الضحك ...الأداة السحرية في الأوقات الصعبة
"الشخص الذي لا يتمتع بروح الفكاهة يشبه العربة بدون نوابض، تهزه أية حصوة على الطريق" (هنري وارد بيتشر)
القدرة على الضحك وبشكل متكرر هي مورد هائل للتغلب على المشاكل وتعزيز علاقاتك مع الآخرين ودعم الصحة الجسدية والنفسية، وأفضل ما في الأمر أن هذا الدواء الثمين ممتع ومجاني وسهل الاستخدام، وتقدم وفي مؤسسة الأنوف الحمراء فلسطين هذه الوصفة ذات التركيبة المميزة لمن يحتاجونها وبشكل احترافي مبني على منهجية علمية.
فمنذ عام 2010، بدأت مؤسسة الأنوف الحمراء فلسطين عملها في فلسطين كمؤسسة غير ربحية وكفرع من مؤسسة الأنوف الحمراء الدولية-فيينا، تهدف إلى تقديم خدمة التهريج الطبي من خلال طاقمها المتمرس من المهرجين الطبيين، الذين يساهمون في نشر الفكاهة والضحك بين الأطفال المرضى في المستشفيات وكبار السن في دور الرعاية والأطفال في المناطق المهمشة وفي أماكن اللجوء.
يقوم طاقم المهرجين بعمل زيارات دورية لأقسام الأطفال في المستشفيات ومراكز الرعاية للمسنين، 900 زيارة سنوياً في 13 مستشفى فلسطيني من القطاع العام و 7 دور رعاية للمسنين في الضفة الغربية والقدس، ومن منطلق ايمانها أن الضحك والفكاهة هو جزء أساسي في عملية تقبل العلاج، تسعى المؤسسة إلى نشر هذه الثقافة في المؤسسات الطبية والاكاديمية من خلال عقد تدريبات وورشات عمل عن أهمية الفكاهة في الرعاية الصحية لطلاب التمريض في الجامعات والطواقم الطبية في المستشفيات ، حيث أنجزت المؤسسة ما يقارب 8 ورشات حول الفكاهة في الرعاية الصحية خلال عام 2022.
يستمتع الأطفال المرضى خلال زيارة المهرجين الطبيين لهم في المستشفيات ويشعرون بسعادة غامرة، حيث تقول الطفلة ر.ك "أنا مريضة سرطان في مشفى المطلع بس أنا أحسن هلا وأحلى شيء بمرحلة علاجي هو المهرجين بالذات نقطة بنت بطة وسمسم أبو كعكة... بكل مرة بستناهم دقيقة بدقيقة لأضحك وأغني معهم، وبآخر يوم علاج الي اجو المهرجين واحتفلوا معي وكان يوم فرح".
يقول مدير قسم هدى المصري لأطفال مرضى السرطان، د. محمد نجاجرة "يمكن ملاحظة تأثير مؤسسة الأنوف الحمراء على الصحة النفسية والسلوكيات للأطفال المصابين بالسرطان، ويمكن ملاحظة التطور في تصرفاتهم عندما يرون المهرجين الطبيين ويبدأون في تقبل العلاج".
وتضيف إحدى أهالي الأطفال المرضى في مستشفى عالية الحكومي في الخليل، السيدة دلال دعنا " إن وجود مؤسسة الأنوف الحمراء في هذا المستشفى أو أي مستشفى آخر يوفر جودة أفضل للخدمة التي يقدمها المستشفى، علاوة على ذلك فإنه يحسن استجابة الأطفال في المستشفى تجاه عملية العلاج والطاقم الطبي."
