ورقة بحثية في الملتقى العلمي الدولي
"ولادة السجن الرقمي: نفاذية المؤثرين الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي وحراس البوابة الرقميون"
ضمن فعاليات "الملتقى العلمي الدولي لعلوم الإعلام والاتصال زمن الذكاء الصناعي: الواقع والآفاق، والذي نظمه معهد الصحافة وعلوم الإخبار في العاصمة تونس ما بين 28-29 ابريل 2023، بالشراكة مع كونراد اديناور ستيفتونج، شاركت ط. د. نداء يونس بورقة بحثية بعنوان: "ولادة السجن الرقمي: نفاذية المؤثرين الفلسطينيين على مواقع التواصل الاجتماعي وحراس البوابة الرقميون"، ضمن المحور البحثي الأول حول الذكاء الصناعي وشبكات التواصل الاجتماعي.
وسعت يونس من خلال دراستها إلى فهم النزاع القائم بين ميتا-فيسبوك والمؤثرين الفلسطينيين، تحديدا السياسيين، في ظل إنكار ميتا و/أو تبرير تقييدها للمحتوى الفلسطيني من خلال البحث في كيفية تصميمها لمواقع التواصل الاجتماعي التابعة لها كفضاء مراقب ومغلق (بانوببتيكون أو سجن رقمي ضخم)، بالطريقة الاستراتيجية التي تشكّلت من خلالها هندسة السجن، وهي هندسة تسمح بالإشراف والضبط والمراقبة، بشكل عقلاني كامل تقوم عليه آلية الضبط، دون أن تُرى، وحيث يتم اعتماد العقاب كعلاج، ضمن الاقتصاد السياسي” للجسد" الذي يتحول إلى أداة انتاج ثم إلى موضوع للعقاب؛ بالإضافة إلى توظيفها للعنصرين البشري والتقني (أي خوارزميات الذكاء الاصطناعي)، حراسا للبوابة الرقمية، وحيث يمثل استخدام الخوارزميات لتقييد وصول المؤثرين الفلسطينيين، السياسيين تحديدا، مشكلة لا على صعيد التحكم بما يمكنهم نشره وقدرتهم على التأثير فقط، بل ولإنكار الفيسبوك المتواصل لوجود هذه الظاهرة التي تتحول بدورها إلى سياسة تلاعب، لا سيما وأنه يتم الترويج لها كجزء من سياسات تحسين المحتوى وتغليفها بطابع من الشفافية التي تتميز بعدم الكشف، ولوجود تفرقة كبيرة في سياسات الحذف بين المحتوى بالعربية والآخر بالعبرية، وفي معدلات الكشف الاستباقية عن المحتوى الانتهاكي المحتمل باللغة العربية عنه بالنسبة إلى المحتوى الانتهاكي المحتمل باللغة العبرية، ووجود مصنّف للكلام العدائي باللغة العربية وعدم وجوده فيما يتعلق بالكلام العدائي باللغة العبرية. وتأتي أهمية هذه الدراسة من أنها تمثل إشكالية بحثية لم يتم التطرق إليها غالبا، وتحديدا دراسة هذا الحجب كسلطة معرفية توظِّف خوارزميات الذكاء الصناعي وتقنيات التلاعب بالعقول gaslighting للتحكم بما يتم نشره، كما لم تتم دراسة عمل الفيسبوك من قبل، حسب علم الباحثة، كسلطة تأديبية أو كمنصة للرقابة والعقاب وكسلطة معرفية epistemic authority
وجدت هذه الدراسة أن ميتا-فيسبوك تعمل كسجن رقمي كبير تقوم من خلاله ليس فقط بالرقابة وبناء أنظمة مزدوجة للعقوبات يتم تشريعها ونشرها، بل وعلى فرض شروط دلالات جزائية قائمة على العقوبات الملطفة بالنظر لتاريخ العقوبة البشع والوحشي الى جانب فردنة العقوبات ضمن اقتصاد سلطة العقاب والتقنيات التي يراد من خلالها إشاعة علامات العقاب المطابقة تماما في كل الجسم الاجتماعي، بدون تجاوز ولا ثغرات، وبدون بذل جهد سلطوي، من خلال شبكة خوارزميات معقدة تسمح بحدود ما يقال وما يمكن تذكره وحدود التنشيط والذاكرة وتؤدي إلى تشيئ الفرد واستغلاله في مراقبة ذاته والآخرين، وهو مستوى ثالث لحراسة البوابة يشتغل من خلال تطبيع الممارسات والسلوك الانضباطي التي تعززها إجراءات ضبطية استباقية للتحكم بالخطاب المسموح به على منصاتها من خلال الحجب وتقييد المحتوى والوصولية، والتنبيهات والعقوبات وتكرارها إلى جانب فكرة الضبط بالألم، لأغراض التحكم، واستخدام تقنيات التلاعب العقلي ومنها الحظر الخفي shadow banning التي يدلل عليها إنكار المستمر لقيامها بحذف المحتوى و/أو استخدام التنبيهات والعقوبات وتكرارها.
