عملية طوفان الأقصى تقوض الأساس الوجودي لدولة إسرائيل في اقل من ست ساعات دون إستعداد إسرائيل لسيناريو اليوم التالي
بقلم اللواء المتقاعد: أحمد عيسى
المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي
لم تصل عملية طوفان الأقصي كما سماها قائد كتائب القسام (محمد ضيف) الى نهايتها بعد، لكنها حققت غايتها الإستراتيجية في اقل من ست ساعات على اندلاعها فجر يوم السبت الموافق 7/10/2023، وفيما أن جزء مهم من الخطة لم يكتمل وفقاً لمصادر إعلامية إسرائيلية، إلا أنها لم تسقط المنظومة الأمنية العسكرية والركائز التي تقوم عليها مظومة الأمن القومي الإسرائيلي (الردع والإنذار المبكر، والحسم السريع) بالكامل فحسب، بل اصابت الأساس الوجودي للدولة بجروح عميقة، هي جروح يبدو أنها أقرب للتعفن من التعافي.
تجدر الإشارة هنا أن إسرائيل قد تكون تعافت جزئياً من صدمة وهزيمة حرب اكتوبر العام 1973، التي أسقطت منظومات الدفاع الإسرائيلية في ست ساعات على الجبهتين المصرية والسورية، إلا أنها يقيناً لم تتعافى من هزيمة حرب لبنان العام 2006، الأمر الذي يجعل من القول أن الجراح التي أحدثها اكتوبر الفلسطيني لا ينطوي على أي مبالغة.
حيث كشفت العملية لكل مواطني الدولة وليس للمستوطنين في غلاف غزة فقط، أن دولتهم التي أعدت أن تكون دولة حرب والمعبأة بأكثر الأسلحة فتكاً، بأنها دولة عاجزة عن حمايتهم وتوفير الأمن لهم ليس فقط في الشوارع والأماكن والمواصلات العامة، أو في القواعد العسكرية المحصنة والمنيعة، أو في حدائق البيوت، بل في غرف النوم والملاجئ البيتية المحصنة.
وقد دفع تحقيق العملية لغايتها على الرغم من عدم اكتمالها، رئيس الوزراء نتنياهو للإعلان بعد ثمانية ساعات على بدء العملية، الأمر الذي لا يخلو بحد ذاته من دلالة، ان إسرائيل في حالة حرب، ثم الإضافة في اليوم الثالث على بدئه الحرب أنه سيحول كل مكان تعمل فيه حماس الى خراب، ودفعت كذلك وزير الحرب (غالانت) للقول بعد 48 ساعة أن إسرائيل في حرب دفاع عن الوجود، ثم الإضافة في اليوم التالي أنه سيمنع الماء والكهرباء والدواء والغذاء عن غزة وأهلها
وفعلاً ترافقت هذه الأقوال والتصريحات بشن الطيران الحربي والزوارق والمدفعية الإسرائيلية حرب إبادة شاملة غير مسبوقة منذ خمسينات القرن الماضي على قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 15 عام قتلت بعد ثمانية أيام على انلاعها أكثر من 1500 شخص (حتى تاريخ كتابة هذا المقال) من معظمهم من النساء والأطفال ودمرت آلاف البيوت والمنشآت.
وفي الوقت ذاته دفعت الولايات المتحدة الأمريكية الى إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد لشرق المتوسط لحماية إسرائيل، ودفعت كذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء الموافق 10/10/2023 للقول خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض أنه طلب من رئيس الوزراء نتنياهو أن ترد إسرائيل بحسم في الدفاع عن وجودها، وأعاد مستشاره للأمن القومي سوليفان إنتاج القول نفسه، وكذلك فعل الرئيس الفرنسي وغيره من قادة الدول الأوروبية الغربية شركاء الحركة الصهيونية في صناعة اسرائيل، ودفعت كذلك وزير الخارجية بلينكن للقدوم لإسرائيل والإعلان أنه هنا ليس كوزير خارجية لدولة عظمى بل كيهودي، لبتبعه في اليوم التالي وزير الدفاع الأمريكي.
وجاء إنضمام حزب المعسكر الرسمي بزعامة بيني جانتس لحكومة الطوارئ (حكومة الحرب) وتشكيل كابينت جديد التعبير الأكثر وضوحاً عن الحالة التي وصلت اليها إسرائيل نتيجة لطوفان الأقصى، لا سيما وأن نتنياهو قال في المؤتمر الصحفي الذي ضمه ووزير دفاعه جالنت والوزير الجديد جانتس مساء يوم الأربعاء الموافق 11/10/2023، أن مصير إسرائيل ومستقبلها على المحك، وأضاف جانتس ان الحكومة الجديدة هي شراكة في المصير، وأكد ثلاثتهم أن مهمة هذه الحكومة هي استئصال حماس وتأمين المصير والمستقبل.
