رئيس بلدية نابلس: اغلاق المقابر المكتظة بحاجة إلى قرار جريء
أصبحت معضلة دفن الموتى في مدينة نابلس ظاهرة تؤرق السكان، بعد الاكتظاظ الشديد في المقبرتين الرئيستين الشرقية والغربية، والصعوبة في ايجاد مكان لحفر قبور جديدة؛ ما جعلهم ينبشون قبورا قديمة ويدفون أقاربهم فوق أناس مقبورين منذ سنوات، حسب درجة القرابة بينهم وحسب ما تسمح به الشريعة الإسلامية.
بعضهم أجّل ساعة الدفن حتى يتم العثور على قبر مناسب وتجهيزه، من كثرة الاكتظاظ، ولقلة المساحات المتوفرة في أرض المقابر؛ رغم تخصيص قطعة أرض بالقرب من بلدة بيت فوريك شرق نابلس مع بداية عام 1999، إلا أن أهالي بلدة بيت فوريك يرفضون الدفن فيها، وكذلك أهالي نابلس؛ لاعتبارات عدة.
بلدية نابلس مسؤولة عن 11 مقبرة في مختلف أرجاء المدينة، من أصل 17، أكبرها الشرقية والغربية المخصصتان لغالبية عائلات نابلس، إضافة إلى مقبرة خلة العامود، التي اعتاد الأهالي زيارتها في أيام الجمع والمواسم والأعياد.
يتساءل الكثيرون ما الحكم الشرعي لدفن الموتى فوق بعضهم؟، وهل يجوز نبش أو فتح القبور بعد سنوات؟، وما هي الحلول التي يمكن طرحها لحل مشكلة اكتظاظ القبور من قبل الجهات المختصة؟ أو حتى الاهمال الذي تشهده من قلة النظافة والتنظيم؟ والكثير من الأسئلة التي سيجيب عنها هذا التحقيق.
أكثر من 83 ألف يورو لصيانة وتنظيف المقابر في نابلس
في الآونة الأخيرة أطلقت بلدية نابلس مشروعا لصيانة وإعادة تأهيل عدد من المقابر في نابلس، وإزالة كميات كبيرة من الأتربة والحشائش المتراكمة.
وجاء المشروع بتمويل من صندوق وتطوير وإقراض الهيئات المحلية، بقيمة 83.500 ألف يورو، انجزت خلال مرحلته الأولى عمليات التنظيف وعمل ممرات اسمنتية بين القبور في بعض المقاطع لتسهيل حركة زوار المقبرة، إضافة إلى استدراج عروض لوضع أعمدة إنارة داخلها، حسب ما أكده رئيس بلدية نابلس سامي حجاوي.
وحسب قانون الهيئات المحلية الفلسطينية رقم (1) لسنة 1997، فقد تناولت المادة رقم (15)، صلاحيات الهيئات المحلية "بإنشاء المقابر وإلغائها وتعيين مواقعها ومواصفاتها ونقل الموتى ودفنهم وتنظيم الجنازات والمحافظة على حرمة المقابر بالتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة".
قصة مقبرة بيت فوريك
في عام 1999 جرى إنشاء المقبرة القريبة من مدخل قرية بيت فوريك؛ ودفن أول الموتى في عام 2006 إلا أن أهالي البلدة رفضوا ذلك بعد فشل إنشاء مشاريع حيوية وتطويرية فوقها كما كان مقررا من استاد رياضي أو مستشفى؛ والهدف الأساسي هو العمل على بناء وتطوير المنطقة وليس تحويلها لمقبرة، حسب ما أكده عبد الباسط حنني نائب رئيس بلدية بيت فوريك آنذاك.
ويجمع المتحدثون في هذا التحقيق على أن الموروث الثقافي والعادات والتقاليد لدى أهالي مدينة نابلس، كانت سببا آخر في رفض دفن موتاهم في تلك المقبرة؛ بسبب بعدها عن مركز المدينة، ووصايا البعض بدفنهم فوق أو بجانب أقاربهم.
