رغم مخاطر خسارة الانتخابات.. ما سر شغف بايدن بدعم إسرائيل؟
منذ أن اعترفت الولايات المتحدة بدولة إسرائيل في عام 1948، حافظت الدولتان على علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية وثيقة. على مر السنين، أعرب القادة الأمريكيون بشكل عام عن دعمهم لإسرائيل، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية. ومع ذلك، فإن درجة وطبيعة هذا الدعم يمكن أن تختلف من رئيس إلى آخر.
ولكن في حالة الرئيس جو بايدن، فقد ظل دعمه الثابت لدولة إسرائيل ثابتاً على الرغم من المخاطر السياسية التي ينطوي عليها الأمر مع قرب الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن الخلافات مع البعض في حزبه.
فيما ترى نيويورك تايمز، أن دعم بايدن القوي لإسرائيل في وقت الأزمات ليس بالظاهرة الحديثة، فالتضامن الوثيق الذي أظهره في الأسابيع الثلاثة التي تلت هجوم طوفان الأقصى الذي شنته حماس ترجع جذوره إلى أكثر من نصف قرن من الانجذاب إلى الدولة اليهودية، ويعتبر شخصياً للغاية.
جذور الشغف
كتب بيتر بيكر في المقال الذي نشرته الصحيفة الأمريكية أنه بالنسبة إلى كاثوليكي متدين من دولة (أيرلندا) بها عدد قليل نسبياً من اليهود، قد يبدو بايدن وكأنه بطل غير متوقع لإسرائيل. وقال بيكر إن وجهات نظره تشكلت من خلال محادثات مائدة العشاء مع والده الذي شجب المحرقة (الهولوكوست) التي تعرض لها اليهود في أوروبا إبان حقبة هتلر.
وسبق لبايدن نفسه أن صرح في كثير من الأحيان قائلاً: "ليس من الضروري أن تكون يهودياً لتكون صهيونياً"، وفقاً لما نقلته أسوشيتد برس.
وعلى الرغم من حث بعض أركان حزبه الديمقراطي على اتباع نهج أكثر انتقاداً تجاه البلاد واحتلالها المستمر منذ عقود للأراضي الفلسطينية، والذي يعتبره المجتمع الدولي غير قانوني، إلا أن دعم بايدن لإسرائيل ظل قوياً على مر السنين.
وهو الأمر الذي دفع آرون ديفيد ميلر، الذي قدم المشورة للإدارات الديمقراطية والجمهورية في الشرق الأوسط للقول: "إنه (بايدن) سياسي من جيل ربما لم يعد موجوداً بعد الآن".
يذكر أنه خلال وجوده لمدة 36 عاماً في مجلس الشيوخ، كان بايدن أكبر متلقّ للتبرعات من الجماعات المؤيدة لإسرائيل على الإطلاق في المجلس، إذ حصل على 4.2 مليون دولار، وفقاً لقاعدة بيانات Open Secrets. وبصفته نائباً للرئيس، توسط في العلاقة المتوترة بين باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو، وفقاً لما نقلته الغارديان.
"الكاثوليكي اليهودي الوحيد"
على مدار حياته المهنية، سافر بايدن إلى إسرائيل سبع مرات كعضو في مجلس الشيوخ، وثلاث مرات كنائب للرئيس ومرتين كرئيس. والتقى كل رؤساء وزراء إسرائيل منذ غولدا مائير. وكان شغفه بالدولة اليهودية واضحاً حتى أن أحد زملائه في مجلس الشيوخ وصفه قبل سنوات بأنه "اليهودي الكاثوليكي الوحيد".
ووفقاً لنيويورك تايمز، فقد وصفه مسؤول إسرائيلي مخضرم مؤخراً بأنه "أول رئيس يهودي" للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن بايدن يتبنى القومية اليهودية.
ونقلت الصحيفة عن شالوم ليبنر، الذي كان مستشار 7 رؤساء وزراء إسرائيليين متعاقبين، قوله إن بايدن يُعد الآن أكثر شعبية في إسرائيل من قادة إسرائيل أنفسهم.