كما وجدت الدراسة أنه وفي ظل اشتغال آليات رصد لبيانات وتجميع المراقبة الشامل والعقاب والتلاعب، فإن منصات التواصل الاجتماعي لا تعيد فقط إنتاج الجسد الانضباطي والتفاوض مع المؤثرين على طبيعة المحتوى المسموح به، بل ولنزع فاعليتهم كموقع مستقل للفكر والحكم والعمل، وتحويل ذواتهم إلى موضوع للمراقبة والألم بدل العقاب الجسدي كما يحدث في السحن التقليدي. وبالتالي فهي ليست فضاء لحرية الرأي والتعبير، خلافا للاعتقاد السائد، عربيا في الغالب.
توصي الدراسة بالاستمرار بالحملات الرقمية للكشف عن انتهاكات ميتا للمحتوى الفلسطيني والمطالبة بالعدالة الرقمية وتطبيق سياسات رقمية متوازنة تجعل من بناء تصنيف المحتوى العبري التحريضي أولوية، ومراجعة سياسات فيسبوك وتغذيتها الرقمية لخوارزمياتها بمشاركة فريق فلسطيني ودولي يعيد تقييم مسألة ما يسمى بالتحريض وخطاب الكراهية؛ والاستمرار بتوثيق وكشف انتهاكات ميتا للمحتوى الرقمي الفلسطيني بصفته تهديدا للهوية الرقمية الفلسطينية والسردية الرقمية للفلسطينيين، والتي يتم محوها من خلال عنصرية رقمية ولغوية وبصرية تهدف إلى طمس السردية الفلسطينية الرقمية ونزع فاعلية المؤثرين السياسيين الفلسطينيين والتعتيم على ما يحدث على أرض الواقع.
وكانت فلسطين شاركت - في الملتقى الذي ترأس جلساته رئيسة المعهد د. حميدة البور، ونخبة من أساتذة الاعلام والاتصال: د.سلوى الشرفي، د.سهام النجار، د.منصف اللواتي، د.عبد الكريم الحيزاوي، د. جمال الزرن، ونسق له علميا د. وليد حيوني ود. يسرى قزبار ، بثلاثة أبحاث تناولت إضافة إلى البحث الحالي حول قيود المحتوى الفيسبوكي على عمل المؤثرين الفلسطينيين، تحديدا السياسيين، بحثا حول استخدام مدققي المعلومات في فلسطين لتقنيات الذكاء الصناعي للحد من المعلومات المضللة والخاطئة في البيئة الرقمية للباحث بكر عبد الحق، والمبادرات الرقمية للتصدي لظاهرة اضطراب المعلومات زمن الذكاء الصناعي للباحث د. أحمد يونس، فيما تناول بحث رابع للجزائري د. نبيل شايب الشأن الفلسطيني وتضمن مقاربة سيميولوجية في بلاغة الخطاب الإعلامي للقضية الفلسطينية وتحديات الذكاء الصناعي، ضمن 28 بحثا وما يقارب 35 باحثا، من عدة دول أبرزها تونس والجزائر وعُمان ولبنان واليونان وفرنسا.