نتائج مدركات الفساد في المنطقة العربية للعام 2023 تشير إلى العلاقة العكسية بين الديمقراطية والفساد
ائتلاف أمان يطالب الدول المصنّفة الأقل فساداً بالامتثال لواجبها بالضغط لإلزام (اسرائيل) بتنفيذ التدابير التي أمرت بها محكمة العدل الدولية
أصدرت منظمة الشفافية الدولية نتائج مؤشر مدركات الفساد (CPI) للعام 2023، حيث لم تشر نتائج المؤشر إلى تغير ملحوظ في واقع مدركات الفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام، إذ بقي إجمالي المُؤشر منخفضاً (37.5 إلى 38 من 100). ويعد مؤشر مدركات الفساد مؤشراً مركباً يستخدم لقياس مدركات الفساد في القطاع العام فقط، ويركز على البيئة التشريعية والسياسية والاقتصادية ومستويات وإجراءات الحوكمة في البلدان. ويعتمد المؤشر على 13 مصدر معلومات مستقل أغلبها تقارير واستطلاعات لخبراء في كل بلد، يتم إعدادها بواسطة معاهد دراسات ومؤسسات دولية مستقلة، ويتولى تحليلها خبراء خارجيين تعينهم الشفافية الدولية. ولاعتماد إضافة أي دولة على المؤشر يشترط توفر 3 من المصادر المعتمدة على الأقل وهو الأمر الذي لم يمكن منظمة الشفافية الدولية من إدراج فلسطين في المؤشر لعدم توفر ثلاث مصادر للمعلومات من المصادر المعتمدة، علما بأن المؤشر يمنح الدرجة من صفر الى 100 لكل دولة، حيث صفر يعني الأكثر فسادًا و 100 الأكثر نزاهة وأقل فساداً.
مطالبة أمان الدول الأكثر نزاهة الامتثال لواجبها الأخلاقي والقانوني والضغط لإلزام (اسرائيل) تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية
على ضوء نتائج المؤشر لهذا العام؛ طالب الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة -أمان، الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية، الدول التي حازت على أعلى علامات، والتي تمثل الدول الأكثر نزاهة والأقل فساداً على مؤشر مدركات الفساد بأن تمتثل لواجبها الأخلاقي والقانوني والضغط لإلزام (اسرائيل) تنفيذ قرار محكمة العدل الدولية ومن ضمنها الإجراءات المؤقتة التي أمرت بها دون تأخير، وذلك بشأن جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وذلك بعدما أكدت المحكمة معقولية الاتهام الذي تقدمت به جنوب أفريقيا تجاه (اسرائيل)، محمّلة إياها المسؤولية عن أفعالها، وذلك بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية.
وأعرب ائتلاف أمان، عن ترحيبه بقرار المحكمة الذي يتصف بالنهائي، والملزم، وغير القابل للاستئناف، بالرغم من أنه لم يتضمن وقفًا فوريًا ودائمًا لإطلاق النار، إلا أن ائتلاف أمان يؤكد على أهميته مشددا على المسؤولية التي تقع على عاتق المجتمع الدولي في دعم هذا القرار، لما يشكله من سابقة تخضع "اسرائيل" ولأول مرة في التاريخ للمساءلة والمحاسبة على أفعالها، وتفكيك نظام الفصل العنصري القائمة عليه.
وأشار ائتلاف أمان أن مموليه يقعون على رأس قائمة المقياس، مسجلين الدول الأكثر نزاهة مثل: (الدنمارك 90%، والنرويج 84%، وهولندا 79%، ولكسمبرج 78%)، والتي أعربت عن مواصلة التزاماتها الأخلاقية ودعمها لقضية الشعب الفلسطيني، وحقه في الحرية وتقرير المصير.
أبرز نتائج المؤشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
ووفق نتائج المقياس، لم تشر نتائج المؤشر إلى تغير ملحوظ في واقع مدركات الفساد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام، حيث بقي إجمالي المُؤشر منخفضاً (37.5 إلى 38 من 100). وبتحليل متفحص؛ حصلت ثلاث دول عربية فقط على علامات أعلى من علامة 50 من أصل 100 وهي (الإمارات، قطر، والسعودية) بمعدلات 68%،ـ 58%، 52% تباعاً. كما أظهرت 6 دول من أصل 18 في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحسنًا في درجاتها على مؤشر مدركات الفساد للعام 2023
خلافا للعام الماضي وذلك على النحو التالي: الجزائر 36%، مصر 35%، الكويت 46%، ليبيا 18%، السعودية 52%. فيما راوحت سبع دول مكانها دون إحراز أي تقدم أو تراجع على صعيد جهود مكافحة الفساد، وهي: قطر 58%، تونس 40%، المغرب 38%، لبنان 24%، العراق 23%، اليمن 16%، وسوريا 13%.
بالمقابل، شهدت الدول التي تعاني من تحديات في مجال الديمقراطية والمشاركة السياسية وحقوق الإنسان والحريات العامة تراجعًا طفيفًا على مؤشر مدركات الفساد وهي (الأردن، عمان، البحرين)، بمعدل(46%، 43%، 42%) على التوالي.
تراجع دولة الاحتلال (اسرائيل) بمعدل نقطة في مؤشر مدركات الفساد للعام 2023
سجلت دولة الاحتلال (اسرائيل) تراجعا بفارق نقطة عن العام الماضي، محصلة علامة 62%، ما يشير الى تراجع حالة الديمقراطية، ومحاولات ائتلاف السلطة الحاكمة إضعاف السلطة القضائية لصالح السلطة التنفيذية، كذلك إقرار قانون يهودية الدولة العنصري، إضافة الى فضائح الفساد والتحقيقات الرسمية المتعلقة برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو.
