أزمة «باب المندب».. مسؤولو شحن وإمداد يعيدون حساباتهم
كد مسؤولون ورؤساء تنفيذيون لشركات وطنية عاملة في الشحن البحري وإمدادات النفط، أن أسعار الشحن والإمدادات وبوالص التأمين البحري، ستشهد ارتفاعاً في الفترة المقبلة، نظراً لما تمر به المنطقة من توترات جيوسياسية، عبر باب المندب والبحر الأحمر.
أن بطء عمليات تسليم الإمدادات والسلع الرئيسية، بسبب طول مسافات سلاسل الإمداد، نتيجة لعزوف شركات كبرى تعمل في الشحن البحري، عن التوجه ونقل بضاعتها في المنطقة، ولجوئها لرأس الرجاء الصالح، سيدفع مستقبلاً لرفع أسعار السلع الرئيسية، وكذلك تأخير تسليم الشحنات، أضف إلى ذلك، ازدحام الممرات الملاحية عبر المنطقة، نظراً لتغيير مسارات الرحلات البحرية.
إعادة توجيه:
وأكد أحمد الكيلاني، الرئيس التنفيذي ل «شركة الخليج للملاحة القابضة»، أن اضطرابات حركة الشحن والنقل الجارية الآن عبر باب المندب والبحر الأحمر، ستكون لها تداعيات كبيرة، خاصة على شركات الشحن العالمية.
أضاف الكيلاني: يعد مضيق باب المندب معبراً رئيسياً للتجارة البحرية، وخاصة لشحنات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا والولايات المتحدة، ويؤدي الإغلاق إلى تأخيرات وزيادة تكاليف الشحن ونقص محتمل في البضائع. وقد تحتاج جميع شركات الشحن إلى إعادة توجيه سفنها حول الطرف الجنوبي لإفريقيا، وتحديداً من خلال رأس الرجاء الصالح، ما يضيف وقتاً وتكلفة كبيرين إلى رحلاتها، وقد يؤدي ذلك أيضاً إلى ازدحام في المسارات البديلة، ما سيؤثر في سلسلة التوريد وفي القطاعات التي تعتمد على أنظمة التسليم في الوقت المناسب (Just in time delivery).
تداعيات:
وعن ارتفاع كلف الشحن والنقل البحري، عبر الخط الملاحي البحري لباب المندب- قناة السويس، قال الكيلاني: يمكن أن تختلف تكلفة الشحن والنقل البحري بناءً على عدة عوامل، لكن أعتقد أنه لا يوجد شك في أننا سنشهد زيادة في الأسعار إذا لم يتم احتواء الوضع.
وسيكون لعواقب الإغلاق تأثير كبير في الاقتصاد العالمي، ومن الصعب للغاية التعامل معه، إذ يقدر بنحو 12% من التجارة العالمية وحوالي 30% من تجارة الحاويات في العالم تستخدم البحر الأحمر وقناة السويس.
وأضاف: وفقاً للمحللين، تم استخدام قناة السويس في حوالي 21% من تجارة الصلب المنقولة بحراً، خلال هذا العام، بالإضافة إلى 18% من تجارة الأسمدة و16% من تجارة الحبوب، أضف إلى ذلك؛ الغاز الطبيعي المسال والنفط الخام والمنتجات الأخرى. نتذكر جميعاً حادثة «Evergiven» في قناة السويس في مارس/ آذار 2021 وعواقبها الجسيمة، لذلك أعتقد أن الوضع الحالي حساس جداً، ونتمنى أن يكون أمراً مؤقتاً وإلا فإن تأثيره سيكون هائلاً.
زيادة مخاطر:
أما بالنسبة لارتفاع قيمة بوالص التأمين البحري، قال الرئيس التنفيذي ل«شركة الخليج للملاحة القابضة»: ستعتمد سياسات التأمين البحري، بعد إغلاق باب المندب على عوامل مختلفة، بما في ذلك مدة الإغلاق وطبيعته، والتطورات الجيوسياسية، والتغيرات في المخاطر المحتملة. مبيناً أن من شأن الإغلاق أن يؤدي إلى زيادة المخاطر الأمنية في المنطقة، وقد تقوم شركات التأمين البحرية بزيادة أقساط التأمين لمراعاة الاحتمالية المرتفعة للحوادث، بسبب التوترات الجيوسياسية. كما قد ترتبط المسارات البديلة أيضاًَ بمخاطر أعلى، وبالتالي أقساط تأمين أعلى. علاوة على ذلك، هناك عدة عوامل أخرى بإمكانها أن تؤثر في تكاليف التأمين مثل نوع السفينة وحمولتها وتاريخ التأمين الخاص بشركة الشحن.
رحلات أطول:
فيما قال تيم كوفين، الرئيس التنفيذي لقسم الخدمات اللوجستية البحرية في «تريستار»، والتي تعمل في قطاع الشحن والنقل البحري ونقل إمدادات النفط ومقرها دبي: مع تصاعد المخاطر التي تهدد الشحن التجاري في البحر الأحمر، يتجنب العديد من مالكي السفن وشركات الخطوط الملاحية المنتظمة ومشغلي السفن المرور في المنطقة.