اغلاق المقابر المكتظة بحاجة إلى قرار جريء
أكد رئيس بلدية نابلس سامي حجاوي، أن اتخاذ قرار بإغلاق المقابر الحالية خاصة المكتظة منها، بحاجة الى جرأة وتوافق من قبل الجميع.
وقال حجاوي في حديث لـ "وفا"، إن المقابر أصبحت مكتظة خاصة الشرقية، والأهالي أصبحوا يدفنون موتاهم بعضهم فوق بعض، بحسب ما يسمح به الشرع؛ ومؤخرا اكتشفت حالة مخالفة.
وأضاف، "أصبحت الناس تدفن الموتى في الممرات المخصصة للمشاة، وهناك توجه لتنظيم بناء القبور بواسطة مقاول مختص؛ لتكون موحدة في اجراءات الدفن".
وتابع حجاوي: إن "المجتمع في نابلس غير متقبل لفكرة نقل الدفن إلى مقبر بيت فوريك قبل تقسيمها وبيع جزء منها للعائلات وتخصيص جزء آخر للصالح العام".
وشدد على أن هناك حاجة لتفعيل اجراءات الرقابة على بناء القبور وازالة الحجارة وما ينتج عن الحفر.
الحكم الشرعي لنبش القبور القديمة
قال المحاضر في كلية العلوم الإسلامية في قلقيلية التابعة لوزارة الأوقاف الشيخ أحمد أسعد شرف، "نتلقى يوميا اتصالات وأسئلة حول دفن الموتى والحكم الشرعي لفتح قبور قديمة؛ بسبب قلة المساحة واكتظاظ المقابر".
وأضاف في حديث لـ"وفا"، أن "الأصل من الناحية الشرعية أن يكون لكل متوفى قبر منفصل، وهذا تكريم له؛ كون حرمة الميت كحرمة الحي، والأصل أن لا ينبش القبر إلا لضرورة أو لحاجة ماسة، وإذا لم يكن هناك مساحة كافية ننتقل إلى الخيار الثاني هو البحث عن قبور مضى عليها وقت، ولم يتبق فيها شي من آثار الميت السابق إلا "عظمة العصعص".
وتابع شرف: "في حال لم يتوفر قبر مضى عليه وقت طويل، نلجأ لخيار الثالث بفتح قبور المحارم؛ كدفن الابن فوق والديه، الزوجة فوق زوجها، حسب الشرع مطابقا للشروط، بعد مضي ما يقارب سبع سنوات على القبر وتحلل الجسد".
وأشار الى أن ايجاد مساحات خاصة للقبور داخل المدينة أو خارجها، هو أحد الحلول، موضحا أن أهالي نابلس يرفضون الدفن في مقبرة بيت فوريك؛ بسبب ثقافة الناس التي لا تريد الدفن خارج المدينة فهم معتادون زيارة القبور في أيام الجمع وفي الأعياد والمناسبات خاصة أنها قريبة منهم.
وشدد شرف على ضرورة تغيير ثقافة وموروث أن بعض العائلات تعتبر القبور ملكا لها، والأصل في المقابر أنها وقف عام وليس ملكا خاصا، إلا إذا اوقفتها العائلة المتبرعة بالأرض لها.
وقال: "طرحت مقترحا بحفر القبور على عمق أكثر كحل مؤقت ودفن الموتى على مستويين وهذا لا لبس فيه وهو جائز شرعا، وتوعية الناس بالدفن خارج المدينة أو ايجاد مساحات داخل المدينة والتوعية بأحكام الجنائز والرقابة على آلية حفر وبناء القبور والالتزام بمساحتها حتى لا نعيق دفن اشخاص آخرين لدفنهم، دون الاعتداء على مساحات أخرى".
شكاوى كثيرة حول اكتظاظ المقابر وقلة نظافتها
الاعلامي ومقدم البرامج في إحدى الاذاعات المحلية، سامر خويرة، أكد أن الكثير من المناشدات والشكاوى تصل البرامج حول قلة النظافة وتراكم الأتربة والحجارة جراء علميات الحفر سواء للقبور القديمة أو الجديدة، ما يتسبب في اعاقة حركة الناس.
