إبادتنا.. لتغيير الشرق الأوسط!! سؤال عالماشي - موفق مطر
السؤال الوحيد المشروع في هذه اللحظات المصيرية الأخطر على وطننا وحقنا التاريخي والطبيعي فيه، وعلى وحدة شعبنا ووجوده هو: كيف سنطفئ نيران الهمجية الاستعمارية الصهيونية التلمودية التي تأكل الأخضر واليابس، الحي والميت في مدن وقرى وبلدات ومخيمات غزة أولا، ونمنع امتداد نيران نيرون هذا العصر من التمدد لإحراق القدس وما حولها من مدن وقرى الضفة الفلسطينية، وفي الدائرة الأوسع الصامدون المتجذرون في مدن وقرى فلسطين التاريخية والطبيعية المحتلة منذ سنة 1948.. فما حدث ويحدث حتى الآن لا نراه إلا الجزء الثاني من مسلسل تدمير مشروعية الحق الفلسطيني التاريخي والطبيعي، مسلسل تدمير بدأته الدولة الاستعمارية الصهيونية العنصرية العميقة قبل حوالي عقدين من الآن، إثر 11 سبتمبر سنة 2000، وصل في الجزء الأول إلى تحويل دول عربية عريقة ذات أصول حضارية، إلى ميادين للصراعات وحروب داخلية تغذيها النزعات الدينية والمذهبية والطائفية والعرقية، وتتجاذبها أنياب ومخالب قوى ودول ذات تاريخ استعماري للاستحواذ على نصيب من الفريسة التي تركت بجراح عميقة نازفة، تنازع تعلقا بالحياة، وأملا بالنجاة، وبذلك تم تحويل عمقنا الإستراتيجي العربي إلى "العناية المركزة " بذات الوقت الذي كان فيه الغرب الاستعماري خلال العشرين سنة الماضية - ارتكازا على ماقبلها – تعمل على الانقلاب على الشرعية الدولية والقانون الدولي، وتكريس ذاتها بديلا وبمثابة الآمر الناهي في كل القضايا في العالم، وما نشهده من عمليات "إبادة" وتهجير في غزة منذ أيام وحتى كتابة هذه السطور، نقدر أنها محاولة من إدارة جو بايدن للتفوق على دونالد ترامب، في سباق جعل الولايات المتحدة الأميركية وقاعدتها الاستعمارية المسماة دولة إسرائيل فوق كل الشرائع والقوانين والمواثيق التي نظمتها الإنسانية لتعميم السلام بين الدول والشعوب، ونعتقد في ذات السياق أن بايدن بالمواقف التي أبداها وأغفل خلالها جرائم الإبادة على أسس عنصرية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ويراها العالم على شاشات الفضائيات ببث مباشر لحظة بلحظة!! يسعى لاستعادة مكانة إمبراطورية الشر التي تتزعمها الولايات المتحدة بعد اهتزازات روسية وصينية وهندية وجنوب أفريقية، وأميركية لاتينية (برازيلية) كادت تؤدي إلى انهيار عرشها، وإضعاف سطوتها وسلطتها شبه المطلقة على العالم.
إن حديث ساسة في منظومة الاحتلال والإرهاب والعنصرية (إسرائيل) المتكاملة مع تصريحات قادة أركان الحرب والجريمة ضد الإنسانية في جيشها حول: "تغيير جوهري على الشرق الأوسط" كهدف نهائي لحملة الإبادة على الشعب الفلسطيني، تدفعنا للنظر بتعمق لأدق تفاصيلها، ورؤية أبعادها بطاقة تفكير لا محدودة وفي الاتجاهات جميعها، لعلنا نستطيع تجاوز موقع المحلل السياسي المرتبط لسانه بقناعات معلبة جاهزة سلفا، لنصل إلى خلاصات، نعتقد أنها ستكون إيجابية –رغم الدماء والدمار والآلام- ارتكازا على تجارب وشدائد ومحن ونكبات ومآسٍ وحروب مرت على شعبنا، ولكن دون استبعاد السلبية، بناء على واقع لا يخفى على أحد، أهمه تدني مستوى الرؤية الإستراتيجية لدى من رهن قراره لدى قوى ودول في الإقليم، وعبث في معنى التحالفات، ما أثر عمليا وفعلا على توسيع المنهار أصلا –وفقا للجزء الأول من المسلسل- بيننا وبين عمقنا الإستراتيجي العربي، حتى صار أمر الانقضاض على الحق الفلسطيني وتصفيته ممكنا –حسب تصور ومقاصد واضعي خطة إزالته عن الخريطة السياسية والجغرافية– وما اللحظة الراهنة إلا الوقت المناسب كما ظنوا.. ولكن.
من الذي هيأ لهم أن الشعب الفلسطيني سيستسلم، أو يهاجر، أو يسلم مصيره ومقدساته وأرض وطنه للغزاة؟! فهذا وهم لا يبلغون تحقيقه واقعا ولن يبلغوا، ما دام الشعب الفلسطيني ملتفا مؤمنا بحكمة قيادته، وصلابة تمسكها بالثوابت، فالقيادة المؤمنة باستقلالية القرار الوطني، والعاملة على تحقيق المصالح العليا للشعب الفلسطيني، لقادرة بفضل إيمانها بعظمة الشعب وبقدرته على انتزاع الحق بكفاح ونضال طويل الأجل، على تجسيد أحسن معاني حياة الإنسان الفلسطيني بحرية وكرامة وعزة وعدالة ومساواة على أرض وطنه الحر المستقل، أما الموت الحق في سياق التضحية والفداء فلا يحتاج لتنظيرات ومناظرات، فهذا جوهر عقيدة الوطنيين، لا يبخلون به لحظة استحقاقه، لكنهم يستحيل جعل الموت قاعدة والحياة استثناء.. فالأحياء بتاريخهم وثقافتهم وحاضرهم الحضاري وبعلمهم، والمستشرقين مستقبلهم الأفضل على أرض وطنهم وحدهم الذين يستطيعون كسر حملة الإبادة الهمجية وردها إلى نحور مؤججي نارها وصناع سلاحها... فالشرق الأوسط لن يتغير ما دمنا أحياء، وليس عليهم إذا أرادوا تغييره وحذف فلسطين وشعبها من الجغرافيا إلا إبادتنا، وهذا هو المستحيل بعينه.