هل القوات الأمريكية تشارك بحرب الإبادة الاسرائيلية في غزة؟
عقب نشر صحيفة نيويورك بوست الأمريكية تفاصيل جديدة عن الجندي آرون بوشنل الذي أحرق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية بواشنطن تضامنا مع غزة، ظهر من بينها ما ذكره لصديق مقرب منه، أن "الجيش الأميركي متورط في عمليات الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين"، وأن "قوات أميركية على الأرض تقتل أعدادا كبيرة من الفلسطينيين". وتباينت آراء خبراء أميركيين بهذا الشأن.
بعض المعلقين عبّروا عن عدم معرفتهم بوجود جنود أميركيين يعملون داخل قطاع غزة، في حين رجح آخرون وجود قوات أميركية تقوم بمهام غير قتالية. وعبر آخرون عن رأي ثالث يفيد بإمكانية وجود قوات أميركية تشارك في محاولات تحرير مواطنيها الاسرى لدى حركة حماس منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
يذكر أن الولايات المتحدة تحتفظ بقاعدة عسكرية على الأقل في إسرائيل قبل وقوع أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول. ويُعتقد أن القاعدة السرية، المعروفة باسم الرمز "الموقع 512″، تضم نظام مراقبة راداريا من طراز "ثاد" يمكنه اكتشاف وتتبع تهديدات الصواريخ الباليستية ضد الولايات المتحدة.
و كثيرا ما أكد البيت الأبيض أنه لن ينشر قوات أميركية على الأرض في غزة. ولكن تقريرا نشرته صحيفة نيويورك تايمز أكد أن إدارة جو بايدن أرسلت عناصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية إلى إسرائيل عقب عملية طوفان الاقصى بهدف "تحديد أماكن الرهائن، بما في ذلك الرهائن الأميركيون".
أشار التقرير إلى أن القوات الخاصة كانت حاضرة للمساعدة على وضع إستراتيجية للقوات الإسرائيلية، ولم تُكَلَّف بأي أدوار قتالية. وتشير تقارير إلى مقتل 39 أميركيا من حمَلة الجنسية الإسرائيلية، وحجز 11 آخرين بين الأسرى لدى حركة حماس.
وفي الوقت ذاته، تشير مصادر عبرية إلى أن حركة حماس لا تزال تحتفظ اليوم بـ6 أميركيين بين الأسرى لديها، إضافة إلى جثتين لأميركيين قتلا خلال العدوان على غزة.
وكتب جاك ميرفي، الضابط السابق في القوات الخاصة الأميركية، في موقعه الإلكتروني، إن "قيادة العمليات الخاصة المشتركة خططت بالفعل لعملية إنقاذ للرهائن والأسرى لدى حماس".
ويضيف ميرفي "لكن منذ وصول تلك القوات إلى شرق البحر المتوسط، تضاءلت فرص إطلاق مهمة إنقاذ الرهائن، استنادا إلى طبيعة المعلومات الاستخباراتية المتاحة والأولويات المتغيرة للحكومتين الإسرائيلية والأميركية. وفي غضون ذلك، لم يعرف عن دخول أي عسكري أميركي إلى غزة".
و قال خبير الشؤون الدفاعية مايكل بيك لقناة الجزيرة ، إن "ادعاء بوشنل غير مرجح. فلو أُرْسِلَت قوات أميركية للقتال في أنفاق غزة، لكان من الممكن قتلها أو أسرها، الأمر الذي كان سيخلق عاصفة سياسية داخل الولايات المتحدة. لكن من الممكن أن يكون وجود الجنود الأميركيين في غزة للاطلاع على العمليات الإسرائيلية".
وأضاف الخبير بيك أن لدى "إسرائيل بالفعل آلاف الجنود في غزة، بما في ذلك وحدات القوات الخاصة المدربة على حرب الأنفاق، فلماذا يحتاجون إلى قوات أميركية؟".
وخلال زيارته الداعمة لإسرائيل بعد أيام من هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، نشر البيت الأبيض صورة للرئيس جو بايدن وهو محاط بعدد من أفراد القوات الأميركية الخاصة في إسرائيل.
وعلى الفور تم توبيخ البيت الأبيض لنشره هذه الصور الحساسة، وهاجم عدد من الجمهوريين بايدن على ما اعتبروه استغلالا لهذه الصورة لتحقيق مكاسب سياسية، في وقت يعرّض حياتهم وحياة عائلاتهم للخطر حال كشف هوياتهم السرية.
