الواقع والمكافحة
حرب يتحدث لراية عن نتائج استطلاع "أمان" 2022 حول الفساد في فلسطين
تحدث الباحث الرئيسي في الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة "أمان" جهاد حرب، عن نتائج استطلاع الرأي العام السنوي الذي أطلقه الائتلاف، حول واقع الفساد ومكافحته في فلسطين لعام 2022.
وقال حرب لـ"رايــة" إن الاستطلاع السنوي يقيس انطباعات المواطنين ووعيهم حول واقع الفساد ومكافحته، موضحا أن استطلاع الرأي من أدوات البحث التي يستخدمها "أمان" لعملية فحص الفساد ومكافحته في فلسطين، كما التحقيقات الاستقصائية وغيرها.
وأضاف أن هذا الاستطلاع جرى على عينة تمثيلية للمجتمع الفلسطيني، موضحا أنه يحاول رصد التغييرات والتحولات على مدار السنوات الماضية، للقضايا التي يعمل في مجالها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة.
وأكد أن ائتلاف "أمان" سيواصل هذا العمل باعتباره أحد الأدوات التي تستخدم لفهم التطورات التي تحدث في مجال مكافحة الفساد وانطباعات ومواقف الفلسطينيين على اختلاف أماكن سكنهم والفئات العمرية فوق 18 عاما.
ونفذ "أمان" استطلاع للرأي العام الفلسطيني، في كلٍّ من الضفة الغربية (بما فيها القدس) وقطاع غزة، خلال الفترة الواقعة ما بين 10-16 أيلول/ سبتمبر 2022، بغرض رصد التغيّر في انطباعات المواطنين ووعيهم حول واقع الفساد ومكافحته.
معالجة تفشي الفساد تحتل الدرجة الثانية من حيث الأولوية لدى المواطن الفلسطيني
بحسب الاستطلاع، ما زال كلٌّ من القضايا الاقتصادية، وتفشي الفساد، وممارسات الاحتلال، وضعف سيادة القانون، واستمرار الانقسام، المشكلات الخمس الأساسية التي يعتقد المواطنون أنّها يجب أن تحظى بالأولوية لحلها، فقد احتل موضوع تفشي الفساد المرتبة الثانية بنسبة 25% بعد الأزمات الاقتصادية (28%).
ويعتقد المواطنون أنّ ضعف الالتزام بسيادة القانون، وغياب المجلس التشريعي والمؤسسات الرقابية، وعدم الجدية في محاسبة كبار الفاسدين، وضعف مؤسسات المجتمع المدني، إضافة إلى الاحتلال قد ساهمت جميعها في اعتقاد المواطنين بوجود فساد في فلسطين.
73% من المواطنين يرون أن أكثر الفئات المرتكبة للفساد هي من الفئات العليا
وأشارت نتائج الاستطلاع إلى أن 56% من المواطنين يرون أن مستوى الفساد في المجتمع الفلسطيني كبير، بينما يرى 73% من المواطنين أن أكثر الفئات التي ترتكب الفساد هي من الفئات العليا. في المقابل أظهرت نتائج الاستطلاع لهذا العام تحسناً في انطباعات المواطنين عن مستوى انتشار الفساد، حيث يعتقد 49% من المواطنين أن الفساد سيزداد مقارنة مع 59% في استطلاع العام الماضي.
ووفقا لتقرير هيئة مكافحة الفساد للعام 2021، نجد بأنّ عــدد الشــكاوى والبلاغات الــواردة للهيئــة خلال العــام 2021 الخاصة (بفئــات عليــا) بلغت (119) شكوى أي حوالـي13% مـن مجمـل الشـكاوى الـواردة للهيئـة، والتـي بلـغ عددهـا (886) شكوى.
المؤسسات الحكومية الأكثر عرضةً للفساد
يرى غالبية المواطنين المبحوثين في الضفة الغربية وقطاع غزة أنّ القطاعات الأكثر عرضةً للفساد في عام 2022 هي المؤسسات الحكومية (الوزارات، وأجهزة الأمن، والهيئات المحلية)، حيث ترى نسبة من 24% أن السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء والوزارات والهيئات العامة) هي الأكثر عرضة للفساد، ومن ثم تأتي الهيئات المحلية (البلديات والمجالس القروية) بنسبة 17%، ثمّ الأجهزة الأمنية بنسبة 16%، تليها السلطة القضائية (المحاكم والنيابة العامة) بنسبة 15%، ثمّ مؤسسة الرئاسة بنسبة 11%.
