هل آن الأوان لتغيير التعامل مع اللاجئين؟ المنتدى الاقتصادي العالمي يجيب
مع تزايد أعداد اللاجئين حول العالم، أصبح الأمر لا يتعلق بالتعامل معهم كأشخاص يحتاجون إلى مساعدات طارئة تشمل الإمدادات الغذائية والمساعدات الطبية فحسب، بل ظهرت دعوات بأن يُنظر لتلك الأزمات بمنظور أشمل يتضمن حلولاً إنمائية.
ودعا تقرير حديث أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى ضرورة تغيير التفكير وطريقة التعامل مع أزمات اللاجئين مع أهمية دمجهم في المجتمعات المضيفة في سبيل تحقيق الهدف الإنمائي المرجو لمجتمع اللاجئين، فضلاً عن تخفيف العبء عن المجتمعات المضيفة.
وأوضح التقرير الذي أصدره منتدى الاقتصاد العالمي أن هذه الفكرة التي تدعو لدمج اللاجئين من شأنها أن تضع ضغوطاً على البلدان المضيفة، لذلك يرى التقرير أنه يجب تدخل الجهات الفاعلة الأخرى، بما في ذلك الشركات والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الخيرية وغيرها.
بين الرعب والأمل
دائماً ما تتداخل وتتعقد المشاعر في صدور اللاجئين المثقلة بهموم التشتت والذهاب إلى المجهول التي حلت عليهم جراء الأحداث التي يعيشونها، وبينما يسيطر الشعور بالرعب وعدم الاستقرار على أرجاء مخيمات الإيواء التي تضج بالمآسي الإنسانية، يتسرب بصيص من الأمل حيال النجاة بأنفسهم من مخاطر الاضطرابات والفتن المختلفة التي وقعت في بلادهم.
وذكرت آنا بيردي المدير العام للعمليات في البنك الدولي، والتي شاركت في التحليل الحديث الذي صدر من المنتدى الاقتصادي العالمي عن زيارة مشتركة أجريت مؤخراً إلى مدينة أدري، وهي بلدة تقع في شرق تشاد على الحدود مع السودان، أنها شاهدت المأساة ملتحمة بالأمل، وقالت إنها خلال زيارتها بالمشاركة مع فيليبو غراندي ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، «التقينا لاجئين كانوا يأملون في الدراسة والحصول على عمل أو أي فرصة لكسب العيش، والمساهمة في المجتمع»، وأوضحت «كانوا من العاملين في مجال الصحة والفنيين والمزارعين والرعاة والمحامين والمدرسين والطلاب».
وأضافت بيردي، «ولكننا رأينا أيضاً بلداً مضيفاً يتأثر بـ تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي، حيث يعيش 42 في المئة من السكان بين خط الفقر»، في إشارة إلى وضع الدولة المضيفة الضاغط الذي تتعرض له تشاد.
وتُلخص هذه الكلمات هدف التقرير الذي يشير إلى الحاجة الملحة في الوقت الحالي للعمل على نهج جديد في كيفية التعامل مع اللاجئين ودعمهم؛ إذ ينص رأي مؤلفي المقال، من البنك الدولي والمنظمة الأممية، على مدى أهمية تغيير طريقة التفكير تجاه اللاجئين خاصة مع من يعانون بسبب اللجوء طويل الأمد، بحيث يخفف العبء عن المجتمعات المضيفة واقتصاداتها مع توفير سبل إنمائية للمجتمعات اللاجئة من أجل تحقيق حلول دائمة وليست فقط مسكنة.
الدمج هو الحل
ويشير التقرير إلى أن فكرة الدمج والشمول للاجئين في المجتمعات المضيفة أمر بالغ الأهمية، إذ يعمل هذا النهج على توفير الاستقرار لهذا المجتمع مع تقليل تكاليف الدعم والمساعدة المطلوبة من قبل الشخص اللاجئ.
فعلى سبيل المثال، تُظهر أبحاث البنك الدولي أن مساعدة اللاجئين في تشاد تكلف 533 مليون دولار سنوياً، ولكن إذا مُنحوا الحق في العمل فإن التكلفة تبلغ 207 ملايين دولار، وإذا حصلوا على الحق في العمل والتنقل بحرية فإن التكلفة تتقلص أكثر إلى 152 مليون دولار.
ولكن هذا الاتجاه يضع عبئاً على الدولة المضيفة التي في الأغلب تعاني هي الأخرى من ضغوطات اقتصادية، إذ يعيش 90 في المئة من النازحين في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وأيضاً تواجه تحديات تنموية خاصة بها.