حذف البيت الأبيض الصورة بعد وقت قصير من مشاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر عن أسفه على هذا الخطأ مع تأكيد أن زيارة الرئيس لإسرائيل كانت بهدف تقدير شجاعة القوات الأميركية والدور الذي تقوم به كرد على هجمات حماس الإرهابية"، على حد قوله.
فور تأكد إدارة بايدن من وقوع عدد من مزدوجي الجنسية (أميركيين إسرائيليين) لدى حركة حماس، شكّلت واشنطن فريقا من خبراء ومحققين من مكتب التحقيقات الاتحادي الفدرالي ووزارة الخارجية، وغيرهما من المتخصصين في استعادة المحتجزين.
وقال جون فينر، نائب مستشار الأمن القومي في حديث تلفزيوني، "ما يمكنني قوله هو في هذه المرحلة إننا لا نفكر في نشر قوات أميركية على الأرض تشارك في تلك المهمة".
ما فعلناه هو إرسال خبراء من جميع الجهات المختصة في حكومتنا إلى المنطقة للتشاور وتقديم المشورة مع نظرائهم الإسرائيليين للتأكد من أنهم يجدون أفضل طريقة لإعادة هؤلاء الأشخاص إلى ديارهم.
أكد كريستوفر ماير، مساعد وزير الدفاع الأميركي للعمليات الخاصة، وجود قوات أميركية داخل إسرائيل، إلا أنه رفض تحديد عدد جنود قوات العمليات الخاصة الأميركية الموجودة حاليا في إسرائيل، وذلك خلال مشاركته في مؤتمر بواشنطن قبل أسابيع.
وقال ماير "نحن نساعد الإسرائيليين على القيام بعدد من الأشياء أهمها تحديد الرهائن، بمن فيهم الرهائن الأميركيون"، وأكد أن ذلك يعد "واجبا يجب القيام به".
و أشار جوزيف فيتساناكيس، أستاذ الدراسات الاستخباراتية والأمنية بجامعة كارولينا الساحلية، إلى أن "أفراد القوات المسلحة الأميركية يحصلون على تصاريح أمنية security Clearance تتيح لهم الاطلاع على معلومات سرية تتعلق بمجال عملهم كحد أدنى".
وبما أن بوشنل كان يعمل بالفعل في الجانب الاستخباراتي في القوات الجوية الأميركي، فمن المرجح أنه كان يمتلك تصريحا أمنيا سريا للغاية، والذي كان سيتيح له الوصول إلى بعض المعلومات السرية عالية المستوى حول مجموعة متنوعة من الأحداث الجارية، بما في ذلك الحرب في غزة".
جدير بالذكر أن بوشنل خدم في الجناح الـ70 للاستخبارات والمراقبة والاستطلاع بالقوات الجوية الأميركية، التي عمل بها بوظيفة "فني بخدمات الابتكار"، وهو ما يسمح له بالاطلاع على الكثير من المعلومات والأسرار العسكرية.
واعتبر فيتساناكيس في حديثه للجزيرة نت، أنه سيكون "مندهشا تماما إذا لم تكن القوات الأميركية موجودة على الأرض في قطاع غزة. وهناك العديد من المواطنين الأميركيين بين الرهائن الذين تحتجزهم حماس، لذلك يتوقع المرء أن القوات الأميركية توجَد على الأرض، وتحاول حاليا إنقاذهم، ومن المؤكد أن ذلك يتم بالتنسيق مع قوات الجيش الإسرائيلي".
وكحد أدنى، "أتوقع أن تكون قوة دلتا نشطة في قطاع غزة، في هذا الوقت الذي نتحدث فيه. ومن المحتمل أن تكون هناك عناصر أخرى من الجيش الأميركي هناك أيضا، وأتصور أنها على الأرجح قوات خاصة أو وحدات متخصصة في حرب المدن"، يضيف فيتساناكيس.
وأشار البروفيسور فيتساناكيس إلى أن "دور القوات الأميركية ليس مساعدة جيش الإحتلال في حربه ضد غزة، أو (التورط في عمليات الإبادة الجماعية الجارية في فلسطين)، كما ذكر بوشنل لصديقه، وفقا لصحيفة نيويورك بوست. وبدلا من ذلك، يتمثل دورهم في تحديد مكان المواطنين الأميركيين الذين تحتجزهم حركة حماس وتحريرهم"، حسب قوله.