فيما اعتبر المبعوث الأمريكي الأسبق لسلام الشرق الأوسط دينيس روس، والذي عمل أو درس الرؤساء الأمريكيين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، منذ ثمانينيات القرن المنصرم، علاقات بايدن بإسرائيل الأقوى من بين كل أولئك الرؤساء.
ما تأثير دعمه المطلق لإسرائيل على حظوظه الانتخابية؟
من الناحية النظرية، يمكن للأزمة أن تحول ضعف بايدن السياسي، عُمره، إلى رصيد يشير إلى خبرته التي لا مثيل لها في السياسة الخارجية، لكن استطلاعات الرأي في الولايات الرئيسية تشير إلى أن الأمريكيين، الذين سئموا الصراعات الخارجية، يشعرون بالانزعاج من الدعم الذي تحظى به إسرائيل وأوكرانيا، ومن مدى مشاركة الولايات المتحدة أو ما ينبغي لها القيام به.
وفي استطلاع للرأي نشرته مؤسسة كوينيبياك يوم الثلاثاء، قال ما يقرب من ثلثي الناخبين إن دعم أوكرانيا كان في المصلحة الوطنية، وأكثر من ثلاثة أرباعهم شعروا بهذه الطريقة بشأن دعم إسرائيل. لكن الكثيرين في الولايات المتأرجحة الرئيسية، يعربون عن خوفهم من الصراعات الآخذة في الاتساع في الشرق الأوسط وأوروبا، ويرون أنه من الواجب التركيز على المشاكل الداخلية مثل التضخم.
كما أن رفض بايدن للانضمام إلى الدعوات لوقف إطلاق النار يخاطر أيضاً بتنفير عناصر من ائتلاف حزبه الديمقراطي، مما يكشف عن انقسام بين الأجيال: جيل بايدن الذي نشأ وهو يعرف إسرائيل كدولة ضعيفة وملاذ آمن لليهود، والتقدميين الشباب الذين يربطونها في المقام الأول بإسرائيل التي تقمع الفلسطينيين. وقد وجد استطلاع للرأي أجرته مؤخراً شبكة NPR/PBS أن 48% فقط من جيل Z وجيل الألفية يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تعبر علناً عن دعمها لإسرائيل، وفقاً لما نقلته الغارديان.
بالإضافة إلى ذلك، يواجه بايدن رد فعل عنيفاً من الأمريكيين العرب والمسلمين الأمريكيين. وفي هذا السياق قال هارون موغول، وهو أكاديمي أمريكي مسلم مقيم في سينسيناتي بولاية أوهايو: "لقد صوتّ لصالح بايدن في عام 2020. اعتقدت أنه سيكون الشخص البالغ في الغرفة والآن كل ما أراه يفعله هو أخذ الموارد وحسن النية الأمريكية، والتحالف مع الحكومة الإسرائيلية الأكثر راديكالية في التاريخ”.
فيما قالت المستشارة الاستراتيجية راي أبيلا إن كلمات بايدن لا تتطابق مع أفعاله التي تصب الزيت على النار. وأضافت: "رسالتي إلى الرئيس بايدن، كيهودية عائلتها في إسرائيل، هي أن أقول إن حزني ليس سلاحك. لا تستخدموا إيماني أو حزني لتبرير 14 مليار دولار من المساعدات العسكرية التي ستقتل أرواح الأبرياء".
يذكر أن معدل الموافقة على وظيفة بايدن بين الديمقراطيين قد انخفض الشهر الماضي إلى 75%، وفقاً لمؤسسة غالوب لاستطلاعات الرأي، وهو أسوأ تقييم للحزب للرئيس منذ توليه منصبه. واستشهدت غالوب بإظهار بايدن الفوري والحاسم دعمه إسرائيل باعتباره سبباً في نفور بعض أعضاء حزبه.
المصدر: TRT عربي