ما تقدم يبين أن عملية طوفان الأقصى قد قوضت فعلاً الأساس الوجودي لإسرائيل، مما دفع الرئيس الأمريكي بايدن للمسارعة في التصدي لمهمة تثبيت وجود الدولة قبل حكومتها، والأهم أنه دفع حكومة إسرائيل للخروج الى حرب وجود غير متوقعة وغير مستعدة لها، مما يعني أن شهوة الإنتقام والقتل والتدمير ولإبادة الجماعية للفلسطينيين ستكون هي السمة المهيمنة على كل السلوك الإسرائيلي، الأمر الذي يعني أن غزة في انتظار مزيد من التدمير والذبح.
تجدر الإشارة هنا أن أرئيل شارون رئيس الوزراء الأسبق والذي أشرف على مذابح صبرا وشاتيلا العام 1983، كان قد دمر ومسح قطاع غزة في سبعينات القرن الماضي للقضاء على الفدائين في تلك الفترة، وربما يكون كل من غالانت وجانتس كانوا جنود صغار في تلك المرحلة، الأمر الذي يثير التساؤل ماذا استقبل غالات وجانتس ومعهم الكثير من جنرالات الجيش بعد 50 سنة على مشاركتهم في تدمير غزة، هل إستأصلوا الفدائيين، وهل إستأصلوا روح وإرادة مقاومة الإحتلال، وهل نجحوا في ايقاف الفلسطينيين عن مواصلة النضال من أجل الحرية والإستقلال؟؟؟ أم أن العكس هو الصحيح وأن قدرة الفلسطينيين على الإنبعاث من جديد وتطوير قدراتهم في المقاومة تفوق كل قدرات منظومات الأمن والإستخبارات على رصدها وقرائة مسارات تطورها؟
وتأسيساً على ذلك فالأسئلة الذي يجب أن يدور حولها السجال والجدل في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأمريكية حيث تعيش الجالية اليهودية الأكبر خارج إسرائيل، والتي ربما يكون لا زال بينهم رجل رشيد، ماذا بعد؟ أو ما هو سيناريو اليوم التالي؟ حتى إذا ما حققت إسرائيل السيناريو الأفضل واستأصلت المقاومة في غزة كما أعلن نتنياهو وحكومته، السيناريو الذي أجزم ويدركه أصغر الإسرائليين سناً باستحالة تحققه، الأمر الذي يجعل من سؤال ما هي جدوى بقاء اسرائيل كدولة إحتلال وأبارتايد وتفرقة عنصرية؟ هو سؤال هذه الأسئلة.
بقلم اللواء المتقاعد: أحمد عيسى
المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي
لم تصل عملية طوفان الأقصي كما سماها قائد كتائب القسام (محمد ضيف) الى نهايتها بعد، لكنها حققت غايتها الإستراتيجية في اقل من ست ساعات على اندلاعها فجر يوم السبت الموافق 7/10/2023، وفيما أن جزء مهم من الخطة لم يكتمل وفقاً لمصادر إعلامية إسرائيلية، إلا أنها لم تسقط المنظومة الأمنية العسكرية والركائز التي تقوم عليها مظومة الأمن القومي الإسرائيلي (الردع والإنذار المبكر، والحسم السريع) بالكامل فحسب، بل اصابت الأساس الوجودي للدولة بجروح عميقة، هي جروح يبدو أنها أقرب للتعفن من التعافي.
تجدر الإشارة هنا أن إسرائيل قد تكون تعافت جزئياً من صدمة وهزيمة حرب اكتوبر العام 1973، التي أسقطت منظومات الدفاع الإسرائيلية في ست ساعات على الجبهتين المصرية والسورية، إلا أنها يقيناً لم تتعافى من هزيمة حرب لبنان العام 2006، الأمر الذي يجعل من القول أن الجراح التي أحدثها اكتوبر الفلسطيني لا ينطوي على أي مبالغة.
حيث كشفت العملية لكل مواطني الدولة وليس للمستوطنين في غلاف غزة فقط، أن دولتهم التي أعدت أن تكون دولة حرب والمعبأة بأكثر الأسلحة فتكاً، بأنها دولة عاجزة عن حمايتهم وتوفير الأمن لهم ليس فقط في الشوارع والأماكن والمواصلات العامة، أو في القواعد العسكرية المحصنة والمنيعة، أو في حدائق البيوت، بل في غرف النوم والملاجئ البيتية المحصنة.
