مأساة النازحين.. الموت يلاحقهم
"إسرائيل تقتل كل منا بطريقة مختلفة", هذه كلمات أحد النازحين في مركز إيواء بمدرسة تابعة لوكالة الغوث في مدينة رفح، خلال حديثه لمراسلنا الذي أجرى جولة في عدد من المراكز جنوبي قطاع غزة.
المواطنون كافة أصبحوا على يقين بأنهم قد يستشهدون في أي لحظة، سواء بالقصف أو حرقا بقنابل الفوسفور وغيرها من الأسلحة المحرمة دوليا، ومن ينجو من آلة الحرب القاتلة، سيلاحقه نقص الغذاء والدواء والماء، أو الأمراض والأوبئة التي بدأت تضرب مراكز الايواء نتيجة التكدس وضعف النظافة.
ومع دخولنا اليوم الخامس والعشرين للعدوان، لم يعد يخفى على أحد في العالم أن ما تقوم به إسرائيل "حرب إبادة وانتقام من أهالي غزة". وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فإن الاحتلال قصف غزة بـ 18 ألف طن من المتفجرات، وهي توازي حجم القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما مرة ونصف المرة.
"نزوح ودمار"
يقول المواطن الذي نزح من بيته في حي الكرامة شمال غرب غزة إلى أن استقر به الحال منذ عدة أيام في أحد مدارس الأونروا برفح أقصى الجنوب: "الاحتلال دمر بيتي في بداية العدوان، والحمدلله نجونا، فقد خرجنا منه قبل دقائق من تعرض الحي بالكامل للإبادة والتدمير والحرق، واتجهنا إلى منزل أحد أقاربنا في جباليا شمال قطاع غزة".
القصف لاحق المواطن وعائلته في الشمال، فاضطر للنزوح مجددا إلى منطقة الصفطاوي شمال مدينة غزة، ثم تكرر ذات الأمر لكن بصورة أعنف، فما كان منه حفاظا على حياته وأفراد أسرته، إلا أن يتجه إلى "المجهول" في الجنوب، رغم أنه لا يمتلك أي مأوى هناك.
بعد معاناة، حصل المواطن على جزء من غرفة داخل أحد فصول المدرسة (مركز الايواء)، يعيش وينام فيها منذ اسبوعين مع أفراد أسرته المكونة من زوجته وأربع إناث وثلاثة شبان، لكن المشقة لم تتوقف عند هذا الحد، بل تفاقمت بشدة نتيجة ضعف النظافة وندرة المياه والمساعدات والأغطية والألبسة.
بحسب مراسلنا، يتواجد في هذه المدرسة التي خصصتها الأونروا لإيواء النازحين أكثر من 1000 نازح من رجال ونساء بينهم عشرات الأطفال والمسنين، ويتناوبون على دخول الحمامات وبالكاد تتوفر المياه لعدة ساعات في اليوم، فيما لا تتوفر الكهرباء مطلقا.
انتشار الأوبئة
وفي الايام الاخيرة، باتت روائح كريهة تنبعث من الحمامات وتخيم على الأجواء في المدرسة، الأمر الذي ينذر بكارثة صحية محتملة قريبا نتيجة التكدس وضعف النظافة والامكانيات. وفق مراسلنا.
أثناء جولتي وحديثي مع النازحين، نظر لي أحدهم وهو مُسن، وقال: "الموت ورانا في كل مكان (..) قصف ودمار ونزوح والآن قد نموت من التلوث والروائح الكريهة".
نازح آخر، صرخ غاضبا: "وين الأونروا؟ وين المساعدات إلي حكوا عنها في الجنوب؟ فش أكل.. فش مية.. فش نظافة.. وين نروح احنا، شو نعمل!"، ثم تمتم بصوت منخفض ضاربا كلتا يديه ببعضهما: "حسبنا الله ونعم الوكيل، ربنا يفرجها علينا ويوقف معنا أولاد الحلال".
ومنذ بدء العدوان، لم يدخل قطاع غزة سوى عدد محدود من شاحنات المساعدات التي لا تكفي ليوم واحد. ووفق المكتب الإعلامي الحكومي بغزة فإنها لا تلبي احتياجات الإغاثة الإنسانية العاجلة في ظل الارتهان لاشتراطات الاحتلال.
أحاديث للنازحين ليست منفصلة عن البيانات الرسمية، فقد حذرت وزارة الصحة في غزة، من انتشار متسارع للأوبئة بين النازحين بسبب شح المياه وقلة النظافة الشخصية.
وفي سياق متصل، صرح مدير منظمة الصحة العالمية بأن "المستشفيات في غزة مكتظة بالمرضى وهناك حاجة إلى مزيد من الإمدادات الصحية".
خطر آخر
ليس ذلك فحسب، فالمعاناة في كل شبر بالقطاع، إذ باتت السيارات مصدرا لها لا سيما بعد لجوء السائقين لاستخدام زيت القلي "السيرج" بدلا من السولار لتشغيل مركباتهم والتنقل من مكان إلى آخر ؛ نتيجة استمرار الاحتلال في منع دخول المحروقات إلى قطاع غزة منذ بدء العدوان المتواصل.
ووفق وزارة الداخلية والأمن الوطني، يواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه الهمجي على قطاع غزة لليوم الـ 25 على التوالي، في ظل حصار مطبق يمنع فيه الوقود والكهرباء والماء والغذاء عن سكان القطاع.
وقالت الداخلية إنه "لم تدخل غزة قطرة واحدة من الوقود منذ بدء العدوان، ونحن أمام كارثة كبيرة، ويجب إدخال الوقود فوراً ووقف هذا الإجرام الإسرائيلي".
يشار إلى أن عدد الشهداء في غزة قد ارتفع إلى 8525 بينهم 3542 طفلا و2187 امرأة، بحسب آخر إحصائية لوزارة الصحة الفلسطينية. بالإضافة إلى وجود المئات من المفقودين تحت أنقاض المنازل التي دمرها الاحتلال.