدينته، بالإضافة لأن تكون مكتبًا لعمل فريقهم وأنشطته.
"كانت الصعوبة في التصميم هو المجسم، هل ستنجح فكرة تثبيت المعلبات أم لا؟"، هذا ما كان يخيف المهندس المعماري عبد الله ثابت، وفق حديثه.
وقال لـ "رايــــة": "صعوبتها كانت بالتصميم وهو إما الشكل التقليدي للخيمة أو إنشاء شكل هندسي مختلف، فكرنا ووجدنا أن الاختلاف بالشكل الهندسي هو المجسم المتمثل بالمعلبات هل سنقدر على تثبيتها أم لا".
وتابع: "قمنا بإنشاء الشكل الخراجي هندسيًا واختلفنا ووافقنا على بعض أفكار وعناصر، ثم قمنا بإنشاء شكل ثلاثي الأبعاد للشكل الهندسي والخيمة، وكنا نتساءل هل سيتقبل الناس الفكرة أم لا بسبب أنها مبتكرة، وهل الخارج لشكل الخيمة سيكون ناجحًا أم لا، لكن الجميع شارك ونجحت الفكرة".
وأردف ثابت: "كان عنا تفاصيل هندسية في الخيمة وهي الشبابيك وكانت بشكل مستطيل، وكان لدينا إشكالية السقف هل سيكون بشكل مستطيل متعارف عليه أم بشكل هرمي، ولكن المعلبات ستشكل ثقلًا على السقف وقد ينهار المكان بسبب التثبيت، فقررنا عملنا بشكل هرمي".
وعن تثبيت الخيمة، أفاد المهندس ثابت الذي يعمل بالتدوير بأنه قام باستغلال عنصر ثاني مع المعلبات وهو الجريد، حيث لعب القدر لعبته وتم قصف مكان قريب من الخيمة ونزل الجريد لوحده وتم العمل به لإنجاح الخيمة، بالإضافة للزلف البحري الموجود على الجوانب والأرضيات.
واستدرك: "زينا الشكل الخارجي بعلم فلسطين، اعتبرنا الخيمة هي عروستنا وإكرامًا لوجودنا في حرب 2024 ونزوحنا وزيناها بالعلم الوطني لنثبت مقولة أننا باقون ما بقي الزعتر والزيتون، وكان عنوان الخيمة "من حياة المفاوضات إلى حياة المعلبات".
لم يكن العمل على إنجاح فكرة خيمة المعلبات بشكل فردي، بل ساهم عدد من النشطاء والشباب فيها، قال ثابت: "يوجد تفاصيل ولمسات جمالية شاركونا بها الشباب، شاب عمل نجفة من المعلبات وشاركونا بعض الفنانين التشكيليين ورسموا أشياء جميلة، وحتى النساء في الخيم شاركونا بالإعجاب وإبداء الرأي، وكانت أول تجربة أخوضها بحياتي على المستوى المهني وأنا فخور بها مع طاقم العمل".
عاصم غريب، أحد القائمين على العمل، يقول لـ "رايــــة" إن فكرة الخيمة تعبر عن المعاناة التي نعيشها، يوميًا عنا أكثر من معاناة تقتلنا، ومن ضمنها هذه المعاناة وهي معاناة الشارع، واليوم جسدناها فهذه الخيمة".
يتفق غريب مع داليا وثابت حول هدف خيمة المعلبات، بالإضافة إلى أنها بيت للأمسيات يجلس فيها الفريق مع النازحين في الخيام حولهم بشكل يومي.
وأكمل غريب أن "الخيمة أخذت جهدًا ووقتٍ طويل، ما يقارب أسبوعين، تم جمع فوق الـ 10 آلاف معلبة، استخدمنا منهم قرابة الـ 3 آلاف معلبة".
وعن الصعوبات، أشار إلى أنه "واجهتنا صعوبات مثل الإسمنت وهذا غير متوفر بالسوق، ووصلنا فكرة بأننا دمجنا اليوم بين الطبيعة والواقع اللي نحنا فيه، اليوم سما وأرض وعنا بحر، فدمجنا الزلف البحري والرمل، وحاولنا أن نعبر عبر اللافتات بكلمات عن الحرب وفلسطين والنزوح وعلقناها على الخيمة".