وقد دفع تحقيق العملية لغايتها على الرغم من عدم اكتمالها، رئيس الوزراء نتنياهو للإعلان بعد ثمانية ساعات على بدء العملية، الأمر الذي لا يخلو بحد ذاته من دلالة، ان إسرائيل في حالة حرب، ثم الإضافة في اليوم الثالث على بدئه الحرب أنه سيحول كل مكان تعمل فيه حماس الى خراب، ودفعت كذلك وزير الحرب (غالانت) للقول بعد 48 ساعة أن إسرائيل في حرب دفاع عن الوجود، ثم الإضافة في اليوم التالي أنه سيمنع الماء والكهرباء والدواء والغذاء عن غزة وأهلها
وفعلاً ترافقت هذه الأقوال والتصريحات بشن الطيران الحربي والزوارق والمدفعية الإسرائيلية حرب إبادة شاملة غير مسبوقة منذ خمسينات القرن الماضي على قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 15 عام قتلت بعد ثمانية أيام على انلاعها أكثر من 1500 شخص (حتى تاريخ كتابة هذا المقال) من معظمهم من النساء والأطفال ودمرت آلاف البيوت والمنشآت.
وفي الوقت ذاته دفعت الولايات المتحدة الأمريكية الى إرسال حاملة الطائرات جيرالد فورد لشرق المتوسط لحماية إسرائيل، ودفعت كذلك الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الثلاثاء الموافق 10/10/2023 للقول خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض أنه طلب من رئيس الوزراء نتنياهو أن ترد إسرائيل بحسم في الدفاع عن وجودها، وأعاد مستشاره للأمن القومي سوليفان إنتاج القول نفسه، وكذلك فعل الرئيس الفرنسي وغيره من قادة الدول الأوروبية الغربية شركاء الحركة الصهيونية في صناعة اسرائيل، ودفعت كذلك وزير الخارجية بلينكن للقدوم لإسرائيل والإعلان أنه هنا ليس كوزير خارجية لدولة عظمى بل كيهودي، لبتبعه في اليوم التالي وزير الدفاع الأمريكي.
وجاء إنضمام حزب المعسكر الرسمي بزعامة بيني جانتس لحكومة الطوارئ (حكومة الحرب) وتشكيل كابينت جديد التعبير الأكثر وضوحاً عن الحالة التي وصلت اليها إسرائيل نتيجة لطوفان الأقصى، لا سيما وأن نتنياهو قال في المؤتمر الصحفي الذي ضمه ووزير دفاعه جالنت والوزير الجديد جانتس مساء يوم الأربعاء الموافق 11/10/2023، أن مصير إسرائيل ومستقبلها على المحك، وأضاف جانتس ان الحكومة الجديدة هي شراكة في المصير، وأكد ثلاثتهم أن مهمة هذه الحكومة هي استئصال حماس وتأمين المصير والمستقبل.
ما تقدم يبين أن عملية طوفان الأقصى قد قوضت فعلاً الأساس الوجودي لإسرائيل، مما دفع الرئيس الأمريكي بايدن للمسارعة في التصدي لمهمة تثبيت وجود الدولة قبل حكومتها، والأهم أنه دفع حكومة إسرائيل للخروج الى حرب وجود غير متوقعة وغير مستعدة لها، مما يعني أن شهوة الإنتقام والقتل والتدمير ولإبادة الجماعية للفلسطينيين ستكون هي السمة المهيمنة على كل السلوك الإسرائيلي، الأمر الذي يعني أن غزة في انتظار مزيد من التدمير والذبح.
تجدر الإشارة هنا أن أرئيل شارون رئيس الوزراء الأسبق والذي أشرف على مذابح صبرا وشاتيلا العام 1983، كان قد دمر ومسح قطاع غزة في سبعينات القرن الماضي للقضاء على الفدائين في تلك الفترة، وربما يكون كل من غالانت وجانتس كانوا جنود صغار في تلك المرحلة، الأمر الذي يثير التساؤل ماذا استقبل غالات وجانتس ومعهم الكثير من جنرالات الجيش بعد 50 سنة على مشاركتهم في تدمير غزة، هل إستأصلوا الفدائيين، وهل إستأصلوا روح وإرادة مقاومة الإحتلال، وهل نجحوا في ايقاف الفلسطينيين عن مواصلة النضال من أجل الحرية والإستقلال؟؟؟ أم أن العكس هو الصحيح وأن قدرة الفلسطينيين على الإنبعاث من جديد وتطوير قدراتهم في المقاومة تفوق كل قدرات منظومات الأمن والإستخبارات على رصدها وقرائة مسارات تطورها؟
وتأسيساً على ذلك فالأسئلة الذي يجب أن يدور حولها السجال والجدل في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأمريكية حيث تعيش الجالية اليهودية الأكبر خارج إسرائيل، والتي ربما يكون لا زال بينهم رجل رشيد، ماذا بعد؟ أو ما هو سيناريو اليوم التالي؟ حتى إذا ما حققت إسرائيل السيناريو الأفضل واستأصلت المقاومة في غزة كما أعلن نتنياهو وحكومته، السيناريو الذي أجزم ويدركه أصغر الإسرائليين سناً باستحالة تحققه، الأمر الذي يجعل من سؤال ما هي جدوى بقاء اسرائيل كدولة إحتلال وأبارتايد وتفرقة عنصرية؟ هو سؤال هذه الأسئلة.