سائق قطار خط حيفا درعا
المصدر: ألبوم عائلة نزار زهرة
سائق قطار خطّ حيفا درعا جنوب سوريا، في فترة الاستعمار البريطانيّ في فلسطين. وهو زكريّا حسين علي زهرة، المولود في عام 1885 في مدينة صفد، حارة القلعة تحديدًا.
في بداية القرن التاسع عشر من القرن الماضي، قدِم زكريّا إلى مدينة حيفا طالبًا الرزق؛ فبدأ العمل في سكّة حديد الحجاز، ثمّ تعلّم وحصل على رخصة قيادة القطار، ليصبح سائقًا في خطّ حيفا درعا. رغم مرور مئة وسبعة عشر عامًا على إنشاء فرع سكّة حديد الحجاز، بين حيفا ودرعا في جنوب سوريا، إلّا أنّ سجلّ العاملين والموظّفين، وتحديدًا سائقي القطار العرب في تلك الفترة، غير مكشوف.
بين فترة وفترة، كان زكريّا يتسلّم من إدارة القطار نظام عمل في بلدات مختلفة، فكان يضطرّ إلى نقل سكنه مع عائلته إلى البلدة الّتي يُعَيَّن فيها، ومن هذه البلدات مدينة نابلس، سكن هناك فترة من الزمن، ورُزِق بولديه محمّد ’عادل‘ وأحمد ’شؤون‘، والأخير هو والد نزار.
في أواخر الثلاثينات من القرن الماضي، تقاعد زكريّا من العمل؛ فعاد إلى مدينة حيفا ليستقرّ فيها؛ فشيّد بيتًا من أربعة طوابق في شارع ’رزائيل‘ 13، أبو بكر سابقًا، في حيّ الحليصة في المدينة، مسكنًا له ولأبنائه. تزوّج وسكن في هذا المبنى أبناؤه أحمد ومحمّد، وزهير. كان في ساحته الأماميّة حديقة كبيرة فيها الكثير من الأشجار المثمرة من ليمون وزيتون وتين وغيرها. وكان زكريّا يزرع الخضراوات وأحواض النعنع والبقدونس فيها. هذا ما سرده نزار في لقاءاتنا.
كان نصيب العائلة أن تعيش في بيتها أعوامًا معدودة قبل النكبة، قبل أن تشنّ عصابات «الهاغاناة» الصهيونيّة الحرب على حيفا في عام 1948. عندما اشتدّ الضرب على حيفا، وخاصّة على حيّ الحليصة، سرد نزار قائلًا: "جدّتي؛ والدة والدي، هربت، سيرًا على قدميها، من حيفا إلى عكّا. تركت العائلة أغراضها كما هي، من ضمنها راديو وأسطوانات وسجّاد عجميّ"، وهذه المقتنيات لها دلالة على ثقافة أهل البيت، وقيمتها المعنويّة والمادّيّة للعائلة. وأخبرني نزار: "بعد أيّام عدّة، ذهب جدّي زكريّا إلى البيت، وأخذ ما استطاع منه".
كان الجدّ زكريّا تابعًا للطريقة الشاذليّة اليشرطيّة؛ فعندما اضطرّ إلى الهروب القسريّ من حيفا لجأ إلى الزاوية الشاذليّة في مدينة عكّا، ليحتمي بها هو وعائلته؛ فكان النساء يحتمين في مكان منفرد من الزاوية. وآنذاك اعتقلت «الهاغاناة» الشباب، وكان من بينهم، يسرد نزار قائلًا: "والدي وأعمامي وشباب آخرون سُجِنوا أشهرًا عدّة". بعد النكبة، عند بدء نظام الحكم العسكريّ الاستعماريّ في عام 1948، فور استعمار إسرائيل البلاد، حصل الجدّ زكريّا على تصريح من الحاكم العسكريّ؛ لكي يستطيع السفر إلى حيفا لتفقُّد بيت العائلة في الحليصة. عندما وصل البيت وجده محتلًّا من مهاجرين قدِموا من بولندا، وفي طابق آخر من المبنى كانت مدرسة دينيّة توراتيّة ’يشيباه‘. وهكذا تُرِك البيت والأحلام والاستقرار؛ فالبيت أصبح ملكًا لشركة «العميدار»، وهي شركة قوميّة حكوميّة للإسكان في إسرائيل، تأسّست في عام 1949 لتوفير حلول سكنيّة للقادمين الجدد تحديدًا. الّذين استحلّوا البيت بعد الحرب مباشرة، وأصبح قانون حماية المستأجر يسري عليهم. بِيعَ البيت في الألفيّة من القرن الحاليّ، إذ لم يكن للعائلة صاحبة العقار سيطرة على صيانته من قِبَل المستأجرين، ولذلك اضطرّوا إلى بيعه. وقصّة هذا البيت تروي قصص آلاف البيوت المشابهة لمصيرها.