ما الذي يجعل من اللاعب الفلسطيني لاعباً مميزاً؟
كتبت دينا السلامين:
نحن منحازون بشكل أو بآخر لحبّ الوطن، ترانا نأكل زيته وزيتونه لنستذكره في صباحنا، ونرفع علمه على جبيننا أينما حللنا، وندندن أغانيه التراثية في مسائنا... تَعرفنا دون أن نُعرف عن هويتنا، هو موجود في وجوهنا، وحديثنا، وردائنا، هو مأوى طفولتنا، وبيت شيخوختنا، فكيف لكم ألا تعرفونا؟
ترى ألوان علمه مرسومة على خد طفل في الثالثة، وترتدي ثوبَه المطرز شابة في العشرينات، أما كوفيته فتراها على رأس شيخ بات همّ عودته لوطنه منذ أكثر من 70 عام.
وأجمل الصور التي يمكن أن تراها للاعب فلسطيني يحتفل بفوزه على حلبة المنافسة وهو يشد بقبضة يده اليمنى علم بلاده، وفي يساره ميدالية الفوز العظيم.
الإصرار...
نذهب في تقريرنا الى جنوب فلسطين، تحديداً محافظة غزة المحاصرة، التي أصيب بها لاعب كرة قدم في نادي الشاطئ، برصاصة في قدمه أدت الى بترها، وتوقف حياة اللاعب الرياضية فجأة دون مقدمات.
حسام أبو سلطان 29 عاماً قال: "كنت أحلم إلى جانب النادي الذي أنتمى إليه أن نكون في المرتبة الأولى على غزة"، إلى أن خرجت رصاصة من بندقية جندي إسرائيلي، أفقدته قدمه.
في العشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018، انقلبت حياة حسام رأساً على عقب، توقفت حياته الكروية والدراسية والاجتماعية، وتدحرجت أحلامه بعيداً مع آخر ركلة له لكرة القدم بقدمه اليمنى.
"لم أعد أطيق الخروج من غرفتي، كيف سأواجه العالم الخارجي؟ وكيف سيكون شكلي أمامه دون هدف أسعى اليه؟ كنت دائماً أذهب للملعب وأجمع الميداليات والكؤوس مع النادي، أما الآن، فأنا لا شيء!".
في وطني ليس هناك ما يعزيك سوى إصرارك على البقاء والقتال من أجل الحياة، نُصِرُ دائما على الوصول، وتحقيق ما نريد من أجل أن يبقى اسم الوطن عالياً.
لم يقف حسام عاجزاً أمام مصابه مطولاً، واعتبر أن من واجبه تجاه وطنه أن يقدم له كل ما يستطيع، وأن يكمل الطريق، فقرر الانضمام لـ"جمعية فلسطين لكرة القدم البتر" والعودة للملعب الأخضر والتدريب مجدداً.
شارك حسام مؤخراً في بطولة كأس العالم للمبتورين، إلا أنه لم يستطع التأهل إلى جانب فريقه للنهائيات، لضعف الإمكانيات الدولية، لكن اليأس لا مكان له.
مستمرون في العطاء، "إن لم نحظ بالفوز هذه المرة، سيكون حليفنا حتماً في المرات القادمة"، هذا ما عبر عنه حسام متأملاً الوصول لكأس العالم وخوض غمار التجربة مرة أخرى، بوجود جمهور كبير يهتف باسم فلسطين.
الهدف...
ومن قلب فلسطين النابض دائماً بالحياة، نتحدث عن مدرب المواي تاي أحمد أبو دخان، من مدينة رام الله، والذي ألهمني للكتابة مجدداً، حين رأيته يحفز لاعبيه الذي يشرف على تدريبهم للفوز من أجل فلسطين.
اطلعت على حسابه الخاص في موقع فيسبوك، فرأيت عباراته التي يكتبها في كل منشور له لتشجيع اللاعبين على القتال من أجل الفوز مرة تلو مرة. وجاءت عباراته:
"معكم الكابتن أبو الدخان في إنجاز رياضي جديد لفلسطين التي نحب"، قالها في خبر نشره بعد مشاركة لاعبيه في بطولة العالم للمواي تاي وبطولة العالم للأندية وحصدهم للميداليات الملونة.
وحين تمكن اللاعب الدولي أحمد هلال من الفوز بالميدالية الذهبية في البطولة نفسها، قال: "بدنا نقول للسوبر شكراً لإنك دايماً مخلي فلسطين بالمركز الأول".
