"مريم أبو دقة" مسيرة نضالية ممتدة من الوطن إلى المعتقل إلى المنفى
"مريم أبو دقة" هي فدائية فلسطينية حملت فلسطين في قلبها منذ طفولتها، جرت المقاومة في دمائها فسخرت لها حياتها، وجعلت من أطفال وشباب فلسطين عائلة لها، اختارت طريق النضال لتمنح حياتها للشعب الفلسطيني والأرض المغتصبة، عرفت السجون والاعتقال في سن مبكرة.
عضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبية، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيسة مجلس إدارة جمعية الدراسات النسوية مريم أبو دقة، امرأة فلسطينية ترعرعت في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة وسط أسرة مناضلة، والدتها مصرية الجنسية.
تقول أبو دقة في حديث خاص لبرنامج "ضيف الرايـــة" عبر أثير "رايــــة" إنها منذ أن فتحت عينها كانت غزة تحت الإدارة المصرية، مؤكدة أنها كانت تشعر بالانتماء الشديد لفلسطين، حيث أنها شاركت في مراحلها الدراسية مع أساتذتها بالمظاهرات، واتستقبلت برفقة مدرستها أحمد الشقيري، ممثل فلسطين آنذاك.
وتابعت: عندما بدأ التجنيد الإجباري انا قمت بالاحتجاج لأحمد الشقيري على تجنيد الشباب دون الفتيات برسالة قمت بإرسالها كتبت خلالها "لن أعيش مشردة، لن أظل مقيدة، أنا لي غد وغدٍ سأزحف سائرة متمردة، لماذا تجندون الشباب دون البنات؟".
وقام الشقيري بالرد من خلال إرسال طرد كتب وطوابع على مدرستي، فشعرت أنني عملاقة حينها، حيث قال لي: "حبذا يا صغيرتي، لو في مثلك عشرة لكنا بخير، لكن في القريب العاجل سنقوم بفتح معسكرات لتدريب الفتيات، ورغم صغر سنك ستكونين أنتِ أول الفتيات".
حرب 1967
وقالت أبو دقة: "بينما كنت أقدّم اختبار الرياضيات، بدأت حرب 67 حيث وقعت قذيفة إسرائيلية بشكل مفاجئ على دوار بني سهيلا في سكة الحديد (القطار) القادم من مصر والمحمل بالذخيرة وأحرقته بشكل كامل، وأغلق الأساتذة المدرسة لمدة ساعة، وهربنا خوفًا، تحت أشجار الزيتون حتى مر جيش التحرير الفلسطيني وأخذنا بسياراته إلى بيت عالٍ قريب من المدرسة لنختبئ بداخل خزاناته، وأطلق الاحتلال قذيفة على مطبخ البيت، ثم ما لبثنا دقائق حتى جاءت صاحبة البيت لتأخذ أغراضها، واصطحبتنا إلى الملجأ الذي تختبئ فيه مع أسرتها".
وأكدت أنها جلست في الملجأ لمدة 6 أيام من دون طعام وشراب، "كنا لا نمتلك سوا راديو ترانزستر نستمع إلى المذيع يقول دباباتنا في تل، وقتلنا وكانت معنوياتنا عالية جداً بهذه الأخبار".
وأوضحت أبو دقة أنها تجرأت وابن صاحبة البيت للخروج من الملجأ إلى المنزل للحصول على طعام، فصدمت بـ 50 ضابطًا وجنديًا إسرائيليًا موجهين سلاحهم صوبهما، وأخرجوا كل الموجودين في الملجأ ووضعوهم في غرفة بالمنزل، وبعد أسبوع من الحصار أطلق الاحتلال الإسرائيلي سراحهم بعد سقوط قطاع غزة بأيديهم.
وأكملت: عادوا إلى منازلهم مشياً على الأقدام ما يقارب 20 كيلومتر في الشوارع المليئة بالجثث، حتى وصلت البيت تفاجأت أن أهلي قاموا بالحداد عليّ ظناً منهم انها استشهدت".
الانخراط بالعمل الفدائي
وأضافت أبو دقة أنه بعد عودة ابن أختها من الأردن قال لها: "طلب مني أن أصبح فدائية، فقلت عن مدى خوفي رغم قوتي، إلا انه قال الخوف يذهب لاحقاً عندما تتعهدي ألا تخوني، فوافقت والتحقت بصفوف الجبهة الشعبية".
تقول أبو دقة إنها كانت مشاكسة وقوية جداً عندما كانت صغيرة، حيث كانوا يلقبونها بـ "حسن صبي"، بعد انضمامي للجبهة الشعبية تحوّلت إلى فتاة هادئة، مما أثار حفيظة أمي، فبدأت تراقب تحركاتي خطوة بخطوة، خاصةً بعد زيارات ابن أختي الغريبة والمتعددة.
وتوضح أنه في إحدى المرات جاء زميلها حاملًا قنابل ملونة داخل ملابسه، وأصرّت أمها أن تعرف سرهما، فأخبرها، بشرط أن يبقى ذلك سرًا بينهم، فأعجبت أمها بشكل تلك القنابل، وطلبت منه أن يُدربها حتى تدربها بدلاً عنه.
أما عن اعتقالها تقول أبو دقة: "أنا أول معتقلة فلسطينية، حين تم اعتقالي في سن 15 عاما قالت أمي لي إذا بتعترفي على حد لا إنتِ بنتي ولا أنا بعرفك، وهتكوني خاينة والشعب راح يقتلك (..) كلماتها هذه اعطتني القوة".
وأكملت أبو دقة في حديثها لـ "رايــــة" أنه تم اعتقالها في السجن الحربي، حيث تعرضت لأشد أنواع التعذيب النفسي والاستجواب حتى تعترف بأشياء لم ترتكبها من قبل.
وأشارت إلى أنه تم منع أهلها من زيارتها لمدة 6 شهور، ومن دون أن يعرفوا مكانها، تستذكر أبو دقة: "أثناء التحقيق سألني الضابط الإسرائيلي شمعون كم من العمليات قمتِ بتنفيذها، فاندهش من اجابتي حين أخبرته بأنني لم أدخل المستشفى في حياتي وأن صحتي ممتازة جداً، بعدها أحضر لي الألغام، فقلت له أمي مصرية ترفض أن نلعب بالقمامة".
وواصلت: "قال الضابط لي بأن الشباب اعترفوا عليكِ، فصدمته بقولي بأنهم زعران يعاكسونني وأنا لا أحب أن يعاكسني أحد، سألني بعدها عن أسمائهم وأخبرته ساخرةً لما بتخانق مع حدا أقلو شو اسمك؟ هدول زعران ممنوع نحكي معهم؛ فصفعني على وجهي".
ونوهت أبو دقة إلى أنه بعد إطلاق سراحها تم ابعادها قسراُ إلى الأردن.