التداول السلمي للسلطة يؤثر في تقدم أو تراجع تصنيف البلد
مارست بعض الدول بعضاً من أركان الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وأجرت انتخابات دورية لتعزيز المشاركة المدنية والسياسية في الحياة العامة وفي عمليات اتخاذ القرار، حيث حققت مصر زيادة بخمس درجات في مؤشر مدركات الفساد لعام 2023 بإحرازها 35% (انتظام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، فيما حققت الكويت زيادة بأربع درجات محرزة 46%، كما حققت الجزائر زيادة بثلاث درجات، أي 36%، على مؤشر مدركات الفساد لهذا العام. وفي سياق معاكس، تعاني الشعوب العربية في معظم الدول من عدم التداول السلمي للسلطة، ما ساهم في إضعاف المشاركة السياسية والمفتوحة في الحياة العامة وعملية اتخاذ القرارات العامة، مما يؤدي إلى زيادة فرص الفساد السياسي، الأمر الذي يؤثر سلباً على إعمال أركان النظام الديمقراطي وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
وفرة الموارد الناتجة عن تصدير البترول والغاز أتاح لدول التعاون الخليجي تقديم خدمات اجتماعية واسعة لمواطنيه
بالرغم من أن كل من الامارات العربية المتحدة ودولة قطر والمملكة العربية السعودية تفتقر إلى التداول السلمي للسلطة والمشاركة السياسية المفتوحة، واللذان يشكلان دعامة أساسية لنزاهة الحكم، إلا أن الرفاه الاقتصادي والوفرة المالية والتحول إلى المعاملات الالكترونية في تقديم الخدمات العامة أثروا بشكل ايجابي على واقع مدركات الفساد فيها؛ بسبب توفر فائض موارد الدول ذات الاقتصاديات القوية، وتوفر تكافؤ الفرص للغالبية العظمى من المواطنين للحصول على الخدمات العامة، بما فيها الاقتصادية ما يجنب تهميش شرائح واسعة من المواطنين ويحقق العدالة الاجتماعية، الأمر الذي يقلل من احتمالية اللجوء إلى أشكال الفساد مثل الواسطة والرشوة للحصول على العديد من الخدمات. وعليه، جاءت الإمارات العربية المتحدة محرزة علامة مرتفعة وصلت إلى 68%.
استمرار النزاعات الداخلية عامل مؤثر في استمرار إفلات الفاسدين من العقاب على حساب سيادة القانون والعدالة الاجتماعية
إنّ استمرار الحروب والصراعات الاقليمية وعدم الاستقرار السياسي في المنطقة بالإضافة إلى التحديات الاقتصادية أدّى إلى عدم تحقيق تقدم على جهود مكافحة الفساد في الدول المذكورة، بل استمرار ظاهرة الفساد السياسي وتراجع حقوق الانسان وضعف العدالة والحد من تكافؤ الفرص والمساواة وتوسيع شريحة المهمشين، وإضعاف نظم الحماية الاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ومن الجدير ذكره بأن اليمن وسوريا والتي تعانيان من الاضطرابات السياسية والنزاعات بقيتا تسجلان اسوأ الدرجات: اليمن 16%، وسوريا 13%.
ما زالت قواعد الإفصاح عن تضارب المصالح في العديد من الدول المنطقة غير فعّالة
إن استمرار غياب الضوابط القانونية والمؤسسية والسلوكية في منع تضارب المصالح في ممارسة السلطة، في العديد من دول المنطقة (الامارات، وقطر، والكويت، والسعودية، ومصر، والأردن، ولبنان)، يتيح لنخب حاكمة الهيمنة على إدارة الموارد العامة وتوجيهها لتحقيق مصالح خاصة لبعض المسؤولين والموالين، بدلًا من تحقيق المصلحة العامة، الأمر الذي يضعف من نزاهة الحكم، وتراكم الفجوات بين الفئات الاجتماعية، وتراجع نظم الحماية الاجتماعية والعدالة الاجتماعية، وبالتالي إضعاف تنفيذ أهداف ومقاصد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وأعاق تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وبشكل خاص الهدف 16.
في فلسطين: استمرار الاحتلال والانقسام وتراجع نزاهة الحكم عمّق الفوارق الاجتماعية وأعاق جهود مكافحة الفساد
يرى الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة أمان (الفرع المعتمد لمنظمة الشفافية الدولية في فلسطين) أنه وعلى الرغم من عدم إدراج فلسطين على المؤشر منذ قرابة 16 عاماً لأسباب تتعلق بعدم توفر ثلاثة مصادر للمعلومات على الأقل (من بين 13 مصدرا معتمدا) عن فلسطين بحسبما يتطلبه المؤشر، الا أنها لن تكون أفضل حالا من دول المنطقة لو أدرجت في المؤشر، حيث يوجد تحديات جمة مرتبطة باستمرار الاحتلال الاسرائيلي وممارساته ضد الفلسطينيين، إضافة إلى الانقسام الفلسطيني، وضعف نزاهة الحكم بسبب عدم اجراء الانتخابات العامة، وغياب المجلس التشريعي، وضعف شفافية إدارة الحكم والموارد العامة والموازنة العامة، وعدم إشراك مؤسسات المجتمع المدني في إدارة الشأن والمال العام، واستمرار إصدار تشريعات وقرارات من الطبقة السياسية بعضها ليس بالضرورة لخدمة المصلحة العامة، وإنما قد تخدم مصالح خاصة لمسؤولين سياسيين أو موالين لهم لضمان استمرار نفوذهم ومكانتهم في النظام السياسي القائم في الضفة والقطاع، حيث عملت جميعها على تعميق الفوارق الاجتماعية وأعاقت من الجهود المبذولة لمكافحة الفساد.