المواي تاي أو كما يعرفها الكابتن أبو دخان، "عالم المواي تاي الفلسطيني"، رياضة ليست بالقديمة في فلسطين، لكنها استطاعت أن تسجل أرقاماً قياسية، فما الخلطة السحرية التي اتبعها المدرب؟
قال أبو دخان إن "جل اهتمامه في تدريب اللاعبين هو التركيز على النواحي النفسية والاجتماعية للاعب"، واعتبر أن من واجبه على اللاعبين زرع القيم الوطنية والاجتماعية والنفسية فيهم، من أجل إنتاج جيل مثقف، متزن ومحب، هدفه الأول فلسطين.
"أنا أساهم في بناء لاعب قادر على تمثيل البلد بالطريقة التي نحب أن نرى فلسطين بها".
نحن لا نكتسب حب الوطن، بل يولد معنا بالفطرة، فترى بين أسماء الشهداء الصحفي والطبيب والمعلم والفيلسوف واللاعب، هذا أسمى ما يمكن أن نقدمه للوطن.
من هنا شعر أبو دخان بالعجز أمامهم، وأمام وطنه، فتساءل ما الذي يستطيع أن يقدمه لهم؟ وما الدور الذي يمكن أن يلعبه في سبيل النضال؟
وقال: "وجدت من خلال الرياضة أنني أستطيع لعب دور وطني واجتماعي من خلال تأثيري على اللاعبين وبالتالي المجتمع ككل، نحن دائما نتأقلم مع الواقع الموجود ونخلق إبداعا من هذا الواقع ولا نستسلم أبداً".
يضيف أبو دخان أن فلسطين تواجدت في العديد من المناسبات والأنشطة والأحداث الرياضية وغير الرياضية، لأن الناس تراهم كمؤثرين ليس فقط كلاعبين، وهذا ما يزيد من المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فترى الجمهور يهتف ويصفق بفخر وحب عند ذكر اسم فلسطين في مشاركات اللاعبين الدولية.
وأكد: "رسالتي الأهم هي أن الفلسطيني حي، الفلسطيني مبدع، الفلسطيني رغم كل الظروف قادر على تحقيق إنجاز تلو إنجاز".
من النهر إلى البحر، هذا ما يسعى للوصول إليه أبو دخان من خلال المواي تاي، نشر اللعبة في أنحاء الوطن دون حواجز من رأس الناقورة شمالاً حتى النقب جنوباً.
هنا يكمن دور اللاعبين في تجهيزهم لأن يكونوا مدربي مواي تاي في المستقبل، كلٌ في منطقته حتى يتم نشرها في كل أنحاء الوطن، وهذا ما يدفع الاتحاد إلى التمسك بكل اللاعبين وتطويرهم.
"الوفد ككل يحقق إنجازا"، جملة أكد عليها أبو دخان خلال حديثي معه، قال لي إن فلسطين لا تكون موجودة فقط بعلمها وكوفيتها، نحن نفرض وجودها أيضاً من خلال الوفد الذي يمثلها، فإن لم يحالفه الحظ بالفوز، يكون قد ترك بصمة لفلسطين برقيّه وثقافته ورتابته، وتعامله ووعيه وعكس الصورة التي ينشأ عليها الفلسطيني للعالم أجمع.
ذكر أبو دخان الحوار الذي يدور بين الجمهور واللاعب فقال: “عندما يحقق أحد اللاعبين إنجازا مهما، يتم سؤاله من أي بلد أنت؟ حققنا إنجازات مهمة لفلسطين، وجاوبنا على السؤال بكل فخر: "نحن من فلسطين"، اسمها يسبق اسمنا دائماً، نحن من أجلها متواجدون، ومن أجلها أصبحنا منافسين أقوياء نكسب النزال".
"لاعبو فلسطين أصبحوا أقوياء جدا ونشكركم على هذا المستوى"، هذا ما قاله مدرب المنتخب الروسي لأبو دخان، والذي اعتبره الأخير إطراء مهما جداً لتاريخ المواي تاي الفلسطيني، كون روسيا من الدول القديمة وصاحبة تاريخ قوي في هذه اللعبة.
طريقة أبو دخان في متابعة لاعبيه وتحفيزهم أسفرت خلال الفترة الأخيرة عن حصد ميدالية ذهبية مسجلة عن طريق اللاعب أحمد هلال، فئة 86 كغم، بعد فوزه على منافسيه اللبناني والإيراني والكرواتي، في بطولة العالم للجامعات بألعاب الفنون القتالية، في مدينة سامسون التركية، ليرتفع بعدها النشيد الفلسطيني للمرة الأولى على منصة التتويج بالاتحاد الدولي.
كما حققوا 3 ذهبيات و3 فضيات و8 برونزيات، في بطولة العالم للمواي تاي وبطولة العالم للأندية لفئات عمرية مختلفة، والتي أقيمت في العاصمة الماليزية.
الحلم...
