مأساة مسعف فلسطيني فقد 29 فردا من عائلته منذ أسبوعين ولم يتمكن من دفنهم بعد
"أحكي؟ أحكي عن ماذا؟ عن 29 شهيداً من عائلتي؟ عن أبي وإخوتي وزوجتي وأبنائي؟ لم يعد لي أحد.. رحلوا جميعا، وما بقي لي غير ابنتي المصابة"، بهذه الكلمات استهل أحمد أبو فول، المسعف الفلسطيني بالهلال الأحمر شمالي غزة، حديثه لبي بي سي عن مأساته الإنسانية التي بدأت يوم الثاني عشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، وتستمر حتى كتابة هذه السطور.
ففي ذلك اليوم، يقول أبو فول إنه غادر المنزل للذهاب إلى عمله والقيام بواجبه الإنساني في إسعاف المصابين المدنيين شمالي القطاع، إلى أن وردت له رسالة نصية من جيرانه قلبت حياته رأسا على عقب.
ويتابع: "الرسالة تقول لقد قصفوا منزلك.. وكل عائلتك تحت الأنقاض. فهرعت إلى المنزل.. أو إلى حطام المنزل. لم أستطع حتى الحركة من هول الفاجعة.. جلست في مكاني وأخذ الناس ينتشلون الأحياء من بين أهل بيتي ويحضرونهم لي على عربة يجرها حمار لعدم قدرة سيارات الإسعاف على الوصول للمنطقة. أما الأموات فحتى هذه اللحظة ما زالوا تحت الأنقاض، لم أستطع أن أدفن منهم سوى ابني.. لم أستطع سوى دفن شخص واحد من أصل 29"، قبل أن ينفجر باكيا ويتوقف عن الحديث لثوان.
ثم استدرك: "لا إله إلا الله.. لا إله إلا الله، ظللت 70 يوما أقدم خدمة إنسانية لكل من طلبها مني.. و ها أنا عاجز عن أدائها تجاه أقرب الناس لي.. عاجز عن استخراج جثامين عائلتي ودفنها بسبب نقص الجرافات والمعدات اللازمة لذلك، كما أن المكان محاصر بقوات من الجيش الإسرائيلي، لم أستطع حتى مجرد الاقتراب منه، وبمجرد أن حاولت تم إطلاق النار تجاهي".
ويمضي أبو فول قائلا: "كان في الدار 70 شخصا من عائلتي نزحوا جميعهم إلى بيتي في جباليا، وبعد تعرضهم للقصف تم نقل الأحياء والجرحى منهم لمنزل آخر، ففوجئنا أنه تم استهدافه أيضا بالقصف الجوي، فأصبح إجمالي من فقدته من عائلتي 29 شخصا فضلا عن 23 مصابا. وقد اضطررت لنقل المصابين لمقر الهلال الأحمر الفلسطيني بجباليا لمتابعة حالتهم والاعتناء بهم، خاصة بعدما عجز المستشفى المعمداني تماما عن تقديم ما يلزمهم من إجراءات طبية لنقص الإمكانات الحاد".
وتحدث المسعف الفلسطيني عن أنه هو أيضا عاجز عن تقديم أي علاج طبي لهم باستثناء المسكنات التي اضطر لتقليل جرعاتها من ثلاث مرات في اليوم لمرة واحدة فقط كي تكفيهم لأطول فترة ممكنة.
ووجه أبو فول نداء استغاثة عبر برنامج "غزة اليوم" المذاع على راديو بي بي سي عربي قائلا:" أنا بحكي على البي بي سي لأني بعرف إنها بتسمع للعالم كله.. باسم الإنسانية تعاملوا معنا كبشر، أريد انتشال جثث عائلتي.. بنتي عمرها 6 شهور.. ابني الثاني أربع سنوات.. ابني الثالث 11 سنة.. ابن أخي عمره 28 يوما.. ماذا فعلوا للجيش الإسرائيلي؟!" وانفجر باكيا من جديد.
أوصلوا للعالم رسالتي
لكن بكاء أبو فول لم يمنعه من مواصلة استغاثته الإنسانية قائلا:"أوصلوا للعالم كله رسالتي.. أوصلوا للعالم كله صوتي.. كفى، كفى إطلاق نار، ساعدونا في انتشال جثثنا من تحت الأنقاض.. لا نريد شيئا آخر.. كفى إطلاق نار، إلى هنا وكفى، أنقذونا.. نريد حماية يا عالم".
ومضى أبو فول في توضيح الإصابات التي ألمت بمن نجا من عائلته قائلا: "ابنة أختي بحاجة لجراحة عاجلة لاستئصال العين وتركيب أخرى، وشقيقها يعاني من بتر، والآخر من كسر في العمود الفقري، أما عمي فبترت ساقه واستشهد لعدم توفر الإمكانات اللازمة لإجراء عملية عاجلة له. إصابة الرجل أصبحت تؤدي للوفاة في قطاع غزة بسبب انهيار المنظومة الصحية".
وناشد أبو الفول الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي معالجة المصابين الفلسطينيين في المشافي المصرية لإنقاذهم من الموت البطيء.
واختتم أبو الفول حديثه مؤكدا على أن المصيبة التي نزلت به لم تمنعه أبدا من أداء مهمته الإنسانية في إنقاذ أرواح الأبرياء، قائلا: "حتى في اليوم الذي انتشلت فيه جثمان ابني ودفنته، توجهت فورا لأداء عملي.. ولن أتوقف عن ذلك، ولكن من الوارد جدا أنه عندما تعودون للاتصال بي مرة أخرى أن يخبركم أحدهم أن صاحب هذا الرقم استشهد".
مسعفون آخرون فقدوا ذويهم
أحمد أبو فول ليس المسعف الوحيد الذي يعاني من فقد أحبائه بين أطقم الهلال الأحمر الفلسطيني، ولم يتمكن من إسعافهم جراء الغارات الإسرائيلية، هناك أيضا فريد البريم الذي قُتل ابنه علاء، وموسى أبو مصطفى الذي قُتل نجله يوسف، والمسعف المتطوع علاء الدريوي الذي قُتل شقيقه أحمد، وضابط الإسعاف صابر عوض الذي قُتلت والدته.
وكان الهلال الأحمر الفلسطيني أعلن سقوط 300 قتيل بين طبيب ومسعف بسبب استهدافهم من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، كما أعلن في بيانات منفصلة عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك عن استمرار اعتقال ثمانية من أفراده من مركز إسعاف شمال غزة، واستمرار اعتقال عوني خطاب، مدير مركز إسعاف خانيونس.