"القذائف بدل القطايف"
موائد إفطار رمضان في غزة تصرخ جوعًا كأصحابها
تقريرخاص / راية
"العالم في رمضان تأكل القطايف ونحن نأكل القذائف"، هذا لسان حال الغزيين الذين يحلّ عليهم شهر رمضان المبارك متأهبين خائفين جوعى يعانون الموت والدمار وكوارث وويلات الحرب الإسرائيلية المفروضة عليهم منذ السابع من أكتوبر للعام 2023.
يُعرفوا بأنهم محبين للطعام ومتذوقين له، يشكلون موائدهم من كل صنف ولون، يتباهون بها ويحضروها بكل حب وإتقان، يبدأ شهر رمضان المبارك بالتزامن مع خطوات الجميع إلى الأسواق يبتاعون كل ما تشتهي أنفسهم، يزينون منازلهم، يفرحون بهذه المناسبة الدينية، يشعروا بأن البركات كلها تأتي في هذا الشهر ويقدمون فيه ما لذ وطيب، يستقبلونه بكل بهجة وعطاء.
لكن الحرب سرقت هذه اللحظات، لم يسمع صوت مدفع رمضان لبدء الإفطار بل سُمع في غزة أصوات الصواريخ وزقزقة المعدة من الجوع والألم، وأصوات البكاء والفقد والشهقات الأخيرة.
يحيى حجازي، شاب من شمال قطاع غزة الذي يعاني من الحرب والحصار أكثر من مختلف المناطق الأخرى، ويمارس الاحتلال ضده سياسة تجويع تفتك بكل المتبقين هناك ولم ينزحوا من منازلهم.
يقول يحيى لـ "رايـــة": "مائدة الإفطار عبارة عن خبيزة -نبات أخضر ينمو في الأرض بعد سقوط المطر-، أو عشبة الرجّلة -تشبه السبانخ نوعًا ما-، أما السحور فكان زعتر وأكلناه بالملاعق لعدم توفر الدقيق".
وأفاد بأن المنطقة التي يقطن بها تفتقر لأبسط مقومات الغذاء والخضروات، مبينًا أن "المعلبات التي يحصل عليها المواطنين في جنوب القطاع ووسطه من المساعدات لا تتوفر أيضًا، ولا نحصل عليها بسبب حصار الاحتلال وسياسته".
اليوم، يحرم الاحتلال الإسرائيلي الغزيين من أي طعم ولون للشهر الفضيل، يخطف فرحة الأطفال بمجيئه ويطفئ الزينة، حرب طويلة سرقت طيف وبركة هذا الشهر، دمرت البيوت وحرقت الزينة وفرّقت العائلات وأنقصت غذائهم وأعمارهم.
بطريقة ساخرة يقول عمار كسكين، من مدينة غزة: "الإفطار اليوم عبارة عن دجاج! نعم دجاج بطريقتنا الجائعة".
ويروي قصة الدجاج، شارحًا: "علبة المشروم -الفطر- التي كنا نشتريها بشيقل واحد صارت اليوم بـ 17 شيقلًا، نضعها في المقلاة ونقليها طويلًا وكأنها صدر دجاج، ثم نضعها ونأكلها بالشوكة".
وأضاف "أجا علينا رمضان واحنا مش مجهزين اشي للسحور، لأنه ما في شي أصلًا نشتريه أو نجهزه لسحور أو فطور، كان هناك بقايا طبيخ الخبيزة من اليوم السابق ووضعناه في صحون وأكلناه بالملاعق".
وفي رواية كسكين عن اختراع الطعام كي يملئوا معداتهم ليصمدوا في صيامهم، يقول: "وضعنا قليل من الطحينية في صحن وخلطناها مع سكر الجلكوز وقليل من السكر حتى أصبحت شبيه للعسل الأسود وأكلناه".