أما بالنسبة للوزارات والهيئات الحكومية ذات العلاقة المباشرة بتقديم الخدمات الأكثر عرضة لانتشار الفساد، فقد احتلت وزارة المالية المرتبة الأولى في هذا الاستطلاع برأي 14% من المبحوثين، تليها وزارة الصحة 13%، ثمّ وزارة التنمية الاجتماعية 12%، ثمّ المؤسسات الأمنية 10%، أما الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى، فلا تتعدى نسبة من يراها من المواطنين بأنها الأكثر عرضةً لانتشار الفساد 8% لكلٍّ منها.
ما زالت انطباعات المواطنين بوجود فساد في الجهاز القضائي مرتفعة
أشارت نتائج الاستطلاع للعام 2022 إلى أن انخفاض نسبة المواطنين المبحوثين الذين يعتقدون بوجود فساد في الجهاز القضائي عن العام السابق، إلّا أنَّ النسبة ما زالت مرتفعة حيث وصلت هذا العام إلى 68% من المستطلع آراؤهم.
يرجع هذا الاعتقاد الواسع لدى المواطنين لأسباب متعددة، منها طول أمد التقاضي، وضعف استقلال الجهاز القضائي، خاصة بعد القرارات بقوانين التي صدرت في السنتين الأخيرتين.
24% يرون أن جرائم الواسطة والمحسوبية هي أكثر أشكال الفساد انتشاراً
رأى 24% من المواطنين أنّ الواسطة والمحسوبية هي الجريمة الأكثر انتشاراً، تليها جريمة اختلاس الأموال العامة بالمرتبة الثانية بنسبة 23%، ثم جريمة إساءة الائتمان بنسبة 13%، ومن ثمّ جريمة إساءة استعمال السلطة بنسبة 12%، وبنسبة 10% جرائم الرشوة مقابل تقديم خدمة عامة، وغسل الأموال بنسبة 8%.
كما يعتقد المواطنون أنّ بعض الخدمات لا تُقدَّم بنزاهة عالية خاصة في مجالات التعيينات والترقيات في الوظائف العليا وكذلك الخدمات الصحية وتوزيع المساعدات الإنسانية ومنح التصاريح. حيث أشار 44% من المبحوثين الذين توجهوا إلى مؤسسات عامة لطلب خدمة خلال العام 2022 أنهم اضطروا للاستعانة بالواسطة للحصول عليها. وعلّل المبحوثون الذين مارسوا الواسطة بأنّ ذلك يعود إلى الرغبة في تقصير الوقت بعدم اتّباع الإجراءات البيروقراطية، والخوف من أن يأخذها شخص آخر غير مستحق لها بسبب الفساد، وثقافة المواطن الفلسطيني الذي لا يرى خطأً باللجوء للواسطة.
ارتفاع نسبة ممارسة جريمة الرشوة في العام 2022
فيما وصلت نسبة المواطنين الذين قالوا إنّهم أو أحد أقاربهم دفعوا أو أعطوا هدايا لموظف عام مقابل الحصول على خدمة عامة إلى 24% مقارنة بمتوسط نتائج الأعوام الثلاثة السابقة (18%)، مسجلة بذلك ارتفاعاً ملحوظاً عن السنوات السابقة.
ووفقاً لآراء عدد من المبحوثين فإنّ خدمات منح التراخيص والأذونات الرسمية أكثر عرضةً لانتشار الرشوة خاصة في قطاع غزة، فقد اعتبر 41% من المستطلعين أنّ خدمات منح التراخيص والأذونات الرسمية هي الأكثر عرضةً للرشوة، ويعود ذلك لضعف دخل بعض صغار الموظفين، وضغط الاحتياج، وانتهاز محدودية فرص المواطنين في الحصول على الخدمة، وعدم محاسبة الكبار، ما شجع بعض العاملين في قطاع الخدمات على طلب الرشوة.
المواطنون ما زالوا يعتقدون أنّ دور الإعلام في الكشف عن الفساد ضعيف
أظهرت نتائج الاستطلاع أن 85% من المواطنين يرون أنّ دور الإعلام الفلسطيني ضعيف أو متوسط الفعّالية في الكشف عن قضايا الفساد. في المقابل، يرى 59% من المواطنين أنّ الإعلام الرقمي (وكالات الإعلام الالكترونية والإذاعات والفضائيات عبر الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي) هو أكثر الوسائل الإعلامية فعالية في تسليط الضوء والكشف عن قضايا فساد حدثت في العام 2022، مقارنة بالإعلام المرئي بنسبة 17%، والإعلام المسموع بنسبة 15%، والإعلام المقروء بنسبة 6%.
