تلميحات إسرائيلية: مصر لا تمانع إجتياح مدينة رفح إذا ضمنت عدم التهجير لسيناء
قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مجدّداً إن عدم الدخول لرفح في جنوب القطاع يعني خسارة الحرب، وسط تساؤلات إسرائيلية أيضاً عن مدى جديته في ذلك، رغم التحذيرات الدولية الكثيرة.
و تزامناً مع اليوم الثامن والعشرين بعد المئة للحرب على غزة يوم أمس قال نتنياهو، في حديث لـ شبكة “إي بي سي” الأمريكية، إن إسرائيل تبلور خطة لإبعاد المدنيين (النازحين) من رفح بموافقة الولايات المتحدة. وقبل ذلك بساعات، كشفت الإذاعة العبرية العامة أن المؤسسة العكسرسة الإسرائيلية تعكف على صياغة خطة لإخلاء مليون وثلث المليون من المواطنين من رفح، تمهيداً لتوسيع “المناورة البرية” في المنطقة.
في تعليقها على ذلك قالت الإذاعة العبرية إن هذا يستغرق وقتاً، وينطوي على أثمان، لأنه عندما تنقلهم لمكان معين فهذا يعني تقييد جيش الاحتلال من القتال فيه، وتتيح لحركة “حماس” إعادة بناء قدراتها فيه، ناهيك عن أن عملية النقل تستغرق وقتاً طويلاً.
وتساءلت الإذاعة العبرية؛ هل تملك إسرائيل آلية حقيقية لغربلة المدنيين من العسكريين وهم ينقلون من رفح؟ أم سيكتفي الجيش بعملية رمزية وينسحب؟ وماذا مع مصر التي تخشى تدفق مئات آلاف المدنيين نحو سيناء؟
وكشفت الإذاعة العبرية العامة، على لسان مراسلها العسكري روعي شارون إن إسرائيل ومصر قريبتان من التفاهم على ضوء أخضر باحتلال رفح والمنطقة الحدودية (صلاح الدين– فيلادلفيا)، مقابل ضمانات تَحُولُ دون تهجير الغزيين لسيناء.
وتابعت: “إسرائيل تراهن على أنه في هذه الحالة ستخفّ وطأة الانتقادات والضغوط الدولية عليها لمنعها من دخول رفح المزدحمة”.
وانضمت بريطانيا وهولندا لعددٍ كبير من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، التي تعرب عن قلقها من توسيع نطاق عمليات جيش الاحتلال في منطقة رفح، ما يؤدي لتعميق الكارثة الإنسانية.
كما عبّر وزير الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل عن هذا الموقف، وقال محذراً، أمس، إن هجمة إسرائيلية في رفح ستقود لكارثة إنسانية لا يمكن وصفها، ستقود للمساس بعلاقات إسرائيل– مصر، معتبراً أن الطريق الوحيد لتحاشي سفك الدم هو وقف النار وإطلاق المخطوفين.
ومن المنتظر، اليوم، أن تصدر مناشدة تحذير للعالم بهذا الخصوص من قبل “لجنة المتابعة العليا”، الهيئة السياسية الأعلى لفلسطينيي الداخل، تدعو العالم لتحمّل مسؤولياته، ومنع وقوع مذبحة مهولة في رفح بحق الفلسطينيين المدنيين.
وتتزايد التقارير والتسريبات والتلميحات الإسرائيلية عن أن الخطة العملياتية لاحتلال رفح باتت جاهزة، وتنتظر مصادقة المستوى السياسي عليها، وأن تطبيقها يحتاج لتجاوز عقبتين؛ الأولى نقل مئات الآلاف من الغزيين في رفح أولاً، والثانية موافقة مصر على ذلك، وأن العقبة الأخيرة أصغر بكثير مما تبدو في الإعلام، بخلاف ما تعتقده أوساط مختلفة، بأن مثل هذه التصريحات والتسريبات تنمّ عن رغبة إسرائيل تهديد “حماس” وتليين موقفها ودفعها لقبول صفقة تبادل بشروطها هي. لكن جملة من المؤشرات تقول إنها جادة ومعنية بالقيام بهذه الخطوة الدموية الخطيرة لعدة حسابات، وإن مصر ليست عقبة حقيقية تحولُ دون ذلك، وإن الانتقادات الدولية غير كافية لمنعها، لأنها تقتصر على تصعيد لفظي دون خطوات عملية.
ورداً على سؤال صحفي اليوم، قال الباحث المحاضر في شؤون الشرق الأوسط، ميخائيل ميليشتاين (رئيس سابق لوحدة الدراسات في الاستخبارات العسكرية) إنه غير قلق من ناحية “موقف مصر الحقيقي”. وأضاف ميليشتاين، فضمن حديثه اليومي، إن مصر لن تشوّش علاقاتها مع إسرائيل بسبب الدخول لرفح، بل إن ما يقلقها هو احتمال دفع عشرات آلاف الغزيين للحدود نحو سيناء.