وقال: "من شدة الاكتظاظ بعضهم يدفن في الممرات".
وتساءل خويرة لماذا لا تشغل الاموال التي تدفع كثمن للقبور في صيانة وترتيب المقابر وتحسين الخدمات فيها، وأن يكون هناك قرار بإغلاق المقابر الحالية وفتح أخرى جديدة"، مؤكدا أن الاعلام له دور في توعية الناس بإزالة المخلفات والتنظيف، والتشجيع على الدفن في اماكن جديدة.
حفر 179 قبرا جديدا ونبش 160 منذ بداية العام
أكد مدير دائرة الخدمات الصحية في بلدية نابلس نضال منصور، أنه منذ بداية عام 2022 حتى نهاية شهر أيار، جرى حفر 179 قبرا جديد، وحفر 160 قديما، في حين أن عام 2021 شهد حفر 336 قبرا جديدا، وحفر 315 قديم، وخلال العام 2020 جرى حفر 269 قبرا جديدا، وحفر 288 قديما، في المقابر الرئيسية الثلاث وهي (الشرقية، والغربية، وخلة العامود).
وذكر أن البلدية من خلال شعبة دفن الموتى القائمة على ادارة وتنظيم عملية الدفن، مسؤولة عن 11 مقبرة داخل مدينة نابلس ما بين اسلامية ومسيحية، وتعد المقبرة الشرقية أكبرها مساحة والتي تصل إلى 39 دونما، وتليها الغربية التي تصل مساحتها لـ20.5 دونما، وتصل مساحة مقبر خلة العامود الى 6.5 دونما.
وقال منصور: "إن هناك تعليمات بعدم فتح القبور الا من قبل اقرباء درجة أولى للمتوفى تفاديا للمشاكل العائلية الداخلية؛ بسبب بعض الاشكاليات والحرج الاجتماعي بين العائلات وتداخل ما بين مواقع الدفن؛ كون كل عائلة تخصص لنفسها مساحة داخل المقبرة، رغم انها وقف للبلدية".
وأضاف، خلال الخمس السنوات الماضية تم فتح 1530 قبرا قديما، فيما جرى حفر 1457 قبرا جديدا بذات الفترة في المقابر الثلاث، مشيرا إلى الاكتظاظ في المقبرة الشرقية كون مساحتها الاكبر، وتم دفن 1774 متوفى داخلها خلال الخمس سنوات الماضية بالمقابل 1003 في المقبرة الغربية، و307 حالة وفاة في مقبرة خلة العامود.
وتابع منصور: " لدينا رؤية في ايجاد منطقة جديدة لتكون مقبرة، بعد رفض المجتمع التوجه نحو مقبرة بيت فوريك التي كانت معدة للدفن بمساحة تقدر بـ 99 دونما"، موضحا أن تعهدات واقرارات يتم توقيعها من اهل المتوفى، تقضي بإزالة جميع ما يتراكم من أنقاض أو حجارة تالفة أو اية مخلفات اخرى قد تنتج عن حفر او بناء القبر، وتكلفة فتح القبر القديم 300 شيقل وحفر جديد بتكلفة 400 شيقل.
بخصوص بعض الاقتراحات بتعميق القبور، قال: "هذه بحاجة الى خبراء فنيين لتحديد ذلك خاصة أن عمليات الحفر خاصة في القديمة منها تكون بطريقة يدوية".
إذا الاكتظاظ الذي تشهده مقابر نابلس الرئيسية الثلاث، ناتج عن قلة المساحة المتبقية فيها، وعدم التزام البعض بإزالة ما ينتج عن حفر القبور سواء القديمة أو الحديثة من انقاض وحجارة، ما شكل عائقا واحتل مساحات اخرى، إضافة الى الموروث الثقافي لدى اهالي نابلس بدفن الموتى فوق بعضم حسب الشريعة الاسلامية، ورفضهم التوجه الى مقابر جديدة خارج المدينة.