ماذا تقول الأبحاث عن أثر التهريج الطبي؟
يعاني العديد من الأطفال من موضوع التكيّف مع بيئة المستشفى، فقد يؤدي الألم والارتباك وفقدان السيطرة والانفصال عن الأسرة المرتبط بالعلاجات الطبية إلى "الاضطراب الناتج عن الصدمات الطبية" عند لأطفال، والذي يمكن أن يكون له آثار طويلة المدى على الصحة البدنية والعقلية للطفل"
وعلى الرغم من الدراسات المحدودة حول تأثير التهريج الطبي على الأطفال المرضى وتقبلهم العلاج، إلا أن الأبحاث المتوافرة وتجربة مؤسسة الأنوف الحمراء فلسطين والانطباعات الإيجابية التي تتلقاها المؤسسة، تثبت أن التهريج الطبي له دور فعال ومباشر في تقبل عملية العلاج.
ففي دراسة عام 2005، وجدت لورا فاجنولي وزملاؤها أن الأطفال الذين ينتظرون الخضوع للتخدير كانوا أقل قلقاً بشكل ملحوظ إذا أمضوا 15 دقيقة مع المهرج الطبي." (Vagnoli et al, 2005)
ويمكن النظر إلى الفكاهة على أنها آلية مهمة لتنظيم المشاعر، فالمشاعر الإيجابية للمرح والفكاهة تحل محل المشاعر السلبية والشدائد، وبالتالي تمكين الشخص من التفكير على نطاق أوسع والمشاركة في حل المشكلات بطريقة ابداعية (مارتن، 2007).
ولا يقتصر تأثير التهريج الطبي على الأطفال المرضى بل أيضاً على البالغين وبالأخص كبار السن في دور الرعاية، حيث تشير الأبحاث أن مهرج الرعاية الصحية في دور رعاية المسنين يقلل من الأعراض السلوكية والنفسية المعتدلة إلى الشديدة للخرف، وخاصة الزهايمر، مما يشير إلى أن هذا النهج المسمى بتهريج كبار السن قد يكون أداة واعدة لتحسين رعاية مرض الزهايمر (Kontos et al. 2016)، وتشير نتائج الدراسات الحديثة إلى أن مهرج الرعاية الصحية مفيد لجميع الفئات العمرية.
حيث أن الفكاهة والضحك يعززان الصحة على مستويات مختلفة، مما يشير إلى أن الحفاظ على روح الدعابة الإيجابية قد يساعد في الحفاظ على صحة الجسم الأساسية ويعزز من آليات الشفاء
وفي عام 2020، أجرى باحثون من البرازيل وكندا مراجعة لـ 24 دراسة استكشفت تأثير المهرجين في المستشفيات على مجموعة من الأعراض (مجتمعة) في 1612 من الأطفال والمراهقين.
ففي 12 دراسة، أظهر المرضى الصغار الذين زارهم مهرجو المستشفى قلقاً أقل بشكل ملحوظ وتكيفاً نفسياً أفضل، أو أظهروا درجات منخفض من القلق، وكان هذا هو الحال في غرفة ما قبل الجراحة قبل الإجراءات المؤلمة وعندما تم تخديره، وفي 3 دراسات لتقييم الحالات المزمنة مثل السرطان، أدى تدخل مهرج المستشفى إلى انخفاض كبير في الإجهاد والتعب والألم والضيق، وفي دراستين، لوحظت فترة بكاء أقصر بشكل ملحوظ عند وجود المهرجين[1].
العلم يثبت أن الضحك هو أفضل علاج
يتفق الأطباء والعلماء إلى أن الضحك علاج ممتاز للأمراض، فالضحك يريح الجسم كله ويخفف التوتر الجسدي والإجهاد، وتترك العضلات مسترخية، كما أن الضحك يقوي جهاز المناعة ويزيد من الخلايا المناعية والأجسام المضادة لمكافحة العدوى وبالتالي يحسن مقاومتك للأمراض وليس هذا فقط، يؤدي الضحك إلى إطلاق مادة الإندورفين، وهي مواد كيميائية طبيعية تمنح الجسم الشعور بالسعادة، ويعزز الإندورفين الشعور العام بالعافية ويمكنه حتى أن يخفف الألم مؤقتاً.
والضحك يحمي القلب ويحسن الضحك وظيفة الأوعية الدموية ويزيد من تدفق الدم، مما يساعد على الحماية من النوبات القلبية ومشاكل القلب والأوعية الدموية الأخرى.