وعن مائدة الإفطار، تابع: "لأت معلبة البازيلاء التي تصل مساعدات ومن حقنا الحصول عليها مجانًا، يبلغ سعرها 30 شيقلًا، وكيلو واحد من الأرز سعره 100 شيقل، وهذا مكلف جدًا د، اضطررنا لشراء القليل من مرق الدجاج وأضفنا عليه الماء والفلفل وشربناه فطورًا بجانب المياه".
ويدور في أذهان الجميع سؤال واحد وهو: "هل يجوز لنا أن نصوم هذا الشهر ونحن صائمين منذ خمسة شهور سابقة!"
وأردفركسكين في حديث لـ "رايـــة": "لا يوجد شيء نتناوله، نحن نأكل وجبة واحدة أو اثنتين كل ثلاث أيام أو يومين، بحسب ما يتوفر لنا من مياه أو أعشاب أو أي شيء نمسك به معدتنا ونخفف ألمها".
ويعاني شمال قطاع غزة من حرب تجويع، وسط تحذيرات أممية ودولية من سياسة الاحتلال هذه التي ترفع من وتيرة الأمراض والموت بسبب سوء التغذية والجوع والجفاف، والذي راح ضحيتها حتى اللحظة، وفق وزارة الصحة في غزة، 27 شهيدًا.
من شمال القطاع إلى وسطه، عمر عبد الفتاح (35 عامًا)، من مخيم النصيرات، يقول في حديثه لشبكة رايــــة الإعلامية: "أفطرت في اليوم الأول من رمضان معلبة تونة ورقائق البطاطا، ومن الواضح أن المعاناة في الطعام ستمتد معنا لآخر الشهر".
يُكمل عمر حديثه وهو يشاهد في هاتفه صورًا لمائدته في رمضان الماضي، "أنا حزين للغاية لما وصلنا له، كنت أطعم الجميع، أملأ مائدة الطعام بكل الأصناف، اليوم لا أجد سوا صنف واحد وهو مؤذي لمعدة أطفالي وأسرتي، المعلبات".
وأضاف: "ذهبت للتسوق علّني أجد شيئًا يفرح أسرتي من لحوم أو بعض الخضروات التي تصلح لأن تكون وجبة إفطار لليوم الأول على الأقل، لكني لم أجد شيئًا، الخضروات لا تتوفر جميعها وسعرها أكبر من أن أقتنى حقه".
تشارك هناء محمد، النازحة من شمال القطاع إلى رفح جنوبًا، المشاعر المبكية مع عمر، تقول: "اليوم تمردنا على معلبات البازيلاء، أعددنا مائدة من المقالي، البطاطا والبندورة والباذنجان، نجحنا في تغيير الروتين اليومي منذ أشهر".
وتابعت: "زيت القلي غالي جدًا في الأسواق والخضروات اشتريناها بأسعار عالية، كلفتنا هذه المائدة أكثر مما تكلفنا إياه مائدة طويلة من موائد العام الماضي!، أما ما تبقى من مائدة الإفطار كان سحورًا لليوم الثاني".
بطريقة بدائية على الحطب والنيران تقوم العائلة بإعداد الطعام والخبز أمام خيمة النزوح، وعلى ضوء خافت يتناولون وجبة الإفطار البسيطة التي تخلو من أي نوع من العصائر والمشروبات عدا المياه، وفق هناء
تتنهد هناء وبكل مأساة تردد "جاء رمضان في وقت الحرب، إنه توقيت سيء للجميع".
لم يكن أحد من الغزيين يتخيل أن تدهور حياتهم بهذا الشكل، انقلبت الحياة رأسًا على عقب، حّل الشهر المبارك في أوقات صعبة وأوضاع إنسانية مأساوية وكارثية يعيشها القطاع جرّاء الحرب الإسرائيلية، ووسط غلاء فاحش يعاني منه الجميع بسبب شح المواد الغذائية.
(أماني شحادة)