سلطة النقد الفلسطينية تصدر تقريرها السنوي لعام 2220
أصدرت سلطة النقد تقريرها الاقتصادي السنوي للعام 2220، الذي يتضمن أربعة فصول رئيسة تناولت التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية؛ وتطورات المالية العامة؛ والقطاع الخارجي بما يشمل ميزان المدفوعات والتجارة الخارجية؛ بالإضافة إلى تطورات القطاع المالي الفلسطيني.
وأشار الدكتور فراس ملحم، محافظ سلطة النقد، بأن إصدار هذا التقرير يأتي في الوقت الذي شهد فيه الاقتصاد العالمي حالة من الضبابية وعدم اليقين، جراء الأزمات السياسية والاقتصادية المتلاحقة، بدءاً من الحرب الروسية الأوكرانية، والارتفاعات غير المسبوقة في مستويات الأسعار، والتشدد في السياسات النقدية، وتباطؤ مستويات الطلب، وما سببته من تباطؤ في مستويات النمو في العديد من دول العالم.
وقد عانى الاقتصاد المحلي من هذه التداعيات، إضافة إلى تحدياته الخاصة، المتعلقة بأزمة مالية الحكومة، جراء الاقتطاعات الإسرائيلية المتكررة والمتزايدة من إيرادات المقاصة، وشُح المنح والمساعدات الخارجية، والتوترات الأمنية والسياسية، والارتفاعات المتواصلة في مستويات الأسعار المحلية. ومع ذلك فقد بقي الاقتصاد الفلسطيني في مسار التعافي، ولكن بوتيرة متباطئة.
وأضاف السيد المحافظ بأن الاقتصاد الفلسطيني قد نما خلال العام 2022 بنسبة 3.9% (مقارنة مع 7.0% في العام 2021)، ليرتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 15.6 مليار دولار، على إثر نمو اقتصاد الضفة الغربية بحوالي 3.6%، واقتصاد قطاع غزة بحوالي 5.6%. وهو ما أدى إلى تحسن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي بنحو 1.2%، مرتفعاً إلى حوالي ثلاثة آلاف دولار في السنة.
كما نوه السيد المحافظ إلى تأثر مستويات الأسعار في فلسطين، بالتغيرات الحاصلة في أسعار السلع والمواد الأساسية عالمياً، إضافة إلى تأثرها بمستويات الطلب المحلي، بشقيه الاستهلاكي والاستثماري،
إذ ارتفع معدل التضخم إلى 3.7% (في الضفة الغربية 3.7%، مقابل 3.2% في قطاع غزة). ومن ناحية أخرى، أسهم هذا الأداء في تحسن مستويات التوظيف، وبالتالي تراجع معدلات البطالة إلى حوالي 24.5%. ومع ذلك، بقيت هذه المستويات المرتفعة من البطالة تشكل أحد أبرز التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الفلسطيني، وخصوصاً في قطاع غزة، الذي بلغت فيه نسبة البطالة 45.4%، مقارنة مع 13.1% في الضفة الغربية.
وفي ذات السياق، أشار الدكتور ملحم بأن الأداء الاقتصادي قد أسهم في تحسن البنود الرئيسة للمالية العامة، فارتفعت الإيرادات العامة بشكل ملحوظ وبنسبة فاقت 18%، مقابل ارتفاع بنحو 1% في النفقات العامة (أساس الالتزام). ومع ذلك، بقي وضع المالية العامة هشاً غير مستدام، محققاً عجزاً في الرصيد الكلي يعادل نحو 2.7% من الناتج المحلي الإجمالي، إضافة إلى تراكم مزيد من المتأخرات على الحكومة.