وتابع: “هذه فرصة لإسرائيل، فإذا كان هناك تنسيق مسبق مع مصر على ضمانات تمنع تهجير الغزيين لأراضيها، فإنها ستوافق على التوغل الإسرائيلي في منطقة رفح ومحور صلاح الدين فيلادلفيا”.
يشار إلى أن الرئيس الأمريكي بايدن قال، في مؤتمره الصحفي الأخير، إنه مارس ضغطاً على نتنياهو والسيسي لفتح الباب لإدخال مساعدات إنسانية. وعقّبت القاهرة الرسمية بالقول إنها فتحت معبر رفح منذ زمن طويل.
ولم يتردد وزير الزراعة عضو مجلس الكابنيت آفي ديختر في التعبير عن عدم الاكتراث بموقف مصر، وقال للإذاعة العبرية العامة، صباح اليوم الأحد، إنها لا تملك مبرراً لأي “مقولة” في موضوع رفح، لأنها سبق أن رفضت تولّي إدارة شؤونه وشؤون كل القطاع في اتفاقية كامب ديفيد. وأكد أن حكومته ماضيةٌ في الحرب لشهور.
استخفّ وزير الزراعة الإسرائيلي بالتحذيرات من مخاطر استمرار القتال حتى في رمضان. فـ”إسرائيل سبق أن واجهت عمليات فلسطينية واسعة جداً، مثلما سبق أن واجهت حرباً في هذا الشهر، حرب 1973″
واستخفّ أيضاً بالتحذيرات الإسرائيلية من مخاطر استمرار القتال حتى في رمضان. للتدليل على رؤيته يقول ديختر إن إسرائيل سبق أن واجهت عمليات فلسطينية واسعة جداً مثلما سبق أن واجهت حرباً في هذا الشهر، حرب 1973.
عملياً، يعكس ديختر موقف الائتلاف الحاكم برئاسة نتنياهو، حيال قضية رفح، فهم كافّتهم يدركون أن إسرائيل، ورغم التدمير الهائل والقتل الجماعي، لم تحقق أهداف الحرب المعلنة، وهناك عددٌ كبير من المراقبين الإسرائيليين ممن يقرّون علانيةً أن المكاسب التكتيكية للاحتلال داخل القطاع لم تُتَرجم لمكسب إستراتيجي. ولذا فإن حكومة الاحتلال تبحث عن فرصة إضافية علّها تحقق مكسباً جديداً يحفظ لها ماء الوجه، وترى أن ذلك يقتضي احتلال رفح رغم كل المحاذير والمخاطر، خاصة أنها فشلت في تحقيق مرادها، حتى الآن، في خان يونس.
مثل حكومة الاحتلال، وهي في الشهر الخامس من الحرب على غزة، مثل المقامر في صالة القمار الذي خسر رهاناته ويحاول استردادها بضربة جديدة يوظف فيها ما تبقى معه، وسط مغامرة بالتورّط بما سيحرجها أكثر، وربما يضطرها لتسديد ثمنٍ جديد في الخسائر البشرية، والمحكمة الدولية، وفي صورتها في العالم. ويرى حلفاء نتنياهو المتشدّدون أن هناك فرصة لاستكمال تدمير غزة، وإيقاع نكبة كبيرة فيها، ليس فقط لترميم وعي الإسرائيليين المصاب منذ السابع من أكتوبر فحسب، بل لكيِّ وعي الفلسطينيين، وزرع الخوف الأبدي في نفوس أجيالهم، ودفع شبابهم للهجرة، عندما يكتشفون أنه لم يعد حجرٌ على حجر داخل القطاع، وأن هذا تَحَوَّلَ لمنطقة غير قابلة للعيش الآدمي، لا سيّما في حال تأخرت عملية الترميم والإعمار، وهذا سيناريو وارد جداً، فإسرائيل تستطيع إعاقة مشروع إعادة البناء داخل القطاع.
لا يقلّ أهمية عن ذلك رغبة هذا الائتلاف بإطالة أمد الحرب، لإدراكه أن إسرائيل على موعدٍ مع هزات داخلية كبيرة، فور انتهاء الحرب، من شأنها أن تسقط الحكومة، فيما تقول استطلاعات الرأي أن أغلبية الإسرائيليين تريد الذهاب لانتخابات عامة مبكرة، وتقول إن أحزاب الائتلاف ستتحطّم في مثل هذه الانتخابات على خلفية الفشل الإستراتيجي الذريع الذي وقع في فترتها، في السابع من أكتوبر.