على صعيدٍ آخر، حققت عدة دول مبدأ الدمج والشمول بالفعل مثلما فعلت أوروبا في احتواء اللاجئين من أوكرانيا، وأيضاً أميركا اللاتينية في الاستجابة لأزمة فنزويلا، أو تركيا على سبيل المثال في التعامل مع اللاجئين السوريين.
وهناك مصر التي تستضيف نحو تسعة ملايين عربي من حول منطقة الشرق الأوسط، غادروا بلدانهم متجهين لمصر بسبب الاضطرابات الشديدة في أوطانهم، وذلك وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري.
ووفقاً للإحصائيات المصرية فإن اللاجئين في مصر حالياً من بينهم 4 ملايين مواطن سوداني يليهم 1.5 مليون مواطن سوري حسب آخر رصد قبل الأزمة السودانية الأخيرة، ولكن في ضوء الوضع الحالي للأزمة السودانية من المرجح أن العدد قد يزيد بنحو مليوني لاجئ إضافي.
بينما تشير الإحصاءات المصرية لهذا الرقم، فإن العدد المسجل لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يشير لوجود نحو 410 آلاف شخص من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين من 59 جنسية، وحتى أكتوبر تشرين الأول 2023، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عدداً تليها الجنسية السورية، تليها أعداد أقل من جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق.
ويُلقي هذا التفاوت الكبير في الأرقام بين الجانبين الضوء على أهمية إعادة نظر المؤسسات الدولية في كيفية حساب أعداد اللاجئين لضمان وصول المساعدات المناسبة لهم من قبل المؤسسات الدولية والجهات المعنية.
وبينما يحث تقرير منتدى الاقتصاد العالمي على أهمية دمج اللاجئين في نسيج الدولة المضيفة، فإنه يعترف بصعوبة وقع الأمر على الاقتصاد المحلي لتلك الدول التي تحتضنهم، لذلك يقر بالتزام المنظمات الأممية في تقديم الدعم اللازم، كما يوصي هذا التقرير بضرورة مشاركة الآخرين، مثل الشركات والمؤسسات والمدن والمنظمات غير الحكومية والدعاة العالميين، في تقديم الدعم الإضافي المرجو في سبيل تحقيق حلول شاملة وأكثر استدامة.
غزة تلقي الضوء على أوضاع النازحين
ورغم عدم تناول التقرير للأحداث في قطاع غزة فإن الأوضاع المتفاقمة في القطاع بسبب الحرب المتواصلة هناك تسببت في أن يصل عدد النازحين منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول لنحو 1.9 مليون نازح داخل القطاع وفقاً لتقرير وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، إذ يمثل هذا العدد أكثر من 85 في المئة من سكان غزة، والذين نزحوا في جميع أنحاء القطاع، بعضهم لعدة مرات، وتضطر العائلات إلى التنقل مراراً وتكراراً بحثاً عن الأمان.
وتعمل الهيئات الأممية والمنظمات غير الحكومية، بالإضافة للدول على إمداد النازحين بالمساعدات الغذائية والطبية في سبيل تثبيت هؤلاء النازحين أمام الظروف الطاحنة وتدعو عدة جهات لتسيير عملية دخول المساعدات وعدم عرقلتها بالإضافة للمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار وعدم الضغط على سكان غزة لتهجيرهم قسرياً.
ويتطرق التقرير في توصياته لحل أزمة اللاجئين على نحو دائم في خطة طويلة الأمد، إذ يدعو للاستثمار في سبل الوقاية من الوصول إلى النتيجة الكارثية من فرار المواطنين من أراضيهم خوفاً من الأوضاع غير المستقرة، ويؤكد التقرير أنه بالنسبة للبلدان المضيفة والمجتمع الدولي، فإن الأولوية القصوى هي تقليل حاجة الناس إلى الفرار والمساعدة في تهيئة الظروف لعودتهم الناجحة.
ويمكن للمنظمات الدولية أن تلعب دوراً في تعزيز عمليات السلام والاستقرار الهشة، ولكن حل الصراعات، وتعزيز السلام، وتجديد العقد الاجتماعي هي أمور معقدة، وتتطلب نهجاً متعدداً من شتى الجهات وأصحاب المصلحة.
ورغم توصيات التقرير فإن تطبيقها يواجه العديد من التحديات تتطلب توحيد جهود المجتمع الدولي للوصول إلى آليات واقعية يمكن تطبيقها على الأرض.