أما بخصوص فوائد الضحك على الصحة العقلية والاجتماعية، فالضحك يضيف الفرح والحماس إلى الحياة ويخفف القلق والتوتر ويحسن المزاج ويقوي العلاقات ويجذب الآخرين إلينا ويعزز العمل والترابط الجماعي ويزرع روح المحبة والتوافق بين الأفراد.
التهريج الطبي مصدر للدخل
التهريج الطبي مهمة عظيمة تنشر السعادة والأمل في قول الناس، وبنفس الوقت هي مصدر للمهرجين الطبيين وهذا النظام ينطبق في مؤسسة الأنوف الحمراء فلسطين التي تسعى من خلال برامجها في دفع دخل مقابل العمل لطاقم المهرجين الطبيين، حيث أن هناك برنامجان رئيسيان بدعم من الوكالة النمساوية للتنمية ومؤسسة دروسوس.
وخلال البرنامجان يتم تدريب الطاقم واعطاءه مناهج متخصصة وورشات تدريبية تقنية وفنية وورشات دعم نفسي ليستطيعوا العمل في أجواء مليئة بالإيجابية وبمقابل مادي معقول.
وهذا النظام قد يكون ملهماً للمؤسسات الأخرى التي ترغب في عمل شراكات في هذا المجال أو دعم هذه الفئة.
بعد الحديث عن أثر التهريج الطبي على المستفيدين، لا يمكن النكران أن التهريج الطبي اداه سحر لتغيير السلوكيات والنفسيات، فالتهريج الذي يهدف لنشر الفكاهة والضحك بطرق مدروسة ومهنية تراعي خصوصيات المستفيدين ونفسياتهم من أعظم المهام وأهميتها لا تقل عن أهمية الطبيب المعالج.
"التعاون مع مؤسسة الأنوف الحمراء فلسطين مهم جداً ونحن على توافق مع المؤسسة لأنها تقدم لنا الدعم المطلوب ونحن نعتبر عمل المهرج الطبي مهم جداً ولا يقل أهمية عن عمل الطبيب، لأنه يساهم في تسهيل عملية أخذ العلاج والتأقلم معها وتخفيف أوجاع المرضى." رئيس دائرة قسم الأطفال في مجمع رام الله الطبي، د.محمد قاسم.
تقدم المؤسسة برنامج الابتسامة المكثفة والذي يعنى بتقديم الدعم النفسي للأطفال المرضى قبل وبعد إجراء العمليات الجراحية، ويقوم البرنامج على التفاعل مع المريض بشكل مكثف ومتخصص لتسهيل تقبله العلاج، ومن خلال التجارب على مر السنين أثبت برنامج الابتسامة المكثفة أثره السحري على الأطفال المرضى.
رسالتنا مستمرة
على الرغم من الإمكانيات المحدودة إلان أن مؤسسة الأنوف الحمراء فلسطين تسعى دائما في الانخراط بالمجتمع وفعاليته لتقوية النسيج المجتمعي وتقديم مهمتها على أكمل وجه، فنحن نؤمن أن السعادة حق للجميع لهذا نقوم دائما باختيارات مختلفة مبنية على قيمنا وهي قيم الفرح والابداع والشجاعة والمصداقية والاحترام والتمير والمسؤولية.
فمسؤوليتنا استمرار عملنا وتقديم الاستفادة لأكبر قدر من شرائح المجتمع وذلك باستمرار الدعم من الجهات المختلفة.
تقول إحدى الأمهات "أنا ام طفل ع.ف يعاني من متلازمة ابرت، تعرفت على المهرجين الطبيين في مركز الأميرة بسمة، ومن الاشياء التي تجعلني ارغب بالذهاب هناك هو رؤية المهرجين الطبيين وفرحة التي أراها في ابني عند رؤيتهم."
هذه الرسائل والانطباعات هي ما تجعل طاقم مؤسسة الأنوف الحمراء فلسطين يعمل كخلية نحل ينشر السعادة في كل مكان وبين من يحتاجون للفرح.