ومن الأدلة المختلفة على رفض نتنياهو وائتلافه صفقةَ تبادلٍ تشمل هدنة في الحرب المذكّرة التي سلّمتها عائلات المحتجزين الإسرائيليين لوزير الخارجية الأمريكي بلينكن، قبيل مغادرته تل أبيب يوم الأربعاء الماضي، وفيها يتّهمون نتنياهو بالتنازلِ عن أعزّائهم، وبأنه يطلق حملة لشيطنتهم، ونزع الشرعية عنهم واعتبارهم “كبش فداء” من أجل مصالح عليا للدولة. وقد أرفقت العائلاتُ المذكرة بتقرير لمركز “فيك نيوز”، الذي يفصل الأخبار الكاذبة التي يسوقها نتنياهو ومقرّبوه ومؤيّدوه في الإعلام العبري.
ويتقاطع ذلك مع الاتهامات المتكررة التي يوجهها وزير الأمن الأسبق موشيه ياعلون لنتنياهو، بأنه يسعى لتهيئة الإسرائيليين للتضحية بالمخطوفين ولتبرير مواصلته حرباً بلا أفق، ودون ترسيم ملامح اليوم التالي، بخلاف موقف المؤسسة الأمنية، ومن أجل خدمة أهوائه الشخصية السياسية.
وينعكس ذلك في مضامين تُنشر في وسائل إعلام عبرية أيضاً، يوم أمسالأحد، منها صحيفة “معاريف”، التي نقلت ، في تقرير بعنوان “الضغط على السنوار والوعود لمصر.. الجيش في الطريق للحصن الأخير لحماس”، عن مصادر سياسية عليا في إسرائيل قولها إن كل عملية في رفح سيتمّ تنسيقها مع مصر.
في مقاله المنشور في صحيفته “هآرتس”، يؤكد المعلق السياسي جدعون ليفي جدية نتنياهو في تهديداته، إذ يقول ليفي إنه لم يتبقّ له سوى التوسل أمام المسؤولين في إسرائيل من أجل عدم تورّطهم في احتلال رفح، لأنها ستؤدي لسفك دم كثير، ولأن العملية ستورطهم في جرائم حرب جديدة.
وتتساءل زميلته الكاتبة الصحفية عميرة هاس، اليوم، إذا ما قام جيش الاحتلال بغزو رفح فماذا سيفعل مليون ونصف المليون من الغزيين المتكدّسين فيها؟ وتحذّر من أن مثل هذه العملية الدموية ستفتح الباب أمام إمكانية فرار المدنيين، من شيوخ ونساء وأطفال ومرضى، تحت القصف لسيناء، أو نقلهم الخطير لمنطقةٍ تدّعي إسرائيل أنها آمنة.
كما تتساءل؛ هل تبني إسرائيل على أن “محكمة العدل الدولية” في لاهاي ستعتبر أن حشر مئات آلاف الغزيين في بقعة صغيرة “وسيلة جديدة” لمنع إبادة شعب؟ مرجّحة أن إسرائيل التي فشلت في إلقاء القبض على السنوار وقادة “حماس” في مدينة غزة وفي خان يونس تطمع بمحاصرتهم في رفح.
تتكرر اتهامات ياعلون لنتنياهو، بأنه يسعى لتهيئة الإسرائيليين للتضحية بالمخطوفين ولتبرير مواصلته حرباً بلا أفق، ودون ترسيم ملامح اليوم التالي، ومن أجل أهوائه الشخصية السياسية
وتضيف محذرة: “ما يؤجّج مخاوف الغزيين استنتاجهم بأنه لا توجد جهة في العالم تستطيع، أو تنوي، منع إسرائيل من تطبيق نواياها، حتى أوامر “محكمة العدل الدولية” الداعية لعدم ارتكابها إبادة شعب”.
ويتبعها زميلُها في “هآرتس” عاموس هارئيل، محرر الشؤون العسكرية، الذي يقول، اليوم، إن نتنياهو يفضّل إطلاق شعارات فارغة على صفقة لاستعادة المخطوفين.
ويضيف: “مطالب حماس غير ممكنة تقريباً، لكن نتنياهو لا ينوي أصلاً المغامرة السياسية بالذهاب لصفقة وهدنة، والولايات المتحدة تهاجمه علانيةً”.
ويقول هارئيل إنه “رغم الحصار المتزايد لا يبدي السنوار إشارات انكسار، وهكذا قيادة “حماس” في الخارج، والجنود يقتربون من حالة يئنّون فيها تحت وطأة الأعباء”. منوهاً بأن رئيس وكالة الاستخبارات الأمريكية، وليام بيرنز، من المفترض أن يصل للقاهرة يوم الجمعة القادم لتحريك محادثات الصفقة المقترحة في قمة باريس، فيما لم يصادق نتنياهو بعد على مشاركة مندوبي المؤسسة الأمنية في هذه المحادثات، وهذا بخلاف رغبتهم، لكنه سيصادق على مشاركتهم في النهاية، بيد أن ذلك لا يبشّر بتغيير موقفه.