أما على صعيد القطاع الخارجي، فقد أدى ارتفاع الأسعار عالمياً، إلى زيادة قيمة الواردات وزيادة العجوزات في ميزان المدفوعات. إذ نمت الواردات بنحو 27.5%، لتصل إلى حوالي 12.9 مليار دولار، فيما نمت الصادرات بنحو 12.8%، لتصل إلى ما يقارب 3.5 مليار دولار. وقد تسبب تزايد الواردات بارتفاع ملحوظ في عجز في الميزان التجاري، وبنسبة بلغت نحو 34.1%، ليصل إلى حوالي 9.3 مليار دولار، أو ما نسبته 48.8% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 38.4% في العام 2021.
ورغم تحسن صافي الدخل المحول من الخارج، وتحقيقه فائضاً بحوالي 4.0 مليار دولار، مدفوعاً بزيادة التحويلات الخاصة، جراء زيادة عدد العمال الفلسطينيين في إسرائيل، إلى جانب تحسن صافي التحويلات الجارية وارتفاعها إلى نحو 2.5 مليار دولار، إلا أن عجز الحساب الجاري قد ارتفع بنسبة 61.1%، ليصل إلى ما يقارب 2.9 مليار دولار، أو ما نسبته 15.0% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 9.8% في العام 2021. ولا شك أن هذا المستوى المرتفع من عجز الحساب الجاري يرتبط بالعديد من المعيقات الهيكلية الناتجة عن القيود المفروضة من قبل إسرائيل على حركة الأفراد والبضائع ورأس المال.
وفي سياق آخر أفاد السيد المحافظ بأن جهود وإجراءات سلطة النقد قد تواصلت خلال العام 2022 في شتى المجالات ذات العلاقة بطبيعة مهامها ومسؤولياتها، مع إيلاء عملية التحول الرقمي واستخدام التقنيات المالية الحديثة، اهتماماً خاصة. وقد أسهمت هذه الجهود والإجراءات في جعل القطاع المصرفي واحداً من أكثر القطاعات استقراراً في الاقتصاد الفلسطيني، ويتمتع بدرجة كبيرة من المرونة مكنته من التعامل مع العديد من المخاطر والأزمات بمهنية عالية، مدعوماً بالرقابة الحصيفة لسلطة
النقد وسياساتها وإجراءاتها المتوازنة، التي مهدت إلى انضباط هذا القطاع وفقاً لأعلى المعايير والممارسات المصرفية العالمية، وساهمت في الحفاظ على سلامته ومتانته، وحماية أموال المودعين.
وأفاد الدكتور ملحم بأن هذه الجهود والإجراءات قد انعكست إيجاباً على المؤشرات المالية للقطاع المصرفي، ليبلغ إجمالي موجوداته ما يقارب 21.4 مليار دولار، كما وصلت ودائع العملاء إلى حوالي 16.5 مليار دولار، مما ساعد على ضخ مزيد من السيولة في الاقتصاد المحلي، رافعاً محفظة التسهيلات الائتمانية إلى حوالي 11.0 مليار دولار، مشكلة نحو 67.1% من إجمالي الودائع. وبالرغم من هذا التوسع في المحفظة الائتمانية، لا تزال أصول القطاع المصرفي تتمتع بمستوى عالي من الجودة، فنسبة التعثر متدنية جداً في حدود 4.1% من إجمالي المحفظة الائتمانية، مع ارتفاع نسبة كفاية رأس المال إلى حوالي 16.2%، متجاوزة بذلك الحدود الدنيا وفق التعليمات الرقابية.
وفي محاولة لاستشراف آفاق الاقتصاد الفلسطيني في العام 2023، ومع استمرار حالة عدم اليقين، فإن تنبؤات سلطة النقد تشير إلى استمرار النمو الاقتصادي، ولكن بوتيرة أبطأ مما كان عليه في العام 2022، مع إمكانية تحقيق نمو في حدود 3%، مقارنة مع 3.9% في العام 2022. ومع ذلك، يبقى هذا التعافي عرضة لبعض المخاطر غير المتوقعة، والتي قد تؤثر في مستويات النمو المتنبأ بها.