دافعية المواطنين للإبلاغ ما زالت منخفضة بالرغم من إقرار نظام حماية المبلغين عن الفساد
بالرغم من إقرار نظام حماية المبلغين عن الفساد، إلّا أنّ أغلبية المواطنين (55%) ما زالوا يعتقدون أنّ المواطنين يعزفون عن الإبلاغ عن الفساد للأسباب التالي: عدم وجود حماية كافية للمواطنين المبلغين والشهود، وعدم وجود وعي كافٍ بمعنى الفساد وأشكاله، بالإضافة إلى عدم معرفة من هي الجهة المخوّلة باستقبال شكاوى الفساد، والخوف من الانتقام.
أغلبية واسعة من المواطنين يعتبرون أنّ الجهود المبذولة لمكافحة الفساد غير كافية
بيّنت نتائج الاستطلاع أن أغلبية واسعة من المواطنين (85%) ترى أنّ الجهود المبذولة لمكافحة الفساد غير كافية، ويعود ذلك إلى ضعف الشفافية في إدارة مؤسسات الدولة، وضعف الإرادة السياسية في مساءلة ومحاسبة الفاسدين، والعقوبات التي تطبَّقُ على مرتكبي جرائم الفساد غير رادعة، وافتقاد القدوة في التزام المسؤولين بقيم النزاهة والمحافظة على الموارد والمصلحة العامة.
المواطنون غير مقتنعين بفاعلية وكفاية جهود الجهات المكلّفة بمكافحة الفساد
وكشفت نتائج الاستطلاع أنَّ نصف المواطنين المبحوثين في الضفة الغربية غير مقتنعين بفاعلية وكفاية جهود الجهات المكلّفة بمكافحة الفساد، حيث أنهم ما زالوا يشكّكون باستقلاليتها بنسبة تصل الى 57%، ويعتقدون بوجود تدخّلات من قبل الأطراف السياسية المتنفذة. ويرى المواطنون أنّ رئاسة الوزراء، يليها مكتب الرئيس، ثم الأجهزة الأمنية، ومن ثم المحافظين ورؤساء البلديات، وقادة الأحزاب الأكثر تدخّلاً في عمل الجهات المكلّفة بمكافحة الفساد.
بينما (37%) من المواطنين المبحوثين في قطاع غزة ما زالت غير مقتنعة بجهود الجهات المكلّفة بمكافحة الفساد وكفايتها في القطاع، وما زالت نسبة من 47% تشكك باستقلالية الجهات المكلّفة بمكافحة الفساد، ويعتقدون بتأثّرها بأطراف السلطة الحاكمة في القطاع مثل الأجهزة الأمنية، والنائب العام، وأعضاء المجلس التشريعي، وقادة الأحزاب.
الجهات الأكثر تدخلا وتأثيرا على الجهات المسؤولة عن متابعة قضايا الفساد حسب رأي المواطنين
تظهر نتائج الاستطلاع أنَّ الجهات التي تتابع قضايا الفساد (هيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة المالية والإدارية في الضفة الغربية، ونيابة مكافحة الفساد وجرائم الأموال وديوان الرقابة المالية والإدارية في قطاع غزة)، تواجه في ممارسة دورها تدخلات وتأثيرات من قبل أطراف وجهات مختلفة، مثل مكتب الرئاسة والأجهزة الأمنية وقادة الفصائل في الضفة الغربية، و(حماس) بشكل خاص في قطاع غزة، الأمر الذي قد يؤدي إلى ضعف ثقة المواطنين في الضفة وغزة بالجهات المسؤولة عن متابعة قضايا الفساد.
وبحسب ائتلاف "أمان"، على الرغم من التحسّن في تقديم الخدمات وآليات وإجراءات العمل في مؤسسات الدولة الفلسطينية خلال السنوات الماضية، إلّا أنَّ نتائج الاستطلاعات في السنوات الأخيرة حول انطباعات المواطنين ومواقفهم تجاه الفساد ما زالت مرتفعة؛ وقد يعود ذلك إلى سياسة عدم الانفتاح التي تنتهجها السلطات الحاكمة في الضفة والقطاع حول الإجراءات المتّخذة لمكافحة الفساد، وإلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي التي تعجّ بالأخبار والتعليقات دون وجود آلية للتحقّق من مدى دقّة هذه المعلومات ما يثير حساسية عالية لدى الجمهور الفلسطيني.
ووفق "أمان"، يزداد هذا الأمر بالنسبة للحكومة في الضفة الغربية بسبب ضعف الثقة بها والتذمّر المتزايد حول أداء الطبقة السياسية، وتحميلها المسؤولية عن عدم إجراء الانتخابات التشريعية، إضافة إلى الشعور العام لدى المواطنين بضعف مؤسسات النظام السياسي، الأمر الذي أثّر على مدى رضا المواطنين عن أداء مؤسسات الدولة.