إلى الشتات، من أزقة مخيم "المية ومية" الفلسطيني في لبنان، حكاية فتاة فلسطينية فتحت الطريق أمام فتيات مخيمها لدخول عالم الرياضة، منذ أن قررت الاندماج في عالم الألعاب القتالية عام 1990.
عبير حسن تحدثنا عن شغفها في إدماج المرأة الفلسطينية في المخيمات بالرياضة، وإنشاء لاعبات قادرات على المنافسة في المحافل الدولية من أجل فلسطين.
انضمت عبير لعالم الرياضة عبر بوابة الألعاب القتالية، لكن عدم وجود أندية داخل المخيمات، اضطرها للعب خارجها، فاحترفت الكيك بوكسينج، المواي تاي، ولعبت التاي بوكس، لعدم وجود لاعبات فلسطينيات في مخيمات لبنان.
"لعبت أكثر من لعبة من أجل فلسطين"، كان الهدف من دخولها عالم الألعاب القتالية واحتراف أكثر من لعبة هو تدريبها للفتيات في المخيم وإنشاء الفرق الرياضة لكل لعبة، فحصلت على دورات تدريبية وقتالية من أجل أن تكون ملمة بالقوانين والأساسيات.
ثم انتقلت عبير لمرحلة توعية وتثقيف أهالي المخيم بأهمية الرياضة، وأهمية انضمام الفتيات لها، وأن النادي هو بيتهم الثاني، والسماح لهن باللعب في سبيل تمهيد الطريق للرياضة النسوية في المخيمات.
"عملتُ بجد من أجل أن أخرج الفتاة الفلسطينية من قوقعة المخيم ودمجها في عالم الرياضة، وأن تكون فعلاً نصف المجتمع ليس بالقول فقط".
إن الارتقاء بالمستوى العام للرياضة النسوية وخلقها وتشجيع الفتيات في المخيم للانضمام لهذا العالم لم يكن سهلاً، لكن هدفي في إعلاء المرأة الفلسطينية وضرورة تواجدها في كافة مناحي الحياة كان الأهم، كما تقول عبير.
حققت عبير حلمها، وافتتحت مقرا رياضيا نسويا في المخيم عام 2018، يضم عددا من الألعاب القتالية بمساعدة مدربين آخرين، وأنشأت فرقا نسوية قادرة على المنافسة الدولية باسم فلسطين.
ثم أصبحت مدربة "أيروبيك" للفتيات بالأندية النسوية في المخيم، بالإضافة للكيك بوكسينج، وتاي بوكس، وأنشأت فريق كرة قدم نسويا سمي بـ"نادي صفد النسوي" عام 2007، والذي يعتبر النادي الأول على الساحة اللبنانية.
كما تسعى حالياً لتطوير كرة القدم النسوية، ودمج المدارس مع الأندية، وتشجيع الأندية على ضم الفتيات وتطويرهن وإشراكهن بالبطولات.
وعلى الرغم من العوائق التي يعاني منها اللاعب في المخيمات، بحيث لا يملكون الحق في تشكيل منتخب، إلا أن عبير استطاعت عمل تجمع للفتيات، أشبه بالمنتخب، تهتم بتدريبه من خلال أشخاص حاصلين على شهادات تدريب، وقادرين على قيادة الفريق فنياً.
"نفسي أمثل فلسطين مع فتيات المخيم في أي محفل دولي أو محلي، المهم أن يرفع علم فلسطين، لأني أشعر دائماً أن لا أحد يعرف بوجود موهوبين رياضيين من فئة البنات في المخيمات".
في الختام، لا يسعني القول سوى أن رغم ما يمر به اللاعب الفلسطيني من ظروف، تعكر صفو حياته، كالاقتحامات المتكررة للملاعب، واعتقال اللاعبين، وإصابتهم بالرصاص، وتقييد حركتهم ومشاركاتهم الدولية، إلا أن هذا يزيد من إصرارهم.
فآخر الأخبار حتى هذه اللحظة التي أكتب فيها تقريري، تسفر عن إصابة لاعب كرة قدم "محمد رجب" البالغ من العمر 16 عاماً في ظهره، أمام زملائه في ملعب حي الشيخ جراح بالقدس، من قبل جندي إسرائيلي اقتحم الملعب إلى جانب فرقته العسكرية، ووجه بندقيته نحو محمد، بتاريخ 22.10.2022، فأصابه.
نحن نترك خلفنا كل ما قد يعكر صفونا، الحواجز الاسمنتية التي وضعوها، وتقييدهم لحريتنا في الحركة، والحرب النفسية التي يمارسونها ضدنا لم تكن يوماً عائقاً أمامنا للفوز وتحقيق الإنجازات الرياضية الدولية، فالهدف واضح والرسالة واضحة.