وتابع كوفين: ستكون لذلك عواقب على تكلفة بعض السلع، بسبب الرحلات الأطول اللازمة للطريق عبر رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس، ومن غير المرجح أن ينحسر هذا الوضع بسرعة، لأن الخوف من الضرر سيظل قائماً حتى بعد زوال التهديد.
سلسلة صعود:
وفي غضون أقل من 30 يوماً فقط، ارتفع متوسط شحن الحاوية ذات المنشأ الصيني أو الشرق آسيوي باتجاه أوروبا ودول بحر المتوسط، مروراً بمضيق باب المندب وقناة السويس، بنسبة 62%، حيث وصل متوسط شحن الحاوية إلى 2414 دولاراً، كما في 17 من ديسمبر/ كانون الأول 2023، مقارنة ب1493 دولاراً كما في ال24 من نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام، بزيادة تمثل 921 دولاراً.
وبحسب بيانات ومؤشرات «بورصة البلطيق»، التي تقيس وترصد مستويات الشحن البحري، عبر أهم خطوط الشحن البحرية (منطقة الهادئ، قناة السويس، عبر المحيط الأطلسي)؛ شهدت أسعار الشحن البحري ارتفاعاً متصاعداً لها عبر أبرز ممرات النقل البحري، وخاصة لتلك الشحنات التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب وقناة السويس، ولعلها الأكثر تضرراً وارتفاعاً في كلف الشحن، نظراً للأحداث والتوترات الجيوسياسية، التي تمر فيها المنطقة المطلة على «باب المندب»، حيث ألقت بظلالها على قطاع الشحن البحري وعزوف شركات عالمية كبرى عن المرور عبر المضيق، واختيارها قسراً، رأس الرجاء الصالح خياراً لا ثاني له في ظل الأحداث الجارية باليمن.
وارتفع سعر شحن حاوية 40 قدماً، إلى 1670 دولاراً، في الأسبوع المنتهي في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2023، وواصل صعوده إلى 2161 دولاراً، كما في الأسبوع المنتهي في 8 من الشهر نفسه، ليصل إلى 2414 دولاراً كما في 17 ديسمبر.
عزوف:
وكانت شركات شحن كبرى، قررت أيضاً تجنب المرور في البحر الأحمر، مع تزايد توترات «باب المندب» الجيوسياسية.
وأصدرت شركة شحن الحاويات التايوانية «إيفرغرين»، تعليمات لسفن الحاويات التابعة لها بتعليق الملاحة عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر في ظل الظروف الحالية.
ورأت الشركة أن السفن الموجودة في الخدمات الإقليمية لموانئ البحر الأحمر، ستبحر إلى المياه الآمنة القريبة، وتنتظر إشعاراً آخر، بينما ستتم إعادة توجيه سفن الحاويات، التي من المقرر أن تمر عبر البحر الأحمر حول رأس الرجاء الصالح، لمواصلة رحلاتها إلى الموانئ.
وكانت شركة «بريتش بتروليوم» النفطية، أعلنت أنها ستوقف جميع عمليات النقل عبر البحر الأحمر مؤقتاً، بعد الهجمات ضد السفن والبواخر.
وأوقفت مجموعة الشحن الفرنسية (سي.إم.إيه - سي.جي.إم) في 16 ديسمبر/كانون الأول الماضي، مؤقتاً جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر، في أعقاب الهجمات على السفن التجارية في المنطقة. كذلك، أوقفت شركة شحن الحاويات الألمانية «هاباغ لويد» الإبحار عبر البحر الأحمر، بعد ساعات من الإبلاغ عن تعرض إحدى سفنها لهجوم.
وأوقفت «إيه.بي مولر-ميرسك» الدنماركية، جميع شحنات الحاويات عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر، وذلك في أعقاب «حادث وشيك» تعرضت له سفينتها ميرسك بجبل طارق في وقت سابق.
كما أوقفت شركة «أورينت أوفرسيز كونتينر لاين» قبول بضائع على متن سفنها حتى إشعار آخر بسبب مشاكل تشغيلية.
وبدأت شركة البحر المتوسط للشحن (إم.إس.سي) في الإبحار حول إفريقيا، وهو ما قالت إنه سيؤدي إلى زيادة الكلف والتأخيرات التي من المتوقع أن تتفاقم، خلال الأسابيع المقبلة، بحسب محللي الصناعة.
وقالت شركة الشحن البحري التايوانية «يانغ مينغ»، إنها ستحول مسار سفنها المبحرة عبر البحر الأحمر وخليج عدن إلى رأس الرجاء الصالح، خلال الأسبوعين المقبلين، في ظل تصاعد الهجمات على السفن.
وقالت شركة النفط والغاز النرويجية (إكوينور)، إنها أعادت توجيه «بضع سفن» تحمل النفط الخام والغاز البترولي المسال بعيداً عن البحر الأحمر. ورفضت الشركة الإفصاح عن عدد هذه السفن.
فيما قالت شركة ناقلات النفط البلجيكية (يوروناف) إنها تتجنب البحر الأحمر حتى إشعار آخر.
وأكدت مجموعة «فرونت لاين» لناقلات النفط ومقرها النرويج أن سفنها ستتجنب المرور عبر البحر الأحمر وخليج عدن في الفترة المقبلة.